تسوية مؤقتة في البحر الأحمر.. وقف الهجمات الجوية وتأثير الاتفاق على اليمن وإسرائيل

ترجمة: يسرا شمندي

نشرت صحيفة اعتماد الإصلاحية، في 8 مايو/أيار 2025، تقريرا ذكرت فيه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فاجأ الجميع بإعلانه في يوم الأربعاء 7 مايو/أيار 2025، عن توقف الهجمات الجوية الأمريكية على الحوثيين في اليمن، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة عمانية، وقد جاء هذا في وقت يصر فيه الحوثيون على استمرار هجماتهم على المواقع والسفن الإسرائيلية دعما لغزة.

وأضافت الصحيفة أن ترامب قال: هُم لا يريدون القتال، ونحن نحترم هذا وسنوقف القصف، ولكن الأهم من ذلك أننا سنثق بوعودهم، وجاءت هذه التصريحات بعد أن نشر البيت الأبيض بيانا أشار فيه إلى أن وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، أكد أن حكومته قامت بجهود تنسيقية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين.

وأفادت بأنه في الوقت نفسه، أكد البوسعيدي هذا البيان عبر تغريدة في منصة “إكس”، حيث كتب: في المستقبل، لن يستهدف أي طرفٍ الآخر، وضمن ذلك السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مما يضمن حرية الملاحة وسلاسة حركة النقل التجاري الدولي، ومن جهة أخرى، نقلت وكالة بلومبيرغ عن مسؤول رفيع المستوى في الحوثيين، قوله إن صنعاء امتنعت عن تأكيد هذا الاتفاق رسميا. 

وأوضحت أن عضو المجلس السياسي لحركة الحوثيين، محمد البخيتي، صرّح في حوار له، بأن الجماعة مستعدة لوقف الهجمات على السفن العسكرية الأمريكية، بشرط أن توقف واشنطن هجماتها أيضا، مضيفا أن الحوثيين سيستمرون في عملياتهم دعما لغزة. 

وتجدر الإشارة إلى أن هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر بدأت بعد انطلاق العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حركة حماس في قطاع غزة، ما تسبب في أزمة بهذا الممر البحري الحيوي.

توافق تدريجي في ظل التوترات البحرية

وأخبرت الصحيفة بأنه على الرغم من ذلك، تم التوصل إلى هذا الاتفاق المزعوم بتأييد من دونالد ترامب في وقت كان قد سبق ذلك، وفي أعقاب هجوم الحوثيين على المطار الرئيسي في إسرائيل يوم الأحد، حيث تم تعليق الرحلات في مطار بن غوريون، وردّت إسرائيل على ذلك بضرب مطار صنعاء في العاصمة اليمنية. 

وأكدت الصحيفة أنه بعد الهجوم المميت على تل أبيب، وعد محمد البخيتي بأن يتم تنفيذ هجوم انتقامي ضد إسرائيل يوم الثلاثاء 13 مايو/أيار 2025، والآن، يعتقد عدد من المراقبين أن هذا الاتفاق تم التوصل إليه بشكل تدريجي وليس فجائي بين الولايات المتحدة وحركة أنصار الله بهدف وقف الأعمال العدائية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث يمكن أن يؤدي إلى تقليل كبير في التوترات التي كانت قد تسببت في أزمة كبيرة في البحر الأحمر. 

وتابعت الصحيفة في سياق متصل، أن هذا الاتفاق الذي تم تسريبه إعلاميا قبل زيارة دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية، تم بواسطة عمان، ووفقا لمصدر دبلوماسي إقليمي وموظف إيراني رفض الكشف عن هويته، فقد لعبت إيران أيضا دورا إيجابيا وبناءً في هذه العملية.

وبيّنت الصحيفة أن منصة “أمواج ميديا” الإعلامية أفادت بأن طهران قد مارست ضغوطا على الحوثيين للتركيز على الأعمال العدائية بعيدا عن الممرات البحرية، محاولة بذلك أداء دور تسهيلي في هذا الاتفاق، وبحسب المراقبين، فإن هذا الأمر يتماشى مع مصالح إيران العامة في تقليل الضغط على حلفائها الإقليميين وتعزيز آفاق التفاعل مجددا مع الولايات المتحدة.

