- ربيع السعدني
- 21 Views
كتب: ربيع السعدني
كان القادة الإيرانيون الكبار يخططون منذ أكثر من أسبوع لاحتمال وقوع هجوم إسرائيلي في حال فشل المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، لكنهم ارتكبوا خطأً فادحًا واحدًا.
لم يتوقعوا إطلاقًا أن تبادر إسرائيل بالضربة قبل الجولة التالية من المحادثات التي كان من المقرر عقدها الأحد الماضي، 15 يونيو/ حزيران 2025 في سلطنة عُمان بحسب مسؤولين مقربين من القيادة الإيرانية، وقد اعتبروا التقارير التي تحدثت عن هجوم وشيك مجرد دعاية إسرائيلية تهدف إلى الضغط على إيران لتقديم تنازلات في برنامجها النووي خلال تلك المحادثات.
ورجح المسؤولون أن هذا الاطمئنان قد دفع هؤلاء القادة الى تجاهل الاحتياطات التي كان قد تم التخطيط لها مسبقًا، هذه الرواية بشأن كيفية استعداد المسؤولين الإيرانيين قبل أن تنفذ إسرائيل هجماتها الواسعة يوم الجمعة 13 يونيو/ حزيران 2025، وكيف كانت ردود أفعالهم لاحقًا، تستند إلى مقابلات مع ستة مسؤولين إيرانيين كبار واثنين من أعضاء الحرس الثوري.
وقد طلب جميعهم عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية المعلومات، وقال المسؤولون لصحيفة “وول ستريت جورنال” إن قادة عسكريين بارزين لم يتوجهوا إلى الملاجئ الآمنة ليلة الهجوم الإسرائيلي، بل بقوا في منازلهم، في قرار مصيري، كما تجاهل اللواء أمير علي حاجي زادة، قائد القوات الجوفضائية في الحرس الثوري، مع كبار معاونيه، تعليمات بعدم التجمع في مكان واحد، فعقدوا اجتماعًا طارئًا للحرب في قاعدة عسكرية بطهران، وقُتلوا جميعا عندما استهدفت إسرائيل القاعدة.
خطة طهران المستحيلة

وكانت خطة إيران في البداية إطلاق ألف صاروخ باليستي على إسرائيل في آن واحد، لكن ضربات إسرائيل على قواعد الصواريخ جعلت من المستحيل نقل الصواريخ بسرعة من المخازن إلى منصات الإطلاق وبحلول مساء الجمعة، 13 يونيو/ حزيران 2025 كانت الحكومة الإيرانية بدأت بالكاد تدرك حجم الأضرار التي لحقت بها جراء الحملة العسكرية الإسرائيلية التي بدأت في ساعات الصباح الأولى واستهدفت ما لا يقل عن 15 موقعًا في أنحاء البلاد، بما في ذلك في أصفهان، وتبريز، وعيلام، ولرستان، وبروجرد، وقم، وأراك، وأرومية، وقصر شيرين، وكرمانشاه، وهمدان، وشيراز.
وقد دمرت إسرائيل جزءًا كبيرًا من قدرات الدفاع الإيرانية، بما في ذلك الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي؛ وأعاقت وصول إيران إلى ترسانتها من الصواريخ الباليستية؛ وقضت على شخصيات رفيعة في التسلسل القيادي العسكري، كما تعرض الجزء السطحي من منشأة نطنز الكبرى لتخصيب اليورانيوم لأضرار جسيمة.
وفي رسائل نصية خاصة شاركها مسؤولون مع صحيفة نيويورك تايمز، كان بعضهم يسأل الآخر بغضب: “أين دفاعاتنا الجوية؟” و”كيف يمكن لإسرائيل أن تأتي وتضرب ما تشاء، وتقتل قادتنا الكبار، ونحن عاجزون عن إيقافها؟” كما طرحوا تساؤلات بشأن الإخفاقات الاستخباراتية والدفاعية الكبيرة التي أدت إلى عجز إيران عن رصد الهجمات قبل وقوعها، وما نجم عنها من دمار.
وقال حميد حسيني، عضو لجنة الطاقة في غرفة تجارة إيران، في مقابلة هاتفية من طهران: “لقد فاجأت هجوم إسرائيل القيادة بالكامل، خاصةً بقتل كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين، كما كشف الهجوم عن نقصنا في الدفاع الجوي المناسب وقدرتهم على قصف مواقعنا الحيوية وقواعدنا العسكرية دون مقاومة”.

