خبراء سياسيون: المواجهة ستنتهي بمكاسب استراتيجية لإيران على طاولة المفاوضات

نشرت صحيفة اعتماد الإصلاحية، الاثنين 16 يونيو/حزيران 2025، تقريرا ذكرت فيه تصريحات لحسين مرعشي، السياسي البارز، وعلي باقري، الناشط السياسي الإصلاحي، في حوار أجرته معهما حول تداعيات الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة ضد إسرائيل، والتحوّلات السياسية والميدانية الناتجة عنها، وضمن ذلك تغيّر موازين القوى، وردود الفعل الغربية، واحتمالات العودة إلى مسار التفاوض بين طهران وواشنطن.

حسين مرعشي: الهجوم الصاروخي الإيراني غيّر ميزان القوى لصالح إيران

نقلت صحيفة اعتماد قول مرعشي، حول الأوضاع الراهنة في إيران والأسباب التي أدّت إلى نشوء هذه الأزمة أنه “يؤسفنا بشدةٍ أن تحدث مثل هذه الوقائع في ظل هذه الظروف، وأن يُقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ارتكب سابقا العديد من الخيانات والجرائم والانتهاكات بحق سكان غزة ولبنان وسوريا، على ارتكاب جرائم جديدة”. 

وأضاف أن هذه المرة، تُوجَّه جرائم نتنياهو وخياناته، ليس فقط نحو الشعب الإيراني، بل- وهو ما يُعدّ الأخطر- نحو الشعب الإسرائيلي نفسه.

وتابع أن ما يبعث على الأسف بشكل أعمق، هو موقف الدول المؤثرة على الساحة الدولية، التي ما فتئت ترفع شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان والسلام والاستقرار، ولكنها تقف مكتوفة الأيدي، تراقب بصمت، بينما يواصل نتنياهو -الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية طوال الأشهر الستة عشر الماضية- تصعيده العدواني، محوِّلا المدن الإيرانية والإسرائيلية إلى ساحات حرب، ولا يتوقف عن قرع طبول الدمار والجرائم والقتل.

وأوضح أنه وسط كل ما يجري، لا كبار أوروبا، ولا حكماء العالم، ولا حتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان يدّعي أنه سيحقق السلام العالمي ويؤكد أنه في عهده لن يشهد العالم أي نزاع أو حرب، لم يحركوا ساكنا. فالجميع يتفرّج بلا مبالاة على مشهد الحرب الذي صنعه نتنياهو، ولا أحد منهم اتخذ إجراء حقيقيا لكبح جماح سلوكه.

وأشار، في معرض تقييمه للردّ الصاروخي والطائرات المسيّرة الإيرانية على جرائم إسرائيل، إلى أن إيران، بعد ساعات قليلة من بدء العدوان، أعادت بسرعةٍ تفعيل وتنظيم بنيتها العسكرية والقتالية والتنفيذية، وتمكّنت منذ الليلة الأولى وحتى لحظة إجراء هذا الحوار، من إعادة موازين القوى بشكل واضح لصالحها.

وأردف أنه حتى وإن لم نقل إن ميزان القوى بات راجحا بالكامل لصالح إيران، فإنه على الأقل أصبح متكافئا، بحيث يُقابَل كل تحرّك خبيث من العدو بردٍّ إيراني مناسب. وفي الواقع، لم تعد إسرائيل تشعر بأي تفوق نوعي على إيران، بل باتت في موقع هشّ أمام القدرات الدفاعية والهجومية الإيرانية.

واستدرك قائلا:لكننا اليوم بلغنا مرحلة لم تعد فيها المؤسسات العسكرية لدى الطرفين المتضرر الوحيد، بل إن شعبي البلدين باتا يتألمان تحت الضغط ويتعرضان للأذى. لذلك، ينبغي على جميع الأطراف العاقلة والواعية أن تبذل الجهود لتهدئة الأوضاع، حتى لا يتعرض الشعبان الإيراني والإسرائيلي لمزيد من الأذى، ويُجنَّبا تبعات سلوكيات نتنياهو الجنونية”.

