- زاد إيران - المحرر
- 19 Views
بقلم: رؤيا إسماعيلي
في الساعات الأولى من صباح الجمعة، 13 يونيو/حزيران 2025، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان رسمي، انطلاق الهجوم على إيران تحت مسمى عملية “الأسد الصاعد”. تزامنا مع ذلك، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي فرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء الكيان.
ووفقا لمسؤول إسرائيلي، شنّ الجيش مئات الغارات الجوية في خمس موجات متتالية، استهدفت مواقع متعددة في مختلف أنحاء إيران. وكان الجيش الإسرائيلي قد صرّح في وقت سابق بأن الهجمات ركزت على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية.
وأكد نتنياهو أن العملية استهدفت منشأة نطنز الرئيسة لتخصيب اليورانيوم، إضافة إلى عدد من العلماء وكبار القادة في البرنامجين النووي والعسكري الإيراني.
عقب هذه الهجمات، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان رسمي:
“بعد الضربة الوقائية التي نفذتها إسرائيل ضد إيران، من المتوقع أن تتعرض إسرائيل لهجوم صاروخي وطائرات مسيّرة في المستقبل القريب.”
كما أعلنت وزارة النقل الإسرائيلية أن المجال الجوي للبلاد سيظل مغلقا حتى إشعار آخر.
وكما كان متوقعا، ردّت إيران سريعا؛ إذ أعلن الحرس الثوري الإيراني مساء الجمعة، ردا على الهجمات الصاروخية التي شنّها الجيش الإسرائيلي على أهداف استراتيجية داخل إيران، انطلاق عملية “الوعد الصادق 3”.
وقد نقل موقع “يديعوت أحرونوت” العبري، في اليوم الأول من بدء الهجمات، أن إيران نفذت ثلاث موجات صاروخية خلال 15 دقيقة فقط، وأكد مسؤولون إسرائيليون إطلاق ما لا يقل عن 150 صاروخا من قبل إيران.
وقد تم في هذه العملية استخدام صواريخ من طراز “عماد” و”قدر” و”خيبرشكن”، إضافة إلى صاروخ جديد يُدعى “حاج قاسم”، وذلك في استهداف مدينتي حيفا وتل أبيب.

في الوقت نفسه، أطلق جيش إيران عشرات الطائرات المسيّرة الانتحارية المزودة برؤوس حربية خارقة للتحصينات، باتجاه مواقع وأهداف حساسة في الأراضي المحتلة.
وتعدّ القدرة الصاروخية الإيرانية اليوم، أحد الركائز الأساسية في الاستراتيجية الدفاعية الوطنية لمواجهة التهديدات الإقليمية والدولية.
ففي أوائل ثمانينيات القرن الماضي، كانت إيران تفتقر إلى القدرة على إنتاج الأسلحة المتطورة، بما في ذلك الصواريخ، وكانت تعتمد في تلبية احتياجاتها الدفاعية على الوسطاء وتجار السلاح في الخارج.
تعود نقطة التحول في مسار تطوير المنظومة الصاروخية الإيرانية إلى عام 1984، حين تم في خضم الحرب بين إيران ونظام البعث العراقي، إيفاد أول مجموعة صاروخية إيرانية بقيادة حسن طهراني مقدم – المعروف بلقب “أب الصواريخ الإيرانية” – إلى سوريا لتلقي التدريب. وخلال فترة قصيرة، نجحت إيران في تصنيع أولى صواريخها ذات الوقود الصلب بمدى 300 كيلومتر.
وكما ظهر بوضوح في الهجمات الجوية ضمن عمليتي الوعد الصادق 1 والوعد الصادق 2 ضد إسرائيل في عام 2024، فإن سلاح الجو الإيراني يتمتع بقدرات متنوعة، ويمتلك ترسانة غنية ومتعددة من الصواريخ الباليستية والمجنحة (كروز) والطائرات المسيّرة.
