من الرياض إلى طهران.. الصحافة الإيرانية تعكس أصداء زيارة ترامب

تناولت الصحف الإيرانية زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية والتي بدأت الثلاثاء 13 مايو/أيار، بردود فعل متباينة، حيث ركزت بعض الصحف على الأبعاد الاقتصادية والسياسية للزيارة، مشيرة إلى تعزيز العلاقات بين أمريكا والدول الخليجية. في المقابل، انتقدت صحف أخرى التناقضات في تصريحات ترامب حول إيران، ورأت في الزيارة محاولة لإعادة تشكيل السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة في ظل تزايد نفوذ الصين بالمنطقة.

صفقة الحجاز

استعرضت صحيفة سازندجي في عددها الصادر الأربعاء 14 مايو/أيار 2025، أبعاد تلك الزيارة، معتبرة إياها من أهم زيارات ترامب للشرق الأوسط في ولايته الثانية؛ لما تحمله من دلالات سياسية واقتصادية، فكتبت: “زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المملكة العربية السعودية، في رحلة ستستمر ثلاثة أيام، وقد رافقه عدد من أبرز الشخصيات العالمية في مجال التكنولوجيا والاقتصاد، من بينهم إيلون ماسك مؤسس تسلا، وسام ألتمان المدير التنفيذي لشركة أوبن إيه ‌آي، وآندي جاسي من أمازون، وجياني إنفانتينو رئيس الفيفا، إضافة إلى مديري شركات كبرى مثل بلاك روك، سيتي غروب، آي بي إم، كوكاكولا وغيرهم”.

وتابعت: “كان البيت الأبيض قد قال إن الوجهة الأولى لترامب ستكون الرياض، تليها أبو ظبي ثم الدوحة، ما يعكس أولوية المملكة في أجندته، من جانبها تعهدت السعودية باستثمار تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال العقد المقبل، منها 100 مليار دولار لصفقات تسليح”.

وأضافت: “من جهة أخرى، لم يتمكن محمد بن سلمان من تحقيق اختراقات ملموسة في ملف الحرب على غزة أو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ما يجعل الطرفين بحاجة لعقد صفقات جديدة تعيد تشكيل المصالح المشتركة، كما شدد ترامب في لقائه مع ولي العهد السعودي على متانة العلاقة بين البلدين، مؤكدا على أهمية الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الأمريكي”.

واستعرضت: “من القضايا البارزة التي تناولتها الزيارة الأمن، الذكاء الاصطناعي، الطاقة، وتزويد السعودية بالأسلحة، أما سياسيا، فكانت غزة من المواضيع المطروحة في المحادثات، إلى جانب ملفات تتعلق ببدء مفاوضات بين حماس وإسرائيل حول الأسرى، واستئناف المساعدات الإنسانية، وقد تزامنت الزيارة مع جولة مفاوضات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة في مسقط، ما أثار تساؤلات حول تحول محتمل في نهج ترامب تجاه الشرق الأوسط، وتزايد الحديث عن وجود فجوة بينه وبين نتنياهو، في ظل رغبة ترامب بإعادة ترتيب أولويات المنطقة للتركيز على المواجهة مع الصين”.

أولا التجارة.. ومن ثم السياسة

من جانبها، عرضت صحيفة هم ميهن رؤيتها للزيارة حيث قالت: “وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة مع استمرار الحرب في غزة وضغط إسرائيل على واشنطن لضرب المنشآت النووية الإيرانية، لكن الإدارة الأمريكية اختارت طريق التفاوض مع طهران، رغم تعقيدات الوضع الميداني ورفض إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة”.

A person in a suit walking with a group of men in military uniforms

AI-generated content may be incorrect.

وتكمل: “ورغم هذا السياق السياسي الحاد، فإن هدف ترامب الأساسي من الزيارة ليس التوترات الجيوسياسية، بل السعي للحصول على استثمارات ضخمة من السعودية وقطر والإمارات، حيث أفادت مصادر أن البرنامج الإقليمي للرئيس الأمريكي يتمحور حول التجارة، ثم التجارة، ثم التجارة، وتعد هذه أول جولة دولية كبرى لترامب منذ عودته للبيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2025، ما يعكس اهتمامه بالدول الخليجية الغنية بالنفط، على حساب الحلفاء التقليديين. اللافت أيضا أن زيارته لا تشمل إسرائيل، خلافا لزيارته الأولى عام 2017”.

