- يسرا شمندي
- 15 Views
أجرت صحيفة اعتماد الإصلاحية، الاثنين 2 يونيو/حزيران 2025، حوارا مع المحللَين المتخصصَين في الشأن النووي والدبلوماسي، ساسان كريمي ورضا نصري، حول قرب حسم المفاوضات النووية بين إيران والقوى الغربية، والمقترح الجديد لتشكيل تحالف تخصيب يضم إيران والسعودية والإمارات. وتركّز النقاش على أبعاد هذا الاقتراح الذي كشفت عنه صحيفة الغارديان، مع التركيز على فرصه وتحدياته، خاصةً موضوع مكان استضافة التخصيب وموقف إيران الثابت في الحفاظ على حقها بالتخصيب داخل أراضيها.
ساسان كريمي: الاتفاق الشامل يصب في مصلحة ترامب
علَّق محلل الشؤون الدولية، ساسان كريمي، على بعض التصريحات المتعلقة بالمقترحات الجديدة التي يطرحها فاعلون إقليميون لتسريع التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة، وأكَّد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتعجل الوصول إلى تفاهم أكثر مما ينبغي، بهدف أن تثمر المفاوضات بين إيران وأمريكا عن نتيجة ملموسة وتوقيع اتفاق.
وذكر أن ترامب يسعى إلى تقديم الأجواء بشكل إيجابي، حتى يتمكن في حال نجاح المحادثات من تصوير نفسه على هيئة بطل في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية، ويضيف إلى سجله إنجازا دبلوماسيا بارزا. أما في حال فشل المفاوضات، فسيعمل على تحميل إيران مسؤولية هذا الفشل، ليظهرها كطرف مُقصر، وينقل عبء عدم التوصل إلى اتفاق على كاهلها. لذلك، فإن ترامب يقرع عمدا طبول الاتفاق العاجل والفوري.
وتابع كريمي: “من جهة أخرى، فإن دعاة الحرب والتيارات الساعية إلى تقويض المفاوضات يزداد نشاطهم التخريبي كلما طال أمد المحادثات، ويسعون إلى حرف مسارها. وتشمل هذه التيارات التخريبية إسرائيل، والأوروبيين، وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث لكل طرف مطالب مختلفة ويحاول تحقيقها من خلال التحرك النشط واللعب على التناقضات والفجوات.
فعلى سبيل المثال، تسعى أوروبا إلى المشاركة في المفاوضات والحصول على نصيب من نتائجها، بينما تطالب الوكالة الدولية بالمزيد من الرقابة، أما إسرائيل فهي تسعى إلى إفشال المفاوضات ودفعها إلى طريق مسدود”.
وقال حول مدى اقتراب المفاوضات من نتيجة استنادا إلى المعطيات الحالية، إن المفاوضات حاليا لا تقترب من أي نتيجة ملموسة. ورغم أن كلا الطرفين يُظهران إرادة جدية للاستمرار في الحوار والتوصل إلى اتفاق، إلا أنه من حيث المضمون لم يتحقق أي تقدم كامل بعد. وقد طُرحت بعض الحلول، لكن لا يمكن تصور التوصل إلى نقطة مشتركة أو حل وسط في الوقت الراهن
وأضاف أن المعادلة الأهم في الظروف الحالية تتعلق بملف التخصيب. فإيران تعتبر التخصيب داخل أراضيها حقا مشروعا لها بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، بينما تعلن الولايات المتحدة أنها لا تقبل بالتخصيب الحصري من جانب إيران، وتؤكد ضرورة تنفيذ حلول بديلة.
وأشار إلى أن هذه التناقضات زادت من تعقيد مسار المفاوضات، وما نعلمه هو أن المفاوضات لا تزال بحاجة إلى الكثير من الجهد للوصول إلى المرحلة النهائية، أي إلى اتفاق. والحديث عن تحالف إقليمي للتخصيب لا يزال مسألة عامة، ولم يتحول بعد إلى صيغة نهائية أو عملية.
وقد بدأ ترامب بالفعل بلعبة توجيه اللوم، حتى إذا وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، يتمكن من إعلان أن إيران هي المسؤولة عن هذا الانسداد، وليس الولايات المتحدة.
وذكر كريمي حول إمكانية رضا الطرفين عن توقيع اتفاق مبدئي وعام يتم بعده التفاوض على التفاصيل من قِبل الفرق الفنية والمتخصصة أن الاتفاق العام أو المبدئي لا يصب في مصلحة إيران بأي حال من الأحوال، ولا يعود عليها بأي فائدة حقيقية. وأضاف أن الفائدة الوحيدة من هذا النوع من الاتفاقات هي أنها تمنح ترامب ما يريده من إنجاز يُحسب له في مجال الدبلوماسية.
وأبرز أنه بعد التوصل إلى اتفاق مؤقت، سيسعى ترامب إلى استعراض القوة والانتصار الدبلوماسي، وسينظر إلى المستقبل بثقة المنتصر. واستبعد أن تقبل إيران بمثل هذا الاتفاق، لأنه عمليا لا يحقق لها أي فائدة.
وبيَّن أن سواء كان الاتفاق مؤقتا أو مجرد إعلان عن أُطُر عامة، فإن ذلك لا يخدم مصلحة إيران. وما تمتلكه إيران من بعض المبادرة والقدرة على المناورة يكمن في التفاوض على التفاصيل، أما التخلي عن التفاصيل والاكتفاء باتفاق عام أو أولي فسيصب في صالح الولايات المتحدة فقط.