وقد اعتُبرت عملية “الوعد الصادق 1″، التي جاءت ردا على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، أكبر هجوم بالطائرات المسيّرة في العالم، وكذلك أضخم ضربة صاروخية في تاريخ إيران.
ويرى عدد من المحللين أن إيران تمتلك أكبر مخزون من الصواريخ الباليستية في منطقة الشرق الأوسط، حيث يُقدّر عددها بأكثر من 3 آلاف صاروخ. وتشير تقارير استخباراتية غربية وآراء خبراء عسكريين إلى أن ألفي صاروخ من هذه الصواريخ الباليستية الإيرانية قادرة على بلوغ الأراضي الإسرائيلية.
قال تال إنبار، الرئيس السابق لمؤسسة “فيشر” التابعة لقطاع الفضاء الجوي الإسرائيلي، إن الصواريخ الباليستية الإيرانية تحمل ما بين 300 إلى 700 كيلوغرام من المواد المتفجرة، وقد يصل الوزن الإجمالي للرأس الحربي إلى نحو 1000 كيلوغرام.
ونقل إنبار عن مصادر إيرانية أن إيران استخدمت، في هجماتها الأخيرة، نوعا من الصواريخ يُدعى “حاج قاسم”، لم يسبق أن تم إطلاقه سابقا باتجاه إسرائيل.
وقد أعلنت إيران أن صاروخ “الحاج قاسم” الباليستي يمتلك مدى يصل إلى 1400 كيلومتر، ويبلغ وزنه 7 أطنان، ويستطيع حمل 500 كيلوغرام من المواد المتفجرة. ووفقا لما أعلنته منظمة الصناعات الفضائية التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، فإن هذا الصاروخ قادر على ضرب الهدف بسرعة 6 ماخ (أي ستة أضعاف سرعة الصوت).

ويعمل هذا الصاروخ بالوقود الصلب، ما يعني أنه لا يحتاج إلى تعبئة وقود قبل الإطلاق، ويمكنه البقاء مخزّنا تحت الأرض لسنوات، ثم يتم تجهيزه للإطلاق خلال دقائق معدودة.
وبالإضافة إلى صاروخ “الشهيد الحاج قاسم”، تمتلك إيران صواريخ باليستية أخرى قادرة على الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية، من بينها:
صاروخ “سجّيل” وصاروخ “خيبر”، وكلاهما مزوّد بمحركين يعملان بالوقود الصلب المركّب، ويصل مداهما إلى 2000 كيلومتر.
صاروخ “خيبر” هو صاروخ باليستي فرط صوتي، بمدى 2000 كيلومتر، ويحمل رأسا حربيا يزن 1500 كيلوغرام، ويعمل بالوقود السائل.
تتميّز الصواريخ الفرط صوتية بقدرتها على الطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت بخمس مرات على الأقل، وتتبع مسارات معقّدة يصعب تتبعها واعتراضها.
كما أعلنت إيران أن الطائرة المسيّرة “مهاجر 10” قادرة على الطيران دون توقف لمسافة تصل إلى 2000 كيلومتر، وعلى ارتفاع 7000 متر، وتحمل حمولة تفجيرية تصل إلى 300 كيلوغرام.
من بين الطائرات المسيّرة التي استخدمتها إيران في هجماتها الأخيرة، كانت المسيّرة “شاهد 136″، التي يبلغ مدى طيرانها حوالي 2000 كيلومتر، وتعمل بمحرك مكبسي (احتراق داخلي) وتبلغ أقصى سرعة لهذه الطائرة 140 كيلومترا في الساعة، ما يعني أنها تحتاج إلى نحو تسع ساعات للوصول إلى الأراضي الإسرائيلية.
في أوائل عقد 2010، بدأت القوات المسلحة الإيرانية بالبحث عن طرق لتقليل التكاليف في استهداف الأهداف البعيدة، فبدأت بتطوير أنواع جديدة من الطائرات المسيّرة. فحتى ذلك الحين، كانت إيران تمتلك عددا من الصواريخ الباليستية القادرة على ضرب أعدائها مثل إسرائيل، لكنها كانت باهظة الثمن، ضخمة، ومعقّدة تقنيا.
