- زاد إيران - المحرر
- متميز
- 37 Views
في خضم التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط، تواصل إيران والولايات المتحدة الأمريكية مسارا تفاوضيا يأخذ طابعا غير مباشر منذ سنوات، يرافقه كثير من الشكوك والعقبات. هذه العملية التي غالبا ما، تتسم بالتأرجح بين التصعيد السياسي والانفتاح الدبلوماسي، تعكس طبيعة العلاقة المتشابكة بين الطرفين، والتي تتداخل فيها الاعتبارات النووية بالتحالفات الإقليمية، والأهداف الاستراتيجية بالمصالح الاقتصادية.
وفي ظل هذا السياق المعقد، تتبلور مرحلة جديدة من النقاشات التي تتجاوز كونها نزاعا حول برنامج نووي فحسب، لتغدو ساحة اختبار حقيقية لإرادة الطرفين في التوصل إلى تسوية متوازنة، وسط بيئة دولية مضطربة وداخلية ضاغطة، ما يجعل من كل جولة تفاوض محطة حاسمة لا تخلو من الجدل والتأويلات.
فقد صرح بدر البوسعيدي، وزير الشؤون الخارجية في سلطنة عمان، الأربعاء 21 مايو/أيار 2025، بأن الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ستُعقد يوم الجمعة الموافق 23 مايو/أيار في مدينة روما الإيطالية، الأمر الذي أكده إسماعيل بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، والذي أضاف: “إن الوفد المفاوض لإيران ثابت العزم ومصمم على متابعة حقوق ومصالح الشعب الإيراني العليا، لا سيما فيما يتعلق بالاستفادة من الطاقة النووية السلمية، بما يشمل التخصيب، ورفع العقوبات الجائرة، ولن يدّخر أي جهد أو مبادرة في هذا المجال”.

يُذكر أن أربع جولات سابقة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأمريكا قد عقدت بوساطة سلطنة عمان، منها ثلاث جولات في مسقط، بينما عُقدت الجولة الثانية في روما.
صراعات قبل الجولة
تأتي تلك الجولة في الوقت الذي اختلفت فيه وجهات النظر بين الدولتين حول تخصيب اليورانيوم، حيث صرح ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للبيت الأبيض خلال مقابلة مع شبكة “إيه بي سي نيوز” الأمريكية 17 مايو/أيار 2025، ردا على سؤال حول الشكل العام للاتفاق الذي يسعى إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع إيران، قائلا: “لقد صرّح الرئيس بشكل واضح بأنه يريد حل هذه القضية دبلوماسيا ومن خلال الحوار، وقد أظهر جميع الإشارات بهذا الخصوص. لقد أرسل رسائل مباشرة إلى المرشد الأعلى في إيران. وأنا تم إرسالي لنقل هذه الرسائل وقد أوصلتها”.

وأضاف المبعوث الخاص للبيت الأبيض: “من جهة أخرى، لدينا خط أحمر واضح وهو التخصيب. نحن لا يمكن أن نسمح حتى بنسبة 1% من قدرة التخصيب. لقد قدمنا عرضا للإيرانيين نعتقد أنه يتناول جوانب من هذه المسألة دون أن يكون فيه إهانة لهم، وهذا أمر مهم. نحن نرغب في التوصل إلى حل في هذا المجال ونعتقد أنه يمكننا ذلك، لكن من وجهة نظرنا، يبدأ كل شيء باتفاق لا يشمل التخصيب. لا يمكننا القبول بذلك، لأن التخصيب يفتح الطريق نحو التسلح النووي. لن نسمح لوصول قنبلة إلى هنا”.
ليرد عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، على تلك التصريحات قائلا: “لقد قدّمنا سابقا ردنا على المطالب غير المنطقية، وهذه التصريحات غير المعتادة لا تُساعد مسار المفاوضات، إن موقفنا واضح تماما، سيتسمر التخصيب سواء تمّ التوصل إلى اتفاق أم لا.”

