خبير إيراني في شؤون روسيا: إيران مترددة في تنفيذ الاتفاق الاستراتيجي مع موسكو

أجرت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية الأصولية المحافظة، الأحد 4 مايو/أيار 2025، حوارا مع سيف تبريزي، الخبير في الشؤون الروسية،  ناقشت فيه تردد الحكومة الإيرانية في تنفيذ الاتفاق الاستراتيجي مع روسيا، ويشير إلى أن هذا التباطؤ قد يُفقد إيران فرصا اقتصادية وتحالفات استراتيجية مهمة مع الشرق، كما يُحذر من تكرار خطأ الاعتماد المفرط على الغرب وتجاهل شركاء الأزمات.

ذكرت الصحيفة أن الحكومة واجهت في الأيام الماضية انتقادات من بعض نواب البرلمان بسبب تباطئها في تنفيذ الاتفاق الاستراتيجي بين إيران وروسيا، وهو الاتفاق الذي جرى توقيعه في أوائل شتاء العام الماضي، أواخر عام 2024، خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لموسكو، ووقّعه رئيسا جمهوريتَي إيران وروسيا.

وتابعت أنه منذ ذلك الحين، استكملت روسيا الإجراءات القانونية اللازمة لتنفيذ الاتفاق، حيث صادق عليه مجلس الدوما ثم أقرّه وبلّغه فلاديمير بوتين الرئيس الروسي، لكن في إيران، لم تُعدّ حتى الآن مسودة قانون لإرساله إلى البرلمان.

وأضافت أنه رغم أن موضوع الاتفاق في حد ذاته يحظى بأهمية كبيرة، فإن ما هو أبعد من ذلك هو اتهام الحكومة بأنها تُبقي علاقاتها مع الشرق معلّقة؛ على أمل التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، ولتفادي إثارة غضب الدول الغربية، وتُطرح في هذا السياق تساؤلات مهمة: هل ينتظرنا الشرق دوما؟ وهل يشكّل فرضنا للقيود الذاتية في التعامل الدبلوماسي مع الدول غير الغربية ضررا على المصالح الإيرانية؟

قلق من انزعاج الغربيين؟

أشار سيف تبريزي إلى أنّ “الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران وروسيا ستكون بالتأكيد ذات فائدة للجمهورية الإيرانية، وكثيرا من طاقاتنا المعطّلة في مجالات الزراعة، والصحة، والقطاعات الترانزيتية يمكن تفعيلها من خلال هذه الاتفاقية”.

وأضاف: “كانوا قد شددوا منذ توقيع الاتفاق على أن إبرام مثل هذه المعاهدات ومذكرات التفاهم لا يمكنه وحده أن يحرّك قاطرة الاقتصاد الإيراني، بل إن نظرة الحكومة والبرلمان هي التي تستطيع تفعيل هذه الطاقات”.

وتابع أن “هناك منذ البداية تكهنات بأن الحكومة الجديدة، بالنظر إلى المسار الذي اختارته، لا تبدو راغبة كثيرا في تفعيل وتطبيق الإمكانات القائمة بين إيران وروسيا، وجميع البنود المدرجة في الاتفاقية بين البلدين تتضمن تفاهمات عامة، كأن تُحدَّد آفاق مستقبلية لزيادة حجم الترانزيت والتبادل التجاري، أو أن تُحدث تغييرات في حجم التجارة البرية والترانزيت بين إيران وروسيا”.

وشدّد على أن “تحقيق هذه التغييرات يستلزم إصدار قوانين داخلية في كل من إيران وروسيا – سواء كانت قوانين جمركية أو غيرها – كي يتمكن المستثمرون المحليون والقطاع الخاص من ضخّ استثماراتهم وهم على دراية بما سيحدث، وعلى أي أساس وبأي خارطة طريق سيُعمَل”.