استغلال الفرص الدبلوماسية

وأوردت الصحيفة في تقرير متابعة، أن منصة “أمواج ميديا” تناولت تقييم التفاصيل المحتملة للاتفاق بين ترامب والحوثيين، مشيرة إلى أن هذا الاتفاق المزعوم قد يتضمن تبادلا غير معلن، إذ اقترحت جماعة أنصار الله قبل عدة أسابيع، وقف هجماتها على السفن التجارية، مقابل أن توقف الولايات المتحدة غاراتها الجوية على اليمن.

وذكرت أن بعض المحللين يرون أن هذا الاتفاق قد يشكل صفقة متبادلة، لكنه ينطوي على تداعيات جيوسياسية كبيرة، إذ قد يُسهم في تقليل خطر تصعيد الأزمة في ممر بحري حساس، ويعزز في الوقت نفسه مسار الدبلوماسية النووية بين طهران وواشنطن، ومع ذلك، حذّر مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جون ألترمان، قائلا: من المبكر جدا رفع لافتة “المهمة أُنجزت”؛ ولا بد من التعامل مع هذا التطور بحذر وتشكيك.

وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى أن المراقبين يطرحون تساؤلا حول ما إذا كان هذا الاتفاق سيزيد الفجوة بين إسرائيل والولايات المتحدة، ويرى بعض المراقبين أن عدم اطلاع تل أبيب على هذا الحدث قد يشير إلى تحول في سياسة واشنطن تجاه إسرائيل، خاصة في ظل استمرار الحوثيين في استهداف الأراضي الإسرائيلية.

وأوضحت الصحيفة أن بعض المراقبين يعتقدون أن واشنطن، في خطوة مدروسة، تسعى لتقليل التوترات على جبهة واحدة، مع الحفاظ على التزامها الثابت بأمن إسرائيل، وذلك نظرا إلى تاريخ التعاون الاستراتيجي الطويل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى في حال مفاجأتها بأحداث غير متوقعة.

وقف إطلاق النار في اليمن؛ خطوة نحو توافق نووي شامل

وأفصحت الصحيفة أنه وفقا للتقارير الإعلامية، فإن المهندس الرئيسي للاتفاق بين الولايات المتحدة والحوثيين هو المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وكان ويتكوف قد تواصل مع أنصار الله عبر وساطة عمانية، كما قاد في الشهر الماضي ثلاث جولات من المفاوضات غير المباشرة مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ومن المتوقع أن يعود إلى مسقط قريبا لإجراء الجولة الرابعة من هذه المفاوضات.

وأوضحت أن بعض المحللين يزعم أن هذه الدبلوماسية المزدوجة التي تمت في مسقط تؤكد مرة أخرى قيمة عمان كوسيط صامت وموثوق به لدى دول الخليج العربي، كما تعزز هذه التكهنات أن وقف إطلاق النار هذا قد يكون مقدمة لمفاوضات أكثر شمولا بين طهران وواشنطن، خاصة في وقت تؤكد فيه إيران أنها ستتفاوض فقط حول مستقبل برنامجها النووي.

وأضافت أنه من جهة أخرى، يتماشى دعم إيران لخفض التوترات البحرية مع أهداف استراتيجية عدة، لا سيما في ظل استمرار العقوبات الأمريكية عليها، حيث يمكن أن يوفر استقرار الوضع في البحر الأحمر مساحة دبلوماسية للتنفس.

ونوّهت إلى أن هذا الموضوع أصبح ذا أهمية خاصة بعد خطوات مثل الزيارة التاريخية لوزير الدفاع السعودي خالد بن سعود لطهران، وهي خطوة مهمة قد تدفع اللاعبين العرب في الخليج إلى التفاعل بحذر مع إيران، خاصة في إطار التوقعات باتفاقية أكبر بين إيران والولايات المتحدة

وأكدت الصحيفة أن مكاسب وقف إطلاق النار في اليمن لا تقتصر على الأطراف المنخرطة مباشرة في النزاع، بل تشمل دولا أخرى، من بينها مصر، التي من المتوقع أن تجني مليارات الدولارات من الإيرادات الإضافية بعد استقرار الأوضاع في البحر الأحمر، وذلك عقب تراجع كبير في عائدات قناة السويس خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية. 

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تستفيد الدول الخليجية العربية الأخرى التي استثمرت في المشاريع البحرية، وكذلك الصين والشركاء التجاريون الأوروبيون، من هذه التحولات.

الهدوء الهش في البحر الأحمر!

وأردفت الصحيفة أنه مع ذلك، لا يزال هناك قدر من الغموض يحيط بهذه الاتفاقية، حيث أكد عضو المجلس السياسي الأعلى لجماعة أنصار الله، محمد علي الحوثي، أن الهجمات على الأهداف الأمريكية قد توقفت، لكنه شدد على أن مثل هذا الاتفاق يحتاج إلى تقييم دقيق.