وأضاف: “إذا كان الطرف الآخر يرغب في ضمان الشفافية بشأن برنامج إيران السلمي، فنحن على استعداد، لكن في المقابل عليهم رفع العقوبات الجائرة التي فرضوها بناء على مزاعم تتعلق ببرنامجنا النووي، ولكن إذا زادت مطالبهم أكثر، وكان الهدف حرمان إيران من حقوقها المشروعة، فلن يكون هناك مجال للقبول بذلك”.
في المقابل، يشهد الداخل السياسي الإيراني رفضا واسعا لوقف التخصيب، منه ما أشار إليه على خامنئي، قائد الثورة الإسلامية، في لقائه الذي عقد الأربعاء 21 مايو/أيار، حيث قال: “ما يقوله الأمريكيون بأنهم لن يسمحوا لإيران بالتخصيب النووي هو كلام فارغ وبالغ الوقاحة، وإيران ستواصل سياستها ونهجها في هذا المجال دون انتظار إذن من أحد”.

وأضاف: “إن إصرار الطرف الآخر على التفاوض المباشر هدفه الإيحاء بأن إيران استسلمت، لكن رئيسي، الرئيس الإيراني السابق والذي لقى قتل بعد تحطم طائرته في مايو/أيار 2024، لم يسمح بذلك. وقد كانت المفاوضات غير المباشرة في زمنه كما هي الآن، لكنها لم تصل إلى نتيجة، ولا نعتقد أنها ستصل، ولا نعلم ما سيحدث لاحقا”، في إشارة منه لعدم جدية المفاوضات إذا أصر الطرف الأمريكي على شرط التخصيب”.
وأضاف: “قولهم إنهم لن يسمحوا لإيران بالتخصيب النووي، كلام وقح وخاطئ، ولا أحد في إيران ينتظر إذن أحد، إن إيران تتابع سياساتها باستقلالية، والإصرار الأمريكي والغربي على منع التخصيب في إيران له أهداف حقيقية سأوضحها للشعب في مناسبة لاحقة”.
هل ستنجح الجولة الخامسة بين الندين؟ محللون يتوقعون
حول مستقبل المفاوضات في جولتها الخامسة، صرح نصرت الله تاجيك، المحلل السياسي، خلال لقائه مع جريدة اعتماد الخميس 22 مايو/أيار 2025، قائلا: “إن ظهور الخلافات بين الطرفين كان متوقعا مع تعمق المفاوضات، خصوصا حول موضوع تخصيب اليورانيوم الذي يشكل محور النقاشات الحالية، فالدبلوماسية تسير في مسار معقد، لكن استمرار الحوار يدل على أن الطرفين لم يفاجئا بالخلافات، فلكل منهما مصالح وأهداف واضحة، ولا تزال الدبلوماسية قادرة على تلبية هذه الاحتياجات رغم الصعوبات”.

ويتابع: “أما الجانب الأمريكي، فمواقفه تبدو غير واضحة ومتناقضة بين الأقوال والأفعال، نتيجة ضغوط داخلية من التيارات المتشددة وداخلية وخارجية، من إسرائيل ودول عربية وإقليمية. لذلك، هناك اختلاف كبير بين ما يُقال في الإعلام الأمريكي وما يُطرح داخل جلسات التفاوض، ما تسبب بحالة من الغموض والارتباك في سير الحوار”.
وحول أسباب تغير لهجة المسؤولين الأمريكيين تجاه البرنامج النووي الإيراني، قال تاجيك: “إن واشنطن تعيش حالة من الارتباك بين ما تريده وما ترفضه، فبينما تؤكد دعم البرنامج النووي السلمي، تطالب في الوقت نفسه بمنع التخصيب، وهذا تناقض يعكس إما عدم وضوح في القرار أو لعبة سياسية تستهدف إيران والرأي العام، مع تأثير واضح لزيارات ترامب للشرق الأوسط ويتكاف لإسرائيل وتنسيق إقليمي جديد”.
ويضيف: “بالنسبة للضغط الأمريكي، يستخدم ترامب مسارين أحدهما يتبناه اللوبي الإسرائيلي لتصعيد التوتر، والآخر سياسة الضغط الأقصى الاقتصادي والاجتماعي لإضعاف إيران من الداخل، بينما تتبع دول الخليج سياسة حذرة تدعم الضغط الاقتصادي دون تصعيد عسكري، ما يعكس توازنا دقيقا بين مصالح واشنطن وحلفائها”.
ويختتم تاجيك بقوله: “أعتقد أن الطرفين سيرجعان إلى طاولة المفاوضات رغم الصعوبات، لأن الحوار استراتيجي للطرفين، ولا يزال البرنامج النووي الإيراني يحظى بشرعية دولية ويمثل رمزية وطنية. لذلك، من المتوقع أن تستمر المفاوضات رغم التوترات، مع احتمال وجود تقلبات أو توقفات مؤقتة، لكن الحل السياسي يبقى الهدف المشترك”.
من جانبه، صرح أحمد ترك نجاد، المحلل السياسي والخبير التنفيذي، خلال لقاء مع الصحيفة نفسها، بأنه يرى أن طرح موضوع التخصيب بنسبة صفر بالمئة من قبل أمريكا هو تكتيك لكسب مزيد من المكاسب في المفاوضات، كما يرى أن تصريحات خامنئي ليست بالضرورة غلق لباب المفاوضات.

