- زاد إيران - المحرر
- متميز
- 48 Views
كتب: ربيع السعدني
بعد 7 سنوات من الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، انخرطت إيران والولايات المتحدة مرة أخرى في محادثات دبلوماسية ربما لإيجاد طريقة لحل خلافاتهما، لكن العالم تغير اليوم كثيرا عن السنوات السابقة، ولم تكن هذه المحادثات خالية من نصيبها في التغيير.
وللمرة الأولى منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في مايو/ أيار عام 2018، أجرى مسؤولون إيرانيون وأمريكيون جولة أولى من محادثات غير مباشرة على أعلى مستوى في مسقط، بعد سنوات من التوتر بشأن القضية النووية الإيرانية.
ولكن يبدو اليوم أن هناك إرادة بين الجانبين الأمريكي والإيراني لحل القضية النووية الإيرانية سلميا ومع حلول يوم السبت المقبل 19 أبريل/ نيسان 2025، ستتجه أنظار وسائل الإعلام والرأي العام المحلي والإقليمي والدولي نحو العاصمة العُمانية (مسقط) والتي أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي أنها ستستضيف الجولة الثانية من المحادثات الإيرانية الأمريكية حول البرنامج النووي.
خامنئي: خطأ الاتفاق النووي يجب ألا يتكرر
كما وصف المرشد علي خامنئي محادثات عُمان بأنها واحدة من عشرات المهام التي تقع على عاتق وزارة الخارجية في البلاد.

وأكد في أول لقاء له مع كبار المسؤولين في السلطات الثلاث في العام الجديد: “لا ينبغي ربط قضايا البلاد بهذه المحادثات، ولا ينبغي تكرار الخطأ الذي ارتكب في الاتفاق النووي، والذي جعل كل شيء بالنسبة للبلاد يعتمد على تقدم المحادثات، لأن البلاد تصبح مشروطة وكل شيء، بما في ذلك الاستثمار، معلق حتى تتضح نتيجة المحادثات”.
ما وجه الاختلاف مع الاتفاق النووي؟
في المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي، جلس الممثلون الإيرانيون على طاولة المفاوضات ليس مع دولة واحدة، بل مع ممثلي ست دول، بما في ذلك الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وألمانيا، وسعت كل من هذه الدول إلى تحقيق أجندتها السياسية الخاصة، وفي بعض الأحيان خلقت عقبات فاجأت حتى الأمريكيين.
في مذكراته “كل يوم هو إضافة” التي نقلت عنها وكالة تسنيم للأنباء، روى وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري، تفاصيل مكالمة هاتفية قديمة مع وزير الخارجية الفرنسي الأسبق لوران فابيوس في اليوم الذي بدأ فيه تنفيذ الاتفاق النووي ــ أي عندما أوفت إيران بالتزاماتها وكان من المقرر الإعلان عن رفع العقوبات المفروضة على البلاد.
محاولة تخريب الاتفاق النووي

وكتب كيري في الجزء الأخير (الثامن عشر) من مذكراته نحت عنوان “من تبادل الأسرى إلى التخريب الفرنسي الغريب يوم تنفيذ الاتفاق النووي”: “عندما عدنا إلى فيينا، بينما كنا نستعد لوضع اللمسات الأخيرة على وثائق خطة العمل الشاملة المشتركة، تلقت فيديريكا موغيريني (نائب رئيس المفوضية الأوروبية سابقًا) رسالة تفيد بأن (فابيوس) لديها أسئلة يريد الإجابة عليها قبل أن تتمكن موغيريني من التوقيع على الوثيقة نيابة عن الاتحاد الأوروبي”.
وكان هذا الأمر غريبا حتى بالنسبة لـ كيري الذي كتب: “كان هذا مفاجئا، لأنه (فابيوس) كان قد وافق في السابق على كل ما يعارضه الآن، ولكنه أثار مخاوف جديدة في جنيف ولوزان وفيينا في اللحظة الأخيرة”.
هذه الواقعة ذاتها سبق أن أشار إليها السفير الفرنسي الأسبق لدى إيران فرانسوا نيكولاند، الذي أكد في مذكرة مشتركة بتاريخ (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014) نقلتها وكالة أنباء تسنيم، التابعة للحرس الثوري أن لقاء وزير الخارجية الأمريكي مع نظيره الفرنسي كان يهدف إلى منع فرنسا من تخريب المفاوضات النووية.

جاء ذلك في مذكرة نشرها نيكولاند، عبر موقع “لوبلوج” الإخباري أن جون كيري التقى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قبل أيام قليلة من أجل منع فرنسا من تخريب المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1.
وذلك قبل التوصل إلى اتفاق جنيف المؤقت، حيث أعلن فابيوس أن مسودة الاتفاق التي تم التفاوض عليها بين إيران والولايات المتحدة في جنيف غير مقبولة بالنسبة لفرنسا وينبغي مراجعتها، وتابع الدبلوماسي الفرنسي: “لم يخاطر كيري هذه المرة وأبقى فابيوس على اطلاع بأحدث التطورات بين واشنطن وطهران.
فرصة تاريخية أمام ترامب
على الجانب الآخر وبعد انعقاد الجولة الأولى بنجاح من المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في عُمان، أكد جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: أن لدى ترامب فرصة تاريخية للتوصل إلى اتفاق مع إيران.

