- محمد علي
- 21 Views
على الرغم من ثرواتها الضخمة من النفط والغاز، تواجه إيران أزمة طاقة متكررة ومركبة أثرت على حياتها الاقتصادية والاجتماعية بشكل مباشر، فامتلاك إيران ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم وثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي لم يمنعها من أن تصبح عرضة لانقطاعات متكررة في الكهرباء ونقص الوقود، الأمر الذي يرجعه المسؤولين في طهران إلى العقوبات الباهظة المفروضة عليها، متغافلين عن وجود شبكة كبيرة من المستفيدين من العقوبات في مجال الطاقة وأحد الأسباب الرئيسة في الوضع الذي تعيشه البلاد.
أزمة الطاقة.. بين فشل الأداء الحكومي ومافيا العقوبات
تمتلك إيران معدلات كبيرة من الغاز الطبيعي والبترول على أراضيها مترامية الأطراف، حيث تشير البيانات الرسمية إلى أن إنتاج الغاز في إيران قد بلغ 290 مليار متر مكعب سنويا، وهو مستوى يعادل استهلاك الاتحاد الأوروبي بالكامل، كما وصل إنتاج النفط إلى 3.8 مليون برميل يوميا.

إلا أن هذه الأرقام الكبيرة لا تعكس الواقع على الأرض، حيث تبرز أزمة الطاقة بشكل واضح وسط هدر وفساد إداري متفشي، فقد قلصت العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من قبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة قدرة طهران على التصدير والوصول إلى تقنيات الطاقة الحديثة، لكنها ليست السبب الوحيد.
فخلال حديث أجراه محمود خاقاني، النائب السابق في البرلمان، والمدير العام الأسبق في وزارة النفط، والمحلل المتخصص في شؤون الطاقة، مع صحيفة آرمان ملي، الثلاثاء 3 يونيو/حزيران 2025، صرح بأن هناك أسبابا أخرى غير فنية تؤثر على الضعف الشديد في مجال الطاقة، حيث قال إنه “خلال السنوات الماضية، خاصة مع فرض عقوبات متنوعة، استغل بعض الأشخاص المعروفين بالمستفيدين من العقوبات هذا الوضع، ودخلوا في مفاوضات مباشرة مع أطراف أجنبية، هؤلاء الأشخاص قدموا وعودا لهيئات أجنبية تذكرنا بالامتيازات التي كانت تُمنح للدول الغربية قبل الثورة. في الواقع، ما حدث كان إعادة إنتاج لمصالح الأجانب في شكل غير رسمي وفساد”.

