- ربيع السعدني
- 44 Views
كتب: ربيع السعدني
في تصعيد جديد يعكس التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة وإيران، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هجوما لاذعا على سلفه جو بايدن، متهما إياه بالفشل في منع طهران من التقدم في برنامجها النووي.
جاءت تصريحات ترامب في سياق حديثه عن المفاوضات النووية الجارية، حيث أكد أن إدارة بايدن سمحت لإيران بتخصيب اليورانيوم بشكل “خطير”، مما يهدد الأمن الإقليمي والعالمي، في المقابل، رد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بحزم، مؤكدا أن حقوق إيران النووية “خطا أحمر” لا يمكن التفريط فيه، مشددا على تمسك طهران بحقها في تخصيب اليورانيوم.
هجوم ترامب على بايدن.. اتهامات بالتساهل مع إيران
في تصريحات حديثة، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إدارة الرئيس السابق جو بايدن، متهما إياها بالتساهل مع إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي، جاء ذلك في منشور له عبر منصة “تروث سوشيال”، حيث أشار إلى أن إدارة بايدن “كان ينبغي لها منع طهران من تخصيب اليورانيوم بأي شكل من الأشكال”، معتبرا أن هذا التساهل سمح لإيران بالاقتراب من امتلاك قدرات نووية تهدد الأمن العالمي.

ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النووي في عام 2018، كرر موقفه بأن الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) كان “ضعيفا” ولم يحقق أهدافه في تقييد طموحات إيران النووية، وأضاف أن سياسة بايدن أدت إلى تفاقم الوضع أكثر، مشيرا إلى تقارير تفيد بأن إيران زادت من مستويات تخصيب اليورانيوم إلى مستويات مقلقة، كما دعا ترامب إلى فرض شروط صارمة في أي اتفاق جديد، بما في ذلك تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية بشكل كامل.
رد إيراني حاسم
ردا على تصريحات ترامب، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خلال زيارته للقاهرة، أن حقوق إيران في برنامجها النووي هي “خط أحمر” غير قابل للتفاوض. في تصريحات نقلتها وكالة “تسنيم” للأنباء شدد عراقجي على أن “تخصيب اليورانيوم حق سيادي لإيران لا جدال فيه، وفقا لقواعد معاهدة حظر الانتشار النووي، ولن نتنازل عن حقوقنا، وأن أي تهديدات أمريكية بضرب المنشآت النووية ستواجه عواقب وخيمة”.
وأشار عراقجي إلى أن إيران ملتزمة بالمفاوضات الدبلوماسية، لكنها لن تقبل بالتنازل عن حقوقها تحت ضغط التهديدات أو العقوبات، كما استغل الوزير الإيراني الفرصة لانتقاد السياسات الأمريكية على مدى عقود، معتبرا أن العقوبات والتهديدات العسكرية لم تنجح في كبح تطور إيران، بل زادت من تصميمها على المضي قدما في برنامجها النووي.

وتابع: “إذا كان هدف المفاوضات مع الولايات المتحدة هو ضمان عدم سعي إيران للحصول على أسلحة نووية، فإننا نستطيع التوصل إلى اتفاق في هذا الصدد، ولكن إذا تم السعي إلى أهداف غير مقبولة وغير واقعية في هذا الصدد وكان الهدف هو حرمان إيران من الأنشطة النووية السلمية، فلن يكون هناك اتفاق بالتأكيد”.
بين الدبلوماسية والتهديد
تشهد المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة تقدما حذرا، حيث أجريت خمس جولات من المحادثات غير المباشرة بوساطة عُمانية، آخرها في روما يوم 23 مايو/أيار 2025.
وأشار عراقجي إلى آليات مقترحة من عُمان قد تساعد في تذليل العقبات، معربا عن أمل في تحقيق تقدم بعد جولتين إضافيتين، ومع ذلك، فإن تصريحات ترامب المتشددة، التي تضمنت تهديدات بتدمير المنشآت النووية الإيرانية، أثارت مخاوف من تعثر هذه المفاوضات.
ترامب أكد في تصريحاته أنه يفضل اتفاقا “قويا وشفافا” يسمح بتفتيش شامل للمنشآت الإيرانية، مع إمكانية تدمير أي بنية تحتية نووية إذا لزم الأمر، في المقابل، أكدت إيران أنها لن تقبل بأي اتفاق يحد من حقها في تخصيب اليورانيوم، وهو ما وصفه مسؤولون إيرانيون بـ”مبدأ غير قابل للتفاوض”.
مخاوف من التصعيد العسكري

