- دنيا ياسر
- 61 Views
كتب: محمد صادق جمشیدی
ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
في شهر رمضان عام 2024، عرضت قناة DMC المصرية المسلسل التلفزيوني “الحشاشين” من إخراج بيتر ميمي، وهو عمل استغرق إنتاجه عامين وبلغت تكلفته أكثر من 12 مليون دولار.
هذا المسلسل أثار منذ الإعلان عنه- بل قبل عرضه- موجة واسعة من التحليلات والانتقادات. فبينما اعتبره البعض مشروعا يستهدف الحركات الإسلامية السياسية مثل جماعة الإخوان المسلمين، رأى فيه آخرون عداء للتشيع أو على الأقل لفئة معينة من الشيعة. من مصر إلى إيران، عُقدت العديد من الندوات النقدية حول المسلسل، وأُنتجت نصوص ومقالات كثيرة تناولته بالنقد والتحليل.
الشخصية المحورية في مسلسل “الحشاشين” هي شخصية حسن الصباح، الثائر الذي ينتمي إلى المذهب الإسماعيلي. وقد حُبكت حول شخصيته روايات كثيرة في التاريخ، وهي وإن كانت قصصية في ظاهرها، إلا أنها لا تتعارض مع الطابع الغامض لمنهجه وسلوك أتباعه في الواقع.

وقبل ذلك، قامت شركة الألعاب العالمية “يوبي سوفت” منذ عام 2007 وحتى 2016 بإصدار ثمانية أجزاء من لعبة الفيديو الشهيرة Assassin’s Creed المستوحاة من حكاية الحشاشين، والمخصصة لأحدث أجهزة الألعاب، وجميعها حققت مستويات عالية من الجودة، وحصلت على تقييمات تراوحت بين 72 و91 على موقع Metacritic.
ويبدو أن هذه الظاهرة ساهمت في تعريف العالم بظاهرة الحشاشين، حيث لم يكن غالبية الشباب- حتى في الدول الإسلامية- قد سمعوا من قبل بهذه الجماعة أو بمعتقداتها. ورغم أن القصة في اللعبة خيالية بالأساس، ولا تمت إلى حسن الصباح أو المذهب الإسماعيلي بصلة إلا من خلال الأسماء، إلا أنها جذبت الأنظار بفضل خيال كتابها المبدع.
لكن حبك القصص حول حسن الصباح وقلعة الموت والحشاشين لا يقتصر على يوبي سوفت، بل له جذور عميقة في الأدب الفارسي، ويعاد طرحه في مسلسل “الحشاشين” المصري. ومن أبرز هذه القصص، تلك المتعلقة بتعاطي المخدرات وخداع الأتباع عبر خلق جنة وهمية داخل قلاع الإسماعيلية، وهي حكاية لا تستند إلى مصادر تاريخية دقيقة. وهذه الرواية نُقلت أول مرة من قبل الغربيين، وهناك ثلاث فرضيات مختلفة حول أصل هذه الرواية:

في الأدبيات العامة في العالم الإسلامي، كان يُستخدم هذا التوصيف للإساءة إلى أتباع حسن الصباح أو تصويرهم كأشخاص دونيين، وقد أخذها الكُتاب الغربيون على محمل الحقيقة.
كما عُرض في المشهد الافتتاحي للمسلسل، فإن الغربيين – عند مشاهدتهم لسلوكيات التضحية والانتحار التي قام بها أهل قلعة الموت وولائهم المطلق لحسن الصباح – لم يجدوا تفسيرا سوى تعاطي الحشيش، نتيجة لعدم معرفتهم بمدى قوة الإيمان والعقيدة.
فمن وجهة نظرهم، لا يمكن للإنسان أن يحب الموت أكثر من الحياة إلا إذا كان مجنونا أو تحت تأثير المخدرات، في حين أن هذه الروح موجودة في المجاهدين المسلمين منذ صدر الإسلام حتى اليوم.
سكان القلعة كانوا بالفعل يتعاطون الحشيش.
لكن الحُكم بين هذه الفرضيات يتطلب أدلة تاريخية أو أثرية موثقة، مع أنه من الممكن العثور على شواهد تدعم أيا منها.

ضريح الخيام في نيشابور – خراسان – إيران
ومن الحكايات الأخرى التي نُسجت حول حسن الصباح وأتباعه، هي قصة صداقته القديمة مع عمر الخيام ونظام الملك.
عمر الخيام هو عالم رياضيات وفيلسوف وفلكي وشاعر إيراني وُلد في القرن الخامس الهجري في نيشابور. شهرته في الغرب تعود إلى محتوى أشعاره، أما في إيران والعالم الإسلامي، فيُعرف بالإضافة إلى رباعياته، بإسهامه في وضع التقويم الشمسي.
في نحو الثلاثين من عمره، استُدعي إلى أصفهان من قبل السلطان جلال الدين ملكشاه ووزيره نظام الملك، وهناك، وضمن فريق بحثي، نجح في وضع أدق تقويم عرفه التاريخ، إذ لا يتجاوز هامش الخطأ فيه ساعة واحدة كل 5500 سنة. وقد سُمي هذا التقويم بـ”الجلالي” نسبة إلى اسم السلطان السلجوقي، وما يزال مستخدما حتى اليوم في إيران.

