مديرة جمعية المشاركات في إدارة المدن: تحديات كثيرة تواجه النساء في إدارة المدن لكننا نعمل على كسر الحواجز

يشهد العالم اليوم تحولات متزايدة في مفاهيم إدارة المدن، حيث لم يعد التخطيط مقتصرا على البنى التحتية والخدمات، بل امتد ليشمل العدالة الاجتماعية والمشاركة المجتمعية، وفي هذا الإطار، تبرز قضية تمكين النساء كعنصر محوري لإحداث توازن حقيقي في صنع القرار.

وفي هذا السياق أجرت صحيفة «جوان» الأصولية الإيرانية يوم الاثنين 9 يونيو/حزيران 2025، حوارا مع آلما فرامرزي، المدير العام لجمعية النساء المشاركات في إدارة المدن، للحديث عن موقع المرأة في هذا الحقل، والإنجازات التي تحققت، والتحديات التي لا تزال قائمة. وفي ما يلي نص الحوار:

كيف تقيّمون الوضع الحالي للنساء في إدارة المدن؟ وما التقدم الذي تحقق مقارنة بالماضي؟

لقد نما دور النساء في إدارة المدن خلال السنوات الأخيرة، وإن كان لا يزال لم يبلغ بعد الموقع اللائق والمستحق له، نشهد اليوم وجود النساء في المجالس الإسلامية للمدن، وهنّ يشغلن أيضا مواقع إدارية عليا، ولكن هذا الحضور لم يصل بعد إلى مستوى التأثير البنيوي.

لقد تحققت بعض التقدمات، وأصبح المجال للحوار حول تمكين النساء أكثر اتساعا، كما أصبحت النظرة القائمة على التمييز الجنسي في التخطيط الحضري أقل حدة، وأصبح رأس المال البشري للنساء يُرى أكثر من السابق.

 ولكن لا بد من الإقرار بأن هذا المسار يحتاج إلى الاستمرار، ودعم صانعي السياسات، ولا سيّما العزم الداخلي للنساء أنفسهن، فنحن لا نطالب فقط بمزيد من مشاركة النساء في اتخاذ القرار، بل نطالب بأن يتحول الصوت النسائي إلى صوت التنمية المستدامة.

برأيكم، لماذا يُعدّ حضور النساء في عمليات اتخاذ القرار وإدارة الشؤون الحضرية أمرا مهما؟ وما الميزات التي يضفنها إلى إدارة المدن؟

النساء، نظرا إلى موقعهنّ المتعدد الأبعاد في البنى الاجتماعية، إذ هنّ في آن واحد أمّهات، ومديرات، ومواطنات، ومرافقات، ومربيات، ومسؤولات، يتمتعن برؤية شمولية وأكثر إنسانية في عمليات اتخاذ القرار.

فإدارة المدن ليست فقط إدارة الشوارع والمباني، بل هي إدارة الاحتياجات، والعواطف، والعلاقات الاجتماعية، والمستقبل الثقافي للمدينة.

إنّ حضور النساء في هذه العمليات من شأنه أن يلطّف السياسات ويوازن التوجهات، النساء غالبا ما يتخذن القرارات بدقة أكبر، ويتميزن بعلاقات أقوى، وحساسية اجتماعية عالية.

 إنهنّ صوت الفئات الصامتة؛ صوت الأطفال، وكبار السن، والأسر، وأولئك الذين غالبا ما يكونون على هامش السياسات الحضرية، لذا فإن حضورهنّ ليس ضروريا فحسب، بل هو أمر لا غنى عنه لبناء مدينة تحلّ فيها العدالة المكانية، وقابلية العيش الاجتماعي، وجودة الحياة محل التنمية ذات الطابع المادي والتقني البحت.

ما التحديات التي تواجهها النساء المديرات في هذا المسار، وما الإجراءات التي اتخذتها الجمعية لتذليل هذه التحديات؟

التحديات متعددة، متجذّرة، وأحيانا غير مرئية، أولا، هناك العوائق الثقافية والذهنية التي ما تزال، في طبقات مختلفة من المجتمع، تشكك في القدرة الإدارية للنساء أو تحصرها في مجالات معينة.

 ثانيا، العوائق البنيوية التي، في صورة قوانين غير مكتوبة، تحرم النساء من الفرص المتكافئة.

 ثالثا، التحديات الفردية، مثل ضعف الثقة بالنفس، وغياب الشبكات الداعمة، وعدم الإلمام بآليات اتخاذ القرار الرسمية.

