ترجمة: علي زين العابدين برهام
صرّح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، يوم الاثنين 24 مارس/آذار 2025، بأنه واثق بأن أحدا لن يجرؤ حتى على التفكير في الاعتداء على إيران، “لأنهم يدركون جيدا عواقب ذلك”.
جاءت هذه التصريحات في ظل تصاعد التكهنات حول كيفية إدارة التوتر في العلاقات المستقبلية بين إيران والولايات المتحدة، خاصة بعد إرسال دونالد ترامب رسالة إلى القيادة الإيرانية، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مسار التطورات السياسية بين البلدين.
نشر موقع “فرارو” الأربعاء 26 مارس/آذار 2025، تصريحات أدلى بها كل من عبد الرضا فرجي راد أستاذ الجيوسياسية والمحلل البارز في السياسة الخارجية، وجلال ساداتيان الدبلوماسي الإيراني السابق في المملكة المتحدة والخبير في الشؤون الدولية، حول أبعاد هذه التطورات.
ترامب يسعى لإخضاع الجميع بالتهديد
صرّح جلال ساداتيان لموقع فرارو قائلا: “ترامب يبذل كل جهوده لإجبار الجميع على الامتثال من خلال التهديد. لقد اتبع هذا النهج في التعامل مع قضية روسيا وأوكرانيا، ونرى الأسلوب نفسه في خطابه السياسي بشأن الشرق الأوسط، وخاصة تجاه إيران.”
وأضاف: “عندما تعامل ترامب مع زيلينسكي بطريقة مهينة في البداية، جاءت النتيجة عكسية، حيث سارع قادة الاتحاد الأوروبي إلى دعمه. ثم طُرح اقتراح وقف إطلاق النار لمدة شهر، لكن روسيا رفضته بسبب مطالبها المفرطة”.
وأشار إلى أنه بالتزامن مع ذلك، اتخذت أوروبا مواقف حازمة ضد ترامب، ليس فقط بسبب قضية أوكرانيا، بل أيضًا بسبب قضايا أخرى مثل الرسوم الجمركية، أزمة جرينلاند، انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية، وغيرها من الملفات التي حاول ترامب فرضها على أوروبا والعالم.
وذكر أنه ومع ذلك، فإن أوروبا تفتقر إلى القوة الكافية لمواجهة ترامب بشكل كامل، ومن غير المرجح أن يتطور الخلاف بين الطرفين إلى مواجهة جدية. لكن في الملف النووي الإيراني، تمتلك أوروبا وزنا كافيا لمنع تفعيل آلية “سناب باك”، بشرط أن تُحسن إيران إدارة الموقف.
وشدد على ضرورة أن تنخرط إيران في حوار فعّال مع أوروبا، خارج إطار تهديدات ترامب، قائلا: “لا ينبغي لنا الابتعاد عن أوروبا، سواء لأسباب سياسية أو اقتصادية. كما أننا لم نتخذ أي خطوة عملية لتهدئة مخاوف أوروبا بشأن الأزمة الأوكرانية. أما في الشرق الأوسط، فإن التحدي الأكبر الذي يواجهه ترامب حاليا يتمثل في الحوثيين، إلى جانب تجدد الغارات الإسرائيلية على غزة، مما زاد الأوضاع تعقيدا”.
وتابع: “من جهة، يحاول ترامب من خلال هذه الهجمات والتهديدات المتكررة التي يطلقها هو وأعضاء إدارته ضد إيران، أن يُظهر قوته. ومن جهة أخرى، يسعى إلى إجبار إيران على الرضوخ لمطالبه الثلاثة الأساسية”.

“لم نصل بعد إلى مرحلة الحرب”
صرح ساداتيان بأن مطالبة ترامب بوقف الأنشطة النووية الإيرانية بالكامل مطلب غير واقعي، موضحا أن إيران مستعدة للعمل تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد أكدت مرارًا أنها لا تسعى إلى امتلاك قنبلة نووية.
وأضاف أن التناقض في التصريحات الأمريكية، حيث يقولون تارة إن منع إيران من امتلاك القنبلة كاف، وتارة أخرى يشترطون وقف جميع الأنشطة النووية، ليس إلا محاولة لإرباك طهران ودفع مسؤوليها نحو حسابات خاطئة، حتى تتمكن واشنطن من انتزاع تنازلات لاحقا.
وأضاف أن وزير الخارجية الإيراني أشار مؤخرا إلى إمكانية التفاوض غير المباشر، مما يؤكد أن إيران لا تعارض مبدأ الحوار، لكنها ترى ضرورة أن يكون في إطار عادل وخالٍ من التهديدات. صحيحٌ أن إيران قد تُظهر بعض المرونة في الملف النووي، لكنها لن تتنازل عن برنامجها الصاروخي، كما أن موقفها من الفصائل المسلحة في المنطقة واضح، وعلى الولايات المتحدة التعامل معه بواقعية.
وأوضح، في ما يتعلق بالتكهنات حول زيارة ستيف ويتكوف لإيران، أنه يبدو أن ترامب، إلى جانب سياسة التهديد، يسعى لاختبار خيارات أخرى. كما أنه يدرك مخاوف الدول العربية من اندلاع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، فضلا عن تأثير أي تصعيد على اتفاقات “إبراهام” للتطبيع.
وأشار إلى أنه وبالنظر إلى هذه العوامل، فمن غير المرجح أن تتحول تهديدات ترامب العسكرية إلى خطوة فعلية على المدى القريب. ورغم أن الوضع لم يصل إلى مرحلة الحرب، فإن التحركات التي يقوم بها ترامب قد تكون بمثابة تمهيد لصدام محتمل.
وختم حديثه بالقول إنه “في ظل هذه المعطيات، أستبعد تماما زيارة ويتكوف لإيران. الاحتمال الأكبر هو أن تجري المفاوضات غير المباشرة في دولة أخرى، حيث يُرجَّح أن يلتقي هناك بمسؤولين إيرانيين”.

“واشنطن لا تسعى إلى الحرب”
أكد عبد الرضا فرجي راد في حديثه مع موقع فرارو، أن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة شهدت في الأسابيع الأخيرة تطورات ملحوظة، حيث بدا واضحا أن ترامب يسعى إلى تجنب التصعيد.
كما أشار إلى أن ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط والمسؤول عن متابعة الملف الإيراني، أدلى بتصريحات تحمل طابعا تصالحيا إلى حد كبير.
وأوضح أنه صحيحٌ أن ويتكوف يؤكد رفض الولايات المتحدة امتلاك إيران سلاحا نوويا، لكنه في الوقت ذاته يشدد على أن ترامب حريص على حل القضية دون اللجوء إلى المواجهة العسكرية.
وأشار إلى أن “هذه مؤشرات إيجابية، ومن وجهة نظري، تدل بوضوح على أن واشنطن لا تسعى إلى الحرب، خاصة أن إيران بدورها أكدت مرارا أنها لا تسعى إلى التصعيد أو امتلاك سلاح نووي”.
وأضاف فرجي راد أنه في إحدى مقابلاته الأخيرة، أبدى ويتكوف رغبته في زيارة إيران بنفسه أو إرسال مسؤول أمريكي آخر، ومن الواضح أن هذا التصريح ليس مجرد رأي شخصي، بل يعكس موقفا مدروسا من الإدارة الأمريكية. فقد أكد أنه ينسّق بشكل كامل مع ترامب، مما يعني أن تصريحاته تحمل رسالة رسمية من واشنطن.
وتابع أن ويتكوف ليس مسؤولا حكوميا رفيع المستوى، بل هو مبعوث خاص اختير لتسهيل الاتصالات، لذا فإن زيارته المحتملة لإيران يمكن أن تكون خطوة إيجابية، خاصةً أنه لا يشغل منصبا رسميا قد يثير حساسية سياسية. وإذا تمت زيارته، فمن المرجح أن يلتقي نواب وزير الخارجية، لا سيما أولئك الذين يسعون إلى تحسين العلاقات مع أوروبا.

زيارة ويتكوف لإيران تحمل مكاسب اقتصادية وسياسية واجتماعية
أكد فرجي راد أن زيارة ستيف ويتكوف لإيران قد تحقق عدة فوائد ملموسة، موضحا: “أولا، يمكن أن تسهم هذه الزيارة في تهدئة الأوضاع الاقتصادية، من خلال الحد من التضخم وتقليل الضغوط على سوق العملات، مما يساعد في استقرار سعر الدولار”.
وتابع: “ثانيا، ستبعث آمالا جديدة داخل إيران، مما سيكون له أثر إيجابي على المشهدين السياسي والاجتماعي. ثالثا، ستتيح لويتكوف فرصة لرؤية إيران الحقيقية، بعيدا عن الصورة المشوهة التي تروجها بعض وسائل الإعلام، مما قد يؤثر في موقفه باعتباره مقربا من دوائر صنع القرار الأمريكي”.
وأضاف أن هذه الزيارة ستكون مختلفة تماما عن المفاوضات غير المباشرة التي قد تُجرى في دول أخرى مثل عمان أو قطر. لكن ربما الأهم من ذلك هو أنها ستُحبط الجهات التي تعارض أي تحسن في أوضاع إيران، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو. يجب أن ندرك أن هناك دولا لن تكون سعيدة برؤية إيران تستعيد مكانتها.
وصرح، في ما يتعلق بإمكانية تحقق هذه الزيارة، بأنه سبق لمسؤولي وزارة الخارجية الإيرانية إجراء محادثات مع نظرائهم الأمريكيين، بل حتى لقاءات مباشرة في عمان. لذا، فإن زيارة مبعوث أمريكي مؤثر لطهران قد تكون خطوة كبيرة إلى الأمام. من وجهة نظري، هناك فرق جوهري بين استقبال هذا المبعوث في إيران ولقائه في دولة ثالثة مثل الإمارات.
وتابع: “مؤخرا، صرح عباس عراقجي بأن المفاوضات غير المباشرة ليست إشكالية، وهذا قد يمهد الطريق لتحويلها إلى مفاوضات مباشرة. بل من المحتمل أنه خلال المحادثات غير المباشرة، تعرض الولايات المتحدة بعض التنازلات، مما قد يؤدي إلى تحسن أسرع في مسار المفاوضات بمجرد أن تشعر إيران بتخفيف الضغوط”.
وختم حديثه قائلا إنه “علينا ألا نغفل عن آلية سناب باك، فالتوتر مع الأوروبيين لا يزال قائما، وإذا نجحنا في تحقيق تقدم مع الأمريكيين، فقد نتمكن من إحراز نتائج إيجابية مع الأوروبيين أيضا. يجب أن ننظر إلى هذه القضايا بمنظور شامل ومتعدد الأبعاد، وليس بشكل أحادي. فإذا كانت المفاوضات غير المباشرة قد تستغرق عاما كاملا، فإن المفاوضات المباشرة قد تُختصر إلى شهرين فقط”.