- زاد إيران - المحرر
- 67 Views
في فجر يوم غير اعتيادي، استيقظت إيران على وقع انفجارات عنيفة استهدفت مواقع حساسة في عمق أراضيها، وسط صمت مطبق لأنظمة الدفاع الجوي، وبينما كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق بلا مقاومة، تسارعت التساؤلات حول ما جرى في الكواليس، وما إذا كانت المنظومة الدفاعية الإيرانية قد انهارت فعليا أم تم شلّها بفعل هجوم خفي، فعلى الرغم من عملها بكامل قوتها فيما بعد، فإن سكوتها الأوَّلي أثار شكوك حول إمكانية رصد طهران الأهداف فور دخولها لمجالها الجوي.
مم يتكون نظام الدفاع الجوي الإيراني؟
يتكون نظام الدفاع الجوي الإيراني من عدة طبقات، تغطي مختلف مستويات التهديد. فالطبقة العليا، أو ما يعرف بالطبقة بعيدة المدى، مصممة للتصدي للطائرات المعادية والصواريخ الباليستية القادمة من مسافات طويلة، تليها الطبقة المتوسطة المدى، والتي تحمي المنشآت الحيوية من الطائرات والصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة متوسطة التحليق. أما الطبقة الأدنى، فتركز على التهديدات منخفضة المستوى، كالمسيرات الانتحارية وصواريخ كروز ذات المسار المنخفض، وتؤمن محيط المنشآت الحيوية والمواقع العسكرية الحساسة.

تتكامل هذه الطبقات عبر شبكة قيادة وتحكم متطورة، تسمح برصد الأهداف والتفاعل معها خلال فترة زمنية قصيرة، ما يعزز من سرعة الاستجابة ويزيد من فعالية الأداء الميداني، وعلى الرغم من وجود نوع من المنافسة المؤسسية بين الجيش الإيراني والقوات الجو فضائية التابعة للحرس الثوري، فإن مستوى التنسيق بين الطرفين، خاصة في النقاط الحساسة، لا يزال فاعلا ويؤدي إلى تغطية دفاعية شاملة.
الركيزة الثانية لمنظومة الدفاع الجوي الإيراني تتمثل في شبكة الرادارات الواسعة التي تغطي الجغرافيا الإيرانية، حيث تضم هذه الشبكة عددا من الرادارات المحلية والمستوردة التي خضعت للتطوير أو الهندسة العكسية. من أبرز هذه الرادارات هو فلق، وهو نسخة مطورة من الرادار الروسي Gamma-DE ويبلغ مداه نحو 400 كيلومتر، إلى جانب رادارات مثل معرج 4 وكاشف وكاستا، التي ترتبط مباشرة بمراكز القيادة والأنظمة الدفاعية المختلفة، واللافت أن إيران تعتمد على شبكتي قيادة منفصلتين، الأولى تابعة للجيش والثانية للحرس الثوري، ما يمنح النظام الدفاعي مرونة في اتخاذ القرار ويجعل استهدافه أمرا معقدا بالنسبة لأي قوة معادية.





الطبقة قصيرة المدى
في الطبقة القصيرة المدى، تعتمد إيران على مجموعة من المنظومات المصممة لمواجهة التهديدات القريبة والسريعة، من هذه المنظومات كمند، التي تتميز بقدرتها العالية على إطلاق النار بمعدل يصل إلى 5000 طلقة في الدقيقة، وبمدى لا يتجاوز خمس كيلومترات، وهي فعالة في التصدي لصواريخ الكروز والطائرات بدون طيار.

كما طورت وزارة الدفاع الإيرانية منظومة سماوات بعد الحرب العراقية الإيرانية، والتي تمزج بين المدافع المحلية ورادارات متقدمة ومعالجة تصويرية دقيقة، كذلك تشمل هذه الطبقة منظومة يا زهراء، التي تعتبر نسخة معكوسة من المنظومة الصينية HQ-7، وتستخدم لمهام الدفاع الجوي القصير، فيما تبرز أيضا منظومة سَعير بمدفعها عيار 100 ملم، وهي مخصصة لمواجهة الأهداف ذات الارتفاع المنخفض والمتوسط. إلى جانبها تأتي منظومة مصباح-1، التي تم الكشف عنها عام 2010 وتضم أربعة مدافع من طراز ZU-23-2، وتتمتع بكثافة نارية تصل إلى أربعة آلاف طلقة في الدقيقة.



وتدخل منظومة آذرخش “الصاعقة” ضمن المنظومات الإيرانية الحديثة، وتتميز بقدرة عالية على الحركة وقد صممت خصيصا لاعتراض الأهداف المنخفضة، وتُضاف إلى هذا السياق منظومة زوبين، التي تُصنّف كأحد أكثر الأنظمة تطورا من حيث استهداف الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة، أما منظومة التاسع من دي، فتمثل جيلا متقدما من المنظومات قصيرة المدى، بمدى يتراوح بين 20 و30 كيلومترا، وارتفاع اشتباك يصل إلى 10 كيلومترات، وتعمل بواسطة رادار مستقل يوجه ثمانية صواريخ دفعة واحدة.