وقد سعت الجمعية، عبر تشكيل لجان تخصصية، وتنظيم جلسات تشاورية، وتقديم الاستشارات الفردية والجماعية، ومتابعة القضايا القانونية والتنفيذية للنساء المديرات، إلى توفير بيئة آمنة وداعمة لنموّ النساء وحيويتهن في إدارة المدن، نحن نسعى إلى تشكيل خطاب جديد عن «السلطة النسوية» يقوم على الحكمة، والتعاطف، والكفاءة.

هل لدى الجمعية برامج في مجال تدريب وتمكين النساء الناشطات في حقل إدارة المدن؟

نعم، بلا شك، إنّ إحدى الركائز الأساسية لنشاط الجمعية هو تطوير المعرفة والمهارات الإدارية للنساء، حتى الآن، نظمنا دورات مختلفة في مجالات مثل الحقوق الحضرية، وإدارة الموارد البشرية، وتخطيط الميزانية الحضرية، والمقاربات الحديثة في التخطيط الحضري، والاتصالات المؤسسية، والحُكم الرشيد.

كذلك، أقمنا تعاونات مع مؤسسات جامعية وبحثية من أجل تصميم دورات تدريبية شاملة، نحن نؤمن بأن النساء اللواتي يرغبن في دخول هيكل السلطة يجب أن يتسلحن بالمعرفة، والمهارة، والخبرة، والثقة بالنفس، فهذه الدورات التدريبية لا تهدف فقط إلى الترقية المهنية، بل إلى تغيير نظرة النساء لأنفسهن ولموقعهن في المجتمع.

برأيكم، كيف يمكن تعزيز المشاركة الاجتماعية للنساء في إدارة المدينة وإدارة الأحياء؟

تتفتح المشاركة الاجتماعية عندما تتوفر ثلاثة عناصر: الوعي، الثقة، وإمكانية الحضور، يجب أن تدرك النساء أن أصواتهن يمكن أن تؤثر في اتخاذ القرارات الحضرية، وهذا الوعي يُكتسب من خلال التعليم، والإعلام، والتجارب الحياتية الناجحة. 

بعد ذلك، لا بد من بناء الثقة؛ الثقة بالنظام، وثقة النظام بقدرات النساء، وأخيرا، ينبغي فتح فضاءات فعلية لحضورهن؛ بدءا من مجالس الأحياء وصولا إلى العمليات التشاورية في البلديات والمؤسسات الحضرية.

وقد سعت هذه الجمعية، من خلال نمذجة التجارب الناجحة، والتعرف على النماذج المحلية، وتشكيل نوى للحوار والمشاركة، إلى تقوية هذه الأضلاع الثلاثة للمشاركة، هدفنا هو أن تكون النساء ليس فقط مستمعات للقرارات، بل صانعات وموجّهات لها.

ما رؤيتكم لمستقبل جمعية النساء في إدارة المدن، وما توقعاتكم من المسؤولين، والإعلام، والنساء أنفسهن؟

رؤيتنا هي بناء مدينة يُعتبر فيها حضور المرأة في كل مستوى من مستويات اتخاذ القرار أمرا بديهيا، طبيعيا، وضروريا، مدينة يتحول فيها خطاب العدالة الجندرية إلى مطلب شعبي عام، لا إلى مجرد شعار أو مطلب فئوي.

نتوقع من المسؤولين أن لا يكتفوا بتحمّل هذه الجمعية وسائر المنظمات الشعبية، بل أن يدعموها، ونطلب من وسائل الإعلام أن تؤدي دورها الملهم، والمطالب، والواعي، أما النساء، فننتظر منهن أن يتحلين بالشجاعة والمثابرة، وألا يتوقفن لحظة عن المضي قدما في سبيل تنمية أنفسهن ومجتمعهن.

يعتقد بعضهم أن حضور النساء في إدارة المدن ذو طابع استعراضي أو شكلي أكثر من كونه ذا تأثير فعلي، ما رأيكم في هذا الطرح؟

للأسف، هناك أحيانا مثل هذا التصوّر، بل إن بعض التعيينات تعزز أحيانا هذا الانطباع، لكن لا ينبغي أن يثنينا ذلك عن مواصلة الجهود، يجب علينا التمييز بين «الحضور الرمزي» و«الحضور الأصيل والفعّال»، فإذا دخلت النساء الكفوءات، المتعلمات، وذوات الخبرة إلى ميدان الإدارة، فلن يكون هذا الحضور شكليا بعد ذلك.