ومن أجل تلبية هذا الاحتياج، دخلت المسيّرة “آرش” خط الإنتاج منذ عام 2020، وقد تم استخدامها أيضا في الهجمات الأخيرة.
و”آرش” هي طائرة مسيّرة انتحارية، يبلغ طول هيكلها 4 أمتار، وهي أكبر حجما من شاهد 136. ويُقدّر مدى طيرانها الأقصى بين 1000 و2000 كيلومتر، وتُزوّد بإمكانية ضبط ارتفاع التحليق تلقائيا عبر نظام الطيار الآلي (أوتو بايلوت).

قال أحمد وحيدي، مستشار المرشد الأعلى، إن الهجمات الإيرانية ضمن عملية “الوعد الصادق 3” استهدفت مراكز بالغة الأهمية، من بينها القواعد الجوية نواتيم، نوادا وتلغراف، والتي كانت تضم طائرات من طراز F-35، F-16، وF-15، بالإضافة إلى طائرات نقل ثقيلة للتزود بالوقود جوا، ومركز قيادة العمليات والسيطرة والحرب الإلكترونية.
وأكدت وكالة الأنباء الروسية “تاس” أن طهران أسقطت طائرتين من طراز F-35، وهي أحدث طائرات الجيل الخامس الأمريكية الشبحية التي تمتلكها القوات الجوية الإسرائيلية، والتي كانت تُعد سابقا عصية على الاستهداف. ووصفت هذه الحادثة بأنها ربما أول خسارة قتالية فعلية لهذه الطائرة.
وفي هذا السياق، كتبت فانيسا بيلي، المدونة والصحفية البريطانية:
“إيران هي أول دولة في العالم تنجح في إسقاط مقاتلات شبحية من الجيل الخامس. هذه الطائرات، التي تُعد من بين أكثر الطائرات الحربية تقدما وتكلفة في العالم، تم تصنيعها من قبل شركة لوكهيد مارتن الأمريكية لصناعات الفضاء.”
وفي السبت 14 يونيو/حزيران 2025، وهو اليوم الثاني من تبادل الضربات الصاروخية بين إيران وإسرائيل، أفادت قناة الميادين أن إيران استهدفت سبعة مراكز نووية إسرائيلية، من بينها مفاعل ديمونا الشهير، وذلك ردا على الهجمات الصاروخية الإسرائيلية التي استهدفت منشآت نطنز وفردو النووية في إيران.
ويرى المحلل العربي كفاح نصر أن تدمير مفاعل ديمونا بشكل كامل يتطلب نحو 5000 طن من المواد المتفجرة. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول نهاية عام 2020، كان قد تم إنتاج حوالي 830 كيلوغراما من البلوتونيوم في هذا المفاعل، وهي كمية تكفي لإنتاج ما بين 150 إلى 190 رأسا نوويا.
من بين الأهداف التي قصفتها إيران أيضا، مركز الأبحاث النووية “سروك”، الواقع على بُعد 20 كيلومترا جنوب تل أبيب، والذي يُقال إنه، إلى جانب أبحاثه في العلوم النووية، والسلامة الإشعاعية، والفيزياء التطبيقية، يُعنى أيضا بتصميم وتصنيع الأسلحة.

وكان رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد صرّح في الأيام الأخيرة بأن المعلومات التي حصلت عليها إيران بشأن البرنامج النووي الإسرائيلي، يبدو أنها تتعلق بمركز “سروك” للأبحاث النووية.
وبالإضافة إلى المنشآت النووية، أفادت قناة “فوكس نيوز” بأن إيران استهدفت مبنى “كرياه”، الذي يُعد مقر وزارة الحرب الإسرائيلية، ويُعتبر نظيرا لمبنى البنتاغون الأمريكي.
