عالم اجتماع إيراني: إسرائيل تستهدف تعطيل تطور المجتمع الإيراني وتحولاته

أجرت صحيفة اعتماد الإصلاحية يوم الأربعاء 18 يونيو/حزيران 2025، حوارا مع عالم الاجتماع الإيراني تقي آزاد أرمكي حول أبعاد الهجوم الإسرائيلي على إيران، وخلفياته التاريخية والثقافية، وتأثيراته على الهوية الوطنية الإيرانية. وإليكم نص الحوار:

ما هو رد فعل المجتمع الإيراني تجاه الأحداث الأخيرة والهجوم الإسرائيلي على إيران؟ وبم يفكر الناس في ظل هذه التطورات؟ وكيف يمكن تفسير سلوك الإيرانيين الذين، أعدّوا أمتعتهم وسافروا إلى الشمال والمراكز الترفيهية والسياحية؟

الموضوع المهم في الظروف الحالية هو الأجواء العامة للمجتمع. ويبدو أن المجتمع الإيراني، بعد الأحداث الأخيرة، قد دخل في حالة من الذهول. فرغم أن إسرائيل بدأت هجوما واسعا على إيران، إلا أن المجتمع لا يرى هذه الأحداث كحرب شاملة. فلو كان المجتمع يعتبرها حربا حقيقية، لما غادر الناس طهران. 

فبدا الأمر كما لو أن عطلة قد حلّت، فسافر الناس وكأن شيئا لم يكن. إن مثل هذا التصرف يوجب التوقف عند الثقافة العامة وتحليل كيفية وصول المجتمع إلى هذا النوع من الإدراك للواقع.


كيف يفكر الناس بشأن هذه المواجهة؟ وهل تم استهداف الحضارة والتاريخ الإيرانيين، أم أنها مجرد مواجهة حدثت؟ وكيف يمكن تفسير حقيقة هذا الهجوم؟

يقوم العديد من منتقدي النظام والمدافعين عن فكرة انهياره بالترويج لفكرة أن هذه الحرب تدور بين حكومة إسرائيل والنظام في إيران، وليست معركة بين المجتمع الدولي والمجتمع الإيراني. وهذا النوع من الترويج الإعلامي أدى إلى أن يتصور الناس أنه لا حاجة لوجودهم أو مشاركتهم، وأن هذه الحرب ستنتهي قريبا ويعود كل شيء إلى طبيعته من جديد. 

إن تغيير هذا التصور يتطلب نوعا من العلاج بالصدمة وتوعية الناس بأن لهذه الحرب خلفيات يجب توضيحها وصياغتها بوضوح للشعب.

وهنا تتضح أهمية دور المثقفين، والنقاد، والمصلحين، والمفكرين الإيرانيين. فالمشهد الظاهري يوحي بأن هناك حربا بين إيران والنظام الإسرائيلي، لكن في الحقيقة، هذه المواجهة هي صراع بين إيران، بصفتها مهدا للحضارة والثقافة العالمية، وبين المجتمع الرأسمالي الذي يحمل تصورا مختلفا عن نمط حياته.

وإذا ما تم تقديم هذا التأطير بشكل صحيح، فربما يتجاوز المجتمع الإيراني حالة الفانتازيا الحالية حول الحرب وتصوره بأنها مؤقتة وغير مؤثرة، ليُدرك حقيقة هذا العدوان.

إن هذا التوضيح والتوعية يمثلان قضية جوهرية، لكن الإعلام لا يولي لهما اهتماما. فالإعلام الرسمي يتناول المسألة كصراع بين حكومتين، بدلا من توسيع دائرة الحوار والتحليل لتشمل المواجهة بين المجتمع الإيراني، والثقافة الإيرانية، والحضارة الإيرانية، من جهة، والحضارة الغربية التي تمثل إسرائيل أداتها الفاعلة، من جهة أخرى.

ما حقيقة هذا الهجوم، وإلى أي مدى تُعدّ معرفة الناس بخلفياته التحليلية ضرورية لحماية وحدة الأراضي الإيرانية؟ و كيف يمكن حماية إيران من هذه التهديدات؟

إن الهدف الكامن وراء هذا الهجوم هو أن إيران تواجه خطرا كبيرا. وإذا أردنا أن نجد نموذجا تاريخيا مشابها لهذه الحالة، فيمكن الإشارة إلى السنوات الأخيرة من عهد الخوارزميين، حيث أُتيح المجال، نتيجة الإهمال والتراخي، لأن يُسقط الغزاة نظاما مختلا، وتُحتل إيران من قبل المغول. 

وإذا ما تعرضت إيران اليوم لأي حدث جسيم في هذه الحرب، فإن مصيرها سيكون مشابها لما حدث في الغزو المغولي، حيث يسيطر قوم أجانب لا يملكون أي صلة بالمجتمع الإيراني.

على سبيل المثال، لو فرضنا جدلا أن الحرب بين إسرائيل وإيران انتهت بانتصار إسرائيل، فإن الإسرائيليين لا يملكون أي صلة تاريخية أو ثقافية أو اجتماعية بإيران. بينما، لو كانت الحرب بين إيران وأفغانستان، أو إيران وأذربيجان، أو حتى تركيا، لكان بالإمكان تصور نوع من العلاقة أو المنطق الثقافي أو الجغرافي، مثل مفهوم العالم الشرقي أو الحضارة الإسلامية أو الصراع التاريخي المفهوم. 