جاء ذلك في مذكرة مشتركة نشرتها صحيفة وول ستريت (wsj) يوم الأحد (13 أبريل/ نيسان 2025): “مع بدء المفاوضات النووية مع إيران على نحو جدي، تتاح للرئيس ترامب فرصة تاريخية للتوصل إلى اتفاق يمكن أن يجعل المنطقة والعالم أكثر أمانا بالطبع، إذا وافقت طهران على ذلك”.
وتابع: “كانت لدينا خلافات عميقة بشأن الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015، لكننا نعتقد اليوم أن هناك نافذة صغيرة لما هو غير محتمل”.
وأكد كيري أنه “بعد 10 سنوات من خطة العمل الشاملة المشتركة الأخيرة مع إيران، تغير ميزان القوى بشكل كبير”، في إشارة إلى أن التحالف الذي حدد الفرص والتحديات في مفاوضات 2015 لم يعد موجودا.
تغير الظروف
والآن أصبح لأوروبا اتصال بطهران، لقد اختفت منذ زمن طويل العقوبات النووية المتعددة الأطراف التي فرضها العالم لجلب إيران إلى طاولة المفاوضات، ولن تعود، وشهدت العلاقات مع موسكو وبكين تحولا أيضا بسبب النزاعات بشأن أوكرانيا والتجارة وباختصار، هذا يسمح للطرفين بالتوصل إلى اتفاق جديد.
وزعم كيري في مذكرته إلى الصحيفة الأمريكية أن طهران حاصرت نفسها بمهارة، الأمر الذي يزيد بشكل متناقض من فرص تحقيق السلام الدائم من خلال الدبلوماسية.

وعلى الرغم من إصرار إيران على أن أي محادثات مع الولايات المتحدة سوف تتعلق فقط ببرنامجها النووي وأن قدرات البلاد الدفاعية “خط أحمر” غير قابل للتفاوض.
قال جون كيري أيضا إن طهران يجب أن توافق أيضا على الحد بشدة من برنامجها الصاروخي الباليستي والتوقف تماما عن دعم القوى الأخرى بالوكالة “المقاومة”.
وأضاف: “في هذه الحالة، يمكن رفع جميع العقوبات الاقتصادية المتعلقة بأنشطة إيران النووية والصاروخية والإقليمية، وقد يصبح من الممكن أيضًا إقامة علاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة.
وأشار الدبلوماسي الأمريكي السابق إلى أن “على مجلس الشيوخ أن يعزز هذا الوضع الجديد من خلال الموافقة على معاهدة ملزمة قانوناً، وبالتالي معالجة القلق الرئيسي لطهران بشأن إمكانية إلغاء الاتفاقيات التنفيذية من قبل الإدارات الأمريكية اللاحقة”.
في الماضي، أيد العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الحل السلمي للبرنامج النووي الإيراني، ولكن دونالد ترامب وحده، الذي يتمتع بعلاقات عميقة مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، هو القادر على حشد أغلبية الثلثين اللازمة للتصديق على مثل هذه المعاهدة.
عقوبات الأمم المتحدة

ومن بين الاختلافات الجوهرية أيضا مع مفاوضات عُمان الأخيرة أنه خلال مفاوضات الاتفاق النووي، أُحيلت قضية إيران إلى مجلس الأمن الدولي، وصدرت 6 قرارات ضد طهران بموجب الفصل السابع من الميثاق.
كما فرضت عقوبات واسعة عليها ليس من قبل أمريكا بل من قبل الأمم المتحدة، وكان مطلوبا من جميع البلدان الامتثال لأحكامه، وفي ظل هذا الوضع الصعب، حاول المفاوضون الإيرانيون انتزاع أقصى قدر ممكن من التنازلات من الجانب الآخر.
لقد تم الآن إخراج إيران من الفصل السابع بفضل القرار 2231، كما تم الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم.
ورغم أن العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب كانت في النهاية ذات تأثير مدمر على الاقتصاد الإيراني بسبب موقعها المحوري في النظام الدولي، فإن إيران في وضع قانوني أفضل مما كانت عليه قبل عشر سنوات.
وبطبيعة الحال، فإن ظل تهديد مجلس الأمن ليس بعيدا عن إيران بشكل عام، ولدى الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي إمكانية تفعيل “آلية الزناد”، لإعادة الوضع القانوني للملف النووي الإيراني إلى ما قبل الاتفاق النووي.

أما أبرز ما يميز مفاوضات مسقط، وما يعقبها من جولات، وفقا لموقع “فرارو“، فهو وجود خلفية وتاريخ مهمين من المناقشات الفنية والقانونية خلال خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، كخلفية يمكن استخدامها، إذا توافرت الإرادة السياسية، كأساس لاتفاق جديد، وبالتالي وقت أقل في القضايا التي هي في غاية التفصيل.
كما أن ترامب يسعى إلى التوصل إلى اتفاق يقدم نفسه على أنه مختلف عن خطة العمل الشاملة المشتركة التي سبق أن انسحب منها في ظل سيطرة الجمهوريين ليس على الرئاسة فحسب، بل أيضا على مجلسي النواب والشيوخ.
مما يجعل من الممكن الموافقة على أي صفقة محتملة من قبل الكونجرس، وهذا من شأنه أن يضمن أن يصل الاتفاق إلى مكانة أقوى في النظام القانوني الأمريكي.
ولذلك، لن يكون مصير الاتفاق الجديد مرتبطا بتغيير الرئيس، بحسب تقرير موقع “فرارو” ولن تتكرر الكارثة التي حلت بالاتفاق النووي.
كل ذلك يجعل الحفاظ على السلام والاستقرار أكثر أهمية ووضوحا لجميع الأطراف من أي وقت مضى، ويبدو أن الدبلوماسية أصبحت لها الأسبقية على الحرب.