كما أضافت: “وقبل الزيارة، أجرى نجله إريك ترامب جولة في الإمارات وقطر عقد خلالها اتفاقيات استثمارية مع أطراف قريبة من الحكومات، مما أثار جدلا في الداخل الأمريكي بشأن تداخل المصالح الخاصة لعائلة ترامب مع سياسة البلاد الخارجية، ونشرت صحيفة نيويورك تايمز أن ترامب وصل إلى السعودية بقائمة طلبات استثمارية بقيمة تريليون دولار، رغم أن المملكة تعاني من عجز قد يتجاوز 70 مليار دولار هذا العام، وجديرا بالذكر أن الرياض قد تعهدت في يناير/ كانون الثاني الماضي باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، وهو ما طالب ترامب بزيادته إلى تريليون وخفض أسعار النفط”.

وتتابع مستدركة: “لكن خبراء يشككون في قدرة السعودية على الوفاء بهذه الالتزامات، نظرا إلى محدودية أصول صندوقها السيادي ونيتها المعلنة تقليص الاستثمارات الخارجية. وتشير البيانات إلى أن الاستثمارات الفعلية خلال رئاسة ترامب السابقة كانت أقل من المعلن، ما يجعل الأهداف الجديدة بعيدة المنال من الناحية الاقتصادية”.

جولة ترامب

كذلك، علقت صحيفة جام جم على تلك الزيارة، موضحة أن هناك تسارعا خليجيا إلى إرضاء الرئيس الأمريكي، وكتبت: “كان ترامب قد أعلن سابقا أنه سيجعل من السعودية أول وجهة خارجية له في ولايته الجديدة، بشرط أن تستثمر الرياض تريليون دولار في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن المسؤولين السعوديين لم يؤكدوا هذا الرقم حتى الآن، إلا أنهم تعهدوا باستثمار 600 مليار دولار في أمريكا خلال السنوات القادمة. في الوقت ذاته، أعلنت الإمارات عن خطط لاستثمار 1.4 تريليون دولار في أمريكا خلال العقد القادم، ومن المتوقع أن تبرم قطر قريبا عقدا ضخما لشراء مقاتلات من شركة بوينغ”.

تور ترامپ

وأضافت: “مساء أمس، وخلال مؤتمر الاستثمار السعودي الأمريكي 2025، أشار ترامب إلى عقد بقيمة 142 مليار دولار لبيع معدات عسكرية للسعودية، وقال “منذ اللحظة التي شكلنا فيها الحكومة، بدأت الثروة تتدفق إلى أمريكا”. وقد أشاد في كلمته بأداء إدارته، وقوبل بتصفيق من الحضور، حيث تحدث عن قضايا مثل الهجرة والتوظيف والقوات المسلحة، قائلا: “نحن على المسار الصحيح، أمريكا هي أكثر الدول جذبا في العالم، باستثناء بلدكم بالطبع”.

وشكر ترامب مرة أخرى محمد بن سلمان، قائلا له: “لقد أنجزت إنجازا عظيما”، مضيفا أن السعودية أثبتت خلال السنوات الثماني الماضية، أن منتقديها كانوا مخطئين تماما، وفي اليوم نفسه، وفي أثناء وجود ترامب بالرياض، أكد البيت الأبيض لقاء بينه وبين الجولاني. وأفاد مسؤول كبير في البيت الأبيض بأن اللقاء بين الرئيس الأمريكي ورئيس سوريا الحرة كما أطلق عليها سيجري اليوم في السعودية. ووفقا للبرنامج المعلن، لا يشمل جدول زيارة ترامب الإقليمية أي لقاء مع مسؤولين من الكيان الصهيوني في تل أبيب. ويُعدّ هذا المؤشر، بحسب مراقبي شؤون غرب آسيا، دليلا على عمق الخلاف بين ترامب وبنيامين نتنياهو”.

الرئيس الأمريكي ذو الاضطراب السياسي

أما عن كيهان، الصحيفة الأصولية الأشهر، فقد تناولت في عددها ما سمته أخطاء ترامب الكثيرة في الزيارة، فقالت: “في عرض دعائي جديد من عروضه، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران بالقمع خلال مشاركته في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، لكنه عاد بعد دقائق ليعرب عن استعداده لإنهاء الخلافات والتوصل إلى اتفاق مع طهران، في تناقض فاضح يعكس ارتباكه وعجزه، فمنذ ولايته الأولى وحتى الآن، لم يجن ترامب من سياسته تجاه إيران سوى فشل العقوبات وتلقي الهزائم أمام مقاومة طهران الإقليمية”.

