- محمد علي
- 46 Views
بعد جولات متتالية من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والتي جرت على مدار أكثر من شهر وبوساطة عمانية وفي أجواء من التكتم السياسي والدبلوماسي، بدأت المؤشرات تتزايد عن اقتراب الطرفين من إبرام اتفاق جديد، يُعتقد أنه قد يشكل تحولا نوعيا في مسار العلاقة المعقدة بين واشنطن وطهران، تلك العلاقة التي ما انفكت أن ازدادت سوءا منذ اغتيال واشنطن لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري في العام 2020، الاتفاق الجديد الذي من شأنه، إن حدث، أن يشكل مرحلة جديدة للشرق الأوسط بأكمله.
مؤشرات على قرب التوصل إلى اتفاق
فخلال الأيام الأخيرة، نشرت شبكة “سي إن إن” الأمريكية نقلا عن مصادر مطلعة، أن الجانبين الإيراني والأمريكي قد اقتربا بالفعل من التوافق على صيغة عامة للاتفاق، بل إن إمكانية التوقيع على هذه الصيغة باتت مرجحة في الجولة المقبلة من المفاوضات، والتي من المحتمل أن تُعقد في إحدى دول الشرق الأوسط، وأكدت هذه المصادر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أبدى تفاؤلا ملحوظا بإمكانية التوصل إلى حل نهائي، معتبرا أن إحداث اضطراب في مسار التفاوض أمر غير مناسب، بل إنه حتى قد وجه تحذيرا صريحا إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعدم الإقدام على أي خطوة عسكرية قد تقوّض فرص النجاح.

الاتفاق الجديد مؤقت أم دائم؟ وما طبيعته؟
حسبما أفادت وسائل إعلام إيرانية، فإن التقارير تشير إلى أن الاتفاق الجديد لن يُعد اتفاقا نوويا شاملا، كما كان الحال مع اتفاق 2015 المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة، بل إنه أقرب إلى اتفاق مؤقت يهدف إلى تجميد بعض الأنشطة النووية الإيرانية مقابل تخفيف محدود للعقوبات. وبحسب ما نقلته صحيفة شرق الإيرانية، فإن الاتفاق المرتقب يتجاوز إحدى أكثر القضايا تعقيدا، وهي قضية تخصيب اليورانيوم.

ووفقا للمصادر، فإن الولايات المتحدة تطالب إيران بالتوقف الكامل عن تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها، حتى لأغراض سلمية، كما أظهر مندوب الرئيس الأمريكي سيتف ويتكاف خلال تصريحات عن التخصيب الإيراني لليورانيوم، وهو مطلب كانت إيران ترفضه دائما، لكن يبدو أن هناك صيغة وسطية قيد النقاش، تسمح لإيران بتوفير اليورانيوم المخصب الضروري لتشغيل مفاعل بوشهر النووي، مع التزامها بعدم تجاوز نسبة معينة من التخصيب أو تخزين كميات مقلقة من المادة المخصبة.
ماذا تريد إيران من الاتفاق؟
على الجانب الإيراني، لا تزال الثقة بواشنطن شبه معدومة، خاصة بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في عام 2018، وغيرها من العقوبات التي أعاد فرضها منذ توليه السلطة في الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2025، لكن في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة والعقوبات الممتدة، ترى طهران أن تخفيفا مرحليا للعقوبات قد يفتح متنفسا اقتصاديا محدودا، يسمح باستقرار داخلي ولو مؤقت، دون التنازل عن كامل أوراقها التفاوضية.
وفي هذا السياق، يبدو أن إيران ترى في الاتفاق المؤقت فرصة لتسجيل إنجاز سياسي داخلي، يمكن البناء عليه إذا تحققت انفراجات مستقبلية أكبر، كما أن الملف النووي في طهران بات مرتبطا بعمق بالملف السياسي، بحيث إن التقدم في أحدهما يفتح الطريق أمام الآخر، والعكس صحيح.
الموقف الإسرائيلي.. مخاوف وشبه عزلة
إسرائيل، من جهتها، تبدي قلقا بالغا إزاء هذا الاتفاق المؤقت، وتعتبره تجاوزا للخطوط الحمراء المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، حيث نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية نقلت أن مسؤولين كبارا في الحكومة الإسرائيلية، من بينهم رئيس جهاز الموساد ديفيد بارنيا ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، سافروا إلى واشنطن للضغط على البيت الأبيض بهدف عرقلة هذا المسار.

