- ربيع السعدني
- 97 Views
في ولايته الرئاسية الثانية، يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إثارة الجدل بمواقفه المتباينة تجاه إيران، حيث يتأرجح بين لهجة التهديدات القاسية بـ”تدمير” البرنامج النووي الإيراني وعروض دبلوماسية مغرية للتوصل إلى اتفاق جديد.
هذه التقلبات، التي تجلت في تصريحاته العامة وتحركات إدارته، تثير تساؤلات حول ما إذا كانت نتيجة ارتباك استراتيجي أم جزءًا من خطة مدروسة للضغط والتفاوض.
اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مواقف مزدوجة ومتناقضة تجاه إيران في الأيام والأشهر الأخيرة، لكن ما وراء هذه التقلبات في كلام ترامب؟ تقرير لوكالة تسنيم للأنباء، يرصد نهج ترامب في ولايته الرئاسية الثانية تجاه إيران والمفاوضات النووية التي بدأت قبل أسابيع قليلة والمليء بالتناقضات والتعقيدات من ناحية، فهو يوجه تهديدات قاسية ويؤكد على التدمير الكامل للبرنامج النووي الإيراني، ومن ناحية أخرى، فإنه يظهر علامات المرونة والاستعداد للتوصل إلى اتفاق وقبول البرنامج النووي الإيراني.
إن هذا التناقض، الذي يتجلى في تصريحاته العامة ومقابلاته وتحركاته الدبلوماسية، قد يكون نتيجة لارتباك الإدارة الأمريكية المستمر وجزءاً من استراتيجية مدروسة.
أقصى قدر من التهديد والضغط
في مقابلة مع شبكة إن بي سي في مايو/أيار 2025، أعلن ترامب أن خطه الأحمر هو “التفكيك الكامل” للبرنامج النووي الإيراني، محذرا من أن أي انتهاك سيقابل برد قاس، وردا على سؤال حول “تفكيك برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني وتسليم اليورانيوم”، قال الرئيس الأمريكي: “الأمر بسيط للغاية، أفضل اتفاقًا قويًا وموثوقًا به، وإلا فسوف أقوم بتفجيرهم أو سنقوم بتدمير منشآتهم النووي”، وحذر: “إيران ليس لديها خيار آخر، فإما أن يتم تفجير منشآتها بطريقة ودية أو بوحشية”.
وقد تم استكمال هذا الموقف بالكلمات القاسية التي أطلقها مستشار الأمن القومي آنذاك مايك والتز، والذي دعا ليس فقط إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني، بل وأيضاً إلى تدمير صواريخها الاستراتيجية ومع ذلك، وفي خطابه الثلاثاء 13 مايو/ أيار 2025 في القمة الاستثمارية الأمريكية السعودية في الرياض، خصص ترامب أيضًا جزءًا كبيرًا من خطابه لإيران وقد صاحب هذا الخطاب لهجة قاسية واتهامات متكررة ضد إيران، مع اقتراحه.

ثم بعد ذلك، بدلاً من تهديداته السابقة بالتوصل إلى اتفاق مع القصف، اقترح ترامب حسبما نقلت صحيفة “هم ميهن” هذه المرة اتفاقاً ضخماً أو أقصى قدر من الضغط، قائلاً: “أريد أن أبرم اتفاقاً مع إيران سأكون سعيدًا جدًا لو تمكنت من تحقيق هذا الاتفاق الذي يجعل منطقتكم والعالم مكانًا أكثر أمانًا ولكن إذا رفضوا غصن الزيتون، فلن يكون أمامنا خيار سوى تطبيق أقصى قدر من الضغط الهائل، وخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، واتخاذ أي إجراء ضروري لمنعهم من الحصول على سلاح نووي”.
في الوقت نفسه التفاوض ونجاح المفاوضات مع إيران ووصف إيران بأنها “القوة الأكثر تدميرا في الشرق الأوسط”، وقال: “أعداؤكم سوف يحفزونكم، لكن ‘إيران لن تمتلك أسلحة نووية أبدا‘، وتضمن هذا الجزء، الذي استغرق نحو عشر دقائق من الخطاب، انتقادات للسياسات الإقليمية الإيرانية، واقتراحا للتفاوض على اتفاق نووي جديد، وتهديدا بممارسة أقصى قدر من الضغط”.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تحليل سابق لها أن تصريحات ترامب بشأن إيران هي مزيج من سياسة الضغط القصوى التي انتهجها خلال ولايته الأولى ومحاولاته للتفاوض’ وقد تكرر التهديد بالعمل العسكري عدة مرات؛ وأدلى ترامب بتصريحات واضحة مفادها أن فشل المفاوضات سيعرض إيران لـ”خطر كبير”.
وفي خطابه، في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض يوم الثلاثاء 13 مايو/ أيار 2025 وصف ترامب إيران بأنها “القوة الأكثر تدميرا في الشرق الأوسط” وهدد بتطبيق “أقصى قدر من الضغط” إذا رفضت عرض المفاوضات، بما في ذلك “خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر”.
المرونة والعروض الدبلوماسية
ومع ذلك، إلى جانب هذه التهديدات، بدأت تظهر علامات القدرة على الصمود وفي مقابلة مع شبكة “إن بي سي” أشار ترامب إلى إمكانية قبول البرنامج النووي السلمي الإيراني.

