- علي زيد العابدين
- 14 Views
الترجمة ليست مجرد نقل كلمات، بل رحلة مليئة بالتحديات والنوادر الطريفة التي تبقى في ذاكرة المترجم. خلال عملي مسؤولا عن قسم الترجمة في موقع “زاد إيران” ، شهدت قصصا مضحكة ومواقف إنسانية وكوميدية تكشف جانبا مختلفا من هذه المهنة الجادة.
وفي هذا المقال، أفتح لكم بابا من أبواب صالة التحرير، حيث تختلط الترجمة بالطرائف، واللغة بالمواقف غير المتوقعة، ضمن سلسلة مقالات ترصد نوادر المترجمين التي تستحق أن تُروى.
حينما توليت الإشراف على المترجمين ومراجعة ترجماتهم وتدريبهم، تقدم عدد ليس بالقليل من المترجمين الراغبين في العمل معنا، ومن بين هؤلاء المترجمين مترجمة صاعدة لطالما شهدت لها بالتميز والتفوق، لكن كان التعامل مع النص الصحفي والمليء بالمصطلحات السياسية والصحفية بالنسبة لها أمرا جديدا.

بدأنا العمل معا، وبدأت المراجعة، وبدأنا في النقاش حول كيفية صياغة النص الصحفي، خاصةً أن هذه المترجمة كانت متخصصة في الترجمة الأدبية، والبون شاسع بين الأدب والصحافة، فكل منهما له آلياته في الترجمة والتناول، وإذ بي أفاجأ بأن هذه المترجمة قد ترجمت عنوانا سياسيا حساسا دون الانتباه لما قد تكون هذه الترجمة للعنوان بأنها “مصيبة” في حد ذاتها.

كان التقرير الصحفي يتحدث عن محاولات لإقالة أحد كبار المسؤولين في إيران، ولم تكن تخلو صحيفة من نشر تقرير أو مقال أو حوار عن محاولات إقالة وإبعاد هذا المسؤول. والمفاجأة أن عنوان التقرير قد تُرجم إلى “إقالة هذا المسؤول من منصبه”، ولم يكن قد حدث بل كانت محاولات من بعض التيارات السياسية لإبعاده.
كانت هذه المترجمة تعمل في الدوام المسائي أحيانا، وترسل لنا الترجمة وحينما نستيقظ أنا ورئيس التحرير نراجع الترجمة. وإذ برئيس التحرير يتصل متسائلا مندهشا: هل أقالوا المسؤول فعلا؟ متى وكيف حدث؟ رجعت إلى أصل التقرير في الصحيفة الإيرانية فوجدت المفاجأة، وهي أن العنوان كان “محاولات لإقالة هذا المسؤول”.
اتصلت بالمترجمة على الفور، فمثل هذا الخطأ يجب ألا يمر على مترجم حتى لو كان مبتدئا، إنما ما كنت أجده كان معظمه من أخطاء شائعة كعدم ضبط صياغة صحفية أو فهم مصطلح سياسي أو مذهبي ليس للمترجمين به سابق معرفة. أما هذا الخطأ فكان مفاجئا.
والأكثر مفاجأة كان رد المترجمة، إذ قالت: “لا بأس محاولة إقالة هذا المسؤول، الأمر بسيط لمَ كل هذه الجلبة؟! أخبرتها بأن الأمر حساس جدا ومثل هذا الخطأ من المؤكد أن يسبب مشكلة للموقع بأكمله.

ضحكتُ رغم الموقف، ثم شرحت لها أن مهنة الترجمة، خاصة في العمل الصحفي، لا تحتمل التوقعات أو التنبؤات. الكلمة في هذا السياق تعني موقفا سياسيا، وقد تفتح على الموقع باب مساءلة لا قِبَل لنا به، سواء قانونيا أو إعلاميا.
هذه الحكاية، وغيرها كثير، تبيّن أن الترجمة ليست مجرد نقل حرفي، بل مسؤولية دقيقة، خاصة في المجالات التي تمتزج فيها الكلمة بالموقف، والرأي بالتوقيت.
في المقال التالي، سأشارككم حكاية أخرى لا تقل طرافة عن هذه، بطلها مترجمة أصرّت على أن تترجم مصطلح اقتصادي على أنه اسم امرأة… والنتيجة؟ أتركها للمقال القادم!