الصناعة النووية رمز السيادة: بين التحديات والإنجازات الإيرانية

نشرت صحيفة فرهيختكان الأصولية السبت 7 يونيو/حزيران 2025 تقريرا أكدت فيه أن الاستقلال الوطني يُعتبر من القيم الأساسية للثورة الإسلامية، وهو مفهوم متجذر في جميع الأبعاد السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية لإيران. ويمثل هذا المفهوم حرية الأمة في اتخاذ قراراتها المتعلقة بمصيرها دون الاعتماد على القوى الأجنبية، وقد تجلى بوضوح في مجالات مثل البرنامج النووي الإيراني، وخاصة في تخصيب اليورانيوم.

وأضافت أن التخصيب، نظرا لتعدد استخداماته في مجالات الطب، والزراعة، والبيئة، والفضاء، يُعد رمزا للاكتفاء الذاتي العلمي والتكنولوجي، ويحظى بأهمية استراتيجية. وقد وصف المرشد الأعلى الإيراني تخصيب اليورانيوم، انطلاقا من هذه الاعتبارات، بأنه صناعة أم.

لذلك، يجب أن تُدار المفاوضات النووية مع مراعاة هذا الدور المحوري، وفي إطار الخطوط الحمراء لإيران، بما في ذلك الاعتراف بحقها في التخصيب، ورفض أي طرح قسري يتعارض مع المصالح الوطنية من جانب الطرف الغربي.

مسألة التخصيب تخصّنا نحن فقط.

أفادت الصحيفة أن الاستقلال الوطني يعني قدرة الأمة على اتخاذ قراراتها بشكل مستقل دون التأثر بإرادة أو ضغوط القوى الأجنبية. وهذا المفهوم، المستند إلى مبادئ الثورة الإسلامية، يكتسب أهمية خاصة في مواجهة محاولات القوى الكبرى لفرض إرادتها على الشعوب. ولا يقتصر الاستقلال على الجوانب السياسية والاقتصادية، بل يشمل أيضا الإيمان بالقدرات العلمية والتكنولوجية. 

وتابعت أن هذا الإيمان مكَّن الشعب الإيراني من امتلاك برنامج نووي يمكّنه من الصمود أمام التحديات العالمية ورسم مسار التقدم. وفي هذا الإطار، يُعد تخصيب اليورانيوم أحد أبرز الإنجازات العلمية، ورمزا للاستقلال الوطني.

وصرَّحت أن هذه التقنية، التي تتطلب معرفة متقدمة وبُنى تحتية معقدة، تُعد دليلا على حضور إيران في مضمار التنافس مع الدول المتقدمة في العالم. والاستقلال الوطني في هذا السياق يعني أن إيران هي من تقرر بنفسها ما إذا كانت ستواصل تخصيب اليورانيوم أو ستتوقف عنه في ظروف معينة، وهذا القرار يعتمد فقط على الإرادة الداخلية، وليس على الإملاءات الخارجية.

وقد فسّر المرشد الأعلى هذا المفهوم خلال مراسم ذكرى رحيل الإمام الخميني وقال أن معنى الاستقلال هو ألا نكون في انتظار ابتسامة أمريكا أو عبوسها، وألا نقلق بشأن الخطوط الحمراء لأمريكا أو أمثالها. إن التشخيص يعود إلى الشعب الإيراني، والقرار يعود إلى الشعب الإيراني، واتخاذ الإجراءات حيثما دعت الحاجة، يكون بيد الشعب الإيراني. وسواء وافقت القوى الأخرى، كأمريكا وغيرها، أم لم توافق، فهذا لا يهم.

مفتاح تطوير التكنولوجيا

أوضحت الصحيفة أن تخصيب اليورانيوم، بوصفه قلب الصناعة النووية، يُعدّ من أكثر التقنيات تعقيدا وتقدّما في العالم. وقد تمكنت إيران، بفضل جهود علمائها وشبابها، من امتلاك هذه التكنولوجيا، التي لا تقتصر فائدتها على إنتاج الوقود النووي فحسب، بل تُعدّ أيضا رافعة للتقدم العلمي في مختلف المجالات.

وأضافت أن الصناعة النووية تُحدث تأثيرات واسعة في مجالات الطب، والزراعة، والبيئة، والفضاء، والإلكترونيات. ففي الطب، تلعب التكنولوجيا النووية دورا أساسيا في إنتاج الأدوية المشعة، التي تُستخدم في تشخيص وعلاج أمراض معقدة مثل السرطان، وتُساهم في تحسين جودة حياة المرضى.أما في الزراعة، فقد ساهمت التكنولوجيا النووية في زيادة مقاومة المحاصيل للآفات، وتحسين جودتها. 