رضا نصري: التغييرات المتكررة في المواقف تُبعد ظل المستقبل وتُفقد الأفق وضوحه
تناول المحلل في الشؤون الخارجية رضا نصري الموضوع من زاوية مختلفة، حيث كتب على منصة إكس عن التناقضات والخلافات التي تكتنف العلاقة بين إيران والولايات المتحدة.
وأشار إلى أن المبعوث الأمريكي في إدارة ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إلى جانب الإدارة الأمريكية الحالية، يبعثون برسائل متناقضة بشأن حق إيران في التخصيب، سواء في التصريحات العلنية أو في المداولات المغلقة. واعتبر نصري أن هذا الأسلوب يعكس نمطا أوسع من الارتباك وعدم الاستقرار، مما يُضعف تماسك المفاوضات ويقلل من فعاليتها.
وأضاف مذكّرا ببعض المبادئ الأساسية في فن التفاوض التي يمكن أن يسترشد بها المفاوضون الأمريكيون، وقال أولا، الثبات في المواقف يُعد من أهم عناصر القوة في أي مفاوضات جادة.
وأكَّد أن المفاوض الذي يبدّل مواقفه تبعا للطرف الآخر، يُخفق في الحفاظ على زمام المبادرة ويُضعف موقعه التفاوضي. وعندما يصدر عن طرف ما موقفٌ في الغرف المغلقة، ثم يعبّر علنا عن موقف مغاير، فإن هذا التناقض يُربك سير المفاوضات، ويقوّض المصداقية، ويُضعف العملية التفاوضية بأكملها.
ثانيا، لا يكون التفاوض فعالا إلا عندما ينجح الطرفان في تحديد نطاق واضح يمكن ضمنه التوصل إلى اتفاق، وهو ما يُعرف بـمنطقة إمكانية الاتفاق (ZOPA). ويتوقف تحديد هذا النطاق على تبادل إشارات صادقة. فعندما يعلن أحد الطرفين عن خط أحمر لا يقبل التراجع عنه، بينما يكون مستعدا لتجاوزه سرا، يؤدي ذلك إلى تشويه صورة هذا النطاق وتقليص فرص التفاهم.
وأوضح أن في مثل هذه الحالة، يعجز الطرف المقابل عن إدراك النوايا الحقيقية، مما يصعّب عليه تقدير تكلفة التنازلات أو تبرير مرونته أمام جماهيره الداخلية.
ويشير إلى مسألة أساسية أخرى تتعلق بإمكانية التوصل إلى اتفاق، موضحا أن التصريحات والعروض العلنية قد تتحول إلى فخ يُقيد المفاوضين. فعندما يعلن المفاوضون الأمريكيون على الملأ مطالب متشددة تنفي حق إيران في التخصيب، فإنهم يُدخلون أنفسهم في مواقف جامدة يصعب تعديلها لاحقا، إذ يصبح التراجع عنها مكلفا سياسيا بدرجة كبيرة.
وصرَّح بأن هذا لا يقلل فقط من قدرتهم على المناورة في المفاوضات، بل يرسل أيضا رسالة إلى التيارات المتشددة داخل الولايات المتحدة بأن أي اتفاق أقل من استسلام إيران الكامل سيُعتبر خيانة.
وبالتالي، من خلال إطلاق رسائل إعلامية متطرفة، تُقيّد الولايات المتحدة يدها بنفسها وليس يد إيران.
وأبرز أن التغير المستمر في المواقف يقضي على ما يُسمى بـظل المستقبل. وهذا المفهوم في نظرية التفاعلات الاستراتيجية والمفاوضات المتكررة يشير إلى أن رغبة الأطراف في التعاون الآن تزداد عندما يتوقعون استمرار التعامل بينهما في المستقبل. ولكن إذا لم يتمكن أحد الأطراف من الاعتماد على تماسك أو صدق الطرف الآخر، فإن الدافع للتعاون طويل الأمد يقل، وفي هذه الحالة تزداد الرغبة في الانسحاب من التفاوض أو اللجوء إلى المزيد من التصادم.
وأفاد بأن المفاوضات ليست عرضا إعلاميا للجمهور الداخلي، بل هي آلية لحل الخلافات. فعندما تُعطى العروض الإعلامية أولوية على الاتفاقات التي تُبرم خلف الأبواب المغلقة، فإن وظيفة حل المشاكل في المفاوضات تختفي، ويتحول المسار الدبلوماسي إلى مسرح سياسي.
وشدد على أن هذا الوضع على المدى الطويل يؤدي إلى تأجيل الاتفاق، وترسيخ المواقف الصلبة، وضياع فرص التوصل إلى حلول وسط.
وفي الختام أشار نصري إلى أن عدم الاستقرار في المواقف له تكلفة على المصداقية. فبمجرد أن يُنظر إلى أحد الأطراف على أنه غير موثوق أو متذبذب، يفقد موقعه الأخلاقي وقدرته على المبادرة. وفي الأطر متعددة الأطراف، يبدأ الحلفاء بالتردد، وفي المفاوضات الثنائية يصبح الطرف المقابل أكثر تشددا. كما أن الطرف الذي يبالغ في التهديدات أو المراوغة لا يُؤخذ على محمل الجد ولا يحصل على مكافآت.