- دنيا ياسر
- 10 Views
نشرت صحيفة “جوان أونلاين” الإيرانية الأصولية التابعة للحرس الثوري، الاثنين 2 يونيو/حزيران 2025، تقريرا استعرضت فيه الأبعاد الاستراتيجية، القانونية، والتقنية لتمسّك إيران بحقها في تخصيب اليورانيوم، ويبرز دوره في تحقيق الردع التكنولوجي والاستقلال في تأمين الطاقة والطب النووي. كما سلّط الضوء على تأثير هذه القدرة في تعزيز مكانة إيران التفاوضية والإقليمية.
ذكرت الصحيفة أن بداية النزاع النووي بين الغرب وإيران تعود إلى عام 2003، أي قبل 22 عاما. وخلال هذه السنوات، سعت إيران باستمرار إلى إثبات حسن نيتها للطرف الغربي من خلال الشفافية في أنشطتها النووية السلمية، وقبول عمليات التفتيش الفني تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بهدف بناء الثقة. ومع ذلك، فإن الدول الغربية، استنادا إلى ادعاءات غير موثّقة، هي من سعت إلى عرقلة مسار التخصيب السلمي في إيران.
وتابعت أن هذا التقرير يهدف إلى الابتعاد عن الضوضاء السياسية المحيطة بالملف النووي، ويعمل على توضيح وتفسير أهمية التخصيب كحق قانوني لا يمكن التنازل عنه.
التخصيب ودوره في ضمان الاستقلال الصحي والتكنولوجي
أردفت الصحيفة أن القدرة المحلية على تخصيب اليورانيوم تمثل حجر الزاوية في تأمين وقود مستدام لمفاعلات البحث العلمي الإيرانية، التي تؤدي دورا أساسيا في إنتاج العلاج الاشعاعي لأكثر من مليون مريض إيراني سنويا، حيث تُستخدم هذه الأدوية في علاج أمراض السرطان، القلب، والاضطرابات العصبية.
وأضافت أن غياب الاستقلال في تأمين وقود هذه المفاعلات يجعل البلاد عرضة لاعتماد استراتيجي على مصادر خارجية، وهو ما قد يؤدي إلى انقطاع أو تأخير في إنتاج الأدوية المشعة، وبالتالي عرقلة علاج المرضى والإضرار الجسيم بالصحة العامة. واستشهدت بحادثة عدم التزام بعض القوى الكبرى بتوفير وقود مفاعل طهران، كمثال صارخ على هذا النوع من الهشاشة والاعتماد.
وتابعت أن إيران لا تكتفي الآن بامتلاك القدرة الصناعية على تصميم وإنتاج وقود مفاعلات الطاقة، بل إنها قطعت خطوات استراتيجية في بناء محطات الطاقة النووية، ضمن مشروع إنتاج 20 ألف ميغاواط من الكهرباء. وقد شكّل هذا التقدم مفاجأة للدوائر الغربية، التي تحاول بكل وسيلة منع إيران من الوصول إلى هذه المرحلة من القدرة والظهور في هذا المجال.
التخصيب كأداة ردع ناعمة
أوضحت الصحيفة أن من بين الأبعاد الأخرى التي يمنحها امتلاك إيران لحق التخصيب، هو تعزيز قدرتها على التفاوض الدولي. إذ إن القدرة التقنية والعملية على تخصيب اليورانيوم – لا سيما إمكانية رفع أو خفض مستويات التخصيب وفقا للظروف – تشكل أداة دبلوماسية فعالة تُعزز من موقع إيران التفاوضي، سواء في الاتفاق النووي السابق أو في المفاوضات الحالية والمستقبلية.
وأضافت أن هذه القدرة التقنية ليست مجرد امتياز علمي، بل هي شكل مشروع من أشكال الردع الناعم، الذي يتيح لإيران المشاركة النشطة والمرنة والموجّهة في الترتيبات الأمنية والسياسية على المستوى الدولي. وتمكّن قابلية تعديل مستويات التخصيب- ضمن الإطار القانوني الدولي- إيران من اتخاذ سياسات مضادة وشرعية استنادا إلى التزام أو نكث الأطراف الأخرى لتعهداتها.
وتابعت أن هذه الآلية لا تعزز فقط من وزن إيران على طاولة المفاوضات، بل تبعث برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي: إيران دولة ذات قدرة تقنية عالية، قرارها مستقل، وإرادتها السياسية حاضرة، وهي قادرة على الدفاع عن حقوقها المشروعة ومصالحها الوطنية ضمن أطر القانون الدولي.
الردع التكنولوجي كبديل للردع العسكري
أشارت الصحيفة إلى أن تمكّن إيران من تقنيات تخصيب اليورانيوم، ورغم أنه ضمن الاستخدامات السلمية وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإنه يولّد بطبيعته نوعا من “الردع الاستراتيجي التكنولوجي”. هذا النوع من الردع، بخلاف الردع العسكري التقليدي، هو ردع وقائي، غير هجومي، مشروع، ويرتكز على التكنولوجيا.
