الأزمة المائية في إيران بين فشل الإدارة وتحديات التكنولوجيا.. طريق معقد نحو الحلول المستدامة

نشرت صحيفة “آرمان ملى” الإيرانية الإصلاحية، السبت 24 مايو/أيار 2025، تقريرا استعرضت فيه أزمة المياه المتفاقمة في إيران، والأسباب الهيكلية والفنية والبيئية التي تعيق مواجهتها، ودور الزراعة غير المستدامة والسياسات الاقتصادية في تعميق الأزمة.

ذكرت الصحيفة أن أزمة المياه تُعدّ واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه إيران، مثلها مثل معظم دول العالم، وذلك نتيجة التغيرات المناخية. وأشارت إلى أن تحلية مياه البحر تُعدّ من الحلول التي لجأت إليها الدول ذات المناخ المماثل لإيران، مثل الدول المطلة على البحار، للتغلب على شح المياه.

وتابعت أن إيران، رغم امتلاكها لسواحل واسعة، لم تنجح حتى الآن في تنفيذ هذا الحل بشكل فعّال. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها العقوبات الدولية، ونقص المعرفة والتقنيات المناسبة، إضافة إلى غياب الإدارة والتخطيط السليم. 

وأردفت أن هناك أيضا مخاوف بيئية من تحلية المياه، إذ يرى بعض الناشطين البيئيين أنها قد تؤدي إلى الإضرار بالبيئة البحرية وخلل في توازن الموارد المائية.

من أزمة بيئية إلى تهديد للأمن القومي

أوضحت الصحيفة أن أزمة المياه في إيران لم تعد محصورة ضمن القضايا البيئية، بل تحوّلت إلى تهديد حقيقي للتنمية المستدامة، والأمن الغذائي، والهجرة الداخلية، بل وحتى الاستقرار الاجتماعي في بعض المناطق. 

وأضافت أن انخفاض معدلات الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، وأنماط الاستهلاك الخاطئة، وتدهور البنية التحتية المائية، كلها عوامل أوصلت موارد المياه في البلاد إلى مرحلة الخطر.

وأردفت أن العديد من الدول الساحلية تبنت تكنولوجيا تحلية المياه لمواجهة هذا التحدي، في حين لا تزال إيران عاجزة عن تبني هذا الحل على نطاق واسع. ورغم وجود مشاريع محدودة في المحافظات الجنوبية، مثل بوشهر وهرمزغان وسيستان وبلوشستان، فإن هذه المشاريع تواجه عراقيل اقتصادية وفنية وإدارية. 

وأشارت إلى أن العقوبات منعت إيران من الحصول على التقنيات المتطورة، كما أن تكلفة إنشاء وتشغيل منشآت التحلية، واستهلاك الطاقة الكبير في عمليات التحلية الحرارية أو باستخدام التناضح العكسي، تشكّل عقبة كبيرة أمام التوسع في هذه المشاريع.

التحفظات البيئية على تحلية المياه

أوضحت الصحيفة أن هناك اعتراضات من بعض الخبراء البيئيين على مشاريع تحلية المياه، إذ يعتقدون أن تصريف المحلول الملحي إلى البحر قد يزيد من ملوحة السواحل ويضر بالتنوع البيولوجي في النظم البيئية البحرية. إلا أن تجارب دول الخليج مثل السعودية والإمارات تُظهر أنه يمكن، من خلال التخطيط السليم وتوظيف التكنولوجيا الحديثة، تقليل الأضرار البيئية إلى الحد الأدنى.

وتابعت  أن بعض الخبراء الإيرانيين يرون أنه لا ينبغي التخلي عن هذا الحل بسبب المخاطر الجانبية، بل يجب مواجهتها بتقنيات مناسبة. كما لفتت إلى مشاكل أخرى تُفاقم أزمة المياه، منها تهالك البنية التحتية لتوزيع المياه، وعدم وجود نظام فعّال لإعادة تدوير “المياه الرمادية” (مياه الحمامات، الغسالات، والتنظيف). وأضافت أنه في بعض المناطق يُهدر ما يصل إلى 30% من مياه الشرب قبل أن تصل إلى المستهلك، وهو رقم مقلق في ظل شح المياه. 

