حوار : مراسلة ” زاد إيران” في طهران راحلة كاويار
من أبرز الهواجس التي تُثار بشأن انضمام إيران إلى اتفاقية “باليرمو” هو ما إذا كان هذا الانضمام قد يُقيّد دعم إيران لحركات المقاومة، أو يُعيق تطبيق المادة 154 من الدستور الإيراني التي تنص على دعم حركات التحرر.
اتفاقية “الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود “، المعروفة باتفاقية باليرمو، هي إحدى المعاهدات الدولية التي أُقرت لأول مرة عام 2001 في مدينة باليرمو الإيطالية. وحتى سبتمبر 2024، بلغ عدد الدول المنضوية تحت هذه الاتفاقية 192 دولة، من بينها 187 دولة عضو رسمي في الأمم المتحدة، بما في ذلك العديد من الدول المجاورة لإيران مثل العراق.
وقد لقي انضمام إيران إلى هذه الاتفاقية ترحيبا من بعض المحافل الدولية. ففي الاجتماع الرابع لممثلي برلمانات الدول الأعضاء في منطقة أوراسيا لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، حظي الوفد الإيراني – برئاسة نائب وزير الاقتصاد– باستقبال إيجابي من الدول الأعضاء في أوراسيا.
أولى مجمع تشخيص مصلحة النظام اهتماما دقيقا بالملاحظات والمخاوف المرتبطة بانضمام إيران إلى اتفاقية باليرمو، وتبنّى مقاربة ذكية ومتوازنة، أفضت إلى إقرار مصادقة مشروطة صيغت في إطار مادة قانونية واحدة، تمنح الحكومة الإيرانية الإذن بالانضمام المشروط إلى الاتفاقية.
وقد تضمّن هذا القرار خمسة شروط أساسية وملاحظة واحدة، بما يعكس نهجا مشابها اعتمدته العديد من الدول الأعضاء عند انضمامها، حيث أرفقت تحفظاتها بالاتفاقية استنادا إلى مبادئ القانون الدولي ومراعاة لقوانينها الداخلية واعتباراتها الوطنية.

في الشرط الأول، أكدت إيران أن تفسيرها وتنفيذها للمواد الأساسية من الاتفاقية—وخاصة المواد 2، 3، 5، 10، و23—سيكون وفقا لقوانينها الوطنية، مع الالتزام التام بمبادئ دستورها.
تتناول المادة الثانية من الاتفاقية مفاهيم رئيسية مثل: “الجماعة الإجرامية المنظمة”، “الجريمة الخطيرة”، “عوائد الجريمة”، و”التسليم المراقب للمجرمين”. ونظرا لاحتمال استخدام هذه المفاهيم لأغراض سياسية من قِبَل بعض القوى الكبرى كـالولايات المتحدة، شددت إيران على حقها في تفسير هذه المصطلحات بشكل مستقل، مستندة إلى منظومتها القانونية الداخلية.
أما المادة الثالثة، التي تحدد نطاق تطبيق الاتفاقية، فتشير إلى مواد أخرى مثل 5، 6، 8، و23، والتي تتعلق بتجريم الانتماء والمشاركة في جماعات إجرامية منظمة، وغسل الأموال، والفساد، وإعاقة سير العدالة. أما المادة العاشرة، فتتعلق بمسؤولية الأشخاص الاعتباريين، كالشركات والمؤسسات، عن الجرائم المنظمة.
وفي جميع هذه المجالات، تؤكد إيران بوضوح أنها ستلتزم فقط بما يتوافق مع قوانينها الوطنية ومبادئ دستورها، دون الخضوع لأي تأويلات خارجية.

تندرج الفقرة الأولى من المادة 14 من اتفاقية باليرمو، والتي تتعلق بكيفية التصرف في العائدات الناتجة عن الجرائم وإمكانية تعويض الضحايا، ضمن نطاق التفسير الداخلي الذي تلتزم به إيران. وقد نصّ الشرط الأول من الشروط الإيرانية على أنه إذا استلزم تنفيذ هذا الالتزام استخدام أموال بطريقة تتعارض مع الشريعة الإسلامية، فإن إيران لن تلتزم به.