وأكدت أن إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي ولا ترى فيه حاجة، لكن رسالتها من خلال قدراتها التكنولوجية المحلية واضحة: إيران تمتلك القدرة على الدفاع عن مصالحها في مواجهة الضغوط والتهديدات”، وهو جوهر الردع التكنولوجي في القرن الحادي والعشرين.
تابعت أن تطوير التكنولوجيا النووية أسهم في إنشاء منظومة علمية وتكنولوجية متكاملة، تسمح بالتقدم في مجالات متعددة، وتسهل تطبيق التكنولوجيا على المستوى الصناعي. وهذا التعاون بين التخصصات يرفع من مستوى المعرفة والمهارات العلمية الوطنية، ويفتح المجال أمام انتقال المعرفة إلى قطاعات صناعية متقدمة أخرى.
المكاسب الاقتصادية للتخصيب المحلي
وبينت أنه من الناحية الاقتصادية، فإن تمكّن إيران من عملية التخصيب داخليا يلغي الحاجة إلى الاعتماد على المورّدين الأجانب، ويؤدي إلى خفض تكاليف إنتاج الوقود. هذا الخفض في التكاليف يتيح إنتاج الوقود النووي والأدوية المشعة بأسعار أقل، مما يعزز الاستدامة الاقتصادية للصناعات المرتبطة بالطاقة النووية.

تثبيت مكانة إيران الاستراتيجية وحقها المشروع
ذكرت الصحيفة أن إيران، بصفتها الدولة الوحيدة في غرب آسيا التي تمكنت من تطوير تقنية تخصيب اليورانيوم على أساس المعرفة المحلية، اكتسبت مكانة استراتيجية متميزة بين دول العالم النامي. فبينما لا تزال معظم دول المنطقة، رغم امتلاكها للموارد المالية، تعتمد بالكامل على القوى الخارجية في مراحل تطوير دورة الوقود النووي، تجاوزت إيران هذه المرحلة بنجاح.
وتابعت أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) تمنح الأعضاء غير النوويين الحق المشروع في تطوير دورة الوقود النووي وتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية. وقد استطاعت إيران أن تدافع عن هذا الحق من موقع قانوني ومشروع، وتواصل برامجها النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
نموذج مقاوم وملهم للدول النامية
أضافت الصحيفة أن هذا النهج جعل من إيران رمزا للدفاع النشط عن حقوق الدول النامية في الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة. كما أن إنجازاتها في تخصيب اليورانيوم اعتمادًا على الموارد الداخلية، رغم الحصار والعقوبات، قدّمت نموذجا في “التقدم المقاوم” والاستقلال التكنولوجي، وأصبحت مصدر إلهام للدول الإسلامية والمستقلة الأخرى.
وتابعت أن امتلاك إيران لتقنية التخصيب ودورة الوقود النووي الكاملة عزّز دورها كلاعب محوري في المعادلات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية. هذه القدرة لم ترفع فقط من مستوى التفاوض الإيراني، بل أنشأت أيضا ردعا استراتيجيا، ورسّخت مكانة إيران كقوة علمية وتكنولوجية مستقلة على الساحة الدولية.
التخصيب: خيار استراتيجي متعدد الأبعاد
أردفت الصحيفة أن تخصيب اليورانيوم في إيران ليس مجرد إجراء تقني، بل هو أداة استراتيجية لتعزيز المكانة الوطنية في النظام الدولي المتعدد الأقطاب، ولمواجهة الهيمنة القائمة على التفوق التكنولوجي. فهذه التقنية تمثل ظاهرة “متعددة الأبعاد” تقف عند تقاطع أربعة مجالات أساسية:
أولا: الاستقلال العلمي: إذ يُعد تخصيب اليورانيوم من أعقد التقنيات عالميًا، ويعكس نضوج البنية التحتية المعرفية الإيرانية في مجالات مثل الفيزياء النووية والهندسة الدقيقة وتقنيات الفراغ.
ثانيا: الأمن الطاقي: أسهمت هذه التكنولوجيا في تطوير سلسلة من الصناعات المتقدمة، ووفّرت فرص عمل متخصصة، وساهمت في تقليص الاعتماد على الخارج، كما ضمنت استمرارية إنتاج الأدوية المشعة وتوفير الوقود اللازم لتشغيل المفاعلات النووية.
ثالثا: الشرعية القانونية: من خلال التمسك بالمادة الرابعة من معاهدة NPT والعمل ضمن إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حافظت إيران على شرعية برنامجها السلمي، وقدمت نموذجا للسيادة العلمية والقانونية.
رابعا: القوة الجيوسياسية: عززت القدرات المحلية للتخصيب من أدوات إيران في الردع الناعم، وزادت من نفوذها الإقليمي، وقوتها التفاوضية، ورسّخت حضورها كلاعب مستقل في النظام الدولي الجديد.
واختتمت بتأكيد أن استمرار عملية التوطين التكنولوجي في هذا المجال، ضمن إطار الشفافية والتفاعل مع المؤسسات الدولية، يُعد ضرورة لا غنى عنها للحفاظ على الأمن الوطني، وتحقيق التنمية المستدامة، وتفعيل الدور الإيراني في القرن الحادي والعشرين.