وتابعت أنه في مجال البيئة، تُستخدم هذه التكنولوجيا في الحفاظ على الموارد الطبيعية والحد من التلوث وكذلك، في مجالي الفضاء والإلكترونيات، أسهمت الحساسات الدقيقة والمعدات المتقدمة التي تعتمد على التكنولوجيا النووية في دعم وتطوير البُنى الصناعية لإيران. 

وأوردت أن هذه الاستخدامات الواسعة تُظهر أن تخصيب اليورانيوم لا يقتصر على إنتاج الطاقة فحسب، بل يُعد تكنولوجيا استراتيجية تُشكّل مفتاحا للتقدم العلمي والصناعي في إيران.

وأبرزت أنه من دون امتلاك القدرة على التخصيب، ستكون إيران مضطرة للاعتماد على الآخرين في توفير الوقود اللازم لمحطاتها النووية، وهذه التبعية تتعارض مع مبدأ الاستقلال الوطني. فعلى سبيل المثال، لو لم تكن لدى إيران القدرة على إنتاج الوقود النووي، لاضطرت إلى شرائه من دول أخرى، وهو ما يمكن أن يُستخدم كأداة ضغط لفرض شروط سياسية واقتصادية.

وأكّدت لقد شهدنا مثالا على هذا النوع من الضغوط في محاولات بعض الدول العربية خلال ثمانينيات القرن العشرين منع إيران من الحصول على اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، وهو ما كان ضروريا لتشغيل مفاعل طهران، ولعلاج المرضى الإيرانيين. غير أن هذه المحاولات أُحبطت في نهاية المطاف، بفضل جهود العلماء الإيرانيين الذين تمكنوا من إنتاج هذا الوقود محليا.

تفسيرهم المستند إلى الذكاء الاصطناعي
بيّنت الصحيفة أن تخصيب اليورانيوم، لما ينطوي عليه من تعقيد واعتماده على معرفة علمية متقدمة، يُعد رمزا للتقدم العلمي. فالدول التي نجحت في إكمال دورة الوقود النووي تُصنَّف ضمن الأكثر تقدما في العالم. وقد تمكنت إيران، من خلال امتلاكها هذه التقنية، من تلبية احتياجاتها الداخلية وتعزيز موقعها بين الدول التي تمتلك تكنولوجيا متطورة.

وأوردت أن هذا الإنجاز هو ثمرة جهود مستمرة لعلماء إيران وإيمانهم بمبدأ نحن نستطيع، وهو مبدأ متجذر في الثقافة الوطنية ومؤكد عليه من قبل المرشد الأعلى. وهذا المبدأ يعبر عن الثقة بالنفس الوطنية والاعتماد على القدرات الداخلية، ويقف في مواجهة ثقافة التبعية التي كانت سائدة في النظام السابق.

وأفادت أنه خلال مراسم ذكرى رحيل الإمام الخميني، أشار المرشد الأعلى إلى أن النظام السابق كان يؤمن بعجز إيران، معتبرا أن الأمور خارجة عن إرادتنا وأنه لا بدّ للآخرين أن ينفذوها بدلا منا. غير أن الإمام الراحل غيّر هذا التصوّر جذريا، وأعاد تشكيل الهوية الوطنية للشعب الإيراني من خلال ترسيخ مبدأ نستطيع بمعناه الحقيقي، أي الثقة بالنفس التي يجب إحياؤها في نفوس الشعب، ولا سيما الشباب.

وذكرت أن الإنجازات النووية في إيران، مثل إنتاج الوقود المخصب بنسبة 20% محليا، وتصنيع أجهزة الطرد المركزي المتطورة من الجيل الثامن والتاسع، تؤكد صحة هذا المبدأ وتثبت قدرة إيران على المنافسة في أعلى مستويات العلم والتقنية.

وأضافت يمكن مقارنة تخصيب اليورانيوم بالتقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، فكلاهما يُعتبر رمزا للتقدم العلمي في العالم المعاصر. فالذكاء الاصطناعي، الذي يُعد حاليا أحد أهم مجالات التكنولوجيا العالمية، يحظى باهتمام الدول المتقدمة نظرا لتطبيقاته الواسعة في مجالات متعددة مثل الطب، والتعليم، والأمن.

وأكّدت أن تخصيب اليورانيوم يحظى بمكانة خاصة نظرا لتعقيده واحتياجه إلى معرفة متقدمة وبُنى تحتية متطورة. فالحفاظ على هذه التكنولوجيا وتطويرها لا يقتصر على تلبية الاحتياجات الداخلية فحسب، بل يمثل ضرورة للحفاظ على مكانة إيران بين الدول المتقدمة عالميا.