وتابعت أن المياه الرمادية لا تحظى بالمكانة المناسبة في التخطيط المدني والصناعي، رغم أن بعض الدول تعيد استخدامها لري المساحات الخضراء أو للأغراض الصناعية، بل وحتى للاستخدامات المنزلية مجددا.

حل شامل يتطلب إرادة وطنية

ذكرت الصحيفة أن المختصين يؤكدون أن أزمة المياه في إيران لا يمكن حلها بحل مؤقت أو تقنية واحدة فقط، بل تتطلب مجموعة متكاملة من الحلول، يتم تنفيذها بتنسيق وإرادة وطنية. ويجب أن تشمل هذه الحلول إصلاح نمط الاستهلاك في الزراعة والمنازل، والاستثمار في التقنيات الحديثة، وتجديد البنية التحتية.

وأضافت أن تحلية مياه البحر يمكن أن تكون أحد أضلاع مثلث الإنقاذ، ليس فقط للمحافظات الجنوبية، بل حتى للمناطق المركزية التي تعتمد على نقل المياه من مناطق نائية.

وتابعت أن التغلب على النظرة الضيقة نحو الأزمة، وتحقيق التكامل بين المعرفة المحلية، والتقنيات الحديثة، والمصالح الوطنية، يمكن أن يُقلّل من حدة الأزمة الحالية ويؤمّن موارد مائية جيدة للأجيال القادمة.

الزراعة وسوء الإدارة.. أصل الداء

نقلت الصحيفة عن الناشط البيئي محمد درويش، قوله إن أزمة المياه ناجمة عن سوء الإدارة والسياسات الاقتصادية غير المستقرة، لا عن قلة الموارد. وأضاف درويش أن الاستخدام المفرط للمياه في الزراعة والصناعات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، كما في خوزستان وزاينده‌رود، أدّى إلى استنزاف الموارد المائية.

أوضح درويش أن الحل يكمن في الإدارة السليمة وتقليل الاعتماد على الأنشطة المائية. وأشار إلى أن إيران لا تحتاج لاستيراد المياه في كثير من مناطقها، بل تحتاج إلى تعيين أشخاص مختصين لإدارة هذا الملف. وأضاف: لقد استهلكنا ثلثي احتياطي المياه الذي تراكم خلال ألف عام، خلال ثلاثة عقود فقط. 

وبيّن أن السياسات الزراعية التي شجعت على زراعة محاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، مثل القمح والأرز وبنجر السكر، وخاصة في المناطق الصحراوية، ساهمت في تفاقم الأزمة. 

وأردف أن سياسة الاكتفاء الذاتي الزراعي بعد الثورة زادت من عمق المشكلة، حيث تحولت الزراعة إلى “زراعة غير مستدامة”، تُهدر المياه أكثر مما تعود بالفائدة. وختم بالقول إنه لا بد من النظر إلى المياه بجدية أكبر، وإزالة المنظور الاقتصادي عنها، والتفكير في التنمية المستدامة.

التهديد الأكبر.. 

أضافت الصحيفة نقلا عن خبير الطاقة تقی‌زاده أن مشكلة المياه في إيران تجاوزت مرحلة الأزمة وأصبحت “أبَر أزمة”. وأوضح أن الفرق بين الأزمة و”أبَر الأزمة” هو أن الأزمات يمكن إدارتها، بينما الأبر أزمات تُطلق سلسلة من التداعيات الكارثية التي تهدد بقاء الحياة على الأرض. 

وأردف أن بعض هذه التداعيات، مثل الهبوط الأرضي، دخلت مرحلة لا رجعة فيها وتسببت في أضرار لا يمكن إصلاحها.

وأضاف تقی‌زاده أن هذه “الأبَر أزمة” تهدد الأمن الغذائي، والصحة، والبنية التحتية، ومعيشة المواطنين بشكل مباشر، وأن تأثيراتها ظهرت بالفعل. وأوضح أن جزءا من النخبة والمجتمع المدني يدرك خطورة الأزمة، كما أن بعض المواطنين العاديين يشعرون بها نتيجة معايشتهم اليومية. 

وتابع أن المشكلة، بحسب رأيه، تكمن في “النائمين” من كبار الساسة وصناع القرار، الذين لا يبدو أنهم يدركون حجم الكارثة، بل يضيعون وقتهم في معالجة قضايا هامشية لا توازي خطورة أزمة المياه.