الطبقة متوسطة المدى
أما في فئة الأنظمة متوسطة المدى، فتبرز منظومة رعد التي دخلت الخدمة عام 2012، وتتمتع بمدى يصل إلى 50 كيلومترا وارتفاع اشتباك يبلغ 27 كيلومترا. وتشير التقديرات إلى أن صواريخها، المعروفة بطائر 2، شبيهة بمنظومات روسية مثل سام 17، وربما تكون نتيجة لهندسة عكسية، وتركب المنظومة على شاحنات سداسية العجلات وتتميز بسهولة الانتشار.

بجانبها تأتي منظومة الثالث من خرداد، التي تُعد نسخة مطورة من منظومة رعد، وتُعدّ من أكثر المنظومات فعالية، إذ يبلغ مدى اشتباكها 75 كيلومترا وارتفاع 35 كيلومترا، وقد نُسب إليها إسقاط طائرة استطلاع أميركية من طراز MQ-4C في عام 2019.

كما تبرز منظومة طبس باعتبارها نسخة أقل تكلفة من الثالث من خرداد، بهدف زيادة الإنتاج وتوسيع نطاق الانتشار، تستخدم هذه المنظومة رادارا انعكاسيا، وتصل إلى مدى 60 كيلومترا وارتفاع 30 كيلومترا، وتُطلق صواريخ صياد 2 وطائر مع قدرة على توجيه صاروخين نحو هدف واحد.

إلى جانبها تأتي نسخة متوسطة المدى من منظومة التاسع من دي، تم تركيبها على قاعدة إطلاق منظومة الثالث خرداد، وتحتوي على رادار توجيه نيران يسمح بالاشتباك المتعدد، وهي قابلة للحركة بالكامل، كما تدخل منظومتا الخامس عشر من خرداد وتلاش ضمن الفئة ذاتها، حيث تشبه الأولى في تصميمها منظومة باتريوت” الأمريكية، غير أنها لا تتعامل مع الصواريخ الباليستية التكتيكية، بل تركز على حماية الأجواء من الطائرات التقليدية والمقاتلات المتطورة.

الطبقة العليا من الدفاعات الجوية
وتضم الطبقة العليا من منظومة الدفاع الجوي الإيراني الأنظمة بعيدة المدى، وعلى رأسها منظومة باور 373، التي تُعد جوهر العقيدة الدفاعية بعيدة المدى في إيران، هذه المنظومة تشبه إلى حد كبير إس-300 الروسية، وتستخدم صواريخ صياد 4 بي بمدى يصل إلى 306 كيلومترات وارتفاع 32 كيلومترا، وتتميز بقدرتها على تتبع أكثر من 200 هدف في وقت واحد، مع إمكانية الاشتباك المتزامن مع عدد كبير منها، ما يجعلها أداة فعالة للردع الاستراتيجي.

وفي العام 2023، كشفت إيران عن منظومة جديدة تحت اسم آرمان، وتُعد نسخة متحركة وتكتيكية من المنظومات البعيدة، حيث تم تثبيت جميع مكوناتها على شاحنة ثماني العجلات، ما يمنحها مرونة تكتيكية عالية وقدرة على الانتشار في مناطق وعرة وبعيدة.

توزيع المنظومات الدفاعية على الجغرافيا الإيرانية
تعد العاصمة طهران أكثر المناطق تحصينا، إذ تُحاط بطبقات متعددة من الدفاع، تشمل منظومات باور 373، خرداد 15، مرصاد، وحرز9، إلى جانب شبكة رادارات قوية من نوع فلق ومرج 4. ويعود ذلك إلى الأهمية الرمزية والإدارية لطهران، إضافة إلى كثافة المنشآت الحكومية والعسكرية الحساسة فيها.
أما المواقع النووية، وفي مقدمتها نطنز وأصفهان وفردو، فهي محمية بعدد من المنظومات المتقدمة، منها باور 373 وS-300، فضلا عن منظومات مرصاد وخرداد 15. وتشير صور الأقمار الصناعية إلى انتشار كثيف للرادارات والمنصات الدفاعية حول هذه المنشآت، مما يدل على استعداد دائم للتصدي لأي هجوم محتمل.
وفي المنطقة الشمالية، خصوصا محافظتي مازندران وجيلان، تنتشر أنظمة دفاعية قصيرة ومتوسطة المدى، تحسبا لأي تحرك جوي معاد من اتجاه بحر قزوين، أما في شرق البلاد، القريب من حدود باكستان وأفغانستان، فتغلب طبيعة الانتشار المحدود لمنظومات الدفاع الجوي، نظرا إلى ندرة المنشآت الحيوية هناك، إلا أن إيران بدأت في تعزيز وجودها الدفاعي بهذه المناطق مؤخرا بسبب تهديدات الطائرات المسيرة والاختراقات الحدودية.

