إعدام جاسوس الموساد الإيراني.. تفاصيل القضية

في واحدة من أبرز القضايا الأمنية التي شغلت الرأي العام الإيراني في السنوات الأخيرة، أعلنت السلطة القضائية في إيران، الأربعاء 28 مايو/أيار 2025، تنفيذ حكم الإعدام بحق بدرام مدني، مهندس إيراني يبلغ من العمر 41 عاما، والذي أدين خلال سير المحاكمات بالتجسس لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” وبالعمل على نقل معلومات مصنفة إلى خارج البلاد.

جاسوس رژیم صهیونیستی به دار مجازات آویخته شد

وكانت السلطات الإيرانية قد أعلنت في 30 أبريل/نيسان 2025، تنفيذ حكم الإعدام بحق محسن لنجر نشين بعد توجيه التهم نفسها له.

A collage of two men

AI-generated content may be incorrect.

هذا وكانت والدة بدرام مدني قد حذرت مسبقا، من أن هذا السجين حُكم عليه بالإعدام في قضية مليئة بالثغرات الجوهرية، على حد وصفها، دون أن يُمنح حق الوصول إلى محام من اختياره، واعتمادا فقط على اعترافات انتزعت منه تحت الضغط.

A person wearing glasses and a scarf

AI-generated content may be incorrect.

وأضافت في رسالة مصوّرة نشرتها الثلاثاء 27 مايو/أيار 2025، وفي إشارة إلى وفاة زوجها العام الماضي: “زوجي تُوفي بسكتة دماغية من شدة الحزن على وجود ابنه في سجن إيفين، لا تدعوا هذه العائلة تتألم من جديد وتفقد عزيزا آخر”.

كذلك، فقد نشر أوليفييه غروندو، المواطن الفرنسي الذي قضى أكثر من عامين ونصف في السجون الإيرانية، مقطع فيديو باللغة الفارسية على حسابه على إنستغرام، الثلاثاء 27 مايو/أيار 2025، طالب فيه بوقف حكم الإعدام بحق مدني، وقال إنه كان زميله في الزنزانة بسجن ايفين، وأضاف: “إنه شاب رائع، وأنا أحببته كثيرا”.

A person with a bun and a text

AI-generated content may be incorrect.

بدورها، أشارت نرجس محمدي، الناشطة في مجال حقوق الإنسان والحائزة جائزة نوبل للسلام، عبر تغريدة على حسابها بمنصة “إكس”، الثلاثاء 27 مايو/أيار 2025، إلى الإشكالات القانونية في قضية مدني، مؤكدة أنه حرم من حقه في اختيار محام، وأن اعترافاته انتزعت تحت التعذيب، وفي رسالة مصوّرة، قالت محمدي: “إصدار حكم الإعدام في محاكم غير مستقلة وبأحكام صادرة عن قضاة تابعين للنظام، بناء على اعترافات كاذبة، هو جريمة واضحة، إنهم يعلقون رؤوس شباب أبرياء على المشانق وهم يعلمون أن الاعترافات كاذبة، وأن السجين لا يستحق الإعدام حتى وفقا لقوانينهم”.

A screenshot of a computer

AI-generated content may be incorrect.

جدير بالذكر أن هذا الخبر يأتي بعد يوم واحد فقط من تحذير منظمة هيومن رايتس ووتش من تصاعد عمليات الإعدام في إيران، حيث نبهت المنظمة إلى قرب تنفيذ أحكام الإعدام بحق عدد من السجناء السياسيين، من بينهم بدرام مدني، فقد أعلنت المنظمة الثلاثاء 27 مايو/أيار 2025 أن إيران قد نفذت خلال أول 25 يوما من مايو/أيار 2025، ما لا يقل عن 113 إعداما، ليصل العدد الإجمالي للإعدامات في إيران منذ بداية العام الميلادي الحالي إلى 478 حالة.

A screenshot of a computer

AI-generated content may be incorrect.

كيف بدأت القصة؟

وفقا للرواية الرسمية، تعود بداية الملف إلى العام 2020، حين بدأت أجهزة الأمن الإيرانية بمراقبة تحركات مشبوهة لرجل يدعى بدرام مدني، كان يسافر إلى الخارج كثيرا، وخاصة ألمانيا، ويقوم بتحويلات مالية غير معتادة عبر قنوات إلكترونية، من بينها العملات الرقمية مثل البيتكوين، إلى جانب استلامه مبالغ نقدية من عملة اليورو في أوروبا.

في ذلك الوقت، لم يكن واضحا ما إذا كانت التحركات المالية وحدها هي سبب الاشتباه، أم أن نشاطه في دوائر تقنية معينة أثار الريبة، إلا أن التحقيقات كشفت لاحقا أنه كان على صلة مباشرة بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، وأنه تلقى تدريبات متخصصة في جمع المعلومات، وطرق التمويه، وآليات نقل البيانات عبر نظم اتصال آمنة.

“الموساد” في قلب الأحداث

بحسب ما كشفته الوثائق القضائية والأمنية، فإن بدرام مدني لم يكن مجرد متعاون عابر مع جهة أجنبية، بل كان عنصرا مجندا قد خضع لدورات تدريبية ممنهجة في أوروبا، صُممت خصوصا لتأهيل العملاء في التجسس الإلكتروني والبشري، وكيفية التعامل مع المصادر الحساسة وتجنيد الأفراد.