وأكَّد أنه يجب أن ندرك أن الميدان العسكري ليس ساحة مناسبة لقياس القوة بين الدول، لأن الضحايا فيه هم من الأطفال والنساء والرجال والشباب. وإذا كان هناك شيء من العقل والحكمة على مستوى النظام الدولي، فعليهم أن يعملوا من أجل إخماد نيران هذا العدوان والحرب. 

وشدد على أنه ينبغي أن تعود إيران والولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات التي كانت قد اقتربت من تحقيق نتائج ملموسة، قبل أن تُفشلها بعض الأطراف المحرِّضة في النظام الصهيوني وبعض الجهات الداعية للحرب.

وأبرز أن المنطقة عانت لسنوات طويلة من الحروب والاستفزازات الإسرائيلية، وإذا ما أُريد لها أن تشهد حالة من الهدوء والاستقرار، فإن ذلك لن يتحقق إلا بكبح جماح إسرائيل، والالتزام الجاد بالدبلوماسية.

علي باقري: هدف إسرائيل كان إفشال الاتفاق بين إيران وأمريكا

نقلت صحيفة اعتماد، وجهة نظر باقري، إذ تناول الموضوع من زاوية مختلفة، حيث يرى أن إسرائيل تسعى إلى منع التوصّل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة. وأوضح باقري أنه بعد فترة طويلة، اتخذت إيران قرارا حاسما بحل مشاكلها في مجال السياسة الخارجية من خلال الحوار مع الجانب الأمريكي. وكان هذا تطورا مباركا ومهما شهدته إيران منذ تشكيل حكومة بزشكيان.

وأفاد بأن انطلاق المفاوضات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة أثار مخاوف من أن الأطراف المستفيدة من استمرار التوتر والحروب ستسعى إلى إفشال هذه العملية.

وأضاف أنه في مقدمة هذه الأطراف المحرّضة على الحرب، يأتي النظام الإسرائيلي قاتل الأطفال. فلا شك في أن إسرائيل هي الخاسر الأكبر من تسوية القضايا بين إيران وأمريكا، ولذلك كان من الواضح أن هذا النظام لن يدّخر جهدا في تقويض المفاوضات. ولقد بدأ هذا النظام عدوانه على إيران بهدف منع التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة، وإلحاق الضرر بالبنى التحتية الإيرانية.

وطرح علي باقري سؤالا محوريا حول ما إذا كان هذا الهجوم قد تمّ بتنسيق وموافقة من الولايات المتحدة أم أنّ إسرائيل أقدمت عليه بشكل منفرد، ليُجيب بأن هذا الأمر لا يملك أهمية جوهرية. والأهم هو أن الطرف الأكثر معارضة للمفاوضات الثنائية بين إيران وأمريكا هو من بدأ العدوان على إيران؛ في محاولة لمنع حلّ المشكلات بين الجانبين.

وتابع أن إسرائيل شنّت الهجوم استنادا إلى كمٍّ هائل من المعطيات والتخطيط الواسع، وهو ما يتماشى مع أساليبها العملياتية الكلاسيكية: إذ تمثّل الركن الأول في استهداف القيادات العسكرية بهدف إرباك العقل الاستراتيجي للخصم، ثم توجّهت لضرب المنشآت النووية. وفي المراحل اللاحقة، أدرجت استهداف المدنيين والأهداف الاجتماعية ضمن خطتها العدوانية، وهو سلوك معتاد لهذا النظام القاتل للأطفال. 

واعتقد أن المراحل المقبلة من هذه العمليات ستشمل مهاجمة المنشآت الحيوية والبنى التحتية في إيران، ما لم تُقدم إيران على ردٍّ مضادّ يمنع تنفيذ تلك الخطط.

وأورد أن ما شهدناه خلال الساعات الـ72 الأخيرة هو أنّ إيران نجحت في تعويض عنصر المفاجأة الأوليّة بسرعة من خلال بدائل فاعلة. بعد ذلك، تطوّرت القدرات العملياتية والإدارية الإيرانية ساعة بعد ساعة. ففي الساعات الأولى، زعم العدو أنّ قوات الدفاع الجوي الإيرانية تمّ تدميرها! لكن عندما بدأت إيران الردّ بالمثل وشنّت ضربات صاروخية وطائرات مسيّرة متتالية، تبيّن مدى القوة التي تملكها إيران في المجالين الهجومي والدفاعي.