وفي الأحد 15 يونيو/حزيران 2025، وبعد مرور ثلاثة أيام على بدء تبادل الضربات الصاروخية بين إيران وإسرائيل، أطلقت طهران الموجة السادسة من هجماتها الصاروخية من عشرات القواعد المنتشرة في مدن مختلفة، منها شيراز، وكاشان، وقم، ولرستان، مستهدفة مدينتي أشدود وتل أبيب.
وخلال هذه الضربات، تمكنت الصواريخ الباليستية الإيرانية من اختراق عدة طبقات دفاعية والوصول إلى أهدافها المحددة.
وقد أفادت مصادر إسرائيلية أن القوات المسلحة الإيرانية استهدفت معهد “وايزمن” للعلوم، الكائن في منطقة رحوفوت جنوب تل أبيب.
وفي هذا السياق، كتبت بوابة “مصراوي” الإخبارية المصرية أن معهد وايزمن – الذي يُعد مركزا علميا مرموقا في إسرائيل – تعرّض لأضرار كبيرة جرّاء الهجوم الصاروخي الإيراني. ووفقا لما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، اندلع حريق في أحد مباني المعهد، والذي يضم عددا من المختبرات العاملة في مجالات الكيمياء والصناعة والمستلزمات الطبية، وله مكانة بارزة في البحوث الجينية.
وفي الاثنين 16 يونيو/حزيران 2025، أطلقت إيران الموجة الثامنة من هجماتها ضمن عملية “الوعد الصادق 3” ضد إسرائيل.
وقد صرّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قائلا:
“نواجه في الوقت الحالي وابلا من الصواريخ الإيرانية”، داعيا سكان الأراضي المحتلة إلى البقاء داخل الملاجئ.
مع بدء الموجة الجديدة من الهجمات الإيرانية، أشار خبراء عسكريون إلى فشل منظومة الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية” في مواجهة الصواريخ الجديدة الإيرانية. هذه المنظومات، التي واجهت تكتيكا معقدا للهجمات المركبة بين الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، لم تكن قادرة على الدفاع، وُصفت بأنها أصيبت بـ”تداخل ذاتي” أو أخطاء في التصدي.
ويؤكد الخبراء أن الكفاءة التقنية للقبة الحديدية باتت محل شك كبير أمام الصواريخ الإيرانية، وقد تتوقف تماما عن العمل في حال استمرار الهجمات الإيرانية المكثفة.
وفي هذا السياق، أعلنت شركة الكهرباء الإسرائيلية عن أضرار جسيمة لحقت بالبنية التحتية الكهربائية في المناطق الوسطى من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال سكوت ريتر، الضابط ومفتش الأسلحة السابق لدى الأمم المتحدة، إن منظومة الدفاع الصاروخي “ثاد” – وهي أفضل منظومة دفاعية أمريكية – شاركت في العملية الأخيرة لدعم إسرائيل، لكنها لم تكن قادرة على إيقاف الهجوم.
وأضاف ريتر أن إسرائيل ستنفد من مخزون صواريخها بشكل مؤكد، وليس لديها مخزون كافٍ لمواصلة هذا المستوى من الدفاع.
وذكرت صحيفة التلغراف أن منظومات الدفاع الإسرائيلية فشلت في إظهار الأداء المطلوب أمام سيل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز الإيرانية غير المسبوق، مما أدى إلى انهيارها أمام هذه الهجمات.
ولا تزال الأيام المقبلة غير واضحة في ما يتعلق بمسار الهجمات الصاروخية المتبادلة بين إيران وإسرائيل، ولم تصدر أية تصريحات أو تقارير جديدة من الجهات الرسمية أو وسائل الإعلام.
لكن تبقى عملية “الوعد الصادق 3” الإيرانية، التي جاءت ردا على الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على المنشآت النووية والعسكرية واغتيال المسؤولين والعلماء الإيرانيين، دليلا على القدرات الدفاعية العالية لطهران في مواجهة التهديدات الإقليمية.