ويكمل خاقاني: “خلال السنوات الماضية وخاصة مع تشديد العقوبات النفطية، ظهرت مشاكل كثيرة في مجال تصدير النفط وإدارة عائداته، هذا الوضع أتاح الفرصة لتشكّل وتزايد نفوذ مجموعات متربحة ووسطاء داخل قطاع النفط والطاقة، هؤلاء الأشخاص تجاوزوا العقوبات ودخلوا عمليا في دورة تصدير النفط، ومنذ ذلك الحين دخل الفساد بشكل جدي إلى هذا القطاع”.
وفي انتقاد للأداء الحكومي المتعاقب في جل تلك الأزمة، أوضح خاقاني أنه “في كثير من الحالات، لم يكن واضحا أين وكيف تصرف الإيرادات الناتجة عن هذه التصديرات، ففي حكومة أحمدي نجاد، وعلى الرغم أنه كان يدرك وجود اختلال جدي في قطاع الكهرباء، فإنه لم يقم بأي إصلاحات جذرية في وزارة الطاقة لأسباب مختلفة، لأنه كان يعلم أن ذلك قد يؤدي إلى انقطاعات واسعة في التيار الكهربائي، هذا وقد اتخذت إجراءات خلال فترة حكومة إبراهيم رئيسي أدت في النهاية إلى أزمة عدم التوازن في الكهرباء”.
ويتابع: “من جهة أخرى، ازدادت تدخلات المافيا في صناعة النفط والكهرباء، وتمكنت هذه المجموعات من اكتساب نفوذ كبير، ففي بعض الحالات، وحتى خارج الإطار الرسمي للحكومة، كانوا يجرون مفاوضات مباشرة مع دول أجنبية ويتنازلون عن امتيازات كانت في الواقع ضد المصالح الوطنية، تماما كما كان الحال في فترة ما قبل الثورة حيث كانت تُمنح بعض الامتيازات الاقتصادية للدول الغربية، هذه المجموعات تُعرف بالمستفيدين من العقوبات وما زالت موجودة في هيكل صناعة الطاقة وتهدد مصالحها”.
الطاقة ليست سوء مثال
هذا ولا تعد أزمة الطاقة استثناء، بل تمثل نموذجا واضحا لطريقة عمل المستفيدين من العقوبات الاقتصادية في إيران، ففي ظل العقوبات الدولية التي تفرض ضغوطا كبيرة على الاقتصاد الإيراني، برزت شبكات من الأفراد والمؤسسات التي تستفيد من استمرار هذه القيود في جميع المجالات، مما يعرقل جهود رفع العقوبات ويُفاقم من أزمات البلاد الاقتصادية والاجتماعية.
هذه الفئة وصفتها صحيفة اعتماد في باسم تجار العقوبات، فقالت: “تقوم مصالح تجار العقوبات على استمرار الوضع القائم، حيث تتيح لهم بيئة الحظر شبكة واسعة من الفرص الاقتصادية غير الشفافة، تشمل التهريب، والبيع في السوق السوداء، والحصول على امتيازات غير متاحة في الاقتصاد التنافسي. وبالنسبة لهؤلاء، فإن رفع العقوبات لا يعني الانفتاح الاقتصادي أو عودة الاستقرار، بل يمثل تهديدا مباشرا لأرباحهم ونفوذهم، حيث إن انفتاح الأسواق وعودة الشركات الكبرى إلى الساحة سيقوض امتيازاتهم ويضعهم في مواجهة منافسة لا يستطيعون مجاراتها”.

وتكمل الصحيفة: “هذه الفئة، التي تتقاطع مصالحها مع بعض القوى السياسية والإعلامية، تعمل بنشاط على عرقلة أي مسار يؤدي إلى الاتفاق. فعندما تلوح في الأفق بوادر تسوية أو انفراج دبلوماسي، تبدأ هذه الأطراف بتكثيف حملاتها عبر الأدوات الإعلامية الموالية، وضخ رسائل سلبية، وزرع الشكوك بشأن جدوى التفاوض. وغالبا ما تُستخدم شعارات مثل “المقاومة الاقتصادية” أو “عدم الثقة بالغرب” كغطاء لأهداف ذات طابع نفعي بحت”.
هذا وقد نشرت صحيفة تجارت في عددها الصادر الخميس 29 مايو/أيار 2025، التبعات المدمرة التي قد يسببها هذا التعارض في المصالح، فذكرت أن أولها يتمثل في بطء عملية اتخاذ القرار وتنفيذ السياسات الخاصة برفع العقوبات، إذ يمكن أن تؤدي مصالح بعض الأفراد أو الجهات المستفيدة من استمرار العقوبات إلى خلق عراقيل إدارية وقانونية وسياسية، ما يُبطئ مسار المفاوضات ويعطّل تنفيذ الالتزامات.

كما يؤدي تعارض المصالح وفقا لتقرير الصحيفة إلى غياب الكفاءة عن السياسات الاقتصادية، فعندما تتخذ القرارات بناء على مصالح ضيقة، تنحرف السياسات عن مسارها العلمي والمهني وتصبح غير فعّالة، ما يؤدي إلى هدر الموارد وفقدان فرص اقتصادية ثمينة.
إضافة إلى ذلك، يُسهم تعارض المصالح في تآكل الثقة العامة بالحكومة والمؤسسات المعنية، وهو ما يُضعف رأس المال الاجتماعي ويقلّل من مشاركة المواطنين في العمليات الاقتصادية والسياسية.
أما على المستوى الدولي، فإن المواقف المتضاربة والسياسات الفاشلة في ملف رفع العقوبات تضعف صورة البلاد على الساحة الدولية وتُقلّل من فرصها في كسب الثقة وجذب التعاون من الدول الأخرى.