نحن نسعى إلى إعداد النساء من أجل أداء الرسالة، لا من أجل المنصب، في هذا المسار، من الضروري تغيير نظرة صناع السياسات وأصحاب السلطة، لكن الأهم من ذلك هو تغيير قناعة النساء بأنفسهن.

في السنوات الأخيرة، نشأت مؤسسات مثل الجمعية، ومع ذلك لا يزال صوت النساء غير مسموع بالشكل المطلوب في كثير من البُنى الحضرية. برأيكم، أين تكمن المشكلة؟

سؤال دقيق ومؤلم في آن واحد، الحقيقة أن «عدم سماع» صوت النساء في الهياكل الرسمية الحضرية لا يعود فقط إلى تقصير النساء أو إهمال الإداريين، بل هو نتاج بنية متعددة الطبقات ومعقدة من العوائق التاريخية، والثقافية، والإدارية، والذهنية.

على المستوى البنيوي، ما زلنا نواجه مؤسسات تتنفس داخل أطر تقليدية وبيروقراطية يغلب عليها الطابع الذكوري، العديد من البنى الحضرية، بدءا من عمليات إعداد الميزانيات وصولا إلى صناعة القرار على المستوى الكلي، صُمّمت بطريقة لا تعترف بالمشاركة الفاعلة للنساء أو لا تأخذها على محمل الجد. 

وإن وُجد حضور للنساء، فإنه غالبا ما يكون في المستويات التنفيذية أو الاستشارية، وليس في الطبقات الاستراتيجية وصناعة القرار.

أما على المستوى الثقافي، فالمسألة أعمق، ما تزال هناك في الطبقات الخفية للثقافة التنظيمية والاجتماعية تصورات تُقصي النساء عن الإدارة العليا، وتدفع بهن نحو «المجالات الناعمة»، هذه النظرة، كجدار غير مرئي، تعيق نمو النساء أفقيا وعموديا داخل الهياكل الحضرية.

من جهة أخرى، لا بد من نظرة نقدية وإصلاحية تجاه المؤسسات المدنية نفسها، بما فيها الجمعيات، فإذا اكتفت الجمعيات بتنظيم فعاليات قصيرة الأمد أو أنشطة تجميلية، فإنها تفقد قدرتها على التأثير، يجب أن تتحول الجمعيات إلى قواعد للمطالبة الذكية، والحوار المتواصل، والحضور الممنهج.

وفي نهاية المطاف، علينا أن نقرّ بأن النساء أنفسهن يجب أن يؤمنّ بأصواتهن. الصوت الذي ينمو من الداخل بشجاعة، ومعرفة، ومثابرة، وتضامن، سوف يُسمع دون شك داخل الهياكل الحضرية. 

ولكي يُسمع هذا الصوت، علينا أن نعمل في أربعة محاور في آن واحد: إصلاح البُنية، وتغيير الثقافة، وتعزيز الشبكات الداعمة، وتمكين الفرد.

كلمة أخيرة…

لا بد أن أقول إننا نقف في بداية طريق واضح المقصد، لكنه يحتاج في مساره إلى الصبر، والحكمة، والتآزر، فالمدينة ليست مجرد شبكة من الشوارع والمباني، بل هي انعكاس لوعينا الجمعي، وإذا أردنا مدينة قابلة للعيش، عادلة، مبدعة، وإنسانية، فلا خيار أمامنا سوى الاعتراف بالنساء لا كمجرد متلقيات، بل كـ«معمارات للمستقبل».

نحن نؤمن أن النساء، إذا اجتمعن، وإذا شاركن معا ما تعلمنه، وإذا ساندت إحداهن الأخرى، فسيصبحن مُبدعات ومؤثرات في آن معا، المستقبل هو للنساء المفكرات، للمديرات، للأمهات الملهمات، وللفتيات اللواتي منذ اليوم يعدن أنفسهن شركاء في صناعة الغد.

وأخيرا، تعالوا لا ننتظر فرصة من الخارج، بل لنكن نحن الفرصة، لا نقف على الهامش، بل نمضي إلى صلب التحولات، لنصنع مدينة يكون فيها صوت النساء ليس صدى بعيدا، بل جزءا من نسيج صناعة القرار الدائم، الطريق لا يزال ممتدا، ونحن واقفون، نكتب المستقبل بأيدينا.