طهران بين الإيجابية الدبلوماسية ومراوغات الغرب.. مشهد متقلب من التفاوض إلى التصعيد

نشرت صحيفة “قدس ديلي” الإيرانية، الأحد 18 مايو/أيار 2025، تقريرا استعرضت فيه موقف إيران الدبلوماسي الإيجابي في مفاوضاتها النووية مع الترويكا الأوروبية، مقابل استمرار السياسات الغربية المتناقضة والمزدوجة، خاصة من جانب فرنسا والولايات المتحدة. كما تناولت التحركات الإعلامية والسياسية المرتبطة بمقترحات جديدة، وتصريحات إيرانية تؤكد التمسك بحقوقها النووية ورفضها لأي تنازلات أحادية.

قالت الصحيفة إن الجولة الأولى من الاجتماعات النووية بين إيران والترويكا الأوروبية انطلت في إسطنبول، وسط توقعات بخفض التوتر وانتهاج الاتحاد الأوروبي سلوكا إيجابيا تجاه إيران. غير أن فرنسا، بالتوازي مع هذه المحادثات، أعلنت نيتها رفع دعوى ضد إيران في محكمة العدل الدولية، متذرعة باتهامات واهية.

وأردفت أنه عقب الاجتماع المشترك الذي جمع مساعدي وزراء الخارجية للشؤون السياسية والقانونية والدولية الإيرانيين مع المديرين السياسيين الأوروبيين، التقى “أولاف اسكوك”، نائب ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية، الوفد الإيراني. 

وتابعت أنه في أعقاب هذا اللقاء، كتب كاظم غريب‌آبادي، مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية، عبر منصة “إكس”: “استضفنا الدكتور تخت روانجي وأنا المدراء السياسيين للدول الأوروبية الثلاث، وتبادلنا وجهات النظر حول آخر مستجدات المفاوضات النووية غير المباشرة ورفع العقوبات. نحن وإياهم ملتزمون بالحفاظ على المسار الدبلوماسي والاستفادة منه، وسنجتمع مجددا إذا استدعى الأمر لاستكمال الحوار.

فرنسا ترفع دعوى ضد إيران رغم المبادرات الدبلوماسية

تابعت الصحيفة أن المبادرة الإيرانية لإشراك الاتحاد الأوروبي في الملف النووي لم تلقَ حتى الآن ردا مسؤولا من الطرف الأوروبي، الذي يبدو أنه لا يزال متمسكا بلعبة الابتزاز والمصالح الأحادية ضد طهران. وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الفرنسي “جان نوئل بارو” أن بلاده رفعت دعوى ضد إيران لدى محكمة العدل الدولية، متذرعا باعتقال مواطنَين فرنسيين هما “سيسيل كوهلر” و”جاك باريس” منذ مايو/آيار 2022.

وأضافت أنه تزامنا مع هذه التصعيدات الأوروبية، استمرت المواقف المتناقضة من الجانب الأمريكي بشأن المفاوضات مع إيران. فقد تحدث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتفاؤل عن اقتراب التوصل إلى اتفاق، بينما صرّح ممثله الخاص في المفاوضات النووية، ستيف وِيتْكوف، بأن الاتفاق مع إيران قد يتحقق قبل إحراز تقدم في قضية أوكرانيا.

وتابعت أن وزارة الخزانة الأمريكية، في المقابل، أعلنت يوم الخميس فرض عقوبات جديدة ضد طهران، في حين طالب 200 نائب جمهوري في الكونغرس بزيادة الضغط على إيران بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم.

واشنطن تقترح تجميد التخصيب.. وطهران ترفض بشكل قاطع

أفادت الصحيفة بأن الغرب يروّج لمقترحات إعلامية تتعلق بالمفاوضات، حيث نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا زعمت فيه أن الولايات المتحدة اقترحت على إيران تجميد تخصيب اليورانيوم لمدة ثلاث سنوات كخطوة لبناء الثقة. وبحسب الصحيفة، فإنه بعد انقضاء تلك الفترة يمكن لإيران استئناف التخصيب حتى 3.75%، كما هو منصوص عليه في الاتفاق النووي لعام 2015، على أن تتولى روسيا توفير احتياجات إيران من اليورانيوم لأغراض سلمية خلال تلك المدة.

