- زاد إيران - المحرر
- 13 Views
كتب: سيد نيما موسوي
في مساء الثلاثاء 6 مايو/أيار 2025، وبعد المواجهة الحاسمة بين فريقي برشلونة وإنتر ميلان في الدور نصف النهائي من دوري أبطال أوروبا، خطف النجم الإيراني مهدي طارمي الأضواء، واحتل اسمه عناوين وسائل الإعلام في الشرق الأوسط، لا سيما في إيران والعالم العربي، بعدما قدّم أداء استثنائيا ساهم بشكل كبير في فوز فريقه.
طارمي، الذي شغل مركز الجناح الأيسر، لم يكتفِ بالمساهمة في بناء الهجمات، بل برع أيضا في أداء واجباته الدفاعية، حيث نجح في الحدّ من خطورة النجم الإسباني الصاعد يامين يامال، وتمكن من منعه من المراوغة في أكثر من مناسبة.
هذا الأداء اللافت في نصف النهائي الأوروبي أثار إعجاب المتابعين، ودفع العديد من الصفحات والمواقع على منصات التواصل الاجتماعي إلى الإشادة به والإعراب عن فخرهم بما قدّمه.
في هذا المقال، نسلط الضوء على المسيرة التصاعدية لمهدي طارمي، من ملاعب بوشهر في إيران إلى منصات التتويج في كبرى البطولات الأوروبية، لنتابع كيف تحوّل إلى أحد أبرز نجوم القارة العجوز.
الانطلاقة من بوشهر.. وكيف دخل طارمي بوابة النجومية عبر بيرسبوليس
في أبريل/نيسان 2014، وقبل أسابيع قليلة من انطلاق نهائيات كأس العالم بالبرازيل، كان مهدي طارمي لا يزال لاعبا مغمورا في صفوف نادي إيران جوان بوشهر، أحد فرق الدرجات الدنيا في الكرة الإيرانية. لكنه فاجأ الجميع بتوقيعه عقدا مع نادي بيرسبوليس، أحد أعرق الأندية الإيرانية. آنذاك، كان علي دائي يتولى تدريب الفريق، وقد أبدى اهتماما خاصا بضم طارمي إلى صفوفه.

لكن سرعان ما تغيّرت الأمور؛ فبعد فترة وجيزة، أقيل دائي بسبب خلافات مع إدارة النادي، ليحلّ محله حميد درخشان مدربا لبيرسبوليس في موسم 2014–2015. ورغم أن ذلك الموسم لم يكن الأفضل في تاريخ النادي، فإن طارمي نجح في لفت الأنظار بأدائه المميز، لاسيما في دوري أبطال آسيا.
في عهد حميد درخشان، ضمّ الفريق ثنائيا دفاعيا قويا مكونا من محسن بنگر ومايكل أومانيا المدافع الكوستاريكي، إلى جانب ثنائي وسط مميز هما أحمد نوراللهي ومحمد نوري. كما لعب الشاب الموهوب پيام صادقيان في مركز صانع الألعاب، بينما تشكّل خط الهجوم من الثلاثي الشاب أوميد عاليشاه، البرازيلي فرناندو غابرييل، ومهدي طارمي في مركز رأس الحربة. ورغم حداثة سنّهم، إلا أنهم قدموا أداء واعدا، بلغ ذروته في نسخة 2015 من دوري أبطال آسيا، حين تمكّن بيرسبوليس من حجز بطاقة التأهل إلى الدور التالي بـ12 نقطة، بفضل تألق طارمي رغم الوضع الصعب الذي كان يمر به الفريق في الدوري المحلي.
أما موسم 2015–2016، فقد كان بمثابة نقطة تحوّل إيجابية في مسيرة بيرسبوليس، حيث تولى الكرواتي برانكو إيفانكوفيتش تدريب الفريق، ليخرجه من أزمته ويقوده إلى أداء مبهر، تجلى في الفوز الشهير 4–2 على الغريم التقليدي استقلال في “ديربي طهران”.
في هذا الموسم بالذات، تُوّج مهدي طارمي هدافا للدوري الإيراني، وهو الإنجاز الذي لفت أنظار المدرب البرتغالي للمنتخب الإيراني، كارلوس كيروش، الذي استدعاه للمنتخب الوطني. وبعدها، سجّل طارمي أول أهدافه الدولية في سبتمبر 2015 ضد منتخب غوام، ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018.

من قمة المجد في بيرسبوليس إلى التحديات الدولية.. فصول جديدة في مسيرة طارمي
شهد موسم 2016–2017 ذروة تألق مهدي طارمي مع نادي بيرسبوليس، حيث نجح في تكرار إنجازه كهداف للدوري الإيراني، كما توّج بلقب أفضل لاعب في المسابقة بنهاية الموسم. غير أن الإنجاز الأبرز في تلك السنة جاء على الصعيد الدولي، حين سجّل هدف الفوز على أوزبكستان، وهو الهدف الذي ضمن تأهل المنتخب الإيراني رسميا إلى كأس العالم 2018 في روسيا.
كان من المقرر أن ينضم طارمي في بداية الموسم إلى نادي ريزه سبور التركي، لكنه غادر البلاد فجأة في ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، وفضّل العودة إلى إيران. هذا القرار أدّى إلى شكوى قانونية من النادي التركي ضد اللاعب، مما دفع الرئيس الإيراني آنذاك، حسن روحاني، خلال زيارته الرسمية إلى تركيا، إلى مناشدة الرئيس رجب طيب أردوغان التعاون في إقناع ريزه سبور بسحب الشكوى.
لاحقا، دخل طارمي في قلب صراع غير مباشر بين مدرب المنتخب كارلوس كيروش ومدرب بيرسبوليس برانكو إيفانكوفيتش، حيث ضغط كيروش على طارمي لمغادرة الفريق. وبالفعل، غادر اللاعب إلى قطر مطلع عام 2018 وانضم إلى نادي الغرافة. رغم أن تجربته القطرية لم تدم أكثر من عام ونصف، إلا أنها حفلت بالكثير من الجدل. خلال تلك الفترة، تصدّرت أخبار زواجه القصير من الممثلة الإيرانية سحر قريشي عناوين الصحف، كما تعرض لهجوم من أطراف معارضة للنظام الإيراني بسبب تغريدة نشرها ضد إسرائيل.

