حوار مراسلة ” زاد إيران” في طهران: راحلة كاويار
استؤنفت المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وتُعد مسألة مواصلة إيران تخصيب اليورانيوم، ومستوى هذا التخصيب، من القضايا البالغة الأهمية للطرفين. حول هذا الموضوع أجرى “زاد إيران” حوارا مع النائب في البرلمان الإيراني وعضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان أبو الفضل ظهره وند، وفي ما يلي نص الحوار:
هل من المحتمل أن تتخلى إيران عن التخصيب في ظروف معينة، خاصة بعد أن استؤنفت المفاوضات النووية؟
يُعد تخصيب اليورانيوم جوهر البرامج النووية السلمية، والدولة التي تمتلك هذه القدرة تُعتبر من الناحية العلمية والتقنية في موقع متقدم دوليا. وتُعد إيران الدولة الإسلامية الوحيدة التي تملك هذه التقنية بهذا الاتساع والتعقيد. وهذه المكانة لا تُعد مكسبا وطنيا فحسب، بل تكتسب بُعدا استراتيجيا في نظر العالم الإسلامي ودول الجنوب، ما يضع إيران في موقع تمثيلي عنهم.
ومن الصعب على الدول المهيمنة، وخاصة الولايات المتحدة، تقبّل هذا الوضع، إذ إن إيران – بخطابها “لا شرقية، لا غربية”، ودعمها للقرآن والمبادئ الإسلامية، ورفضها لنظام الهيمنة العالمي – تمكنت من امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية. إن رؤية دولة إسلامية تمارس نشاطا نوويا شفافا وتخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمر يثير قلقهم، بينما لم تُحاسب “إسرائيل” يوما، رغم امتلاكها أكثر من 250 رأسا نوويا.

لماذا تطالب الولايات المتحدة الأمريكية بوقف التخصيب من قِبل إيران؟
الولايات المتحدة تفقد هيمنتها العالمية تدريجيا، وقد أفقدتها أزمات مثل غزة مصداقيتها في ادعاء الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان. فهي لا تسعى إلا وراء مصالحها غير المشروعة، ولا تُعير اهتماما للإنسانية، أو للعالم الإسلامي، أو حتى لحقوق الشعوب المظلومة.
المطالبة بوقف التخصيب الإيراني تمثّل جزءا من مشروع احتواء إيران ومنعها من أن تصبح نموذجا يُحتذى به لباقي الدول. إيران، بثباتها في مواجهة قوى الاستكبار ودعمها اللامحدود لفلسطين ومحور المقاومة، قد كشفت زيف الشعارات الأمريكية.
كيف صُمِّمت آلية المفاوضات الحالية من قِبل إيران؟ وهل يراقب البرلمان هذا المسار؟
إيران تدرك تماما أن الطرف المقابل لا يمكن الوثوق به. فالتجربة المريرة مع الاتفاق النووي (برجام) وانسحاب دونالد ترامب الأحادي منه، دليل واضح على عدم استقرار السياسة الخارجية الأمريكية. إضافة إلى ذلك، فإن ترامب ارتكب جريمة لا تُغتفر باغتياله قاسم سليماني.
ومع ذلك، تواصل إيران مسارها الدبلوماسي بحذر، لتختبر مدى صدق الطرف الأمريكي من خلال الأفعال لا الأقوال. وخلال جولات التفاوض الأخيرة، كانت المواقف المتناقضة للولايات المتحدة واضحة للعيان؛ فتارة تؤكد أن همّها الوحيد هو منع إيران من صنع القنبلة، وتارة أخرى تطالب بوقف كامل للتخصيب.
هذه التناقضات تكشف زيف ادعاءاتهم أمام الرأي العام في المنطقة والشعب الإيراني. وإيران، في الوقت الذي تحافظ فيه على جاهزيتها الدفاعية الكاملة، تواصل المسار الدبلوماسي لكشف النوايا الحقيقية للطرف المقابل.

هل تسعى الولايات المتحدة حقا لحلّ قضية إيران النووية ورفع العقوبات، أم أن لديها أجندة خفية؟
يسعى الطرف الغربي، من خلال إثارة الضجيج الإعلامي ورفع سقف التوقّعات داخل إيران، إلى ترسيخ صورة مفادها أنّ إيران هي المسؤولة عن فشل المفاوضات في حال عدم موافقتها على مطالبهم. إلا أن إيران صمدت على مدى 46 عاما منذ انتصار الثورة، رغم أشدّ الضغوط، وواصلت طريقها نحو التقدّم بنجاح.
المشكلة الأساسية للغرب مع إيران لا تقتصر على برنامجها النووي، بل تكمن في جوهرها الثوري والإسلامي، وفي خطابها الملهم للمستضعفين حول العالم. إذ تحمل إيران رسالة إلى جميع الشعوب المناضلة، مفادها أن المقاومة، والاعتماد على القرآن، والتوكل على الله، يمكن أن تقود إلى الاستقلال والتقدم.
المفاوضات مع الولايات المتحدة تُدار في إطار السياسة العامة لإيران، بوصفها تكتيكا لا هدفا بحد ذاته. فإيران لا تسعى من خلالها إلى تقديم تنازلات أو الخضوع، بل تهدف إلى كشف الوجه الحقيقي للطرف المقابل أمام العالم.
وقد أصبح الرأي العام في المنطقة واعيا لحقيقة العلاقات الدولية، ويدرك أن الولايات المتحدة، رغم ادّعائها التزام القانون، لا تفي حتى بالاتفاقيات الدولية التي كانت شريكة في صياغتها.
الخطوط الحمراء لإيران فيما يخصّ البرنامج النووي، وحفظ المصالح الوطنية والأمنية والاستراتيجية، معلنة بوضوح، ولا مجال للتفاوض عليها. ويلتزم فريق التفاوض بالحركة ضمن هذا الإطار، بينما أظهر الشعب الإيراني مرارا دعمه الكامل لحقوق بلاده النووية، ولن يقبل أي وطنيّ إيراني أن تُضحّى القدرات الاستراتيجية لبلاده من أجل إرضاء المطالب الأمريكية.
لقد دخلت إيران المفاوضات بصدق، مستندة إلى فهم دقيق للواقعَين السياسي والإقليمي، واختارت طريق الحوار. أما الطرف الأمريكي، فهو من يقع على عاتقه إثبات صدقه. فإذا كانت الولايات المتحدة جادّة فعلا في التوصّل إلى حل سلمي للقضية النووية، فعليها احترام القوانين الدولية وحقوق الشعوب.
وطالما أن الولايات المتحدة لم تُراجع سياساتها القائمة على الهيمنة، فلا يمكن تقديم أي ضمان للتوصّل إلى اتفاق مستدام. وإيران، وإن كانت مستعدّة للحوار، فإنها لن تتخلى أبدا عن عناصر قوتها، وقدرتها الرادعة، ودعم شعبها.