- زاد إيران - المحرر
- متميز
- 6 Views
كتب: أمیر عباس هدایت
ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
في صباح السبت 26 أبريل/نيسان 2025، دوّى انفجار هائل كسر سكون مدينة “بندر عباس”. تصاعد دخان كثيف من منطقة ميناء “الشهيد رجائي”، وهو أكبر محطة بحرية في إيران، نحو السماء، وسرعان ما انتشرت مقاطع الفيديو والصور التي تُظهر ألسنة اللهب العنيفة وسيارات الإنقاذ والإطفاء في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقع الانفجار في ساحة مخصصة للحاويات، وكانت قوته شديدة لدرجة أنها تسببت في إصابة 90% من العمال والموظفين العاملين في تلك الساحة. كما قُتل عدد من الأشخاص الذين كانوا على مقربة من موقع الانفجار، وأُصيب مئات آخرون، إلا أن الحصيلة الدقيقة للضحايا والمصابين لم تُعلن بعد، إذ لا يزال بعض الأشخاص تحت الأنقاض الناتجة عن الانفجار.
وقد اضطر جميع سكان قرية “خونسرخ”، وهي أقرب القرى إلى ميناء الشهيد رجائي، إلى إخلاء منازلهم، نظرا إلى ارتفاع درجة الحرارة الناتجة عن الانفجار، وخشية انفجار خزانات أخرى داخل الميناء. ووفقاً لمصادر محلية، فقد أُصيب حتى الآن نحو 750 شخصا، وبلغ عدد القتلى 40 شخصا.
لم تمرّ ساعات على الحادثة حتى بدأت تثار تساؤلات جادة في الأوساط الإعلامية بشأن طبيعة هذا الانفجار وتوقيته الحساس.

هل كان مجرد حادث صناعي؟ أم أنه رسالة واضحة جاءت بالتزامن مع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن؟
وبعيدا عن تصريحات المسؤولين، فإن محللين يرون أن هذا الحادث لا يمكن فصله عن “حرب الظلال” الأوسع التي تخوضها إيران وإسرائيل منذ سنوات.
يقع ميناء الشهيد رجائي على الساحل الشمالي لمضيق هرمز، ويُعد شريانا حيويا لاقتصاد إيران. إذ يتم من خلاله تنفيذ 85% من عمليات الشحن بالحاويات، و70% من عمليات ترانزيت البضائع، و58% من التجارة غير النفطية، و43% من صادرات وواردات إيران النفطية.
ويتصل هذا الميناء بممر الشمال–الجنوب، وهو مسار استراتيجي يربط آسيا بأوروبا، ويُعتبر بديلا استراتيجيا للممر العربي–العبري المعروف بـ”IMEC”.
إضافة إلى ذلك، فإن ميناء الشهيد رجائي يُعد قاعدة مهمة لاستيراد وتصدير المعدات الدفاعية والعسكرية الإيرانية. وقربه من مقر قيادة القوات البحرية التابعة للحرس الثوري يمنحه أهمية استراتيجية مضاعفة.
في الواقع، إن تمركز عناصر التجارة والأمن والسياسة والعسكرة، وهي عناصر محورية، في نقطة جغرافية حساسة واحدة، جعل من ميناء الشهيد رجائي هدفا مغريا للتخريب من قبل أعداء إيران.

حتى الآن، لم تُعلن السلطات الرسمية في إيران عن السبب الدقيق للانفجار. وقد أصدرت “شركة توزيع وتكرير المنتجات النفطية الوطنية الإيرانية” بيانا جاء فيه: “لا علاقة لهذا الانفجار بالمصافي وخزانات الوقود وشبكات الأنابيب النفطية التابعة لهذه الشركة في تلك المنطقة، وإن عمليات الاستغلال والتشغيل في المنشآت الواقعة في منطقة بندر عباس لا تزال جارية دون انقطاع.”
كما نفى مدير العلاقات العامة في شركة “بناكستر” ما تم تداوله من تكهنات حول انفجار خزان أمونياك تابع للشركة.
إن توقيت وقوع هذا الحادث ومكانه دفعا المحللين إلى لفت الانتباه إلى تشابه محتمل بينه وبين بعض الحوادث السابقة.
فخلال السنوات الأخيرة، لا سيما في أواخر عهد الرئيس الأسبق “حسن روحاني”، شهدت إيران سلسلة من الانفجارات والحرائق الغامضة. من بين هذه الحوادث: انفجار في مصنع فولاد زرند، غرق سفينة حربية إيرانية في بحر عمان، حريق في 18 خزانا بمصفاة طهران، وحوادث أخرى مماثلة طالت البنى التحتية الحيوية لإيران.
ورغم أن الأسباب الرسمية لهذه الحوادث لم تُعلَن بشكل واضح في أي وقت، فإن التكهنات حول احتمال ضلوع إسرائيل في عمليات تخريبية كانت دائماً حاضرة بقوة. وفي الفترة نفسها، واجهت إسرائيل أيضا موجة من الحرائق والانفجارات في منشآت حيوية لديها.
من بين تلك الحوادث: انفجار في مصنع صواريخ بمدينة رملة، وحريق في مصفاة حيفا، وتسرب غاز سام في ميناء حيفا، وحرائق في غابات شمال الأراضي المحتلة.
وقد وصف كثيرون هذه الوقائع بأنها جزء من “حرب الظلال” المستمرة بين إيران وإسرائيل، وهي حرب تجاوزت الحدود التقليدية العسكرية لتشمل الفضاءين المادي والسيبراني.

يُذكر أن ميناء الشهيد رجائي كان قد تعرض سابقا لهجوم سيبراني. ففي مايو/أيار 2020، وبعد نحو أسبوعين من هجوم سيبراني على شبكة المياه الإسرائيلية – الذي نُسب إلى إيران – تعطلت حركة الشحن فجأة في هذا الميناء.
توقفت أنظمة الحواسيب التي تتحكم في حركة السفن والشاحنات، مما أدى إلى حالة من الفوضى غير المسبوقة أصابت الميناء بالشلل التام.
وقد أشار كتاب “استهداف طهران” من تأليف “يونا جرمي باب” و”إيلان أوفياتار” صراحة إلى أن هذا الهجوم الإلكتروني كان من تنفيذ إسرائيل، وكان الهدف منه توجيه رسالة ردع واضحة إلى طهران، مفادها أن “البنى التحتية المدنية أيضا يمكن أن تكون أهدافا عند الحاجة”.
وقد نقل عن مسؤول أمريكي، قوله إن إيران كانت حينها تعاني من حالة اضطراب كاملة.

ورغم أن إسرائيل لم تعلن رسميا مسؤوليتها عن ذلك الهجوم- كما هي عادتها- فإن بعض مسؤوليها الاستخباريين لمحوا إلى دورهم فيه.
أحد العوامل الأخرى التي أثارت اهتمام المحللين هو التزامن الزمني بين انفجار ميناء الشهيد رجائي واستئناف المحادثات النووية بين طهران وواشنطن.
فقد وقع الانفجار في وقت كانت فيه المفاوضات النووية الحساسة قد استؤنفت بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان، وهي مفاوضات قد تؤدي في حال نجاحها إلى عودة إيران إلى الاتفاق النووي ورفع بعض العقوبات عنها.
يرى المحللون أن الانفجار قد يكون محاولة لزيادة الضغط على طهران قبيل هذه المحادثات.

فالضربات التي تستهدف البنى التحتية الاقتصادية والعسكرية، خاصة في واحدة من أكثر النقاط البحرية حيوية في إيران، قد يكون لها أثر نفسي بالغ على فريق التفاوض الإيراني.
ومن جهة أخرى، فإن نجاح إيران في تعزيز مكانتها الإقليمية من خلال دعم جماعات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن، ومواجهة مشاريع إسرائيل وأمريكا الإقليمية، ربما دفع تل أبيب إلى اتخاذ خطوات تصعيدية.
حتى اللحظة، نفت الجهات الرسمية الإسرائيلية أي ضلوع لها في حادثة الانفجار، كما لم تُحمّل إيران حتى الآن إسرائيل مسؤولية الهجوم بشكل رسمي.
وقد وجّه “محمد موحدي”، المدعي العام الإيراني، المدعي العام في محافظة هرمزغان بفتح تحقيق فوري ودقيق في الحادث، مشددا على ضرورة متابعة الملف باهتمام خاص، والتعامل الحازم والمؤثر مع أي متورط محتمل، سواء بسبب تقصير أو إهمال.
ورغم عدم وجود تأكيد رسمي حتى الآن على ضلوع جهات أجنبية في الانفجار، فإن الهجمات الإسرائيلية السرية السابقة ضد إيران غالبا ما اتبعت سياسة “الغموض المتعمد”.
لذلك، حتى في حال ثبوت مسؤولية إسرائيل، من غير المرجح أن تبادر إيران إلى إعلان ذلك فورا وبشكل رسمي.
طهران، كما في السنوات الماضية، فضّلت الرد على مثل هذه الهجمات بأساليب غير مباشرة؛ من ضمنها عمليات سيبرانية مضادة، أو هجمات محدودة على سفن إسرائيلية، أو دعم معزز لجماعات المقاومة في المنطقة.
وفي ظل هذا التوتر المتصاعد، فإن أي رد مباشر قد يشعل مواجهة إقليمية كبرى، ولهذا يُرجّح أن تدرس إيران خيارات أخرى للحفاظ على توازن الردع.
إن انفجار ميناء الشهيد رجائي يُذكّرنا بحقيقة أن الحرب بين إيران وإسرائيل لم تَعُد مقتصرة على ميادين المعارك التقليدية، بل باتت تمتد إلى الهجمات السيبرانية، والتخريب الصناعي، والحرب الإعلامية عبر السرديات المتضاربة.

وفي هذه الحرب، وكما حذّر الجنرال الإسرائيلي البارز “إسحاق بريك”، فإن قدرات إيران الإقليمية وصلت إلى مرحلة لم تعد العمليات المحدودة قادرة على كبحها.
وفي المقابل، تدرك إيران أن أي رد غير محسوب قد يمنح خصومها الذريعة لمزيد من التصعيد.
من هنا، لا يمكن اعتبار انفجار يوم السبت مجرد حادث صناعي عرضي أو عمل تخريبي عشوائي؛ بل هو حلقة جديدة في سلسلة من الصراعات الجيوسياسية المعقدة، التي سيكون لها أثر مباشر على مستقبل أمن المنطقة، وربما على موازين القوى العالمية أيضا.