- زاد إيران - المحرر
- 38 Views
توتر متصاعد تشهده الساحة السياسية في إيران وداخل أروقة البرلمان، حيث تتقاطع القضايا التشريعية الشائكة مع الحسابات الانتخابية الحادة، في وقت يقترب فيه موعد انتخاب رئيس جديد للمجلس، وفي قلب هذا المشهد يقف محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الحالي، كأبرز مرشح للاستمرار في منصبه، وسط حملة مضادة من خصوم أصوليين، ورسائل تهديد مجهولة المصدر، ونقاشات ساخنة حول قوانين مثيرة للجدل، وفي مقدمتها لائحة العفاف والحجاب.
جلسة برلمانية حافلة بالتوتر والخلافات
ففي جلسة البرلمان الأخيرة والتي عُقدت يوم الأحد 25 مايو/أيار 2025، برزت التوترات الداخلية بشكل واضح، إذ اندلع جدل حاد حول لائحة العفاف والحجاب، وهي إحدى القوانين الخلافية التي أثارت جدلا واسعا في الشارع الإيراني وفي دوائر الحكم على حد سواء.
فقد تقدم النائب الأصولي محمد تقي نقد علي، النائب البرلماني عن مدينة خميني شهر، بتذكرة إلى هيئة رئاسة المجلس، طالب فيها بإبلاغ قانون العفاف والحجاب إلى رئاسة الجمهورية، حيث قال: “نأمل من رئاسة المجلس المحترمة، كما أنها لم تنتظر حتى يجف حبر اتفاقية باليرمو، وقامت فورا وبعد إقرارها في مجمع تشخيص مصلحة النظام بإبلاغها إلى الحكومة، أن تُبلغ أيضا قانون العفاف والحجاب، الذي هو حكم الله، فرئيس المجلس قام بإبلاغ حكم الناس دون التشاور مع المجلس الأعلى للأمن القومي، ورؤساء السلطات، ورئاسة الجمهورية، في اللحظة وقبل أن يجف الحبر، وبناء على ذلك، نطلب من رئيس المجلس أن يُبلغ حكم الله، والقرآن، على الأقل كما فعل مع باليرمو”.

إلا أن رد قاليباف، رئيس المجلس، كان حاسما، حيث كشف بشكل صريح عن تدخل المجلس الأعلى للأمن القومي في القضية، وأوضح قاليباف أن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي قد وجهت خطابا مكتوبا إلى البرلمان، تطلب فيه عدم إبلاغ قانون الحجاب في الوقت الراهن، وذلك بناء على المادة 176 من الدستور الإيراني، التي تمنح هذا المجلس صلاحيات خاصة في القضايا الأمنية والسياسية العليا، وأضاف أن قضية باليرمو لا علاقة لها بالبرلمان، وأنه قام بإبلاغها فقط بعد أن استوفت جميع المراحل القانونية، بما في ذلك مصادقة مجمع تشخيص مصلحة النظام.

وتابع قاليباف بلهجة حادة قوله: “لا أعلم من أين أتى هذا التفسير الذي يجيز لأحد النواب أن يطلب من هيئة رئاسة البرلمان تجاهل قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي؟”، وأكد أن “رئيس البرلمان لا يمكنه قانونيا إبلاغ هذا القانون لرئاسة الجمهورية، طالما أن الأمانة العامة قد طلبت تأجيل الإبلاغ”، مشيرا إلى أن هذا الموقف لا يخصه وحده، بل يدخل ضمن صلاحيات السيادة العليا للدولة.
وقد أثار هذا الموقف ردود فعل متباينة داخل المجلس وبعض النواب الأصوليين، والذين اعتبروا ذلك رضوخا للسلطة التنفيذية أو للأجهزة الأمنية، بينما رأى آخرون أنه موقف واقعي يعكس توازنات القوى داخل النظام الإيراني، ولا سيما في ضوء التوترات الإقليمية والدولية التي تواجهها البلاد.
يذكر أن تلك ليست المرة الأولى التي تشيع فيها التوترات تحت قبة البرلمان بسبب قانون الحجاب، ففي 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، قرر المجلس الأعلى للأمن القومي تعليق تنفيذ قانون العفاف والحجاب، ما دفع جهات داخل البرلمان وخارجه للضغط على محمد باقر قاليباف متهمة إياه بالتقصير في إبلاغ القانون رغم أن القرار رسمي ويستند إلى مصادقة المجلس الذي يضم كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين.

ورغم توضيحات قاليباف أن التعليق لا يعني تجاهل الشريعة أو خضوعا لحسابات سياسية، استمرت الحملة ضده من نواب وهيئات وأفراد مثل سعيد جليلي، الذي شكك في مصادقة المجلس، وواجه قاليباف هذه الادعاءات بتأكيد وجود مصادقة رسمية من المجلس الأعلى، واستمرت الضغوط في التصاعد حتى وقع 209 نواب رسالة يطالبون فيها بإبلاغ القانون، وسط تحركات من نواب لجمع التواقيع، واتهامات بأن الهدف ليس تنفيذ القانون، بل إرهاق الحكومة وتحقيق مكاسب انتخابية.