وأوضح أنه كلما تقدّمت العمليات، ارتفعت دقة الضربات، وقوتها، وفعالية الردع الإيراني. أما على صعيد الإدارة الداخلية، حيث توقّعت إسرائيل وأمريكا أن تؤدي صدمة الهجوم العسكري إلى احتجاجات وفوضى شاملة داخل إيران، فقد حصل العكس تماما. 

وأبلغ أن “توقّعات الإسرائيليين بشأن اندلاع احتجاجات شعبية لم تتحقّق، بل رأينا الإيرانيين من مختلف التوجّهات والخلفيات والطوائف يصطفّون صفّا واحدا للدفاع عن سيادة وطنهم”.

وقال إنه استنادا إلى المزايا التي تتمتع بها إيران مقارنة بإسرائيل، مثل المساحة الجغرافية الواسعة، والتماسك الوطني، والوطنية العميقة لدى الإيرانيين، والطبيعة الذاتية لقوة إيران الدفاعية، فإنّ إيران ستكون المنتصر النهائي في هذه المواجهة.

واعتقد أنه “مع إطالة أمد الحرب، فإنّ إسرائيل – رغم كل إمكاناتها والدعم الذي تتلقّاه – تضعف تدريجيا، وهي الآن تحاول إما إدخال الولايات المتحدة في هذا الصراع، وإما أن تجد لنفسها مخرجا وتتراجع”. وقال: “لا أظن أن ترامب والولايات المتحدة سيُقدمون على هذه الأمر الخطير، في وقت لا تزال فيه إسرائيل داخل مدى الصواريخ الإيرانية”.

وذكر أنه في المستقبل القريب سيتم تجاوز هذا النزاع، وستعود إيران والولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات. ولكن، بخلاف ما كانت القوى الغربية تأمله من إضعاف إيران عبر الحرب لتجلس إلى المفاوضات في موقع أضعف، وأرى أن إيران ستدخل الجولة الجديدة من التفاوض وهي في موقع أقوى، وتسعى لتحقيق مطالب شعبها بثبات أكبر.

وأشار إلى أن هناك قضيتين ضروريتين يجب التركيز عليهما في الداخل الإيراني، ويقول: “أولا، يجب على مختلف أجهزة الحكم أن تعقد العزم على رفع كفاءتها الإدارية وتهيئة الظروف لعبور إيران من هذا النفق الحرج بأقل قدر ممكن من الضغوط والمشاكل. فإذا استمرت الأمور بالأساليب الإدارية السابقة، فمن المؤكد أن المشاكل ستتفاقم”.

وأفاد بأن “القضية الثانية هي ضرورة تعزيز مستوى التماسك الوطني في إيران. وإحدى أهم مزايانا هي وطنية الشعب. فعلى الرغم من كل الضغوط التي عانى منها الناس خلال السنوات الأخيرة، فإن تضحياتهم مكّنت إيران من تجاوز حالات التوتر والاستعداد لحماية الوطن والمواطنين. لذلك، يجب على جميع الأجهزة المعنية أن تتجنب السلوك الانتقائي، والمعاملة المزدوجة، والنظرة إلى الناس على أنهم إمّا منّا أو من غيرنا”.

وصرَّح بأنه “رغم أن هيئة الإذاعة والتلفزيون قامت في الأيام الأخيرة بإدخال بعض التعديلات على مواقعها الإخبارية، فإن نهجها في استضافة الضيوف والخبراء ما يزال حزبيا وسياسيا وفئويا. وهذا الأسلوب، في ظرف يعدّ فيه التلاحم الوطني والتماسك الاجتماعي أهم مزايانا، أمر غير مقبول”. 

وفي الختام شدد باقري على ضرورة أن تتخلى هيئة الإذاعة والتلفزيون عن الأهواء والتحزّب، وأن توجّه عدسة كاميرتها نحو جميع الإيرانيين، حتى يُعزَّز الانسجام المتحقق.