- محمد علي
- 14 Views
تشهد العاصمة المصرية القاهرة زيارة بارزة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي وصل إليها مساء الأحد 1 يونيو/حزيران 2025، في إطار جولة إقليمية تشمل عواصم عربية أخرى، في حادثة تعيد الزخم إلى العلاقات المصرية الإيرانية، التي ظلت تراوح مكانها لعقود وسط تباينات سياسية وتحولات إقليمية متسارعة.

فحسب تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، فإن زيارة عراقجي الحالية تمتد على مدى يومين، الإثنين والثلاثاء، وتشمل لقاءات مكثفة مع كبار المسؤولين المصريين، يتصدرهم وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، إلى جانب لقاءات مع شخصيات أكاديمية وثقافية مصرية، بالإضافة إلى اجتماع خاص مع أفراد من الجالية الإيرانية المقيمة في مصر.

هذا وقد التقى عراقجي، صباح الاثنين 2 يونيو/حزيران 2025، مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية، وتباحث الطرفان خلال اللقاء قضايا إقليمية ذات اهتمام مشترك، وفي مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية، إلى جانب بحث مستقبل العلاقات الثنائية بين القاهرة وطهران.

جدير بالذكر أن الزيارة الحالية لعراقجي إلى مصر، هي الثالثة له بصفته وزيرا للخارجية، حيث سبق لوزير الخارجية الإيراني أن زار القاهرة في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2024، وذلك بعد شهرين فقط من توليه مهامه في حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وكانت تلك أول زيارة لوزير خارجية إيراني إلى القاهرة منذ 12 عاما.

كما شارك عراقجي في زيارة ثانية لمصر خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي 2024 حين رافق بزشكيان في قمة مجموعة الدول النامية الثمانية التي عُقدت في القاهرة، ما يعكس اهتمام طهران المتزايد بإحياء العلاقات مع مصر.

زيارة في إطار التعاون المشترك
بهذا الشأن، صرح محمد حسين سلطاني فرد، رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بمصر، في مقابلة مع وكالة تسنيم الإيرانية الأحد 1 يونيو/حزيران 2025، عن تفاصيل هذه الزيارة والمواضيع المدرجة على جدول الأعمال.

ففي رده على سؤال حول الموضوعات المطروحة في زيارة وزير الخارجية الإيراني، قال سلطاني فرد “تأتي هذه الزيارة تلبية لدعوة رسمية من وزير الخارجية المصري، وهي زيارة مهمة في نوعها. السيد عراقجي، وفي إطار المشاورات والحوارات المستمرة التي تجريها إيران مع الدول المهمة في المنطقة حول القضايا والتطورات الإقليمية، سيقوم بزيارة إلى كل من مصر ولبنان، باعتبارهما دولتين مؤثرتين في مجريات الأحداث الإقليمية”.
وأضاف سلطاني فرد: “أهداف الزيارة واضحة تماما، فالتطورات الجارية في المنطقة، بما في ذلك استمرار الحرب على غزة والاعتداءات التي يشنها الكيان الصهيوني، إلى جانب أزمات السودان وليبيا، هي ملفات تستدعي التشاور والحوار بين الدول المؤثرة في الإقليم”.
وتابع رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالإشارة إلى أن العلاقات الثنائية بين إيران ومصر تشهد تقدما إيجابيا حتى الآن، قائلا: “إن وزراء الخارجية في البلدين على تواصل مستمر، والمشاورات واللقاءات تُجرى بشكل مكثف وفعّال، والأفق الذي نراه أمامنا هو أفق مشرق، ونأمل أن تتمكن الدولتان في المستقبل القريب من اتخاذ الخطوات النهائية نحو ترقية العلاقات”.
السياحة والرحلات بين البلدين على جدول أعمال اللجان الفنية
وفي رده على سؤال حول الاتفاقات التي تمت خلال زيارة وزير التراث الثقافي والسياحة الإيراني إلى مصر بشأن السياحة والرحلات المباشرة، أوضح سلطاني فرد أنه “خلال زيارة صالحي أميري، شهدنا أيضا مشاورات مكثفة وتبادلا للآراء بين مسؤولي البلدين، وقد تم اتخاذ خطوات جيدة تتعلق بالحصول على موافقة الحكومة المصرية بشأن دخول السياح الإيرانيين، كما تم بحث إدراج مسألة الرحلات الجوية المباشرة ضمن أجندة العمل المشتركة للبلدين”.