وتابعت أن الصحيفة البريطانية ادّعت أن عباس عراقجي نقل هذا المقترح إلى طهران، لكن سرعان ما جاء الرد الإيراني الحازم، إذ كتب كاظم غريب‌آبادي نافيا تلك الأنباء بقوله يعلم الطرف المقابل جيدا أن إيران لن تساوم أبدا على إنجاز تحقق بدماء الشهداء وتكاليف باهظة. حق التخصيب هو خطنا الأحمر ولا نقبل بأي تجميد في هذا المجال.

وأردفت أن التصريحات الأخيرة للمستشار السياسي لقائد الثورة الإسلامية أثارت تفاعلا كبيرا، إذ نقلت شبكة “NBC News” الأمريكية عن علي شمخاني أن إيران على استعداد للتخلي عن مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب وعدم تصنيع أسلحة نووية، مقابل رفع فوري وكامل للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

وأضافت أن مرتضى مكي، الخبير في الشؤون الدولية، اعتبر في حديثه للصحيفة، أن الاجتماع الأخير في إسطنبول خطوة مهمة نحو خفض التوتر مع الاتحاد الأوروبي. 

وأكد أن على طهران إلى جانب حواراتها غير المباشرة مع واشنطن، أن تنخرط بفاعلية في محادثات مع الأوروبيين، للحؤول دون استغلالهم لآلية الزناد بهدف إعادة فرض العقوبات.

أوضح مكي أن تصرفات باريس الأخيرة تعكس ارتباكا وعجزا في صياغة سياسة مستقلة تجاه إيران، واعتبر الشكوى الفرنسية خطوة أحادية وغير ودية، كان من الممكن معالجتها عبر الحوار الثنائي دون اللجوء إلى التدويل. 

وأشار إلى أن فرنسا، التي لطالما لعبت دور “الشرطي السيئ” في المفاوضات، عقدت مؤخرا اجتماعا أمنيا رفيع المستوى حول إيران، في مؤشر على نيتها تصعيد الضغط والمواجهة بدلا من الحوار.

نوايا فرنسا الخفية ومحاولة التأثير على المسار النووي

قال مكي إن فرنسا لعبت الدور الأضعف في محاولات خفض التوتر خلال جولات المفاوضات الأخيرة، في حين أن إيطاليا وألمانيا قد تكونان بدائل أفضل لفتح قنوات حوار موازية بعيدا عن النفوذ الفرنسي المتشدد. 

كما لفت إلى امتعاض الأوروبيين من السياسات الأمريكية الأحادية، خاصة في ملفات أوكرانيا، ما دفعهم إلى استخدام إيران كورقة للضغط وإظهار استيائهم.

وذكرت الصحيفة بأن مكي اعتبر أن الأوروبيين سيدركون في حال توصل إيران والولايات المتحدة إلى اتفاق ثنائي، أنهم غير قادرين على تفعيل آلية الزناد، إلا أن ذلك لا يعني تجاهل السلوك التخريبي الأوروبي. وأوصى بمواصلة الدبلوماسية العامة والمحادثات رفيعة المستوى لكبح التصعيد الأوروبي، خاصة من فرنسا.

وأشار كذلك إلى أهمية التوصل لحل وسط بشأن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 و60%، بما يضمن حقوق طهران ويعزز الثقة لدى الغرب. 

وأضاف أن تصريحات علي شمخاني، التي نقلتها شبكة NBC وتغريدة الرئيس الأمريكي حولها، تشير إلى استعداد طهران للتخلي عن الأسلحة النووية والسماح برقابة دولية مقابل رفع فوري للعقوبات، ما يدل على أنه حتى الملفات المتوترة يمكن تسويتها متى ما وُجدت الإرادة السياسية والمرونة المتبادلة.