ضريح خواجه نظام الملك الطوسي – أصفهان – إيران
استند المسلسل في بدايته ونهايته إلى قصة “الثلاثة أصدقاء في المدرسة”، وهي حكاية تروي أن عمر الخيام، وحسن الصباح، وخواجه نظام الملك كانوا زملاء طفولة، تعاهدوا في صغرهم على أن ينصر بعضهم بعضا، إلا أن تقلبات القدر فرّقت بينهم ووضعتهم على طرفي نقيض في المستقبل.
هذه الأسطورة نُقلت أول مرة في رواية رشيد الدين فضل الله الهمداني (1248–1318م) في كتابه “جامع التواريخ”، والذي بدوره اقتبسها من كتاب مفقود يُسمى “سركذشت سیدنا”. لكن هناك خلافا حول مؤلف هذا الكتاب، إذ يرجح البعض أنه من تأليف حسن الصباح نفسه، إلا أن تاريخ تأليف الكتاب وفق بعض الروايات لا يتطابق مع تاريخ وفاة حسن الصباح (1050–1109م)، ما يجعل هذه الفرضية غير محتملة.
وكان الغرض من هذا الكتاب توثيق تاريخ قلعة الموت وسيرة حسن الصباح.
اللافت أن ثلاثة من المصادر الأساسية التي تناولت حياة حسن الصباح – وهي “جامع التواريخ” لفضل الله الهمداني، و”روضه الصفاء” لخواند میر (1433–1498م)، و”تاريخ جهانكشاي” لعطا ملك الجويني (1226–1282م) – لم تذكر هذه القصة، رغم أن الجويني كان الأقرب تاريخيا لعصر حسن الصباح.
أما الشاعر والكاتب الإنجليزي إدوارد فيتزجيرالد، فقد ذكر هذه القصة في مقدمة ترجمته لرباعيات الخيام، نقلا عن “روضه الصفاء”.
غير أن مسألة الصداقة أو الزمالة بين الخيام وحسن الصباح، بالنظر إلى تاريخ ميلاد ووفاة كلٍّ منهما، والموقع الجغرافي لنشأة كل منهما، تبدو مستبعدة جدا.
وفقا للمصادر، فإن حسن الصباح وُلد عام 1050م، بينما وُلد عمر الخيام عام 1131م، أي بعد وفاة حسن الصباح في 1109م بـ22 عاما! وحتى إذا افترضنا خطأ في تاريخ الوفاة، فإن الصباح حين كان الخيام يعمل على التقويم الجلالي في أصفهان، لا بد أن يكون قد تجاوز المئة عام، وهو أمر غير معقول.
لكن بُطلان هذه الفرضية وعدم صحتها تاريخيا لم يُنقص من جمال القصة ووقعها الأدبي. فقد ذكرت مصادر أدبية فارسية كثيرة منذ القرن السادس الهجري وحتى اليوم هذه الحكاية تحت عنوان “الثلاثة أصدقاء في المدرسة”، وأوردها جميع مؤلفي كتب السير التي تناولت عمر الخيام، حتى وإن أكدوا عدم صحتها تاريخيا.
في الأدب الفارسي، لا تُروى هذه القصة باعتبارها حكاية تاريخية، بل كعِظة أخلاقية. فحسن الصباح يُمثل النفس، وعمر الخيام يُجسد العقل، أما خواجه نظام الملك فيُرمز به إلى الدنيا، والتي تؤجج الصراع بين النفس والعقل. ورغم أن النفس تفرض سلطتها، إلا أنها تزول في النهاية، ويبقى العقل منتصرا.

صورة متخيلة “للأصدقاء الثلاثة في المدرسة”، مطبوعة على كتاب يحمل الاسم نفسه
يبدو أن كاتب سيناريو مسلسل “الحشاشين” أراد أن يستثمر هذه الحكاية المتكررة ليقدّم من خلالها موعظة لجمهور العالم الإسلامي، أو على الأقل لجمهور مصر. ففي التصوير الذي يعرضه، يظهر خواجه نظام الملك كضحية لصراع السلطة، ويبدو عمر الخيام شاعرا وفِيا لكنه تائه، في حين يُصوَّر حسن الصباح كرجل دنيوي خادع، ويُقدَّم الغزالي بوصفه عالما متجردا وبصيرا يحمل مشروع الإصلاح.
ويقدّم المسلسل بذلك أربعة نماذج من سلوك النخبة في المجتمع الإسلامي، ويُلمّح إلى أن أحدها- ممثلا في الغزالي- هو السبيل الأفضل.