إيران تصلّي وتنتفض.. جمعة الغضب والنصر في وجه التصعيد الإسرائيلي

كتبت: رؤيا إسماعيلي

في صباح يوم الجمعة 20 يونيو/حزيران 2025، احتشد الآلاف في قلب جامعة طهران لأداء صلاة جمعة استثنائية، لم تقتصر هذه المرة على الجانب العبادي فحسب، بل جاءت أيضا بمثابة بيان شعبي صريح لدعم السيادة الوطنية ووحدة الأراضي الإيرانية في مواجهة العدوان العسكري الإسرائيلي.

ورغم التهديدات المباشرة من الجيش الإسرائيلي باستهداف المصلين، شهدت ساحة الصلاة حضورا جماهيريا واسعا. ومثلما حدث في محطات سابقة بعد الثورة الإسلامية، أثبت الشعب الإيراني مجددا أنه كلما تصاعدت التهديدات الخارجية، تزداد مشاركته في الساحات قوة وكثافة.

وكان «المجلس التنسيقي للدعاية الإسلامية» قد أعلن في الأيام الماضية عن تنظيم مسيرات بعنوان “جمعة الغضب والنصر” عقب صلاة الجمعة، في مختلف أنحاء البلاد. وكما كان متوقعا، توافد المواطنون منذ الساعات الأولى من الصباح إلى محيط جامعة طهران، من مختلف الشرائح الاجتماعية: عائلات، طلاب، عمال، متقاعدون وغيرهم، ليجسدوا موقفا وطنيا موحدا في وجه التهديدات.

حشود موحّدة في أنحاء إيران

بالتزامن مع العاصمة طهران، شهدت سائر المدن والقرى الإيرانية مسيرات حاشدة تجلّت فيها مشاهد الوحدة والتلاحم الشعبي. فقد توافد المواطنون من مختلف المناطق إلى ساحات صلاة الجمعة، ليرفعوا بصوتٍ واحد صرخة الغضب والرفض في وجه الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدين تضامنهم وثباتهم.

في مدينة الأهواز، ارتقى خطيب الجمعة المنبر مرتديا لباسا عسكريا، حاملا سلاحا على كتفه، فيما كان جمع من المصلين يرتدون الأكفان، في مشهد مؤثر يعكس وحدة الصف والاستعداد للتضحية. وفي مدينة كاشان، حضر إمام الجمعة إلى ساحة الصلاة مكفنا، بينما أقيمت صلاة جمعة “الغضب والنصر” في مشهد داخل مرقد الإمام الرضا، وسط حضور مهيب.

أما في طهران، فقد عبّر المواطنون عن دعمهم الكامل للقوات المسلحة الإيرانية المشاركة في عملية “الوعد الصادق 3” ضد المواقع الإسرائيلية، من خلال مشاركتهم الكثيفة في صلاة الجمعة والمسيرة التي أعقبتها. ورغم تهديدات الجيش الإسرائيلي، غصّت ساحة جامعة طهران بالمصلين، وامتدت صفوفهم إلى الشوارع المحيطة. وقد فُرضت إجراءات أمنية مشددة، شملت بوابات تفتيش ونقاط مراقبة، وسط انتشار واسع لقوات الأمن، ما يعكس خصوصية هذا اليوم.

وكان من بين الحاضرين الفنان الإيراني المعروف “هداية هاشمي”، الذي شوهد عند دخوله إلى ساحة الجامعة للمشاركة في الصلاة. وقال في تصريح لمراسلنا: “نحن، شعب إيران، نقف صفا واحدا، ونتجاوز المحن متكاتفين”.

كما رُصد حضور “محمد رضا نقدي”، معاون التنسيق في الحرس الثوري، وهو يرتدي الزي العسكري وسط الجموع. ومع انطلاق صوت الأذان، علت الهتافات في الساحة: “الموت لإسرائيل”، و”الانتقام، الانتقام”، إيذانا ببداية خطب الجمعة في مشهد طغى عليه الغضب والعزم.

صوت الناس في وجه الحرب وتأكيد مكانة الأسرة والمقاومة

في ظل الحشود، كان رجل خمسيني يقف في ظل جدار، مرتديا لباس عمل رماديا، يراقب الجمع بعينين مليئتين بالترقب. قدّم نفسه قائلا: «أنا حسن، عامل في مصنع بجنوب طهران»، ثم أضاف في حديثه لمراسل زاد إيران: «نحن العمال من المهم لنا أن نعرف من يقف إلى جانبنا. جئت اليوم لأقول إننا في هذه الحرب لسنا وحدنا”.

ومع بدء خطبتي الجمعة، اعتلى إمام جمعة طهران، حجّة الإسلام حاج علي أكبري، المنبر بصوت جهوري راسخ، وقال مخاطبا الجموع:
“إنّ عدوان إسرائيل  جاء في ظل مفاوضات غير مباشرة كانت جارية بين إيران والولايات المتحدة. لقد حدث هذا العدوان بعد مكالمة بين نتنياهو وترامب الذي كان يدّعي معارضته للحرب. لكن ما حصل يُثبت أن زمن المفاوضات قد انتهى؛ ولن يتجرأ أحد بعد الآن على التفاوض أو حتى التفكير فيه”.

