- محمد علي
- 43 Views
تشهد الساحة السياسية والثقافية في إيران تصاعدا ملحوظا في حدة الصراعات بين التيارات المختلفة، حيث تتزايد الهجمات الأصولية على رموز الإصلاح والفكر المستقل، مما يعكس عمق الانقسامات والتوترات داخل المجتمع الإيراني. هذه المواجهات ليست عابرة أو عفوية، بل تأتي في سياق صراع أيديولوجي وسياسي يسعى إلى فرض رؤية أحادية للمجال العام، مع تبعات واسعة على الحياة الأكاديمية والثقافية والسياسية. في ظل هذه الأجواء، تتصاعد المخاوف من تأثير التطرف الداخلي على استقرار البلاد ومستقبلها السياسي.
مشاهد حديثة تعيد الذاكرة
تعتبر الصحف الإصلاحية أن بداية وتيرة الهجمات الأصولية بدأت بالتصاعد بشكل لافت منذ أواخر مايو/أيار 2025، حين تم الإعلان عن إقامة مراسم لتكريم المفكر الإصلاحي الراحل هادي خانیكي، الأكاديمي البارز، في كلية الإعلام بجامعة العلامة طباطبائي، إلا أن المراسم ألغيت في اللحظة الأخيرة تحت ضغوط وتهديدات غير معلنة نسبها الاتجاه الاصلاحي إلى جهات أمنية وأصولية، الأمر الذي أثار موجة استياء في الأوساط الأكاديمية والثقافية، واعتُبر دليلا على تصاعد موجة الإقصاء حتى من المساحات الأكاديمية.

ولم تكد هذه القضية تهدأ، حتى اشتعلت مجددا على خلفية صورة من لقاء بين الرئيس الأسبق محمد خاتمي والعالم الديني المعروف حسين أنصاريان، خلال لقاء عائلي بمناسبة دينية، ورغم أن الصورة أظهرت لقاء شخصيا، إلى أن التيارات الأصولية تعاملت معها كقضية أمنية، وشرعت في حملة تشهير وتحريض ضد الطرفين. وقد تم استهداف أنصاريان بلغة جارحة من قبل منابر إعلامية مقربة من التيار المتشدد، وصلت حد اتهامه بالتورط في أجندات ليبرالية بسبب لقائه بخاتمي.

في حين لم تقتصر هجمات الأصوليين على شخصيات خارج السلطة، بل شملت رموزا للنظام الإيراني، على رأسهم، الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، الذي اتهم عدة مرات بأنه لا يريد تطبيق الشريعة ويدعم سير المفاوضات، الأمر الذي وصل للتطاول اللفظي من قبل أمير حسين ثابتي، أحد أعضاء البرلمان من التيار المتشدد.

هذا وقد جاء محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، بعد بزشكيان في قائمة هجمات الأصوليين، خاصة منذ أن امتنع عن إبلاغ الحكومة بقانون الحجاب الذي صادق عليه المجلس الأعلى للأمن القومي، واتخذ مواقف متوافقة مع باقي السلطات والحكومة ومخالفة للتيار الأصولي في قضايا مثل الرقابة على الإنترنت والاتفاقيات المتعلقة بـFATF.

وقد شملت الهجمات أيضا محسني إجئي، رئيس السلطة القضائية، وذلك بعد صدور الحكم في قضية شاي دبش، أحد أكبر قضايا الفساد في إيران، وإدانة كل من ساداتي نجاد وفاطمي أمين، وهما وزيرا حكومة إبراهيم رئيسي، وهو ما أثار ردود فعل حادة.

هذا وقد كان اللواء محمد باقري، رئيس أركان الجيش الإيراني، أخر الرموز موضع الهجوم، فخلال مشاركته في مراسم ذكرى تأسيس جامعة آزاد الإسلامية في أواخر مايو/أيار، قال إن “احتياجاتنا لا تقتصر فقط على العلوم التقنية والتكنولوجيا الصناعية، بل إن مجتمعنا المعقد والمتغير بحاجة إلى عمل علمي. إذا أرادت قوى الشرطة أن تتعامل مع الناس بعقلية القوة والعصا، فلن تصل إلى نتيجة. نحن بحاجة إلى حكمة. على ضابط الشرطة أن يفهم الجيل الجديد جيدا، ويعرف كيف يخاطبه، وأن يدير المجتمع الذي أُوكل إليه تأمينه”.

