- زاد إيران - المحرر
- 22 Views
وسط تصاعد التوترات الدبلوماسية وتزايد الضغوط الغربية على طهران، تتجه الأنظار مجددا إلى الملف النووي الإيراني، الذي عاد إلى واجهة المواجهة بين إيران والدول الغربية، التطورات الأخيرة تحمل مؤشرات على مرحلة جديدة من الصراع، لا تقل حساسية عن الأزمات السابقة، وتكشف عن تبدل في نبرة التعاطي الدولي مع إيران، ما ينذر بتبعات أوسع قد تتجاوز حدود الملف النووي ذاته.
فقد أصدر مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم الخميس 12 يونيو/حزيران 2025، قرارا جاء بمبادرة من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، يدين فيه إيران بعدم التزامها بتعهداتها النووية خلال الفترة الماضية، وقد تمت الموافقة عليه بـ19 صوتا مؤيدا، أبرزهم الدول المبادرة بالقرار، مقابل 3 أصوات معارضة، أهمهم روسيا والصين، و11 ممتنعا عن التصويت، على رأسهم مصر، والهند، وباكستان، والجزائر.

جدير بالذكر أن تلك هي المرة الأولى خلال العشرين عاما الماضية التي يتهم فيها مجلس الحكام النظام الإيراني بشكل صريح بانتهاك التزاماته بموجب اتفاق الضمانات النووية. وهو ما يعكس تصاعد للهجة التصعيد ضد النظام الإيراني ومشروعه النووي.
تبرير أوروبي وتحذير سابق من عراقجي
عقب صدور القرار، أصدرت الدول الأربع المبادِرة بيانا مشتركا ضد إيران، دافعت فيه عن قرارها ضد لطهران، واصفة إياه بأنه ليس خطوة تهدف إلى تصعيد التوتر، فذكر في بيانها: “نتيجة لعدم تعاون إيران الطويل في حل القضايا المتعلقة بالضمانات، فإن الوكالة لم تعد قادرة على تقديم ضمانات بشأن الطبيعة السلمية لبرنامج إيران النووي.
منذ عام 2019، أُتيحت لإيران جميع الفرص لتقديم توضيحات لازمة وصحيحة من الناحية الفنية ردا على أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي ترتبط بالالتزامات القانونية الأساسية لإيران بموجب اتفاق الضمانات الشامل. ومع ذلك، وللأسف، ورغم الطلبات المتكررة من مجلس الحكام منذ عام 2020، رفضت إيران مرة أخرى الدخول في تفاعل بنّاء مع الوكالة لتقديم هذه التوضيحات”.

وتابعت: “بناء على طلب هذا الوفد، قدّم المدير العام تقييما شاملا ومحدثا بشأن وجود أو استخدام محتمل لمواد نووية غير معلنة مرتبطة بالقضايا العالقة القديمة والحالية بشأن البرنامج النووي الإيراني، إن تقرير المدير العام بحد ذاته يُبيّن الأبعاد الكاملة للقضايا العالقة في إيران، وعلاقتها بأنشطة إيران النووية السابقة، كما يكشف عن سجل إيران الواسع في العرقلة، وإخفاء الحقائق، والخداع، وإثارة الغموض في تعاملها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتنفيذها لاتفاق الضمانات الشامل”.
هذا وكانت إيران قد حذرت من مغبة اتخاذ قرار ضدها من مجلس حكام الوكالة، حيث جاء على لسان وزير خارجيتها، عباس عراقجي، خلال تغريدة 6 يونيو/حزيران 2025 على حسابه عبر منصة إكس، أنه “بعد سنوات من التعاون الجيد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو تعاون أدى إلى صدور قرار أُغلق بموجبه ملف الادعاءات الخبيثة بشأن البُعد العسكري المحتمل للبرنامج النووي السلمي الإيراني، يُوجَّه لبلادي مجددا اتهام بـعدم الامتثال”.