A white background with black text

AI-generated content may be incorrect.

وتتابع: “فترامب، الذي يمثل الانحطاط الأخلاقي والسياسي في أمريكا، عاد لخطاباته ضد إيران، محاولا استعراض القوة أمام حلفائه الخليجيين، رغم أن مشروعه السابق، الضغط الأقصى، قد فشل بشكل كبير. وتكشف تصريحاته المتضاربة عن شخصية متخبطة وسياسي يعيش أوهام الزعامة وهو على أعتاب التدهور العقلي”.

وتوضح: “هذا التناقض الذي أظهره ترامب خلال المنتدى، يعكس اضطرابا في العقل السياسي للرئيس الأمريكي، الذي يتنقل بين دور المتوعد ودور الحمامة، دون أن يدرك أن إيران لم تعد تأبه بالتهديدات أو تنخدع بالوعود الكاذبة، كما وزعم ترامب أيضا أن إيران كانت على وشك الإفلاس في عهده، لكن الواقع يُثبت أن طهران واصلت تعزيز قدراتها العسكرية والعلمية والعلاقات الإقليمية رغم العقوبات”.

وتختتم بالقول: “وفي ختام تصريحاته، واصل ترامب مبالغاته قائلا: “لن نسمح لإيران بالهيمنة على شبه الجزيرة العربية” و”لن تحصل إيران على سلاح نووي أبدا، غير أن الخارجية الأمريكية، وفي تناقض مع حديثه عن السلام، أعلنت في التوقيت نفسه فرض عقوبات جديدة على شبكة تُسهّل تصدير النفط الإيراني إلى الصين، ما يؤكد أن الحديث عن التفاوض لا يزال بلا معنى في ظل استمرار سياسة التهديد والعقوبات”.

لماذا عاد ترامب إلى عبء الشرق الأوسط؟

هذا وقد استعرضت صحيفة شرق تغيير استراتيجية ترامب تجاه الشرق الأوسط فكتبت: “في الحملة الانتخابية الأولى لدونالد ترامب، كان شعار الخروج من الشرق الأوسط من أبرز ملامح سياسته، حيث اعتبر أن الوجود الأمريكي في المنطقة يمثل عبئا ماليا على الولايات المتحدة وعلى دافعي الضرائب الأمريكيين، ففي تلك الفترة، رأى ترامب أن الولايات المتحدة يجب أن تنهي تدخلاتها العسكرية في دول مثل سوريا وأفغانستان. ومع ذلك، غيّر غزو روسيا لأوكرانيا المعادلات الاقتصادية في العالم بشكل كبير، مما دفع ترامب إلى تعديل سياسته تجاه الشرق الأوسط، ليجعل زيارة المنطقة واحدة من أولويات سياسته الخارجية في ولايته الثانية”.

وتتابع: “من جهة أخرى، ومع تراجع تأثير أمريكا في المنطقة، بدأت الصين في تعزيز وجودها الاقتصادي في الشرق الأوسط، مستفيدة من عدم استقرار العلاقة بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها العرب، فقد استثمرت الصين بشكل كبير في مشاريع البنية التحتية والطاقة في دول الخليج، مثل السعودية وقطر، بل وأصبحت أكبر مستثمر في العراق، وهو ما منحها نفوذا متزايدا في المنطقة”.

وتضيف: “إن ترامب، وفي إطار إعادة التوازن في المنطقة، بدأ في تعزيز العلاقات مع الدول العربية، حيث قام بزيارة المملكة العربية السعودية وأكد أهمية النفوذ الأمريكي في المنطقة من خلال السيطرة على منابع الطاقة. وبذلك، يمكن القول إن التحولات الاقتصادية العالمية، لا سيما الحرب الروسية الأوكرانية وصعود الصين كقوة اقتصادية عالمية، كانت لها تأثيرات كبيرة على سياسة ترامب في الشرق الأوسط، مما دفعه إلى إعادة تقييم سياسة “الخروج” والتركيز على تعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة”.

كلمات مفتاحية: