- ربيع السعدني
- متميز
- 33 Views
كتب: ربيع السعدني
بدأ الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويستمر حتى يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، حيث يركز على مناقشة تقرير شامل من المدير العام حول البرنامج النووي الإيراني، كما سيتم التصويت على قرار تقدمت به الولايات المتحدة وثلاث دول أوروبية ضد إيران، وهو قرار سلبي أثار اعتراضات قوية من طهران، ومن المتوقع اعتماد القرار رغم معارضة الصين وروسيا.
يأتي ذلك في الوقت الذي تُجري فيه واشنطن محادثات غير مباشرة مع إيران، بوساطة عُمانية، لحل قضية برنامجها النووي، وقد صرّح مسؤولون أمريكيون بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد تبنى نهجا دبلوماسيا تجاه إيران، ولكن مع تصاعد الأنباء حول احتمال صدور قرار مناهض لإيران في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية تباينت الآراء حول هذه الخطوة، وإذا صدر هذا القرار، فسيكون سابقة لم تشهدها السنوات العشرون الماضية، إذ يتهم إيران بعدم الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالضمانات النووية.
وفقا لتقرير “فرارو“، أشار مراسل “وول ستريت جورنال”، لورانس نورمان، عبر منصة “إكس” يوم الخميس، إلى أن دبلوماسيا غربيا بارزا أكد أن واشنطن تستعد لوضع اللمسات الأخيرة على قرار يتهم إيران بعدم الامتثال لالتزامات الضمانات.
الطاقة الذرية تطلق تحذيرا نوويا ضد طهران
وفي قلب فيينا، أشعل رافائيل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، شرارة الجدل يوم الإثنين 9 يونيو/حزيران 2025، بتصريحات نارية خلال افتتاح اجتماع مجلس المحافظين.

وبحسب التقرير الذي قرأه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ضد إيران، الاثنين، فإن إيران انتهكت مرة أخرى بزعمهم التزاماتها وأخفقت في التعاون مع المنظمة الدولية؛ وهو التقرير الذي قد يمهد الطريق لإصدار قرار ضد طهران.
وأعلن غروسي أن إيران “تقترب بشكل مقلق، من تخصيب اليورانيوم بمستويات كافية لصنع قنبلة نووية”، مشيرا إلى رصد الوكالة لثلاثة مواقع تخصيب في إيران، لكنه أقر بأن الوكالة “تفتقر إلى صورة واضحة عن طبيعة البرنامج النووي الإيراني”، مما يزيد الغموض حول نوايا طهران.
اجتماع المجلس، الذي ركز على الملف النووي الإيراني، شهد عرض غروسي لوجهات نظره حول التوترات المتصاعدة بين إيران والوكالة، وسط متابعة إعلامية إيرانية حثيثة.
وأعاد غروسي إثارة الجدل حول برنامج إيران النووي السلمي، وأشار إلى أن تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وإن كان غير محظور بموجب القوانين الدولية، يثير قلقا بسبب تراكم كميات المواد المخصبة، وأوضح أن إيران الدولة الوحيدة التي تصل لهذا المستوى، القريب من اللازم لصنع أسلحة نووية، لكنه نفى أن هذه الكمية تكفي لصنع قنبلة، مشيرا إلى الحاجة لمواد إضافية.
واعتبر غروسي أن هذا المستوى يوفر إمكانات لتطبيقات متفجرة، داعيا إلى التعامل مع المسألة بحذر ودراسة جدية، مؤكدا أنها لا تُستخدم بالضرورة لأغراض عسكرية لكنها تحتاج مراقبة دقيقة.
وأدلى غروسي بتصريحات في مستهل اجتماع مجلس محافظي الوكالة، والذي تناول في محوره الرئيسي البرنامج النووي الإيراني، حيث عرض وجهات نظره بشأن الوضع الحالي للتعامل بين إيران والوكالة، حسب ما نقلته وسائل إعلام إيرانية.

وأضاف غروسي: “تلعب الوكالة الدولية للطاقة الذرية دورا مهما وحياديا في التعامل مع هذا الموضوع الحساس والمعقّد”، وحول بعض النتائج الفنية، قال: “كما تعلمون، اكتشفت الوكالة جزيئات من اليورانيوم المُعالج بشريا في 3 مواقع غير معلنة في إيران، وهي مواقع: ورامين، ومريوان وتورقوزآباد – والتي حصلنا على وصول تكميلي إليها في عامي 2019 و2020″، وأكد: “لا يمكن للوكالة تجاهل تراكم أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب، نظرا إلى تداعياته المحتملة على الانتشار النووي”.
ردا على سؤال آخر حول مطالبة الترويكا الأوروبية والأمريكية بإصدار قرار مناهض لإيران خلال اجتماع مجلس المحافظين الجاري، وادعائها بشأن طبيعة البرنامج النووي الإيراني، زعم غروسي: “الوكالة لا تتهم أي دولة أبدا، بل تُبلغ بعد التحقيق، ولم تتلقَّ الوكالة المعلومات التي تحتاجها من إيران، لذا لا يمكننا تأكيد سلمية البرنامج النووي للبلاد، هذا النقص في المعلومات دفع بعض الدول إلى تبني آراء معينة”.
وطهران ترد: انحراف سياسي
رفضت إيران بشدةٍ تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واصفة إياه بـ”المنحرف سياسيا” عن مهمتها الفنية المحايدة.
في مذكرة رسمية، أكدت بعثة إيران في فيينا شفافية برنامجها النووي وخضوعه للإشراف، نافية وجود أنشطة غير معلنة، وانتقدت المذكرة لهجة التقرير ومحتواه، معتبرة أنه يمهد لقرار جديد ضد طهران تحت ضغط سياسي.
ومن جهته، أعرب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، عن أسفه لتحول الوكالة إلى أداة سياسية بتأثير من الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة، وأكد أن إيران أوفت بالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار واتفاقية الضمانات، مشيراً إلى خطوات تعاون كبيرة خلال العامين الماضيين، وحذر من أن التقرير يُستغل لخدمة أجندات سياسية ضد إيران.

وردا على سؤال حول إمكانية إصدار قرار جديد ضد إيران، أقرّ بقائي: “خلال العامين الماضيين، صدرت أربعة قرارات مماثلة على الأقل ضد إيران، وبالنظر إلى تخطيط الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة، فإن احتمال إصدار هذا القرار كبير جدًا أيضا، ومع ذلك، فقد أثبتت التجربة أنه كلما تخلى الطرف الآخر عن نهج التفاعل والمنطق واختار النهج السياسي والضغط، كانت إيران ترد دائما بإجراءات متبادلة ومدروسة”، وأكد أن “أي خطوة غير مدروسة أو غير قانونية من جانب الدول الأعضاء المؤثرين في الوكالة الدولية أو مجلس المحافظين لن تمر دون رد”.
واختتم كلامه، قائلا: “وستستخدم طهران كل قدراتها ومرافقها التقنية والقانونية والدبلوماسية لحماية مصالح الأمة”، لكنه رفض تقديم تفاصيل بشأن الرد المحتمل، وأكد بقائي أن “القرارات اللازمة في هذا الصدد ستتخذها منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والمؤسسات المسؤولة، وسيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب”.
وأكد بهروز كمالوندي، نائب مدير الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، في برنامج “حوار الأخبار الخاصة” عشية الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمهد لسيناريوهات مستقبلية.
وأوضح أن إيران وفرت الوصول المطلوب لمواقعها رغم صدور أربعة قرارات ضدها منذ انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، ونفى أن يكون التلوث المزعوم في بعض المواقع دليلا على أنشطة نووية، مشيرا إلى أنه مرتبط باليورانيوم الطبيعي وليس المخصب، ولا يشكل أساسا للاتهامات.
وفي مشاورة هاتفية مع نظيره الياباني يوم الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2025، انتقد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، التصرف الذي وصفه بـ”الاستفزازي وغير المناسب” للولايات المتحدة وثلاث دول أوروبية في تقديم قرار مناهض لإيران، وأكد: “أي قرار غير مدروس في مجلس المحافظين سيقابل برد مناسب من إيران”، وأكد الموقف المبدئي الإيراني استنادا إلى التعاليم الإسلامية بأنها لن تسعى أبدا إلى امتلاك الأسلحة النووية، “ومع ذلك، فإننا لن نتنازل عن حق الأمة الإيرانية في استخدام الطاقة النووية سلميا”.
إيران ترفض اتهامات الوكالة
وفي وقت سابق، أصدر عراقجي بيانا شديد اللهجة، محذرا من الخطوة التي ستتخذها الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا) في مجلس المحافظين، وأكد أن إيران تعاونت بحسن نية مع الوكالة لسنوات، بل أغلقت ملف الادعاءات المتعلقة بالأبعاد العسكرية المحتملة (PMD)، وأضاف: “رغم هذا التعاون، تُوجه لنا الاتهامات مجددا بعدم الامتثال، في خطوة من الترويكا الأوروبية تتسم بالتحيز وتكرار أخطاء الماضي”، وأشار عراقجي إلى أن الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) دفعت طهران عام 2005، بسلوك مشابه، لتكثيف تخصيب اليورانيوم، وتساءل بحدة: “ألم تتعلم هذه الدول أي دروس خلال العقدين الماضيين؟!”.

وأكد التزام إيران بالتعاون مع الوكالة، وحذر عراقجي من أن “طهران سترد بحزم على أي انتهاك لحقوقها المشروعة وضمن ذلك في مجال البرنامج النووي السلمي، وأن مسؤولية عواقب ذلك تقع على عاتق الأطراف التي تسعى إلى خلق أزمة بلا مسؤولية كاملة”.
استراتيجية الضغط الغربي: أمريكا والترويكا في المقدمة
في حواره مع موقع “فرارو“، كشف المحلل الدولي محسن جليلوند عن أهداف الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) لتقييد البرنامج النووي الإيراني، يقول جليلوند: “الغرب، بقيادة أمريكا، يسعى لخفض تخصيب اليورانيوم في إيران إلى الصفر، مستخدما الوكالة كأداة ضغط”، وأشار إلى أن قرارا مشابها صدر عام 2005، أدى إلى إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن، لكن روسيا والصين قد تحولان دون تكراره اليوم عبر الفيتو.
لكنه حذر من أن تصعيدا مع الوكالة قد يمنح الأوروبيين ذريعة لتفعيل آلية “سناب باك”، مما يعزز نفوذ الغرب في المفاوضات.
رد إيران: تصعيد محسوب أم انسحاب؟
ومع اقتراب صدور القرار المناهض لإيران من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يبرز التساؤل المحوري: كيف سترد طهران على هذه الخطوة؟

في ديسمبر/كانون الأول 2014، وبعد قرار الترويكا الأوروبية، سارعت إيران إلى تفعيل أجهزة طرد مركزي متطورة تعمل بالغاز، ومع تصاعد الضغوط الغربية، رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهي نسبة، وإن كانت مسموحة بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، إلا أنها تثير حساسيات كبيرة.
عراقجي ألمح إلى رد حاسم قد يشمل رفع مستوى التخصيب أو تقييد عمل مفتشي الوكالة، جليلوند استبعد انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، لكنه رجح تعديلات في سياسات التخصيب أو التفتيش، وأوضح: “الغرب يريد تقليص برنامج إيران إلى الحد الأدنى، بينما الوكالة تتيح تخصيباً محدوداً تحت المراقبة”.
7 إجراءات للمواجهة
ويشير موقع “فرارو” في تقرير مطول، إلى أن إيران قد تلجأ إلى تنفيذ واحد أو أكثر من الإجراءات السبعة التالية لمواجهة هذا التحدي الدولي؛
1▪︎ رفع نسبة التخصيب إلى 93%: يُعتبر رفع تخصيب اليورانيوم إلى 93%، وهي نسبة قريبة من المستوى المطلوب لتصنيع الأسلحة النووية، خطوة تقنية ممكنة حاليا، تصل إيران حاليا إلى تخصيب 60%، لكن رفع تلم النسبة يتطلب تعديل تصميم سلاسل أجهزة الطرد المركزي.
2▪︎ زيادة احتياطيات اليورانيوم المخصب بنسبة 60%: تشير تقارير الوكالة إلى أن احتياطيات إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وصلت إلى 400 كيلوجرام، مقارنة بـ 275 كيلوجراما في وقت سابق.

ويبلغ إجمالي احتياطيات اليورانيوم المخصب (بمستويات 3.67%، 20%، و60%) حوالي 9000 كيلوجرام ولمواجهة الضغوط الأوروبية، قد تُطلق طهران أجهزة طرد مركزي متطورة، مثل IR-6، لزيادة هذه الاحتياطيات، هذا الإجراء يعزز من قدرات إيران النووية ويُظهر استعدادها للتصعيد التقني.
3▪︎ تطوير أجهزة الطرد المركزي: أعربت الوكالة عن قلقها بشأن فقدان تتبع مخزون إيران من أجهزة الطرد المركزي وكشفت إيران عن طراز IR-9 في 2019، مما يشير إلى تقدمها في هذا المجال، وقد تُسرّع إيران برنامج البحث والتطوير لإنتاج أجهزة أكثر تطوراً، مع إمكانية الترويج الإعلامي لهذه الإنجازات.
حتى الآن، طورت إيران 16 طرازا من هذه الأجهزة، مما يعزز استقلاليتها التقنية.
4▪︎ استخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تطورا: تُشغّل إيران حاليا أجهزة من الجيل السادس (IR-6)، الخطوة التالية قد تتضمن تفعيل أجهزة غازية من هذا الجيل أو الانتقال إلى الجيلين السابع والثامن، هذا التحول يعزز كفاءة التخصيب ويُظهر تقدما تقنيا، مما يعطي إيران نفوذا أكبر في المفاوضات أو المواجهات.
5▪︎ فرض قيود على عمليات التفتيش: قد تُعيد إيران النظر في تفويض مفتشي الوكالة، مستغلة حقها السيادي بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي ويمكنها رفض مفتشين من دول مثل فرنسا أو ألمانيا أو المملكة المتحدة لأسباب أمنية، أو تقليص تعاونها مع الوكالة وسبق أن علّقت إيران في يونيو/حزيران 2022، تعاونها في مجال الضمانات الإضافية.

وقد تقيّد الآن وصول الوكالة إلى مواقع معينة، مما يزيد التوتر مع الوكالة.
6▪︎ الدخول إلى مجالات نووية حساسة: تتيح العلوم النووية استكشاف مجالات حساسة دون انتهاك معاهدة حظر الانتشار وقد تُركز إيران على أبحاث أو تطبيقات صناعية قائمة على اليورانيوم، مما يعزز برنامجها النووي دون خرق القوانين الدولية، لكنه يثير مخاوف الغرب.
7▪︎ توسيع المنشآت النووية: يمكن أن تُسرّع إيران بناء منشآت نووية جديدة أو توسيع البنية التحتية القائمة، مثل منشآت التخصيب أو مرافق صيانة أجهزة الطرد المركزي، هذا الإجراء يعزز قدراتها النووية طويلة الأمد ويُظهر التزامها بتطوير برنامجها رغم الضغوط.
كل هذه الطرق والإجراءات تعكس استراتيجية إيران المحتملة للرد على الضغوط الدولية، وتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع التركيز على تعزيز قدراتها النووية دون الخروج الصريح من الالتزامات الدولية، مما يبقيها في منطقة رمادية تثير قلق الغرب وتزيد تعقيد المفاوضات.