وأضاف حسيني، المقرب من الحكومة، أن التسلل الظاهر لإسرائيل إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية في إيران صدم المسؤولين أيضًا، فقد نفذت إسرائيل عمليات سرية في إيران ضد أهداف عسكرية ونووية، واغتيالات مستهدفة ضد العلماء النوويين على مدى عقود كجزء من حربها الخفية مع إيران، لكن الهجوم المعقد والمتعدد المحاور يوم الجمعة 13 يونيو/ حزيران 2025، الذي شمل طائرات مقاتلة وعملاء سريين قاموا بتهريب أجزاء صواريخ وطائرات مسيرة إلى البلاد، يشير إلى مستوى جديد من النفوذ والقدرة.
وقال المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي نُقل إلى مكان آمن غير معلن وظل على اتصال مع كبار المسؤولين العسكريين المتبقين، في خطاب متلفز إن إسرائيل أعلنت الحرب على إيران بهجماتها، وبينما كان يتحدث متوعدًا بالانتقام والعقاب، شنت إيران عدة موجات من الهجمات الصاروخية على تل أبيب والقدس، وقال خامنئي: “لا ينبغي لهم أن يظنوا أنهم هاجموا وانتهى الأمر لا، هم من بدأوا، هم من بدأ الحرب، لن نسمح لهم بالفرار من هذه الجريمة سالمين”.
وعقد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وهو مجلس مكون من 23 عضوًا مسؤول عن قرارات الأمن القومي، اجتماعًا طارئًا في وقت سابق من صباح الجمعة، 13 يونيو/ حزيران 2025 لمناقشة كيفية رد البلاد.
وقال خامنئي خلال الاجتماع إنه يريد الانتقام لكنه لا يريد التصرف بتهور، وفقًا لمسؤولين اثنين مطلعين على المناقشات، وظهرت انقسامات بشأن توقيت وكيفية رد إيران، وما إذا كانت قادرة على تحمل حرب طويلة الأمد مع إسرائيل قد تشرك الولايات المتحدة، خاصةً بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت بقدراتها الدفاعية والصاروخية وقال مسؤول خلال الاجتماع إنه إذا ردت إسرائيل بهجوم على بنى إيران التحتية أو منشآت المياه والطاقة، فقد يؤدي ذلك إلى احتجاجات أو اضطرابات.

بينما قال عضو في الحرس الثوري مطلع على الاجتماع إن المسؤولين أدركوا أن خامنئي يواجه لحظة حاسمة في حكمه الذي استمر ما يقرب من 40 عامًا: عليه أن يقرر بين اتخاذ إجراء، مع المخاطرة بحرب شاملة قد تنهي حكمه، أو التراجع، وهو ما سيُفسر داخليًا ودوليًا على أنه هزيمة.
وقال علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: “خامنئي لا يواجه خيارات جيدة، وإذا قام بالتصعيد، فإنه يخاطر بدعوة هجوم إسرائيلي أكثر تدميرًا قد تنضم إليه الولايات المتحدة وإذا لم يفعل، فإنه يخاطر بتقويض نظامه أو فقدان السلطة”.
وأمر خامنئي الجيش الإيراني بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وكانت الخطة في البداية إطلاق ما يصل إلى ألف صاروخ باليستي على إسرائيل لإرباك دفاعها الجوي وضمان أكبر قدر من الضرر، وفقًا لاثنين من أعضاء الحرس، لكن ضربات إسرائيل على قواعد الصواريخ جعلت من المستحيل نقل الصواريخ بسرعة من المخازن إلى منصات الإطلاق.
في النهاية، لم تتمكن إيران من حشد أكثر من حوالي 100 صاروخ في أول موجات هجماتها، وتم استهداف ما لا يقل عن سبعة مواقع حول تل أبيب، مما أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة ما لا يقل عن 20 آخرين، وتسبب في أضرار للمباني السكنية.
في ساعات الصباح الأولى من يوم السبت، 14 يونيو/ حزيران 2025 استأنفت إسرائيل هجماتها على طهران، وقال بعض السكان، من بينهم فاطمة حسني التي تعيش في حي ميرداماد، إنهم سمعوا طائرات مسيرة تحلق فوق رؤوسهم وأصوات انفجارات متواصلة تلتها أصوات دفاعات جوية تطلق النار في شرق ووسط طهران.

وقالت مهسا، مهندسة كمبيوتر تبلغ من العمر 42 عامًا وتعيش في شمال العاصمة طهران، والتي لم ترغب أيضًا في الكشف عن اسمها الكامل خوفًا على سلامتها، إنها وعائلتها لم يتمكنا من النوم، لم يكونوا يسمعون فقط الانفجارات، بل كانوا يرون أيضًا آثار النيران والدخان من نافذتهم، وقالت: “نحن في وسط حرب، وهذا واضح للجميع، ولا نعلم إلى أين ستصل أو كيف ستنتهي”.
على الجانب الآخر قال كين بولوك نائب رئيس السياسات في معهد دراسات الشرق الاوسط إن قلقه الأكبر هو ما يتعلق بالمدى الطويل، الإسرائيليون بارعون تكتيكيًا، ولا شك لدي أن هذه العملية ستلحق ضررًا كبيرًا بالبرنامج النووي الإيراني كما هو الآن، لكن من الصعب جدًا تحديد مدى تأثيرها فإذا فشلت إسرائيل في تدمير منشأة فوردو، فإن قدرة إيران على التخصيب ستبقى سليمة إلى حد كبير.
وهذا يعني أن الضربات ربما لن تؤخر البرنامج الإيراني كثيرًا، وأرجع كبير الباحثين في معهد الشرق الاوسط أليكس فاتانكا لصحيفة نيويورك تايمز ما حدث إلى وجود تقدير في واشنطن وفي اسرائيل بان المحادثات مع إيران لن تؤدي الى شيء وأن ايران تحتاج إلى صدمة ولابد من هزها من الداخل وهذا ما تهدف إليه هذه الاغتيالات والهجمات وما فعله الإسرائيليون مع القادة الإيرانيين باغتيالهم وهم في غرف نومهم يفوق خمسة أضعاف ما فعلوه مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.