- يسرا شمندي
- 20 Views
قالت موقع فرارو المعتدل، السبت 31 مايو/أيار 2025، إن الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية اللاتفية بواشنطن والمحلل البارز في الشؤون الدولية بمعهد كوينسي، دار ممدوف، قال في تقرير نقلته مجلة ريسبونسيبل ستيت كرافت عن موقع فرارو، إن فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وفي خطوة تذكّر بحسابات خاطئة في الماضي، قاموا مجددا بتصعيد التوتر مع طهران عبر التهديد بتفعيل آلية إعادة فرض العقوبات التلقائية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي (المعروفة بآلية الزناد أو سناب باك).
وأضاف أن هذه الدول الثلاث ترى في هذا التهديد وسيلة للضغط على إيران من أجل تقديم تنازلات في برنامجها النووي، إلا أن محللين يحذرون من أن هذا النهج لا يهدد فقط بإفشال المسار الدبلوماسي، بل قد يدفع منطقة الشرق الأوسط نحو أزمة أعمق.
أوروبا.. الشرطي السيئ
أكد الموقع أن فرنسا تتصدر مجددا تحرك أوروبا لزيادة الضغط على إيران، حيث تلعب دور الصوت المتشدد بين الدول الأوروبية الثلاث. ويُذكّر هذا الموقف بالنهج الصارم الذي اتبعته باريس خلال مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015.
وأضاف أنه في اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي عُقد نهاية أبريل/نيسان 2025 وخُصِّصَ لموضوع انتشار الأسلحة، شدَّد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، بنبرة تحذيرية أنه في حال فشل المحادثات بين إيران والولايات المتحدة، فإن فرنسا وشركاءها الأوروبيين لن يترددوا لحظة في إعادة فرض جميع العقوبات التي تم رفعها خلال العقد الماضي.
وتابع أنه في الوقت الذي تقود فيه فرنسا الجبهة الدبلوماسية الأوروبية ضد إيران بمواقفها التصعيدية، يبدو أن السفير البريطاني النافذ وصريح اللهجة في الولايات المتحدة بيتر مندلسون، قد انحاز أيضا إلى جناح من صانعي السياسات المتشددين في واشنطن الذين يطالبون بوقف كامل لتخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية؛ وهو خط أحمر كانت طهران قد أكدت مرارا أنه غير قابل للتفاوض.
وأفاد بأنه هذه المواقف قد تحولت إلى العقبة الأهم أمام المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، لتواجه ردا سريعا وحادا من طهران. إذ حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بجدية أنه إذا أصبحت سياسة التخصيب الصفري موقفا رسميا للدول الأوروبية الثلاث، فإن إيران ستوقف المفاوضات معها فورا.
وأوضح أنه في تحوُّل غير متوقع قد باتت الدول الأوروبية الثلاث، التي كانت ذات يوم في طليعة المسار الدبلوماسي المؤدي إلى الاتفاق النووي (برجام)، تتحرك الآن خطوة بخطوة مع المتشددين في واشنطن؛ وهي التيارات نفسها التي عارضت الاتفاق النووي منذ البداية. وهناك استراتيجيتان متضادتان آخذتان في التشكل:
أ) مسار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب–والمبعوث الأمريكي في إدارة ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي يُظهر بوادر رغبة حقيقية في التوصل إلى اتفاق مع طهران؛ لدرجة أن ترامب وجّه تحذيرا علنيا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطالبا إياه بالامتناع عن اتخاذ إجراءات تهديدية ضد هذا الاتفاق.
ب) مسار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو وحلفائه الأوروبيين، الذين يُصرّون على تصعيد الضغوط بدلا من التفاوض. ونظرا لعدم قدرة الولايات المتحدة على تفعيل آلية سناب باك بسبب انسحابها من الاتفاق النووي، يسعى روبيو حاليا إلى دفع أوروبا لتفعيل هذه الآلية نيابة عنها.

وسلَّط الضوء على تصريحات جان نويل بارو، التي تؤكد عدم وجود حل عسكري للملف النووي الإيراني رغم ضيق طريق الدبلوماسية، تبدو أقرب إلى مناورة سياسية منها إلى تعبير عن واقع حقيقي. وهذا الموقف يتماشى بوضوح مع آراء المسؤول السابق في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، الذي دعا في وقت سابق إلى تحديد مهلة نهائية للمفاوضات ترافقها تهديدات عسكرية جدية.
مقترحات منتدى حوار طهران لحل الأزمات
وذكر الموقع أن التجربة التاريخية تُظهر أن الضغط لا يدفع إيران للتراجع بل يجعل مواقفها أكثر ثباتا. والحقائق تؤكد ذلك: بالرغم من أن مستوى التخصيب في إيران وصل إلى 60٪، إلا أن طهران أكدت مرارا أنه مع الاعتراف بحق التخصيب الداخلي، فهي مستعدة للتفاوض حول جميع الجوانب.