كما أعرب تبريزي عن أسفه قائلا: “إن الحكومة الحالية لا تبدو راغبة في هذا المسار، خصوصا بعد دخولها في مفاوضات مع الطرفين الأمريكي والغربي، والحكومة لا ترغب في ترجيح كفة روسيا أو حتى الصين في هذه المعادلة؛ خشية أن يؤدي تقارب طهران مع موسكو وبكين إلى انزعاج الغربيين، ويبدو أن وزارة الخارجية لا تريد إغضاب الطرف الغربي، والخطأ في ظل الدخول في مسار تفاوضي”.

التوقيع لا يهم، بل التنفيذ هو الأهم

وتابع تبريزي قائلا إن “الاتفاقية بين إيران وروسيا كانت إرثا انتقل إلى حكومة بزشكيان، بالإضافة إلى أن قائد الثورة كانت له نظرة إيجابية تجاه هذه المعاهدة، وهو ما جعل حكومة بزشكيان وفريق وزارة الخارجية يشعرون بأنهم أمام أمر واقع لا بد من تنفيذه”.

وأشار إلى أن “ما يهم ليس هو التوقيع بل التنفيذ العملي، وكثيرون منا – ومن بينهم أصدقاء آخرون – كانوا يتوقعون منذ ذلك الوقت أن الحكومة ستتمكن من وضع ما يكفي من العراقيل أمام هذه المذكرة، بحيث نشهد على مرّ السنين أن كثيرا من بنودها لا تُنفّذ، ويُصرف النظر عنها، وتُسحَب من جدول الأعمال، وتفقد أساسها الاقتصادي ولا يعود من المنطقي السعي إلى تطبيقها”.

وأوضح أن “ما يعني في النهاية إهمال العلاقات التي كان يمكن بناؤها مع روسيا، وكل شيء يُضحّى به مجددا من أجل المفاوضات والعلاقة مع الغرب”.

العلاقة مع الشرق وسيلة لانتزاع الامتيازات من الغرب

يرى سيف تبريزي “أننا كنّا قادرين على استخدام هذه الأوراق لتعزيز موقفنا في مواجهة الغرب”، موضحا: “كان يمكننا أن نقول للغربيين إننا خلال السنوات الماضية لم نكن نعتمد عليكم، بل استطعنا أن نقف على أقدامنا ونتجاوز العزلة الاستراتيجية، وأقمنا علاقات مع الروس، ومع الصينيين، ومع بلدان الجنوب العالمي، وأدرنا اقتصادنا، إن الانضمام إلى منظمة شنغهاي، والانضمام إلى مجموعة بريكس”.

وأضاف أن “بعض الاتفاقيات الدولية الأخرى التي أُبرمت بالفعل، كان يمكن أن توفّر لإيران اليد العليا في المفاوضات مع الغربيين، لكن الحكومة الحالية لا يبدو أنها ترغب في استغلال هذه الفرصة على النحو الأمثل”.

وتابع: “المرشد الأعلى قال إن التفاوض هو أحد عشرات المهام المنوطة بوزارة الخارجية، لكن الأداء الحالي للوزارة لا يُثبت ذلك بالضرورة، وعدم المشاركة الرفيعة المستوى في اجتماع وزراء خارجية بريكس الذي عُقد قبل فترة في البرازيل، شكّل برأيي ضربة كبيرة لسياسة إيران الخارجية”.

واعتبر أن “غياب وزير الخارجية الإيراني عن الاجتماع، في حين حضر جميع وزراء خارجية دول بريكس، وفي مكان مثل البرازيل التي كان يمكن لإيران أن تنظر إليها كشريك اقتصادي نشط، يكشف بوضوح أن هناك إهمالا متعمدا للاتفاقيات المبرمة مع الشرق، ومع الجنوب العالمي، ومع الأطراف المقابلة للغرب”.

اتفاق متوازن

أوضح الخبير في الشؤون الروسية أنّ الاتفاق الاستراتيجي الموقّع بين إيران وروسيا يتميّز بتوازن كامل، بحيث لا يمكن العثور على أي بند أحادي يخدم مصلحة الروس فقط، ولفت إلى أنّ “الروس سعوا بالفعل، ولا سيّما في المجالات المصرفية والمالية، إلى تهيئة ظروف مناسبة لإيران من أجل فتح الطريق أمام استثمارات روسية في عدد كبير من المشاريع الكبرى داخل البلاد”.