وفي قسم النساء، كانت سيدة في الثلاثين من عمرها تحتضن طفلها الصغير، والدموع تنساب بصمت على وجنتيها مع كل جملة من خطبة الإمام. وحين سألناها عن سبب حضورها، أجابت:
“أشعر بالخوف من الحرب، لكن لا يمكنني البقاء في البيت بينما العدو يهاجمنا. يجب أن نكون سندا لبلدنا”.

أما الخطبة الثانية، فتركّزت حول دور الأسرة والمقاومة الثقافية، حيث قال حاج علي أكبري:
“إن مدرسة الإسلام هي مدرسة الأسرة، ونحن بحاجة إلى أن نواجه الحرب الثقافية كما نواجه الحرب العسكرية. غدا يوم الأسرة، وفي الثقافة الإسلامية تُعدّ الأسرة نواة المجتمع، وفقهنا قائم على مركزية الأسرة. في هذه الأيام، هناك حرب ناعمة وشاملة تستهدف كيان الأسرة، ولا بد أن نكون يقظين”.

ما بعد الصلاة: الغضب يتحوّل إلى مسيرة شعبية ورسائل من قلب الشارع الإيراني

مع انتهاء صلاة الجمعة، نهضت الجموع على وقع الشعارات التي بدأت ترتفع تدريجيا بصوت أعلى وأكثر تناغما. وسرعان ما بدأت الحشود تدوس بأقدامها أعلام إسرائيل والولايات المتحدة، في تعبير واضح عن الرفض والغضب. وانطلقت أعداد كبيرة من المصلين نحو شارع “الثورة”، حيث بدأت مسيرة جماهيرية تلقائية عقب الصلاة.

في أحد زوايا المسيرة، وقف شاب يحمل حقيبة ظهر ويرتدي قميصا أبيض. قدم نفسه باسم «علي، طالب هندسة»، وقال لمراسل زاد إيران:
“نحن شعب عريق، وإن وُجدت خلافات داخلية، فنحن من يحلّها. إسرائيل هاجمت بهدف دفع الناس إلى الشوارع لإسقاط النظام، لكن ما حدث هو العكس: الناس خرجوا لإعلان نهاية إسرائيل”.

وتحت ظلال الأشجار قرب كلية الحقوق، جلست امرأة مسنّة. وما إن اقترب منها مراسلنا، حتى ابتسمت قائلة:
“أنا دائما أشارك في صلاة الجمعة، لكن هذه المرة كانت مختلفة. شعرت أن عليّ أن أُظهر حضوري للعدو، وأثبت أنني هنا”.

وفي الساحة المقابلة للبوابة الرئيسية للجامعة، تجمع عدد من الطلاب في حلقة يناقشون خطبة الإمام. وقالت إحدى الطالبات، عرّفت نفسها باسم «سمين، طالبة ماجستير في التاريخ:
“أكثر ما أثّر فيّ هو تكرار الإمام لعبارة: (لا أحد سيفاوض، ولا أحد يجرؤ أو يُؤذن له بذلك). أعتقد أن الرسالة كانت واضحة للجميع”.

بحسب بعض المراقبين، فقد جمعت المسيرة التي أعقبت صلاة الجمعة في شوارع محيطة بجامعة طهران، عشرات الآلاف من المشاركين. ورفع المتظاهرون لافتات تحمل شعارات مثل: «القدس منتصرة» و”يجب محو إسرائيل”.

حضور جرحى الحرب الإيرانية العراقية) حمل رسالة واضحة مفادها أن روح الأمل والتضامن ما تزال حيّة في قلوب الإيرانيين. وفي ميدان فلسطين، وقف رجل ذو لحية بيضاء مرتديا زي الباسيج، وقدّم نفسه بصفته «قائدا متقاعدا في الحرس الثوري»، وقال:
“حضرت من أجل رفاقي في السلاح. نحن قاتلنا ونعرف من هو العدو. وعلى الشعب أن يدرك أننا لا نزال ندعم هذا النظام بكل قوتنا”.

وبين صفوف المتظاهرين، شوهدت شابة تحمل صور شهداء الهجوم الإسرائيلي الأخير. عرّفت نفسها باسم «مريم، طالبة علوم سياسية»، وقالت:
“أعتقد أن مشاركة النساء في هذه التظاهرة مهمة جدا، وتُظهر أن كل شرائح المجتمع تشعر أن القضية تمسّها مباشرة”.

ومع مرور الساعات، لم تتفرّق الحشود. بل على العكس، بدأ ترديد شعار جديد: «الاستسلام خيانة، والمقاومة كرامة». كان لهذا الشعار وقع خاص لدى أحد الحاضرين من جيل متوسط، فقال بحماس:
“الكرامة عندنا أغلى من كل شيء. وسنبقى مع هذه الدولة حتى النهاية”.

لقد تحوّلت صلاة الجمعة، في 20 يونيو/حزيران، في طهران وسائر مدن البلاد، إلى ما هو أبعد من طقس عبادي؛ أصبحت تظاهرة وطنية صاخبة في دعم السياسات الخارجية الإيرانية في مواجهة إسرائيل.
ذلك الانسجام اللافت بين الخطيب، والجمهور، والشارع، جعل من هذا اليوم جمعة خالدة في الذاكرة الجماعية للإيرانيين.

لقد كانت صلاة الجمعة لهذا الأسبوع مزيجا نادرا من الإيمان، والاحتجاج، والوضوح، والوحدة. ومن بين الهتافات والصور والشهادات، يمكن استشراف شعور عام بأن هذه الصلاة قد تكون بداية مرحلة جديدة من المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.