انفجار أسعار الإيجارات في طهران يسبق الصيف.. المستأجرون بين فكي الغلاء وغياب الحلول

نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة المحسوبة على مكتب علي لاريجاني، السبت 24 مايو/أيار 2025، تقريرا استعرضت فيه تفاقم أزمة الإيجارات في طهران مع ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، قبل بدء الصيف، وسط عجز حكومي عن ضبط السوق. كما سلط الضوء على معاناة المستأجرين، ونزوحهم نحو الضواحي، وغياب بيانات شفافة وخطط إسكانية فعالة.

ذكرت الوكالة أن موجة الغلاء في أسعار الإيجارات باغتت المستأجرين هذا العام بشكل غير مسبوق، حتى قبل حلول فصل الصيف. فأصبح على العائلات أن تحزم حقائب القلق قبل الانتقال، وتبحث عن مأوى جديد وسط دوامة الأسعار المرتفعة.

قلق متزايد مع بداية موسم الانتقال

أضافت الوكالة أن مع دخول شهر يونيو/حزيران، الذي يمثل بداية موسم الانتقال السنوي، عاد سوق الإيجارات في طهران إلى نشاطه المعتاد كما في الأعوام السابقة. إلا أن هذه الحركة النشطة لم تجلب الطمأنينة بل زادت من قلق المستأجرين، حيث لم تعد كثير من الأسر قادرة حتى على تجديد عقودها السابقة، واضطرت إلى ترك منازلها التي عاشت فيها لسنوات. فبات عليهم أن يسلّموا مواقعهم لصالح الغلاء وعدم الاستقرار.

وتابعت أن الحكومة قدّمت وعودا متكررة للسيطرة على السوق، إلا أن الملاك استغلوا الثغرات القانونية للتحايل، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار الإيجارات. في أزقة طهران، يدرك سماسرة العقارات جيدا المعاناة التي يعيشها المستأجرون. أحدهم في شارع كاركر شمالي يقول: “من بين كل 10 مستأجرين يأتون إلى المكتب، هناك 8 يبحثون فقط عن تجديد العقد بأقل زيادة ممكنة، لكن معظم الملاك يرفضون، والسوق لا يخدم مصلحة المستأجر بأي حال”.

أزمات متلاحقة: لا عروض للإيجار ولا سقف للسعر

ذكرت الوكالة أن السقف القانوني للإيجارات لا يزال غير مُحدد، ولا توجد عروض كافية للإيجار في السوق، ما فاقم من الأزمة. كما أدت زيادة أسعار مواد البناء، كالاسمنت، إلى أزمة في قطاع التشييد، انعكست بشكل مباشر على وفرة العقارات المعروضة للإيجار.

وأضافت أن كثيرا من المستأجرين باتوا يبحثون عن مخرج من الأزمة، فيلجؤون إلى مناطق الضواحي مثل برند، بردیس، رباط‌كريم، وإسلام‌شهر. هذا النزوح القسري لا يعكس فقط اليأس من مواجهة الغلاء، بل يزيد الضغط على البنية التحتية في هذه المناطق ويؤدي بدوره إلى رفع أسعار الإيجار فيها.

وتابعت أن غياب البيانات الدقيقة والشفافية زاد الوضع سوءا. فرغم أن “المنصة الوطنية للعقارات والإسكان” كان من المفترض أن تكون بمثابة عين مراقبة للسوق، فإنها لم تُفعّل بشكل كامل بعد. كثير من العقود لا تزال تُبرم يدويا وغير رسمية، ما فتح الباب أمام زيادات غير منضبطة في الأسعار، وجعل السيطرة على السوق حلما بعيد المنال.

تصريحات من داخل القطاع العقاري

أشارت الوكالة إلى تصريحات داوود بيكي‌نزاد، نائب رئيس اتحاد الوسطاء العقاريين، الذي قدّم توصيفا دقيقا لحالة سوق الإيجارات. وأوضح أنه رغم دخول موسم التنقلات، لا يزال المجلس الأعلى للإسكان متأخرا في تحديد سقف للإيجارات في العاصمة طهران، ما ساهم في تفاقم الأزمة. 

ولفت بيكي‌نزاد إلى أن حالة الركود في قطاع البناء أدت إلى تراجع عدد الوحدات السكنية المعروضة للإيجار، الأمر الذي أجبر العديد من المستأجرين على الانتقال إلى مناطق ذات تكلفة أقل أو إلى ضواحي المدينة.

وفي تصريح خاص للوكالة، أضاف أن أسعار الإيجارات خلال شهر مايو/أيار  2025، شهدت قفزة ملحوظة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مؤكدا أن هذا الارتفاع لا يتناسب إطلاقا مع مستويات دخل الأسر، ما ضاعف من الأعباء المعيشية على شريحة واسعة من المواطنين.

تحرك حكومي محتمل لكن متأخر

أوضحت الوكالة أن حبيب‌الله طاهرخاني، نائب وزيرة الطرق، صرح في وقت سابق، بأنه في حال تجاوز التضخم نسبة 30% فإن الوزارة ستتدخل لتحديد أسعار الإيجار. وأشار إلى أن التعليمات التنفيذية لهذا القرار ستصدر قريبا، كما دعا إلى سرعة تقييم أوضاع الإيجارات في المحافظات ومشاركة المحافظين في معالجة الأزمة.

وتابعت أن طاهرخاني أعلن عن خطة لبناء 25 ألف وحدة سكنية سنويا للإيجار لصالح الأزواج الشباب والفئات ذات الدخل المحدود. وأضاف أن “الهيئة الوطنية للأراضي والإسكان” و”شركة تطوير المدن الجديدة” ستتمكنان من مبادلة أراضيهما بوحدات سكنية جاهزة للإيجار. كما أشار إلى خطط لبناء مساكن مؤسسية للعسكريين والعاملين في جهاز الشرطة، ما قد يسهم في تحقيق التوازن في السوق.

مستأجرون محاصَرون بين فكي الغلاء والندرة

بيّنت الوكالة أن هذا الوضع الحرج وضع المستأجرين في مأزق صعب، فإما أن يرضخوا للانتقال إلى منازل أصغر وأقل جودة، وإما أن يلجؤوا لمشاركة السكن لتقليل التكاليف. هذه الضغوط لا تقتصر على الجانب المادي، بل تمتد لتؤثر نفسيا على المواطنين، وتسلبهم الطمأنينة والاستقرار.

واختتمت الوكالة تقريرها، بتأكيد أنه دون تدخل سريع وحازم من الحكومة، وتحديد سقف للإيجارات، لا أمل في تحسّن الوضع. إن تعزيز الرقابة على السوق، وتفعيل منصة الإسكان، وزيادة مشاريع البناء داخل المدن، كلها خطوات قد تساهم في تهدئة الأوضاع. كما أن تقديم قروض ميسّرة للمستأجرين من ذوي الدخل المحدود قد يخفف عنهم بعض الأعباء.

وتابعت أنه رغم كل ذلك، لا يزال سوق الإيجارات في طهران وضواحيها يعيش حالة اضطراب، والمستأجرون في موقع ضعف قد يستمر لسنوات، ما لم تُتخذ قرارات استراتيجية كبرى تُعيد لهم الأمل بمسكن آمن ومستقر.