وهذا يعني أن هناك مساحة كبيرة للحوار بشأن التفاصيل الفنية مثل تحديد سقوف جديدة للتخصيب، ومراجعة بنود غروب الشمس، وإدارة مخزون اليورانيوم المُخصب، وتعزيز آليات التحقق.
وأضاف أنه في مجمع حوار طهران الذي عُقد الأسبوع الماضي، تم طرح عدة اقتراحات للخروج من المأزق الحالي:
أ- خطة غير رسمية (مع التأكيد على أنها من مصدر غير حكومي) لتعليق مؤقت لعملية التخصيب كخطوة لبناء الثقة، مع نقل مخزون اليورانيوم إلى روسيا في حال استُؤنفت عمليات التخصيب.
ب- فكرة تشكيل تكتل إقليمي لعمليات التخصيب مع الحفاظ على حق إيران في مواصلة أنشطتها النووية
ذكرت بعض المصادر المطلعة وجود رغبة غير رسمية لدى المسؤولين الإيرانيين في إيقاف جزء من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. أما بالنسبة للقيود طويلة الأمد، فعلى الرغم من أن إيران تعارض بشكل عام القيود الدائمة، فإن تمديد بنود غروب الشمس لمدة 5 إلى 10 سنوات قد يُطرح على الطاولة.
وتابع أن هذا الاتفاق سيعتبر إنجازا سياسيا أكبر لترامب مقارنة باتفاقية الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما النووية. وكما تم إحراز تقدم ملحوظ في مجال الرقابة، حيث أعلنت إيران لأول مرة استعدادها للسماح للمفتشين الأمريكيين بالدخول إلى منشآتها النووية ضمن إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أوروبا.. الرهينة النووية
أورد الموقع أن التحولات الحالية تشير إلى استمرار أجواء الدبلوماسية، في حين يبدو الإصرار على فرض مهل زمنية مصطنعة من قِبل المتشددين والدول الأوروبية الثلاث غير مبرر وغير عقلاني. كما أن معالجة الخلافات القديمة بين الطرفين عبر جولات تفاوضية محدودة في مسقط أو روما أمر غير واقعي، إذ إن بناء الثقة يتطلب وقتا.
ومع ذلك، فإن أولوية الدول الأوروبية الثلاث لا تبدو في إدارة الأزمة النووية، بل في استخدام أدوات الضغط كغاية في حد ذاتها وهذا النهج يعكس في المقام الأول رغبة أوروبا في معاقبة إيران لأسباب تتجاوز الملف النووي.
وبيَّن أن اتفاقية فيينا النووية لم تكن قط وعدا بحل كل الخلافات مع إيران؛ بل كانت اتفاقا محدودا يركز على عدم انتشار الأسلحة النووية. واحتجاز الدبلوماسية النووية كرهينة لتحقيق مطالب ثانوية يؤدي فقط إلى انهيار هذا الإطار، ومع سقوطه، لن يصبح من الممكن السيطرة على برنامج إيران النووي فحسب، بل ستستمر أيضا السياسات الأخرى التي ترفضها أوروبا.
وأفاد بأن طهران حذرت من أن تفعيل آلية الزناد من قبل أوروبا سيقابَل بـ”رد فعل قوي” من إيران. كما أن الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) هو أحد السيناريوهات المحتملة، وهو إجراء سيوقف تماما الرقابة الدولية على الأنشطة النووية الإيرانية.
وأوضح أن هذا السيناريو سيضعف الحكومة المعتدلة الحالية التي تتعرض بالفعل لاتهامات من التيار المتشدد بـالانتهازية غير المناسبة، بما في ذلك الرغبة في العودة المؤقتة إلى قيود التخصيب في فترة الاتفاق النووي.
وأضاف أنه، في تكرارٍ للدورة المألوفة خلال الأيام الأخيرة من حكومة الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، يُتوقع أن يستعيد المحافظون هيمنتهم مجددا، لكن هذه المرة عبر تشديد السياسات التي تسعى أوروبا لاحتوائها، مثل تسريع البرنامج النووي وتعميق التعاون الاستراتيجي مع موسكو.
وفي الختام أشار الموقع إلى أن التهديد بتفعيل آلية الزناد من قبل أوروبا ليس فقط غير عقلاني، بل يتعارض مع مصالح الاتحاد نفسه. فالأوروبيون الذين يعانون حاليا من تداعيات حرب أوكرانيا لا يمتلكون القدرة على التعامل مع أزمة جديدة قابلة للتجنب. وإذا كانت القوى الأوروبية الثلاث غير قادرة على تسهيل الحوار بين إيران والولايات المتحدة، فعلى الأقل يجب ألا تعمل عن قصد على تدمير مسار الدبلوماسية.