- ربيع السعدني
- متميز
- 90 Views
كتب: ربيع السعدني
في تصعيد جديد ينذر بتداعيات خطيرة، حذّرت إيران الدول الأوروبية الثلاث “فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة” من مغبة تفعيل آلية العودة السريعة (Snapback) أو “الزناد”، لإعادة فرض العقوبات الأممية، مؤكدةً أن هذه الخطوة ستُقابَل بردٍّ حازم قد يُنهي الاتفاق النووي المُبرم في 2015 بشكل نهائي.
يأتي ذلك وسط توترات متصاعدة ومخاوف أوروبية من التقدم النووي الإيراني ودعم طهران لروسيا، تستمر المحادثات الدبلوماسية في إسطنبول على وقع تهديدات متبادلة، بينما تلوح في الأفق مفاوضات حاسمة مع الولايات المتحدة.. فهل تُفضي هذه الجولة إلى اختراق يُنقذ الاتفاق، أم تُسارع الأزمة نحو مواجهة شاملة؟
في وقت سابق توعدت إيران الترويكا الأوروبية بأن هذه الخطوة ستقابَل بردٍّ حازم ومتناسب من جانبها، وقد تؤدي إلى تداعيات لا رجعة فيها على الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة- JCPOA) وذلك على لسان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي أكد أن تفعيل آلية “سناب باك” سيقوّض فرص التوصل إلى حل دبلوماسي، وينهي عمليا مشاركة أوروبا في الاتفاق النووي وأشار إلى أن إيران قد تعيد النظر في التزامها بمعاهدة حظر الانتشار النووي إذا أعيد فرض العقوبات.

ومن جهتها، أبلغت الدول الأوروبية الثلاث مجلس الأمن الدولي أنها مستعدة لتفعيل “آلية الزناد” قبل 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025، موعد انتهاء صلاحية القرار الأممي 2231، في حال استمرار إيران في تجاوزاتها النووية، لا سيما تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهو مستوى قريب من الاستخدام العسكري.
مخاوف أوروبية من دعم روسيا
تأتي هذه التوترات في ظل مخاوف أوروبية من دعم إيران لروسيا في الحرب الأوكرانية، واحتجازها لمواطنين أجانب، وتطويرها لبرنامجها الصاروخي في المقابل، تؤكد طهران أن برنامجها النووي سلمي، وأنها مستعدة للعودة إلى التزاماتها إذا رُفعت العقوبات بشكل يمكن التحقق منه، وفقا لموقع “طهران تايمز”.
وقد عقدت طهران محادثات يوم الجمعة 16 مايو/أيار 2025، مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا في تركيا، غداة تلميح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى قرب التوصل لاتفاق مع طهران في المفاوضات التي تجريها الولايات المتحدة معها بشأن برنامجها النووي.
وفي هذا الصدد قال نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، كاظم غريب آبادي، إنه مع نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، مجيد تخت روانجي، استضافا مباحثات مع مديرين سياسيين لوزارات الخارجية للدول الأوروبية الثلاث، “فرنسا وبريطانيا وألمانيا” في إسطنبول. وأضاف في تدوينة على منصة “إكس”، أن الطرفين بحثا “آخر أوضاع المفاوضات غير المباشرة بشأن الملف النووي ورفع العقوبات”، وتابع أن إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا “عازمة على توظيف الدبلوماسية بشكل أفضل”، قائلا: “سنلتقي لمواصلة المباحثات عند الضرورة”.

وجاء الاجتماع بعد تحذير وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، من تبعات “لا رجعة فيها” إذا تحركت القوى الأوروبية لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، والتي رفعت بموجب الاتفاق المبرم مع القوى الكبرى عام 2015، وسبق أن أجرت إيران مع الدول الثلاثة ثلاث جولات تفاوض منذ سبتمبر/أيلول 2024 لكنّها لم تُفضِ إلى نتائج محددة.
تهميش أوروبا
وتأتي المباحثات الإيرانية الأوروبية على وقع تهميش الأطراف الأوروبية الثلاثة الشريكة في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، إذ قال عراقجي في وقت سابق، إن “المفاوضات الرئيسة تعقد مع أمريكا”، متحدثا عن تراجع دور فرنسا وألمانيا وبريطانيا بسبب “سياساتها الخاطئة” مع إيران حول الاتفاق النووي، إلّا أن ثمة مخاوف لدى الجانب الإيراني من قيام هذه الدول أو أحد منها باللجوء إلى تفعيل آلية فضّ النزاع المنصوص عليها في الاتفاق النووي.
وتهدّد حاليا الأطراف الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) بأنّه إن لم يُبرم اتفاقٌ نوويٌ جديد قبل 18 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، فإنها ستقوم بتفعيل آلية فضّ النزاع المنصوص عليها بالاتفاق النووي والقرار الـ2231 لمجلس الأمن، وتقضي هذه الآلية بتفعيل قرارات أممية صادرة عن المجلس بحق إيران جرى إلغاؤها بموجب الاتفاق النووي.
هذا فضلا عن العقوبات الأممية، لكن طهران ترفض وتؤكد أن هذه الأطراف لا يحق لها القيام بذلك، علما أنّ صلاحية استخدام آلية فض النزاع ستنتهي تلقائيا في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وإن لم تقم أطراف الاتفاق النووي باستخدامها فإنها لن تتمكن بعد هذا التاريخ من ذلك.
وفي تصريحات سابقة قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو على هامش اجتماع مغلق لمجلس الأمن، إنه لا يوجد حل عسكري للبرنامج النووي الإيراني، وزعم بارو أن إيران “انتهكت كل الالتزامات التي قطعتها على نفسها” وأنها “على وشك الحصول على سلاح نووي”.
وحذر أيضا من أنه إذا تعرضت المصالح الأمنية الأوروبية للتهديد، فإن دول الترويكا الأوروبية “فرنسا وألمانيا وبريطانيا” لن تتردد “لحظة واحدة” في إعادة فرض العقوبات التي تم رفعها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة).
الترويكا وتفعيل آلية الزناد

وكانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلى جانب الصين وروسيا والولايات المتحدة، أطرافا في الاتفاق الذي يعرف رسميا باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وأتاح الاتفاق الذي أبرم بعد أعوام من المفاوضات الشاقة، تقييد أنشطة طهران النووية وضمان سلمية برنامجها مقابل رفع عقوبات اقتصادية مفروضة عليها. وفي عام 2018، سحب ترامب خلال ولايته الأولى بلاده بشكل أحادي من اتفاق العام 2015، وأعاد فرض عقوبات على إيران، وضمن ذلك إجراءات ثانوية تستهدف الدول التي تشتري النفط الإيراني، ضمن سياسة “ضغوط قصوى” اتبعها في حق طهران.
وتتزامن هذه المشاورات رفيعة المستوى مع سعي الطرفين إلى تثبيت مواقفهما قبل الجولة الخامسة المرتقبة من الحوار الإيراني-الأمريكي في الأيام القليلة المقبلة. وفي أبريل/نيسان 2025 كان مقررا عقد جولة سابقة في 2 مايو/أيار 2025، غير أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا ترددت؛ خشية أن تنشئ المحادثات مسارا موازيا يؤثر سلبا على حوار إدارة ترامب الرامي إلى منع إيران من حيازة سلاح نووي.
غير أن دبلوماسيين أوضحوا أن العواصم الأوروبية الثلاث رأت في النهاية أن الحفاظ على قناة اتصال مباشرة مع طهران يصب في مصلحتها ويعيد تأكيد معاييرها لاتفاق نووي جديد، وترغب إيران في إبقاء الخيارات مفتوحة واستكشاف موقف الأوروبيين حيال تفعيل عقوبات الأمم المتحدة.
وهي خطوة حذر منها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي قال بشأن المفاوضات مع دول الترويكا الأوروبية الثلاث: “لسوء الحظ، فإن الأوروبيين أنفسهم هم الذين أصبحوا معزولين إلى حد ما، في هذه المفاوضات بسياساتهم الخاصة، لكن نحن لا نريد مثل هذا الوضع وسنواصل مفاوضاتنا”.
وتابع: “نحن مهتمون للغاية بالتفاهم الإقليمي لهذه المفاوضات والتوصل إلى اتفاق محتمل يؤدي إلى تعزيز الأمن وزيادة ما يسمى بالتفاهم الإقليمي بين إيران ودول المنطقة دون تدخل أي دولة أجنبية”، وأضاف عراقجي أن فرص الدبلوماسية محدودة وأن كيفية اتخاذ أوروبا القرارات في هذه المرحلة الحرجة قد تحدد مصير العلاقات المستقبلية مع إيران.
مخاوف إيرانية من تفعيل آلية الزناد
وتدهورت العلاقات بين طهران والدول الأوروبية الثلاث العام الماضي، بعد عقوبات جديدة على خلفية برنامج الصواريخ الباليستية واحتجاز مواطنين أجانب ودعم موسكو في حربها ضد أوكرانيا، ويتيح قرار مجلس الأمن الذي صدق على اتفاق 2015 للعواصم الأوروبية، إعادة فرض العقوبات الأممية قبل 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025.

ورغم عدم مشاركتها في مفاوضات إيران-الولايات المتحدة، تنسق لندن وباريس وبرلين مع واشنطن لتحديد توقيت استخدام تلك الآلية إذا لزم الأمر.
وتظهر وثيقة اطلعت عليها رويترز، أن الآلية قد تفعل بحلول أغسطس/آب 2025 ما لم يتحقق اختراق جوهري قبل هذا الموعد. فيما أعلنت سلطنة عمان، التي تتوسط بين طهران وواشنطن، أن الجولة الخامسة المقبلة ستعقد عقب مشاورات داخلية لدى الجانبين، بهدف تسوية الخلافات المتبقية حول البرنامج النووي الإيراني والتوصل لاتفاق جديد.