ضغوط أوروبا وآلية الزناد في الملف النووي الإيراني

ترجمة: يسرا شمندي

نشرت صحيفة شرق الإيرانية الإصلاحية، الاثنين 19  مايو/أيار  2025، تقريرا أفادت فيه بأن الاجتماع الأخير بين إيران وثلاثي أوروبا (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) في إسطنبول أعاد تسليط الضوء على الدور المحوري لأوروبا في مفاوضات الملف النووي الإيراني، وجاء هذا اللقاء بعد أربع جولات من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في عمان، والتي وُصفت بالبناءة، ليبرز جهود أوروبا المستمرة للحفاظ على مكانتها في الدبلوماسية النووية.

ومع ذلك، تشير إلى ضعف دور أوروبا، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018.

جهود أوروبا لإحياء دورها الدبلوماسي

وأضافت الصحيفة أن الاجتماع عُقد في 16 مايو/أيار 2025، بالقنصلية الإيرانية في إسطنبول، بحضور مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية كاظم غريب آبادي ونائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي من إيران، إلى جانب المسؤولين السياسيين في ترويكة أوروبا. وقد مثَّل هذا اللقاء خطوة لإعادة تعريف دور أوروبا في المفاوضات النووية. 

ووصف غريب آبادي هذه المحادثات بـالبناءة مؤكدا على العزم المشترك للحفاظ على مسار الدبلوماسية. من جهته، رحّب الدبلوماسي البريطاني كريستيان ترنر بالتزام الحوار وأبدى تفاؤله بتقدم المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. وتعكس هذه المواقف رغبة أوروبا في تفادي تهميشها في مفاوضات قد تُعيد إيران إلى الاقتصاد العالمي. 

وأضافت الصحيفة أن إيران استغلت هذه الفرصة بدبلوماسية ذكية لتعزيز موقفها في المفاوضات المتوازية مع واشنطن، مؤكدةً استعدادها للتفاعل متعدد الأطراف للحفاظ على حقوقها النووية ورفع العقوبات.

وتابعت الصحيفة أن تراجع نفوذ أوروبا منذ الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة من الاتفاق النووي أصبح واضحا. يرى أستاذ جامعة غرونوبل  ثيو نينتشيني، أن ترويكا أوروبا لم تتمكن بعد عام 2018، بسبب تبعيتها لمواقف أمريكا، من صياغة سياسة متماسكة تجاه إيران. وقد أدى هذا التبعية إلى إضعاف ثقة إيران في وعود أوروبا. 

وأفاد مصدر إيراني رفض الكشف عن هويته لشبكة TRT، بأن أوروبا لم تلتزم بتعهداتها بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق، مما دفع المسؤولين الإيرانيين إلى التشكيك في جدوى المفاوضات من دون حضور الولايات المتحدة. ومع ذلك، تتبع إيران نهجا عمليا تستثمر من خلاله القنوات الدبلوماسية مع أوروبا لتعزيز موقفها.

تحدي آلية الزناد وقيود أوروبا

وصرَّحت الصحيفة بأن إحدى القضايا الحساسة في اجتماع إسطنبول كانت آلية الزناد في الاتفاق النووي، التي تتيح للدول الموقعة إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة في حال خرق الاتفاق. وهذا البند، المدرج في القرار 2231 لمجلس الأمن، سينتهي مفعوله في أكتوبر/تشرين الأول 2025. 

وأكدت الصحيفة أن الدبلوماسيين الأوروبيين حذَّروا من احتمال تفعيل هذه الآلية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد بحلول أغسطس/آب 2025. ومع ذلك، يرى بعض المراقبين أن ترويكا أوروبا على الأرجح لن تستخدم هذا الورقة إلا في حال حدوث تطورات غير متوقعة. وهذا التردد يعكس محدودية نفوذ أوروبا وقلقها من تصعيد التوترات في غياب الدعم الأمريكي. 

وأضافت أن إيران مدركة لهذه القيود، وتدير مفاوضاتها بحذر، فالدبلوماسية الإيرانية، التي تركز على الحفاظ على المكاسب النووية ورفع العقوبات، نجحت في خلق توازن بين محادثات عمان وإسطنبول، مما مكنها من إدارة ضغوط أوروبا. وهذا النهج لم يمنع فقط تفعيل آلية الزناد، بل دفع أوروبا إلى استمرار في الحوار. من هذه الزاوية، كان اجتماع إسطنبول فرصة لإيران لاستغلال الدبلوماسية وتعزيز موقعها على حساب تراجع أوروبا.

فرص أوروبا في تعزيز الدبلوماسية الإقليمية

وأخبرت الصحيفة بأنه مع اقتراب انتهاء قرار مجلس الأمن رقم 2231، سيتعزز دور أوروبا في سد الثغرات الدبلوماسية ليصبح أكثر أهمية وحيوية. وعلى الرغم من أن نفوذ ترويكا أوروبا قد تراجع مقارنة بعام 2015، فإن مشاركتهم لا تزال ذات أهمية كبيرة في بناء هيكل أي اتفاق مستقبلي. ويمكن لأوروبا أن تسهم في تحقيق الاتفاق من خلال تسهيل الحوارات الفنية والقانونية، مثل توضيح التزامات إيران المتعلقة بالمراقبة وضمانات اقتصادية. 

وأفادت الصحيفة بأن إيران قد أظهرت ترحيبها بهذا الدور، مؤكدةً استعدادها للتعاون مع أوروبا لتحقيق اتفاق متوازن يحفظ حقوقها.

وأوضحت أن الدبلوماسية الفعّالة لإيران، التي حظيت باستقبال إيجابي من العالم العربي في المؤتمر الأخير ببغداد، خلقت أجواء مواتية للتعاون الإقليمي والدولي، كما أن دعم أوروبا لهذا المسار قد يسهم في تخفيف العقوبات وتعزيز الاقتصاد الإيراني، وهو ما يصب في مصلحة الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، فإن نجاح أوروبا يعتمد على إرادتها السياسية في تحقيق استقلالها عن الولايات المتحدة وكسب ثقة إيران. 

وفي الختام أقرَّت الصحيفة بأن إيران مهدت بصبر استراتيجي وتفاعل متعدد الأطراف، الطريق للدبلوماسية وقدمت لأوروبا فرصة تاريخية.