أعربت دول الخليج، ومن ضمنها السعودية وقطر والإمارات، عن قلقها من تصريحات ترامب المتعلقة بضرب المنشآت النووية الإيرانية، ووفقا لموقع “جماران” الخبري، نقلا عن موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي، أبلغ قادة هذه الدول ترامب بمعارضتهم لأي عمل عسكري قد يفرض ضد إيران، معتبرين أن دول الخليج ستكون أول المتضررين من أي تصعيد في المنطقة.
هذه المواقف تعكس توازنا دقيقا في المنطقة، حيث تسعى دول الخليج إلى استقرار إقليمي يمنع اندلاع صراع عسكري، بينما تدعم في الوقت ذاته الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق نووي جديد يحد من طموحات إيران النووية دون اللجوء إلى القوة.
التداعيات المحتملة.. هل نحن على أعتاب أزمة جديدة؟
تصريحات ترامب وردود الفعل الإيرانية تزيد من تعقيد المشهد السياسي حول الملف النووي، من جهة، يبدو أن ترامب يتبنى نهجا متشددا يهدف إلى الضغط على إيران لتقديم تنازلات كبيرة، بينما تواجه إيران ضغوطا داخلية واقتصادية تجعلها متمسكة بحقوقها النووية كرمز للسيادة الوطنية.
هذا التوتر قد يؤدي إلى عدة سيناريوهات:
- استمرار المفاوضات: قد تنجح الوساطة العُمانية في تحقيق تقدم، خاصة إذا تم التوصل إلى آليات وسطية ترضي الطرفين.
- تصعيد عسكري محتمل: تهديدات ترامب قد تؤدي إلى رد فعل إيراني، سواء من خلال زيادة تخصيب اليورانيوم أو تحركات عسكرية في المنطقة.
- تداعيات إقليمية: أي تصعيد قد يؤثر على استقرار المنطقة، خاصة مع معارضة دول الخليج العربي للخيار العسكري.
نووي إيران
يظل الملف النووي الإيراني واحدا من أكثر القضايا تعقيدا في العلاقات الدولية، هجوم ترامب على نظيره بايدن يعكس استراتيجية سياسية تهدف إلى تعزيز صورته كقائد حازم، بينما رد إيران بحزم يبرز تصميمها على حماية مصالحها الوطنية وحقها في البرنامج النووي السلمي.

وتعتبر إيران تخصيب اليورانيوم محليا خطها الأحمر، وتقبل أي اتحاد إقليمي للتخصيب كمكمل لهذه القدرة فقط، وليس بديلا عنها بحسب وكالة تسنيم للأنباء، يأتي ذلك في إطار المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، بوساطة سلطنة عمان، في الأشهر الأخيرة (حتى يونيو/حزيران 2025) أفضت إلى مناقشات بشأن تشكيل اتحاد تخصيب لإدارة البرنامج النووي الإيراني.
ما هو اتحاد الإثراء الإقليمي؟
قدّمت الولايات المتحدة مقترحا مكتوبا يتضمن تشكيل تحالف إقليمي يضم إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يدعو المقترح إلى الوقف التام لتخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، ويهدف إلى توفير الوقود النووي لمحطات الطاقة الإقليمية من خلال هذا التحالف.
لماذا يعتبر التخصيب خطا أحمر بالنسبة لإيران؟
إن تخصيب اليورانيوم له أهمية كبيرة بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لأسباب استراتيجية وسياسية وعلمية وتكنولوجية وصناعية، ولهذا السبب كان دائما جزءا من خطوطها الحمراء، لقد كانت الصناعة النووية، في إطار معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، إحدى الأدوات التي يمكن أن تحقق جزءا مهما من واقع القدرة مع الالتزام بالقانون الدولي.
ولذلك سارعت إيران إلى هذا المسار بكل جدية من أجل أن يكون لديها شكل من أشكال الردع المشروع في محفظتها من أدوات الدفاع، تخصيب اليورانيوم وتطوير الطاقة النووية يشكلان أهمية كبيرة بالنسبة لإيران، وفي الوقت نفسه، فإن الغرب، الذي يدرك حقيقة تقييد السلسلة التكنولوجية بأكملها من خلال فرض القيود على علم واحد، يحاول أن يكون عائقا أمام قدرات إيران المتزايدة باستمرار بسبب المخاوف بشأن إنجازاتها المتزايدة.
وفي هذه المرة، طرحت الولايات المتحدة قضية تخصيب اليورانيوم في خضم المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني؛ حيث زعمت واشنطن أن توقف طهران عن التخصيب سيوفر لها العديد من الفرص، ولقد لاقت هذه المبالغة والتجاوزات الرد المناسب من إيران.

صرّح محمد إسلامي، نائب الرئيس ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بأن التخصيب هو أساس الصناعة النووية في البلاد، وأعلن: “الصناعة النووية والتخصيب خطان أحمران لإيران، وقد أُبلغ المفاوض بذلك بشفافية تامة، شفهيا وكتابيا”، وأكد: “هناك شرطان محددان على طاولة المفاوضات؛ أولا، أكدت إيران أنها لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، وثانيا، لن تُخصّب إيران اليورانيوم لأغراض عسكرية”.
وأكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: “إننا سنتفاوض بصبر وهدوء ولن نتنازل عن حقوق الشعب بما في ذلك التخصيب، وقال: “مهمة التخصيب واضحة لنا”، وفي ظل هذه التوترات، تبقى الدبلوماسية الخيار الأمثل لتجنب أزمة جديدة، لكن نجاحها يعتمد على قدرة الأطراف على التوصل إلى حلول وسط تحترم الحقوق وتضمن الأمن، الفترة القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت المفاوضات ستؤدي إلى اتفاق جديد أم إلى تصعيد قد يغير قواعد اللعبة في المنطقة”.