وفي الشرط الثاني، أعلنت إيران عدم التزامها بالبند الثاني من المادة 35 من الاتفاقية، الذي ينص على إحالة النزاعات إلى محكمة العدل الدولية في حال تعذر حلّها عبر التفاوض. وبالرغم من أن الاتفاقية نفسها تتيح في الفقرة الثالثة من المادة ذاتها للدول الأطراف رفض هذا الإجراء، فقد أكدت إيران بشكل صريح أنها ترفض التحكيم أو الإحالة إلى محكمة العدل الدولية.
كما شدّدت إيران على أن أي إحالة محتملة إلى محكمة لاهاي لن تكون ممكنة إلا وفقًا لأحكام المادة 139 من الدستور الإيراني، التي تنص على أن أي تسوية لقضايا تتعلق بأموال الدولة أو الممتلكات العامة، إذا كان الطرف المقابل جهة أجنبية، يجب أن تحظى بموافقة مجلس الوزراء وأيضًا بتصديق البرلمان الإيراني.
وفي الشرط الثالث، أعلنت إيران فيما يتعلق بالمواد 15، 16، و18 من الاتفاقية—الخاصة بـ”الاختصاص القضائي”، و”تسليم المجرمين”، و”المساعدة القضائية المتبادلة”—أنها ستتخذ القرارات في كل حالة على حدة، وضمن إطار قوانينها الداخلية. ويُذكر أن نص الاتفاقية ذاته يؤكد، في مواضع متعددة، أن تنفيذ هذه المواد لا ينبغي أن يتعارض مع القوانين الوطنية للدول الأعضاء.
ففي الفقرة 6 من المادة 15، ورد أن تحديد الاختصاص القضائي بموجب الاتفاقية لا يمسّ بالاختصاص الجنائي المنصوص عليه في القوانين الوطنية. كما تشير الفقرات 8 و14 من المادة 16 إلى ضرورة احترام القوانين الداخلية للدول الأطراف، وأنه لا يجوز إلزامها بتسليم المجرمين إذا كانت لديها اعتبارات خاصة تمنع ذلك.
أما في المادة 18، فقد وردت تأكيدات واضحة في الفقرات 4، 8، 17، و21، تنص على أن تقديم المساعدة القانونية يجب ألا يمسّ بسيادة الدول أو أمنها أو نظامها العام أو مصالحها الجوهرية، مما يدعم حق الدول، ومن بينها إيران، في رفض أي تعاون يتعارض مع مصالحها الوطنية.
في الشرط الرابع، أكدت إيران أن هذه الاتفاقية يجب ألا تمسّ بأي شكل من الأشكال الحق المشروع والمعترف به للشعوب والجماعات الخاضعة للاستعمار أو الاحتلال الأجنبي في النضال من أجل الاستقلال وتقرير المصير. ويعكس هذا التحفظ مضمون المادة 154 من الدستور الإيراني، التي تُقر بحق الشعوب المستضعفة في مقاومة قوى الاستكبار، دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
أما الشرط الخامس، فقد نصّ صراحة على أن انضمام إيران إلى الاتفاقية لا يعني بأي حال من الأحوال الاعتراف بإسرائيل. ويبدو أن هذا الشرط يأتي انسجاما مع القاعدة القرآنية ” عدم تمكين العدو”، ويحمل رسالة واضحة باستمرار دعم إيران لحركات المقاومة المناهضة لإسرائيل، من دون أي تغيير في الموقف المبدئي والثابت لإيران.
وفي الختام، وفيما يتعلق بتحديد الجهة المركزية المكلّفة بالتعاون القضائي الدولي وفقًا للفقرة 13 من المادة 18 من الاتفاقية، فقد قرر مجمع تشخيص مصلحة النظام إحالة هذا الاختصاص إلى مجلس الوزراء، ليقوم بتعيين الجهة المختصة بذلك رسميا.