ويُعتقد، بحسب المراقبين، أن جماعة أنصار الله بدأت بفرض حصار جوي على إسرائيل قبل أيام من التوصل إلى هذا الاتفاق، وتحديدا في 4 مايو/أيار 2025، في خطوة تشير إلى نية الجماعة وقف هجماتها البحرية، دون أن يُفهم ذلك على أنه تخل عن دعمها للقضية الفلسطينية.

وصرحت الصحيفة بأنه بعد ساعات من سقوط صاروخ باليستي أُطلق من اليمن بالقرب من أكبر مطار في إسرائيل، أفاد المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، قائلا: سنواصل فرض الحصار عبر استهداف المطارات الإسرائيلية بشكل متكرر، خاصة مطار بن غوريون الدولي بالقرب من تل أبيب.

وذكرت أنه بحسب بعض المحللين الإقليميين، فإن هذه الخطوة تمثل توازنا، أي إن قرار أنصار الله وقف العمليات التي قد تؤدي إلى رد فعل مباشر من الولايات المتحدة، مع الاستمرار في الضغط الرمزي على إسرائيل، يظهر تغييرات في حسابات الجماعة العسكرية، ومن جهة أخرى، فإن وقف إطلاق النار يعطي ترامب الفرصة لتسويق هذا كإنجاز دبلوماسي، خصوصا قبل أول زيارة له للخارج بعد عودته إلى البيت الأبيض. 

وأضافت أن هذا الانتصار يشمل تقليص الوجود العسكري الأمريكي في اليمن، وخفض التوترات في البحر الأحمر، وتحسين ظروف النقل التجاري، ومع ذلك، لا تزال ردود فعل إسرائيل والتداعيات الطويلة الأمد لهذه الاتفاقية غير واضحة، ويجب انتظار المستقبل لرؤية كيف ستتطور الأمور.

وتابعت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه ضغوطا عسكرية وسياسية شديدة من اليمين المتطرف، قد يفسر هذه الخطوة على أنها علامة على الحذر الأمريكي وليس تجاهلها، ومع ذلك، يرى مجموعة من المراقبين الأمر بشكل مختلف، فقد قال المحلل السياسي الإسرائيلي أميت سيغال بعد الاتفاق: إن موقف ترامب بوقف الهجمات الأمريكية ضد الحوثيين يبعث برسالة واضحة إلى المنطقة.

في هذا السياق، واصلت الصحيفة قائلة: الرسالة هي أنه إذا أرادت الدول في المنطقة مهاجمة إسرائيل، فلن تظهر أمريكا أي رد فعل، ولكن يجب أن تتجنب الدخول في صراع مع الولايات المتحدة. وإذا فسرنا هذه العبارة من وجهة نظر إيرانية، فقد تُعتبر علامة على عدم رغبة أمريكا في الانخراط في مزيد من الحروب بالمنطقة، وتفضيلها تهدئة العلاقات مع إيران وحلفائها.

وأشارت الصحيفة إلى أن البعض يعتقد أن ترامب قد يكون قد خفض التوترات في جبهة معينة ليتيح المجال لجبهات أخرى، ومع ذلك، قد ترسل الهجمات المستمرة من الحوثيين على إسرائيل رسالة إلى نتنياهو، مفادها أن الدبلوماسية الأمريكية مع حلفاء إيران لتقليل الضغط عليهم ضد إسرائيل لم تُصمم لتخفيف الضغط عن إسرائيل، بل لمنع الولايات المتحدة من الانجرار إلى صراع متعدد الجبهات. 

ومن الجدير بالذكر أن الوساطة العمانية بين الولايات المتحدة والحوثيين كشفت عن فعالية الدبلوماسية غير الرسمية، حيث أظهرت عمان دورها كمثبت إقليمي ووسيط دبلوماسي بدعم من طهران وواشنطن، ومع ذلك، يبقى غير واضحٍ ما إذا كان هذا الاتفاق سيحقق نتائج دبلوماسية واسعة أم سيواجه صعوبات في ميدان المعركة.

وفي الختام أكدت الصحيفة أنه قد يستأنف الحوثيون في المستقبل استهداف السفن، لكن على ما يبدو، فإن البحر الأحمر الآن أكثر هدوءا، وقنوات الاتصال مفتوحة، وقد يكون هناك توازن دقيق حتى وإن كان مؤقتا.