وتحدث المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف أيضًا عن إمكانية قبول تخصيب محدود بمستوى 3.67% وهو ما يذكرنا باتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، وتأتي هذه المرونة، رغم أنها مشروطة، مصحوبة بوصف المفاوضات بأنها “إيجابية وبناءة”، وتشير إلى الاستعداد لإيجاد حل دبلوماسي.
الغموض في المفاوضات
ولا تقتصر التناقضات على محتوى المفاوضات، بل تظهر أيضاً في شكلها. وأعلن ترامب في فبراير/شباط 2025 أنه أرسل رسالة إلى المرشد الإيراني يدعوه فيها إلى التفاوض، بهدف التوصل إلى اتفاق بسيط لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي لكن مسؤولين إيرانيين نفوا هذا الادعاء، وقالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة إنها لم تتلق أي خطاب في هذا الشأن وبعد ذلك بقليل، اعترف ترامب بأنه لم يرسل الرسالة بعد، وكان يخطط لإرسالها في الأيام المقبلة.
وبعد ذلك بقليل، قبل أيام قليلة من الجولة الأولى من المفاوضات، ادعى أن المفاوضات بين الممثلين الإيرانيين والأمريكيين ستجرى بشكل مباشر، وبعد ذلك بقليل أصبح من الواضح أن المحادثات كانت غير مباشرة، على عكس المزاعم الأمريكية.
أسباب التناقضات
ورغم أنه من المبكر جدا التعليق على نوايا ترامب ودوافعه، إلا أنه يبدو أن مجموعة من العوامل يمكن اعتبارها مؤثرة في المواقف المتناقضة التي تتخذها إدارته، ومن الممكن أن يكون أحد الأسباب وراء ذلك هو؛

- الجمع بين أقصى قدر من الضغط والمرونة الدبلوماسية يوفر للولايات المتحدة نفوذاً في اتجاهين، وتبقي التهديدات إيران تحت ضغط اقتصادي وسياسي، في حين تبقي العروض المحدودة الباب مفتوحا للمفاوضات.
- تلعب النزاعات الداخلية دوراً مهماً في إدارة ترامب، من ناحية، يدعو المتشددون مثل مايك والتز وماركو روبيو إلى اتخاذ إجراءات عسكرية أكثر صرامة وأكثر توازنا، في حين يفضل المعتدلون من ناحية أخرى اتفاقا محدودا مع رقابة صارمة.
- ومن ناحية أخرى، قد تكون هذه الاختلافات في حد ذاتها وانعكاسها في وسائل الإعلام بمثابة حرب ترويجية للضغط على إيران من أجل التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة.
مواقف ترامب المزدوجة
لقد ذكر ترامب مرارا وتكرارا في مواضيع مختلفة أن وجود شخصيات متشددة في البيت الأبيض هو جزء من استراتيجيته، لأنه من خلالهم يستطيع التحذير من عواقب عدم الاتفاق معه، وهذه المواقف المزدوجة لها آثار داخلية أيضا، وتهدف هذه التصريحات القاسية إلى كسب دعم الجمهوريين المتشددين، في حين تعمل الإشارة إلى الدبلوماسية على طمأنة الناخبين المعتدلين والمشرعين الديمقراطيين الذين يريدون العودة إلى الاتفاق النووي.

ومن ناحية أخرى، تتم مناقشة هذه التقلبات في ضوء الرأي العام داخل إيران وخلق حالة من الإثارة في المجتمع الإيراني بشأن نتائج المفاوضات وضخ التوقعات العاطفية وغير الواقعية في الاقتصاد والمجتمع الإيراني.
ولذلك نرى أنه قبيل المفاوضات مباشرة، يطلق الأمريكيون تصريحات وتوقعات غير واقعية وخارجة عن المألوف، وبعد المفاوضات يحاولون تصوير عملية التفاوض على أنها إيجابية، لكن الحقيقة هي أن عملية التفاوض ونتائجها ليست سوى جزء صغير من القضايا التي تتعامل معها إيران، وليس الأمر كما لو أن القضايا الاقتصادية الكلية والاجتماعية في إيران تعتمد على نتائج المفاوضات كما يتوقع ترامب وحاشيته.
ويعتمد نجاح هذه الاستراتيجية القائمة على التناقض في التعبير عن المواقف على قدرة الفريق التفاوضي الأمريكي، وخاصة ستيف ويتاكر، على التنسيق داخلياً وتقديم مقترح واقعي لإيران ولكن لا يمكن تجاهل خطورة هذا النهج، إن الغموض المفرط قد يزيد من التشاؤم القائم بين الإيرانيين تجاه الولايات المتحدة ويقود المفاوضات إلى طريق مسدود.