وفي سياق متابعة مصادقة مجمع تشخيص مصلحة النظام على اتفاقية باليرمو، أجرى موقع زاد إيران حوارا مع كيوان ساعدي، الخبير في الشؤون السياسية، الذي أوضح أبعاد هذا القرار وتداعياته. وفيما يلي نصّ الحوار:
لماذا يعتبر بعض المسؤولين أن المصادقة على اتفاقية باليرمو قد تسهم في حل مشاكل القطاع المصرفي بإيران، رغم أن الدول الحليفة للغرب تواجه بدورها صعوبات في تحويل الأموال إلى إيران؟
حتى الدول التي تجمعها بإيران علاقات سياسية واقتصادية، ولا ترغب في الخضوع الكامل للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، تواجه عقبات جدية في التعاملات المصرفية مع إيران. ورغم أن المصادقة على اتفاقية باليرمو ليست حلا سحريا بحد ذاتها، إلا أنها تُعد خطوة تمهيدية يمكن أن تساهم في تسهيل المعاملات المالية الدولية، وتقليل الضغوط الخارجية المفروضة على إيران.
من المهم الإشارة إلى أن الامتناع عن الانضمام إلى هذه الاتفاقية يقتصر على عدد محدود جدًا من الدول الصغيرة وغير المؤثرة. أما غالبية دول العالم، بما فيها تلك التي لديها تحفظات، فقد انضمت إليها.
كيف تنظرون إلى المصادقة المشروطة لإيران على الاتفاقية؟ وهل تُعد كافية لضمان السيادة الوطنية؟
ما قامت به إيران من مصادقة مشروطة على الاتفاقية يمثل موقفا متوازنا. فمن جهة، تُفشل هذه الخطوة الذرائع الغربية التي كانت تتهم طهران بعدم التعاون مع النظام القانوني الدولي. ومن جهة أخرى، أعلنت إيران تحفظاتها القانونية بشكل صريح وشفاف، بما يضمن احترام سيادتها ومبادئها الدستورية.
ولا يُعد هذا النهج سابقة، إذ اتخذت العديد من الدول الأعضاء الأخرى مواقف مشابهة، حيث استخدمت حق التحفظ للانضمام إلى الاتفاقية بصورة مشروطة، بما يتوافق مع مصالحها الوطنية وأطرها القانونية.
إلى أي مدى أُخذت قضايا الأمن القومي والاستقلال الاقتصادي بعين الاعتبار في دراسة اتفاقية باليرمو؟
بحسب التقارير المنشورة، فقد خضعت اتفاقية باليرمو لدراسة معمّقة من قِبل اللجان الفنية التابعة لمجمع تشخيص مصلحة النظام، حيث تمّ تحليل أبعادها المختلفة بدقّة عالية وعلى مستوى علمي تخصصي. وقد أُدرجت في عملية التقييم اعتبارات متعددة، من بينها الأمن القومي، السيادة القضائية، الاستقلال الاقتصادي، ومبادئ الدستور الإيراني، ما انعكس بشكل مباشر على صياغة القرار النهائي.
هذا النهج الدقيق كان له أثر واضح في جلسة التصويت العلني داخل المجمع، إذ صُوّت لصالح المصادقة على الاتفاقية بأغلبية ملحوظة، وذلك بعد التأكد من إغلاق جميع الثغرات التي قد تُستغل سياسيا أو قانونيا من قبل بعض الدول ذات النوايا غير الودية.
هل تحتوي الاتفاقية على ما يمكن أن يُفسّر بشكل أحادي أو يُستغل سياسيا؟
تحتوي اتفاقية باليرمو على نحو أربعين صفحة وتضمّ ٤١ مادة، تتفرع منها بنود عديدة، وبعضها ذو طابع قانوني معقّد. ورغم ذلك، فإن صياغة الاتفاقية تعترف صراحة بحق الدول في إبداء التحفظات، وهو ما استندت إليه إيران لإرفاق شروط دقيقة وشفافة عند المصادقة.
وقد خضعت بنود الاتفاقية كافة لمراجعة دقيقة، بندا بندا، داخل المجمع، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة كلما ظهرت مؤشرات على احتمال تعارض مع الدستور أو تعريض للمصالح الوطنية للخطر. وشملت هذه الإجراءات إدراج صيغ تفسيرية وتدابير احترازية في مواضع محددة.
يمكن اعتبار المصادقة المشروطة على اتفاقية باليرمو نموذجًا للنهج الذكي والمتوازن الذي تتبعه إيران في التعامل مع المنظمات والمعاهدات الدولية. فهي خطوة تعبّر عن استعداد للتفاعل الإيجابي مع المجتمع الدولي، دون التخلي عن الركائز السيادية والمبادئ الدستورية التي تشكّل أساس السياسة الخارجية.