وبين أنه “لكي يتمكنوا من تقديم التمويل والاستثمار، خصوصا في قطاع الترانزيت، بما يعوّض النقص في العملة الصعبة والموارد المالية لدينا، لكن حتى الآن، لم يحدث شيء يُذكر”.

وأردف: “بحسب ما أعلمه، فإنّ الحكومة الإيرانية لا تستطيع أن تستأثر وحدها بمهمة تنفيذ الاتفاقيات الدولية من هذا النوع، التي تنطوي على التزامات ثقيلة تجاه دولة أجنبية، ولا يمكنها متابعتها أو إقرارها بمفردها، فلابدّ من مشاركة البرلمان الإيراني، باعتباره السلطة التشريعية وممثل الشعب، في الرقابة والمصادقة على مثل هذه الاتفاقيات”.

وأشار إلى أن “ما جرى في روسيا مثال واضح، حيث صادق مجلس الدوما والفيدرالية على الاتفاقية، ولذلك لا بد من أن تُحال هذه الاتفاقية في الداخل الإيراني إلى البرلمان أيضا، وأن يدرسها النواب بندا بندا، ويصادقوا عليها، لكي يتمكنوا لاحقا من مساءلة الحكومة عن سبب بقاء كثير من البنود معلقة، وأما التأجيل والمماطلة، فهدفها هو التهرّب من مساءلة البرلمان عن الطاقات التي كان يمكن تفعيلها، لكنها ما تزال معطلة حتى الآن”.

“لا يجب أن ننسى الشركاء في الأوقات العصيبة”

وفي ختام حديثه، شدد سيف تبريزي على أن “هذه الاتفاقية كان يمكن لها، من الناحية الاقتصادية، أن تُحدث أثرا كبيرا، لا نقول إنها كانت ستحمل كل أعباء الاقتصاد، لكنها بالتأكيد كانت ستساعد في دفعه إلى الأمام”.

وأكمل: “الاستثمارات الروسية، والفرص التجارية التي كانت ستُفتح أمام الشركات الخاصة والاقتصاد الإيراني، كان يمكن أن تتحول إلى قوة دافعة حقيقية، والتأخير في تنفيذ هذه الترتيبات قد يُلحق أضرارا فادحة، خصوصا بالقطاع الخاص”.

وأضاف مستردكا: “لكن هذا هو أحد أبعاد المسألة فقط، البعد الآخر يتمثل في أن هذا السلوك تكرر سابقا مع روسيا والصين، حيث عبّر مسؤولون من البلدين بوضوح لمسؤولين إيرانيين عن استيائهم من أن إيران، كلما فتحت نافذة للتفاوض مع الغرب، تنسى الشركاء الذين وقفوا إلى جانبها في الأوقات الصعبة”.

وتابع قائلا: “نحن نعيش اليوم في ظل نظام عالمي جديد آخذ في التشكل باتجاه التعددية القطبية، وروسيا والصين من القوى المحورية في هذا النظام، وفي مثل هذه المرحلة، فإن التباطؤ في إقامة العلاقات، رغم أن الطرف المقابل يبدي كل استعداده، يمكن أن يُفقدنا مجددا طاقات هائلة كان يمكن أن نحصل عليها من موسكو وبكين، وفي قضايا استراتيجية مهمة، كنا نستطيع أن نحظى بدعمهما، لكننا قد نجد أنفسنا مرة أخرى أمام موقف محايد منهما”.

وختم بالقول: “لقد رأينا في السنوات الماضية، وفي ظل بعض الحكومات السابقة، أن روسيا والصين لم تُبديا حماسا للوقوف إلى جانب إيران، لا في الالتفاف على العقوبات، ولا في التصويت الداعم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا في كثير من الملفات الأخرى، حيث اتخذتا مواقف محايدة أو باهتة، وهذا لا يخدم بأي حال مصالح الجمهورية الإيرانية”.