A cracked wall with a blue and white flag

AI-generated content may be incorrect.

وتفيد المصادر بأن مهمته لم تقتصر على جمع معلومات سطحية أو متاحة للعامة، بل كان يتعامل مع بيانات مصنفة تتعلق بـالبنية التحتية الحساسة داخل إيران، بما في ذلك مواقع ومنشآت حيوية تضم تجهيزات مهمة تُستخدم في قطاعات استراتيجية، يُعتقد أن بعضها متعلق بالطاقة والاتصالات وربما حتى الأبحاث النووية.

وقد استخدم مدني قنوات تواصل مشفرة ومخصصة للتواصل مع ضابطه المباشر في جهاز الموساد، حيث كان يرسل التقارير ويستقبل التعليمات، كما طلب منه الجهاز تصنيف المعلومات المجمعة وفق درجات الأهمية وتحويلها إلى القسم الفني المختص لدى الموساد.

ومن بين النقاط اللافتة في القضية أن مدني لم يتعامل مع ضباط الموساد من خلال الإنترنت فقط، بل أجرى لقاءات مباشرة معهم في عدد من الدول الأوروبية، منها لقاء سري أجري داخل سفارة إسرائيل في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث التقى ضابطه المباشر في جهاز الموساد.

اللقاء في سفارة إسرائيل في بروكسل، وفقا للمصادر، كان من أبرز الأدلة التي تم الاستناد إليها في بناء القضية، حيث كشفت عمليات تتبع استخبارية كيف جرى الترتيب لهذا اللقاء، وأي نوع من المعلومات كان يُنتظر من مدني تقديمها. ويبدو أن هذا الاجتماع تحديدا دفع الأجهزة الأمنية الإيرانية إلى تسريع خططها لمراقبته بشكل أدق، تمهيدا للإيقاع به.

وفي مرحلة لاحقة من التحقيق، قامت الأجهزة الأمنية باستعادة البيانات المحذوفة من أجهزته الإلكترونية، وتمكنت من استرجاع سجل الاتصالات المشفرة مع الموساد، وقد تضمنت هذه الرسائل أوامر من الضابط المسؤول إلى مدني، طالبه فيها بتصنيف المعلومات وفقا للأهمية، وتحويلها إلى القسم الفني التابع للجهاز.

زيارة الأراضي المحتلة

هذا، وقد كانت واحدة من أبرز المفاجآت في ملف القضية، والتي صدمت كثيرين في الداخل الإيراني، هي زيارته للأراضي المحتلة خلال فترة ارتباطه مع جهاز الموساد، فوفقا للبيانات، فقد دخل الأراضي المحتلة عبر قنوات غير رسمية وتم الترتيب للزيارة ضمن برامج خاصة يتبعها الجهاز لتأهيل عملائه الميدانيين وتقييم أدائهم.

الإيقاع به وقطع الاتصال

وبعد أشهر من المراقبة والمتابعة الحثيثة، تقول السلطات الإيرانية إنها تمكنت من فك منظومة الاتصال السرية التي كان يستخدمها مدني للتواصل مع ضباط الموساد، وتمكنت من اختراق النمط السري لتحركاته، لتقوم لاحقا باعتقاله وإنهاء كافة قنوات الاتصال الخاصة به.

بر اساس گزارش‌ها، پدرام مدنی چهارم خرداد از زندان اوین به زندان قزلحصار منتقل شده بود

وأكدت الجهات الرسمية أن عملية الاعتقال جاءت بعد عملية استخبارية محكمة، رُصدت خلالها تحركاته الإلكترونية والمالية، وتم تتبع من تواصل معهم، وربط البيانات ببعضها لتكوين ملف متكامل.

المحاكمة

بعد اكتمال التحقيقات، أُحيل بدرام مدني إلى القضاء، حيث خضع لكافة مراحل المحاكمة الجنائية وفقا للقانون الإيراني. ووجهت له رسميا تهمة التجسس لصالح جهاز الموساد، إلى جانب تحصيل أموال بطرق غير مشروعة، وأصدرت المحكمة حكمها بإدانة مدني بجرائم المحاربة والإفساد في الأرض، وهي من أخطر التهم في النظام القضائي الإيراني، وعقوبتها القصوى هي الإعدام شنقا، وقد صادقت الجهات العليا على الحكم بعد استكمال الإجراءات، وتم تنفيذه في أحد سجون العاصمة طهران.

A gavel and scales of justice

AI-generated content may be incorrect.

ما وراء الإعدام.. سياق أوسع

يأتي إعدام بدرام مدني في سياق أوسع من التوترات المتصاعدة بين طهران وتل أبيب، والتي شهدت خلال السنوات الأخيرة اغتيالات لعلماء إيرانيين، وهجمات سيبرانية متبادلة، ومحاولات تسلل استخبارية في كلا الاتجاهين، وفي هذا الإطار، يُنظر إلى قضية مدني على أنها جزء من حرب الظلال بين الطرفين، والتي لا تُخاض بالجيوش النظامية، بل بشبكات سرية ومهام نوعية.