في الجهة المقابلة، تتركز المنظومات الدفاعية في الغرب والجنوب الغربي على طول الحدود مع العراق ودول الخليج، وتغطي مناطق مثل الأهواز وبوشهر وعبادان، والتي تُعد مناطق حيوية بسبب المنشآت النفطية والبتروكيماوية، وتستخدم إيران هناك مزيجا من أنظمة S-200، هوك، خرداد 15، ورادارات فلق ومنصات متحركة.

من جهة أخرى، تنتشر في باقي أنحاء البلاد منظومات من طراز HQ-2 وHawk، حيث يوجد ما يقرب من 22 موقعا نشطا لهذه الأنظمة، وتستخدم في الدفاع الإقليمي ضمن نطاقات جغرافية محددة، وتشير تقارير استخباراتية إلى أن إيران تمتلك نحو 31 موقعا جاهزا لنشر منصات دفاع جوي إضافية أو لإعادة تموضع منظوماتها الحالية، ما يمنحها مرونة استراتيجية في أوقات التصعيد.
ماذا حدث في الساعات الأولى من الهجوم؟
في الساعات الأولى من فجر الجمعة 13 يونيو/ حزيران 2025، شنت إسرائيل هجوما واسع النطاق على أراضي إيران، أُطلق عليه اسم عملية الأسد الصاعد وغايته محاربة قدرات طهران النووية والعسكرية، حيث قامت القوات الجوية الإسرائيلية بغارات جوية كثيفة، تراوحت بين خمس موجات على الأقل صباحا، استهدفت فيها نحو 100 موقعا، من بينها منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز وفرودو، وقواعد عسكرية حاسمة، ومنازل لقادة عسكريين بارزين، مدعومة بتفجيرات ممنهجة لقواعد الدفاع الجوي الإيراني ومخازن صواريخ داخل إيران.

وبحسب الجيش الإسرائيلي، شارك أكثر من 200 طائرة حربية في الهجوم، أطلقت أكثر من 330 قنبلة وموجّها دقيقا متنوعا، وساهم في تسهيل المهمة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الموساد، والذي زوّد الطائرات بأهداف تتعلق بمنظومات الدفاع الجوي، كما استخدم قاعدة طائرات مسيرة تمّ بناؤها داخل إيران لضرب صواريخ إطلاق موجهة نحو إسرائيل، كل هذا بدون اعتراض واحد من الجانب الإيراني.
لماذا لم تعمل أنظمة الدفاع الجوي؟
أرجعت التقارير الأمنية إلى عدم اعتراض الدفاعات الجوية الإيرانية الهجوم الإسرائيلي في الساعات الأولى لعدة أسباب، أولها تعرضها لهجوم سيبراني واسع النطاق هو الأضخم من نوعه في تاريخ إيران، فقد استهدفت العملية الإلكترونية أنظمة الرادار والقيادة والسيطرة، ما أدى إلى تعطيل كامل لمنظومات الدفاع، وفي مقدمتها نظام باور 373، وبالتالي شُلت قدرة القيادة الإيرانية على رصد المقاتلات المعادية أو الرد عليها خلال الدقائق الحرجة الأولى من العملية.

لكن الهجوم الإلكتروني لم يكن العامل الوحيد، إذ تشير تحليلات إلى وجود اختراق استخباراتي عميق في قلب المؤسسة العسكرية الإيرانية. هذا الاختراق، الذي يُعتقد أن جهاز الموساد الإسرائيلي يقف خلفه، جاء بعد تحضيرات طويلة بدأت في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2024. وبحسب ما تم تداوله، فقد تمكن عناصر استخباراتية إسرائيلية من التسلل إلى الدوائر القيادية في الحرس الثوري وتتبع تحركات قادته، ما مكّنهم من تعطيل أنظمة الدفاع والمراقبة قبل بدء الهجوم الجوي.
في المقابل، كانت أهداف الهجوم واضحة ومباشرة، إذ جرى استهداف مواقع استراتيجية من بينها منصات الصواريخ ومحطات الرادار ومراكز الدفاع الجوي، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية الدفاعية في الدقائق الأولى، وقد وصف بعض المحللين الموقف وكأن المقاتلات الإسرائيلية دخلت إلى صحراء خالية دون أي مقاومة تذكر، إذ لم يُطلق أي صاروخ باتجاهها طيلة 16 دقيقة كاملة من القصف المتواصل.

كل ذلك تزامن مع عنصر المفاجأة الذي أربك القيادة الإيرانية وأفشل أية محاولة فورية للرد، وحتى التحركات العسكرية اللاحقة، مثل إقلاع طائرات F-14 في أجواء مشهد، اعتبرت مجرد محاولة لطمأنة الرأي العام أكثر من كونها خطوة دفاعية فعالة، في ظل مؤشرات واضحة على شلل شبه كامل أصاب المنظومة الدفاعية في اللحظات الأولى للهجوم.