على الصعيد الرياضي، شارك طارمي مع المنتخب الإيراني في بطولتين كبيرتين خلال هذه الفترة: كأس العالم 2018 في روسيا، وكأس آسيا 2019 في الإمارات، وقدم أداء لافتا في كلتا البطولتين.
في صيف 2019، ومع تصاعد الاضطرابات السياسية داخل إيران، غادر طارمي نادي الغرافة وانتقل إلى ريو آفي البرتغالي، حيث سجّل 18 هدفا في موسم واحد وتُوّج هدافا للدوري البرتغالي 2019–2020، الأمر الذي لفت أنظار نادي بورتو العريق. بانتقاله إلى بورتو، دخل طارمي مرحلة جديدة في مسيرته، وواجه تحديا من نوع مختلف، بالمشاركة في دوري أبطال أوروبا.
خلال أربعة مواسم قضاها مع بورتو، سجّل طارمي 64 هدفا في 122 مباراة، ونجح في هز شباك كبار القارة، مثل يوفنتوس، وتشيلسي، وليفربول. وكان وجوده في هذا المستوى تأكيدا على نضجه الكروي وقدرته على التألق في أعلى مستويات اللعبة.
وخلال فترته في بورتو، خاض طارمي أيضا منافسات كأس العالم 2022 في قطر، لكن طريق المنتخب إلى البطولة لم يكن سهلا. فقد كان طارمي، إلى جانب زميله علي رضا جهانبخش، من أبرز المعارضين لاستمرار المدرب دراغان اسكوجيتش، الذي فقد السيطرة على أجواء المنتخب، ما دفع الثنائي إلى لقاء الرئيس الإيراني حينئذ إبراهيم رئيسي والمطالبة بإعادة كيروش لقيادة المنتخب.
استجاب الاتحاد الإيراني للمطالب، وعاد كيروش قبل أقل من ستة أشهر على انطلاق البطولة. وقد بدأ المنتخب بداية واعدة تحت قيادته، بفوز على أوروغواي وتعادل مع السنغال في مباريات ودية، لكن الاحتجاجات السياسية التي اجتاحت إيران في سبتمبر 2022 ألقت بظلالها الثقيلة على المنتخب.
تعرض طارمي، الذي كانت تربطه علاقة وثيقة بالرئيس الإيراني، إلى انتقادات حادة من معارضي النظام، وتعرضت صورة المنتخب عموما لهجوم واسع. الهزيمة الثقيلة أمام إنجلترا (6–2) في أولى مباريات المونديال كانت انعكاسا مباشرا للضغوط السياسية والنفسية. ورغم ذلك، قدّم طارمي أداء جيدا، وسجّل هدفين أمام إنجلترا، وكان من أبرز لاعبي إيران في مواجهة ويلز أيضا.
طارمي في إنتر.. تحدٍّ لم يكتمل
مع نهاية فترته المتميزة في بورتو، انتقل مهدي طارمي صيف عام 2024 إلى نادي إنتر ميلان، واختار ارتداء قميص “النيراتزوري” رغم اهتمام الجار اللدود ميلان بضمه. ورغم ثقة المدرب سيموني إنزاغي به، قوبل انضمام طارمي بانتقادات واسعة من جانب الإعلام الإيطالي وبعض جماهير الفريق.
كان إنتر في حاجة إلى دعم هجومي بعد رحيل أليكسيس سانشيز، وقد ضمّ طارمي بصفقة انتقال حر من بورتو، إلى جانب استعادة خواكين كوريا من مارسيليا، ووجود المخضرم النمساوي ماركو أرناتوفيتش، لتشكيل قوة هجومية مساندة للثنائي الأساسي: لاوتارو مارتينيز وماركوس تورام.
ورغم أن أرقام طارمي التهديفية لم تكن مرتفعة خلال موسم 2024–2025، فإن مساهماته في عدد من المباريات الحاسمة كانت واضحة، وأبرزها تألقه في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا أمام برشلونة، إلى جانب الفوزين المتتاليين أمام تورينو وكومو في الدوري.
لكن على الرغم من هذا، فضّل إنزاغي إبقاءه على دكة البدلاء في نهائي دوري الأبطال أمام باريس سان جيرمان، وهي المباراة التي شكّلت خيبة أمل شخصية للاعب.
بوجه عام، لم تكن تجربة طارمي في إنتر امتدادا لتألقه في بورتو، بل وُصفت بأنها تراجع واضح في مستواه، إذ لم يتمكن من تكرار بريقه السابق أو فرض نفسه كلاعب أساسي مؤثر.
ومع اقتراب كأس العالم 2026 في الولايات المتحدة، تبدو المرحلة المقبلة مصيرية بالنسبة لطارمي. فهناك توقعات قوية برحيله عن إنتر، وربما انتقاله إلى أحد الدوريات الخليجية أو العودة إلى الملاعب البرتغالية أو حتى تجربة جديدة في الدوري التركي، في محاولة لاستعادة مستواه قبل البطولة العالمية المرتقبة.