وحول مستقبل الجولة الخامسة في ظل التصريحات المتصاعدة بين الجانبين، قال ترك نجاد: “أرى أن وجود صعود وهبوط في مفاوضات حساسة بهذا القدر أمر طبيعي، كلما تقدم الطرفان، تزداد هذه التقلبات وتشتد، لأن الطرفين في اللحظات الأخيرة قبل الاتفاق يحاولان تحقيق مكاسب أكبر ومنح امتيازات أقل للطرف الآخر”.
وتابع: “فمن الطبيعي أن يتحدث ترامب عن التخصيب بنسبة صفر بالمئة، ورد القائد كان منطقيا للطرف الآخر. يجب أن نلاحظ أن القائد لم يتحدث أبدا عن وقف المفاوضات. القائد فقط رسم خطوطا حمراء لكي يعرف الطرف الآخر حدوده”.
وأضاف: “إذا استمرت المفاوضات في إطار واضح ومبني على تفاهم متبادل، فإنها بالتأكيد ستصل إلى نتيجة، وإلا ستواجه طريق مسدود، لا شك أن إيران يجب أن تتجه نحو اتفاق جاد مع أمريكا، لأن الظروف الداخلية، التي ليست بالقليلة، والتهديدات الإقليمية والعالمية كلها تملي مصلحة البلد وضرورته، ومع مراعاة الكرامة والمصلحة والحكمة، يجب أن تنتهي المفاوضات باتفاق. وبحق، لقد أظهر المفاوضون الإيرانيون حتى الآن أقصى درجات الاهتمام بهذه الاعتبارات”.
لماذا تصر الولايات المتحدة على وقف تخصيب اليورانيوم؟
في محاولة للإجابة عن ذلك السؤال، كتبت صحيفة خراسان في عددها الصادر الخميس 22 مايو/أيار 2025، تقول: “ترى الولايات المتحدة أن تخصيب اليورانيوم الإيراني لا يقتصر على بُعد تقني، بل هو رمز اقتراب من السلاح النووي، فوفقا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن قدرة إيران الحالية تمكّنها من إنتاج مواد لصنع عدة قنابل نووية خلال أقل من شهر، مما يقلص ما يُعرف بزمن الهروب إلى السلاح”.

وتتابع مستدركة: “لكن خلف الموقف الأمريكي أبعاد استراتيجية أعمق. أولا، فإن الاعتراف بحق إيران في التخصيب ولو بشكل محدود، قد يتحول إلى نموذج تحتذي به دول إقليمية كالسعودية وتركيا، ما يهدد بنشوء، ما تسميه الصحيفة، قومية نووية، قد تزعزع النظام الأمني الأمريكي في المنطقة، وثانيا فإن تخصيب إيران حتى وإن كان غير عسكري، يعتبر تهديدا وجوديا لإسرائيل التي تسعى إلى احتكار الردع النووي عبر تفوق عسكري نوعي، وترى أن أي تقليص لزمن الهروب يحد من قدرتها على ردع إيران”.
وتضيف: “كذلك، فتسعى واشنطن لاستخدام برنامج إيران النووي كورقة ضغط في ملفات مثل الصواريخ والنفوذ الإقليمي، مستغلة التخصيب كمبرر لاستمرار العقوبات. كما أن عودة إيران إلى سوق الطاقة تُقلق أمريكا اقتصاديا. وأخيرا، تمثل إيران استثناء تقنيا في عالم تحكمه الهيمنة الغربية على التكنولوجيا، ما يجعلها هدفا لسياسة “الاحتواء التكنولوجي”.