لتأتي صحيفة رجا نيوز وتنتقد تصريحاته بقولها: “لم يمض ستة أشهر حتى حلت صورة القائد باقري على جدارية محترف الحرب محل قائد يُلقي رسالته للعام الجديد من تخت جمشيد دون ارتداء الزي العسكري، ويشرح بدلا من وزير الخارجية رد القيادة على رسالة ترامب ويحذر المسؤولين من مواجهة الجيل الجديد بالعصا، كيف يمكن أن تصدر عن قائد الأركان العامة مثل هذه المواقف في فترة قصيرة، دون أدنى إشارة إلى مهمة الوعد الصادق 3؟”.
ما الهدف من وراء هذه الهجمة؟
ترى صحيفة آرمان امروز في عددها الصادر الثلاثاء 3 يونيو/حزيران 2025، أن هذه الحملة الأصولية تحمل أبعادا متعددة، فهي ليست مجرد مواقف انفعالية، بل تأتي ضمن استراتيجية ممنهجة تسعى إلى تحقيق جملة أهداف سياسية وأيديولوجية، ويمكن تلخيصها في ثلاثة محاور أساسية أولها الرغبة في احتكار المجال العام والإقصاء الرمزي، فيحاول الأصوليون خلق بيئة أحادية الفكر، تُقصي أي صوت مخالف أو حتى متمايز عن خطهم السياسي.

كذلك، فتهدف تلك الحملة إلى تصفية الحسابات السياسية السابقة، حيث أن الشخصيات المستهدفة هي نفسها التي شكّلت تحديا للأصوليين في العقود الماضية، كخاتمي ومشروعه الإصلاحي، وخانیکی بثقافته الحوارية، وأنصاريان بخطابه الديني المنفتح، والهجوم عليهم يعبر عن رغبة كامنة في الانتقام السياسي وتصفية حسابات قديمة تحت عناوين جديدة.
أيضا، تهدف تلك الحملات إلى صرف الأنظار عن الأزمات الحقيقية، فيرى بعض المحللين أن إثارة قضايا هامشية تتعلق بأشخاص بعينهم ليست سوى وسيلة لصرف أنظار الرأي العام عن أزمات البلاد الاقتصادية والاجتماعية، فتوجيه البوصلة نحو قضايا جانبية يمنح الأصوليين هامشا لإحكام قبضتهم على مفاصل الدولة دون مساءلة.
إدانة واضحة وتحذير من التطرف
بهذا الشأن، أكد غلام علي رجائي، الناشط السياسي الإصلاحي، خلال لقاء مع موقع خبر أونلاين، الثلاثاء 3 يونيو/حزيران 2025، أن مكافحة التطرف تتطلب موقفا حازما من السلطة وكشفا إعلاميا حقيقيا، مشددا على ضرورة توضيح الأضرار التي تسبب بها التيار الأصولي، مثل الخسائر المالية لهجوم السفارة البريطانية، فيما انتقد رجائي التيار المتشدد الذي يرفع شعارات الثورة لكنه يهاجم باستمرار شخصيات النظام مثل الرئيس ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية.

وأشار رجائي خلال حديثه، إلى أن التيار المتشدد يسعى لإثارة الفوضى وفرض وجهات نظر متطرفة، مؤكدا أن بعض تحركاتهم مثل هجوم السفارات وإصدار البيانات من الحرم كانت مؤذية للنظام، لكنه أشاد بتعقل السعودية في عدم تصعيد الأوضاع رغم الخلافات ودعا إلى ضرورة وقوف التيار الوطني المخلص أمام هذه التصرفات.
وأوضح أن التيار المتشدد، رغم كونه أقلية، يستغل الإعلام للتأثير ويهدد استقرار النظام، لكنه في الوقت نفسه لن يختفي تماما، بل سيُضعف فقط إذا ما كشفوا وأُحبطوا، مشيرا إلى أن التيار المتشدد قد مني بعدد من الهزائم السياسية، مثل خسارته الرئاسية، لكنه لا يزال يسعى للسيطرة على السلطات الثلاث وربما القيادة المستقبلية.
في الأخير، حذر رجائي من أن البلاد تلقت ضربات أكبر من التطرف الداخلي مقارنة بالأعداء الخارجيين، مشددا على ضرورة ضبط هذا التيار من قبل السلطات وعدم ترك المجال له للتوسع.