وتابع: “من المنتظر أن تستكمل هذه القضايا وتحسم بشكل نهائي خلال الاجتماعات المقبلة للوفود الفنية والخبراء من الطرفين، حتى نشهد في المستقبل القريب تبادلا للسياح الإيرانيين والمصريين في جميع مجالات السياحة، سواء كانت دينية، أو ترفيهية، أو سياحة علاجية”.
ملف العلاقات المصرية الإيرانية.. عقود من المد والجزر
ظلت العلاقات بين مصر وإيران لعقود طويلة حبيسة التوتر والقطيعة، نتيجة عوامل سياسية وأيديولوجية متشابكة، فمنذ اندلاع الثورة في إيران عام 1979، وقرار القاهرة منح اللجوء للشاه محمد رضا بهلوي، دخلت العلاقات الثنائية مرحلة جمود استمر لسنوات، فاقمته لاحقا مواقف متباينة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وحرب الخليج، ثم لاحقا الأزمة السورية. ورغم وجود مكاتب لرعاية المصالح في كل من القاهرة وطهران، إلا أن مستوى التمثيل ظل أدنى من تطلعات البلدين.

وفي تسعينيات القرن الماضي، شهدت العلاقات محاولات عديدة للتقارب، لا سيما في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، لكنها لم تثمر عن عودة التمثيل الدبلوماسي الكامل، ومع ثورات الربيع العربي وصعود تيار الإسلام السياسي إلى السلطة في مصر، توجّهت طهران إلى تحسين العلاقات، خاصة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، الذي استقبل الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد في القاهرة عام 2013، في زيارة لافتة لكنها لم تتبع بخطوات عملية، وبعد عزل مرسي وصعود السيسي، عادت العلاقات إلى الجمود، واكتفت القاهرة وطهران بوجود مكتبي رعاية مصالح متبادلين دون تمثيل دبلوماسي كامل.


لكن المتغيرات الإقليمية منذ عام 2023 أفرزت فرصا جديدة لإعادة تقييم العلاقات بين الطرفين، فقد أدى توقيع اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران في مارس/آذار 2023 إلى تحريك المياه الراكدة في مجمل المشهد الإقليمي، خاصة مع انضمام سوريا مجددا إلى جامعة الدول العربية في مايو/أيار من العام نفسه، مما عزز فكرة إعادة تشكيل التحالفات والمقاربات السياسية بين الدول المؤثرة في الشرق الأوسط.

هذا وقد جاء لقاء السيسي مع نظيره الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، على هامش القمة العربية الإسلامية في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ليشكل لحظة رمزية مهمة، أعقبه اتصال هاتفي بين الطرفين أكد أهمية التنسيق بشأن تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة، ومصير الشعب الفلسطيني. هذه التحركات عكست إدراكا مشتركا من القاهرة وطهران بأهمية التفاهم في زمن التحولات الكبرى.

ومع وصول حكومة مسعود بزشكيان إلى الحكم في سبتمبر/أيلول 2024، وتبنيها سياسة الدبلوماسية والانفتاح مع دول الجوار، بدأت خطوات عملية لتعزيز التواصل مع مصر.
وتشير المعطيات الحالية إلى أن زيارة عراقجي للقاهرة قد تحمل مؤشرات ملموسة على اتجاه البلدين نحو تخفيف التوترات التاريخية، والانخراط في حوار مستقر يخدم مصالحهما المشتركة، لا سيما فيما يتعلق بملف غزة والدور المصري في الوساطة. كما يجري الحديث عن خطوات عملية مثل تسهيل دخول السياح الإيرانيين إلى مصر، وفتح خطوط طيران مباشرة، بما يعكس رغبة في تفعيل البعد الشعبي للعلاقات، إلى جانب المسار السياسي.

على أن الطريق أمام ذلك لا يخلو من العوائق، فهناك تحفظات متبادلة، أبرزها الموقف المصري من النفوذ الإيراني في المنطقة، خصوصا في اليمن ولبنان، مقابل قلق إيراني من التحالفات الإقليمية التي ترى فيها طهران تهديدا لتوازن القوى.