وقد التقى الوفد الإسرائيلي التقى بويتكاف وأبلغه بأن إسرائيل تعتبر أي اتفاق مؤقت بمثابة تهديد استراتيجي، وأنها لن تلتزم به، كما فعلت مع اتفاق 2015، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حين ألمح المسؤولون الإسرائيليون إلى إمكانية تنفيذ ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، في حال شعرت تل أبيب أن الاتفاق لا يلبي متطلباتها الأمنية.
مع ذلك، فإن نتنياهو، وفقا لتقديرات استخباراتية أمريكية نشرتها نيويورك تايمز، لا يمتلك حرية المناورة كما في السابق، خاصة في ظل المساعي الأمريكية لخفض أسعار النفط، وتخوّفها من أن يؤدي أي تصعيد عسكري في المنطقة إلى اضطراب الأسواق العالمية، وهو ما لا يخدم مصالح إدارة ترامب حاليا.
عقبات أمام الاتفاق
رغم التقدم الظاهر، فإنه لا تزال هناك عقبات جوهرية قد تحول دون توقيع الاتفاق أو استمرار العمل به، أولها غياب الثقة المتبادل بين الطرفين، فلا الولايات المتحدة تثق بالتزام إيران بأي اتفاق، ولا طهران ترى أن واشنطن ستحترم تعهداتها، وتجربة الاتفاق النووي السابق لا تزال ماثلة في الأذهان، حين انسحبت إدارة ترامب منه من جانب واحد.
كذلك، تظهر قضية تخصيب اليورانيوم كأحد نقاط الخلاف الرئيسة بين الطرفان، فبينما تصر الولايات المتحدة على وقف كامل للتخصيب، ترى إيران أن امتلاك دورة وقود نووي كاملة حق سيادي، وأن إلغاء التخصيب الداخلي يمسّ جوهر استقلالها التقني.
كذلك، يخشى الإيرانيون من تغيّر المواقف في الداخل الأمريكي، ففي حال تغير شخوص الإدارة أو تراجعت شعبية الاتفاق داخليا، فقد تجد إدارة ترامب نفسها أمام ضغوط داخلية تدفعها للتراجع عن أي التزام، الأمر الذي سيضر بإيران كثيرا في حالة قد أعطت تنازلات.
في الأخير، تبقى المؤشرات الحالية توحي بأن إيران والولايات المتحدة أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق مؤقت، لا يشبه اتفاق 2015 لكنه يستهدف وقف التصعيد النووي وخلق هدنة سياسية مؤقتة، خصوصا في ظل انشغال العالم بأزمات متعددة من أوكرانيا إلى غزة. ومع وجود طرف ثالث مؤثر هو سلطنة عمان، التي أظهرت فاعلية في الوساطة، فإن نافذة الحل لا تزال مفتوحة، وإن كانت محفوفة بالمخاطر.
ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع هذه التفاهمات الجزئية وقف انزلاق المنطقة نحو مواجهة مفتوحة؟ أم أنها مجرد محطة أخرى في طريق شائك من التصعيد والتراجع؟ في المحصلة، الكرة لا تزال في ملعب الطرفين، وأي تغيير في الإرادة السياسية أو الحسابات الأمنية قد يقلب الطاولة مجددا، وبينما يترقب الجميع مخرجات الجولة المقبلة من المفاوضات، فإن مستقبل الاتفاق سيتحدد ليس فقط في غرف الاجتماعات، بل أيضا على وقع المعادلات الإقليمية والدولية المتغيرة باستمرار.