وحتى في حال الهزيمة، كان من المتوقع أن تعيد إيران بناء نفسها بسرعة وتنهض من جديد. أما في الحالة الحالية، فإيران تواجه نظاما يشن هجوما شاملا ولا يمت بصلة إلى نسيجها الحضاري. كما يمكن النظر إلى سلوك الإسرائيليين في غزة ولبنان وسوريا لفهم طبيعة هذا النظام المدمر وغير الإنساني. وإذا تحقق لهم النجاح، فإن ذلك سيكون بمثابة اجتياح شامل لحضارة وتاريخ وثقافة ومجتمع إيران.

ولقد استغرق الأمر أكثر من 200 عام حتى تمكّن الإيرانيون من تفريغ المغول من محتواهم، واحتوائهم، وإعادة بناء حضارتهم وثقافتهم وقيمهم وأخلاقهم وعلاقاتهم. ويجب تنبيه المجتمع الإيراني إلى أن هذا الخطر ما زال قائما، وخطيرا جدا. فالمسألة تتعلق بانهيار الأرض، وانهيار الثقافة، وانهيار حقبة تاريخية كاملة… والمصير مصير الإيرانيين برمّته.

هل يمكن أن يكون الفشل المتكرر في تحقيق التقدم والحداثة سببا في شعور جمعي بالإنهاك يدفع المجتمع الإيراني إلى الاستسلام لا شعوريا لمصيره في مواجهة التهديدات الخارجية؟

نعم، لقد قلتَ ذلك بدقّة. لقد بذلت إيران خلال القرن الأخير جهودا كبيرة من أجل الدخول إلى العالم الحديث واحتضان التنمية. فقد كانت إيران سبّاقة، قبل العديد من الدول مثل الصين واليابان والهند وماليزيا… في التأسيس لمطلب الحداثة، وذلك من خلال الثورة الدستورية. 

وقد مرّت بمسارات عجيبة وغريبة بعد تلك الثورة. فمن الثورة الدستورية انتقلت إلى حكم رضا شاه، ومنه إلى أحداث سبتمبر/أيلول 1941، ثم إلى حكم محمد رضا شاه، ومن قلب حكمه نشأت الجمهورية الإسلامية، وتعددت بعدها الفترات، من الإصلاحات إلى الحركة الخضراء، إلى حركة المرأة، الحياة، الحرية، وغيرها.

أنا لا أناقش هنا مدى جودة أو سوء هذه الأنظمة والأحداث، بل أقول إن إيران كانت دوما في ساحة السعي للدخول إلى العالم الحديث وتحقيق التنمية. فالإيرانيون يسعون من الداخل، وخلقوا إنجازات كبرى. ولا توجد دولة تاقت للتنمية والحداثة بقدر ما تاقت إيران.

هناك حاليا حراك اجتماعي كبير يتشكل في إيران، من ضمنه حركة المرأة، الحياة، الحرية. وهناك حركات قومية، وطلابية، وغيرها. وكل هذه الحركات تسعى لوضع المجتمع والثقافة الإيرانية في موقع أعلى من النظام السياسي.

وفي هذا الظرف، حين تكون إيران على أعتاب تطور وتحول كبير، تبدأ دولة أجنبية بقصف المجتمع الإيراني، وتفرض عليه الحرب من الأعلى، بهدف تفكيك الحركات الاجتماعية، وضرب نهضة المجتمع وتحوله. وهنا، أقول إن قصة إيران، وتاريخها، ولغتها، وأرضها… كلها تصبح موضوعا حيويا. ويجب نقل هذه الحقيقة إلى الناس، ليُدركوا أن القضية أعمق بكثير من مجرد صراع بين النظام الإيراني والنظام الإسرائيلي.


كيف يمكن جعل المجتمع أكثر حساسية تجاه هذه القضايا المهمة للغاية، وتذكير الناس بما هي القضية الأساسية حقا؟
من خلال النقاشات العميقة والصعبة يمكن إجراء حوار مع المجتمع وجعل الناس يدركون هذه الحقائق. ولا يمكن إدخال هذه القضايا إلى الرأي العام بسهولة، كما لا يمكن إدخالها بسهولة إلى الساحة السياسية، لأن السياسة هي مجال التصرفات الانفعالية والدعائية والشعاراتية. وهذا بالضبط ما تقوم به هيئة الإذاعة والتلفزيون. 

ويجب أن تُطرح هذه القضايا من قبل المفكرين الإيرانيين، وأن تتشكل هذه النقاشات حتى تبرز من خلالها أهمية أرض إيران، وتاريخ إيران، وثقافة إيران، والهوية الإيرانية، والإيرانيين، وحياة الناس، واقتصاد إيران، ودين الإيرانيين، وغير ذلك. ويجب أن يكون لكل من هذه الجوانب مدافعون عنها، وأن تُوجِّه تحذيرات للمجتمع.

ولكن، إذا لم نُخطئ وتمكّنا من الصمود، فكما في كل التجارب التاريخية السابقة، ستنجح إيران في نهاية المطاف في تآكل الوجود الأجنبي. وسيُهزم الأجنبي، ويرفع يديه، ويُنكس رأسه، ويرحل. فنحن الآن أمام مفترق طرق مهم: إما أن نستسلم، ونكون لا مبالين ونتقبل المذلة، أو أن نقاوم ونخرج مرفوعي الرأس في النهاية.