ويتابع: “وبدلا من الانخراط بنية حسنة، اختارت الدول الأوروبية الثلاث اتخاذ خطوات خبيثة ضد إيران في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعندما أقدمت هذه الدول على السلوك السيئ ذاته عام 2005، كانت النتيجة، من نواح كثيرة، ولادة مشروع تخصيب اليورانيوم في إيران فعليا، فهل لم تتعلم الدول الأوروبية الثلاث شيئا خلال العقدين الماضيين؟”.
كما حذر من أن “اتهام إيران زورا بانتهاك اتفاق الضمانات يهدف بوضوح إلى افتعال أزمة، وسجلوا كلمتي هذه، فيما تتأمل أوروبا في ارتكاب خطأ استراتيجي جسيم آخر، فإن إيران ستردّ بقوة على أي انتهاك لحقوقها. المسؤولية الكاملة تقع فقط وبشكل كامل على عاتق الأطراف غير المسؤولة التي لا تتورع عن فعل أي شيء لتحقيق مكاسبها”.
رد الفعل الإيراني.. بين التنديد والوعيد
في رد فعل مشترك على قرار مجلس محافظي الوكالة، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية ومنظمة الطاقة الذرية بيانا نددتا فيه بما وصفتاه بالقرار السياسي الذي يفتقر إلى أي أساس فني أو قانوني، معلنتين عن سلسلة من الإجراءات المضادة، أبرزها تشغيل مركز جديد لتخصيب اليورانيوم وترقية أجهزة الطرد المركزي.

وقد جاء في البيان أن “إقدام الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث، ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا، على تمرير هذا القرار في مجلس محافظي الوكالة، يمثل استخداما جديدا للأدوات الدولية لخدمة أهداف سياسية بحتة، ولا يستند إلى أي معايير مهنية أو قانونية”.
كما أكد البيان التزام إيران التام باتفاقياتها المرتبطة بالضمانات الشاملة، مشيرة إلى أن “جميع تقارير الوكالة حتى الآن لم تتضمن أي إشارات إلى انحراف في أنشطة إيران النووية أو إخلال بالالتزامات”.
ورغم انتقاده ما وصفه بتقرير سياسي ومنحاز صادر عن المدير العام للوكالة، ذكر البيان أن “الدول الأربع ذهبت أبعد من مضمون التقرير نفسه، وأعدت مشروع قرار يتناقض مع محتواه، ما يكشف نواياها السياسية”.
واتهم البيان الولايات المتحدة والدول الأوروبية باللجوء إلى إثارة مزاعم قديمة تعود إلى ما قبل أكثر من 25 عاما، رغم أن الوكالة كانت قد أغلقت رسميا كل الملفات العالقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
وهاجم البيان ما سماه “صمت هذه الدول أمام استمرار الكيان الصهيوني خارج معاهدة عدم الانتشار النووي، وبرنامجه لإنتاج أسلحة دمار شامل، بما فيها الأسلحة النووية”، مشددا على أنها “لم تتخذ أي إجراء حيال تهديدات إسرائيل المتكررة بضرب منشآت نووية سلمية في دول أخرى موقعة على المعاهدة”.
كما حذر البيان من أن هذه الخطوات من قبل الدول الغربية تقوّض شرعية الوكالة الدولية نفسها، قائلا “هذا القرار أظهر الطبيعة السياسية للوكالة، ويمثل ضربا لمصداقيتها في التعامل مع دولة كانت دوما ملتزمة وتعاملت بشفافية”.
تطوير التخصيب
وأكدت إيران أن “سياسة التعاون والانفتاح لم تعد مجدية في ظل هذا التعاطي”، معلنة عن بدء خطوات عملية للرد، وجاء في البيان:
“تم إصدار أوامر من رئيس منظمة الطاقة الذرية بإنشاء مركز تخصيب جديد في موقع آمن، واستبدال أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول في منشأة فردو بأجهزة من الجيل السادس المتقدم”، مضيفا أن “إجراءات أخرى إضافية قيد الإعداد وسيُعلن عنها لاحقا”.
وفي ختام البيان، أعربت طهران عن شكرها للدول التي صوّتت ضد القرار أو امتنعت عن التصويت عليه في مجلس المحافظين، وأدانت بشدةٍ الدول التي أيدته، مؤكدةً أن “الشعب الإيراني سيواصل الدفاع عن حقوقه وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة عدم الانتشار”.
قاليباف.. لا طائل من التعاون مع الوكالة
من جانبه كتب محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، على حسابه بمنصة إكس، تعليقا على القرار: “إن القرار المنحاز الصادر عن مجلس محافظي الوكالة يؤكد أن التعاون مع الوكالة الذرية يؤدي إلى نتائج عكسية، إن الجمهورية الإيرانية ستتخذ إجراءات مقابلة حاسمة في مواجهة هذا التسلط، التخصيب باستخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، وتشغيل مركز جديد، وتقليص الرقابة، هو رد مشروع على خرق مسار التعاون”.