صراع داخلي بين قاليباف ومعارضيه الأصوليين
تتزامن هذه التوترات مع اقتراب موعد انتخاب رئيس جديد للبرلمان، وهو ما ألقى بظلاله الثقيلة على مجريات الجلسة الأخيرة، فالصراع داخل البرلمان لا يدور فقط حول القوانين، بل يتجاوز ذلك إلى صراع على القيادة بين قاليباف وخصومه داخل التيار الأصولي نفسه.
فقد كشفت تقارير عدة، الاثنين، عن جانب من هذا الصراع الخفي، حيث أفاد تقرير لصحيفة شرق اليوم الإثنين 26 مايو/أيار 2025، بأن هناك مجموعة محددة من النواب، سبق أن عارضوا قاليباف في الانتخابات السابقة، ولا يزالون يواصلون تصفية حساباتهم السياسية معه، بل قد ذهب أبعد من ذلك حين وصفهم بأنهم أقلية لا محل لها من الإعراب في البرلمان، ولكن صوتهم مرتفع دائما.

وأضاف التقرير أن هذه المجموعة لا تملك مرشحا بديلا قادرا على منافسة قاليباف بجدية، ومع ذلك تسعى لإفشال ترشحه، إما بمنعه من الفوز، أو بمحاولة تقليص عدد الأصوات التي يحصل عليها.
لكن هذا الصراع لم يقتصر على الحملات الكلامية، بل يمتد إلى ساحة الفعل السياسي والتنظيمي، إذ تشير التقارير إلى أن خصوم قاليباف يتحركون بشكل منظم، ويستندون إلى شبكات ضغط تقوم بإرسال رسائل تهديدية إلى نواب المجلس، بهدف التأثير على قناعاتهم وتخويفهم من دعم قاليباف.
رسائل مجهولة.. أدوات الضغط الانتخابي
هذا ولم تكن تلك السبيل الوحيد للهجوم، فقد كشف جواد نيك بين، البرلماني الإيراني، في تصريحات له لوكالة إيلنا، عن وجود حملة ممنهجة ومنسقة من الرسائل النصية التهديدية التي وصلت إلى هواتف النواب في الأيام الأخيرة، ووصف هذه الرسائل بأنها صادرة عن أرقام خاصة ومميزة، ويتم إرسالها بشكل منسق ومركزي، مؤكدا أنها ليست وليدة اللحظة، بل امتداد لحملات سابقة.

وقال إن “مثل هذه الرسائل كانت موجودة منذ بداية عمل البرلمان، وهي منظمة، وتُستخدم أداة ضغط ضد قاليباف”. وفي تقييمه، فإن مرسلي هذه الرسائل هم الجهات نفسهاالتي عارضت قاليباف في الانتخابات الماضية، والتي “لا تزال تحاول بكل الوسائل منع تجديد ولايته، أو على الأقل التشويش على صورته السياسية”.
هذه الرسائل، التي لم يكشف حتى الآن عن مصدرها الرسمي، أثارت قلق بعض النواب، وشكلت محور نقاش داخلي، خاصة أنها تنطوي على لهجة تهديدية واضحة، وتوحي بأن من خلفها جهات قادرة على مراقبة مواقف النواب والتأثير عليهم.
سيناريوهات ما قبل التصويت
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن قاليباف يواجه لحظة سياسية حرجة، تختلف عن الدورات السابقة، رغم تأكيد مؤيديه أنه سينتخب مجددا بأكثر من 200 صوت، لكن الأهم من عدد الأصوات، هو حجم التحديات التي ستواجهه في حال فوزه، إذ تشير الوقائع إلى تآكل في شبكة تحالفاته داخل الكتلة الأصولية، وتحول بعض الأجنحة إلى معارضة داخلية شرسة.
وهنا تبرز عدة سيناريوهات محتملة، أولها فوز قاليباف بولاية جديدة بأغلبية كبيرة، وهو ما يعيد تثبيت موقعه، ويؤكد أن المعارضة الأصولية له لا تزال ضعيفة التأثير، والسيناريو الثاني هو فوز قاليباف بأغلبية أقل مما كان عليه في الانتخابات السابقة، وهو ما قد يُفسّر على أنه رسالة تحذيرية له، ويقلّص من هامش تحركه السياسي مستقبلا.

أما الثالث فهو ظهور مفاجئ لمرشح بديل مدعوم من كتلة المعارضة الأصولية، وهو احتمال ضئيل حسب ما يؤكده نيك بین وغيره من المحللين، لكنه غير مستبعد في اللحظات الأخيرة.
تعكس أحداث الجلسة البرلمانية الأخيرة، والجدل حول قانون الحجاب، وتصريحات قاليباف وخصومه، حجم الانقسام داخل التيار الأصولي الإيراني. ففي الوقت الذي يدعو فيه البعض إلى مجلس موحد وقوي قادر على مواجهة التحديات الداخلية والدولية، يصرّ آخرون على تصفية حسابات داخلية تُضعف هذا المجلس، وتفتح المجال أمام مزيد من الانقسامات.
وبينما يتهيأ النواب للتصويت على رئيس المجلس الجديد، تبقى الأسئلة مفتوحة، هل سينجح قاليباف في تجاوز هذه الحملة ضده ويثبت أنه لا يزال الرقم الأقوى في المعادلة البرلمانية؟ أم أن حملات التهديد والضغط، حتى وإن لم تمنعه من الفوز، ستقوّض قدرته على التحكم بالمجلس خلال ولايته القادمة؟