دعم الاستقلال الوطني للدبلوماسية

أوضحت الصحيفة أن المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية تُعتبر من أهم ساحات الحفاظ على الاستقلال الوطني. وقد أكدت إيران في هذه المفاوضات دائما على حقها المشروع في تطوير التكنولوجيا النووية، وهو موقف مستمد من مبدأ الاستقلال الوطني الذي يجعل اتخاذ القرار بشأن البرنامج النووي من صلاحيات وإرادة الدولة الإيرانية وحدها.

وأضافت أن الولايات المتحدة طرحت بعض الاقتراحات التي تهدف إلى تقييد قدرة إيران على التخصيب وجعلها تعتمد على مصادر خارجية، وهو ما يتعارض مع مبدأ الاعتماد على الذات والاستقلال العلمي لإيران. وشددت أن رفض إيران لهذه الاقتراحات لا يعني توقف المفاوضات، بل يعكس تمسكها بخطوطها الحمراء الوطنية، بما في ذلك الحفاظ على حقها في التخصيب ورفع العقوبات المفروضة عليها.

وقد أكد المرشد الأعلى في هذا السياق أن الاقتراحات الأمريكية غير مقبولة، وأن مبدأ نستطيع ما زال قائما. وفي الوقت نفسه، لم يغلق باب المفاوضات تماما، وذلك لمنح الفريق الإيراني مزيدا من القوة للتقدم بالمفاوضات مع الحفاظ على المصالح العليا لإيران.

ووصفت الصحيفة تصريحات المرشد الأعلى بأنها رد حاسم على التهديدات المتكررة من المسؤولين الأمريكيين، الذين يصرون على ضرورة قبول إيران للاقتراحات الأمريكية التي يدعون أنها تحمل فوائد كبيرة، لكنها في الحقيقة تفرض تكاليف باهظة على إيران.

لو تمكنوا، لعرقلوا المشروع النووي

صرَّحت الصحيفة أن أحد المبادئ الأساسية في الحفاظ على الاستقلال الوطني هو المقاومة في وجه الضغوط والفرضيات الخارجية. فلقد حاولت القوى الكبرى، وخاصة أمريكا، مرارا خلال العقود الماضية أن تمنع إيران من متابعة برنامجها النووي عبر فرض العقوبات والضغوط السياسية، لكن هذه المحاولات لم تثمر فقط، بل كانت حافزا لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتطوير التقنيات المحلية. 

على سبيل المثال، عندما واجهت إيران في عقد الثمانينات صعوبات في تأمين الوقود النووي بنسبة 20٪ من قبل بعض الدول العربية، تمكن العلماء الإيرانيون من إنتاج هذا الوقود داخليا. فالصبر والمثابرة، بمعنى المتابعة المستمرة للأهداف الوطنية وعدم التخلي عن طريق التقدم، هو مبدأ آخر أساسي في الحفاظ على الاستقلال الوطني.

وبيَّنت أن المثابرة في مجال تخصيب اليورانيوم تعني مواصلة الجهود العلمية والتقنية رغم العقوبات والضغوط الدولية. ولم تقتصر نتائج هذه المثابرة على صون المنجزات النووية الإيرانية فحسب، بل أسهمت أيضا في تعزيز الهوية الوطنية وترسيخ ثقة الشباب الإيراني بقدراتهم.

وأشارت إلى أنه، على مدى السنوات الماضية، ورغم العقوبات الشديدة، استطاعت إيران أن تحقق إنجازات بارزة في المجال النووي، إلى جانب تطورات ملموسة في تقنيات متقدمة كإطلاق الأقمار الصناعية إلى الفضاء. وتُظهر هذه النجاحات أن الصمود في وجه الضغوط الدولية يمكن أن يُثمر تقدما ملحوظا. وهذا الصمود تحديدا هو ما دفع الجانب الأمريكي، رغم تردده، إلى القبول بمبدأ التفاوض مع إيران.

في هذا السياق، أشار المرشد الأعلى إلى تصريحات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي قال إنه لو كان بإمكانه فكّ براغي الصناعة النووية الإيرانية لفعل ذلك. لكن المرشد العلى رد على هذه الادعاءات مؤكدا أن ذلك لم يحدث، ومنذ ذلك الحين، أصبحت براغي الصناعة النووية أكثر صلابة. 

وأوضح أنهم لم يستطيعوا فك البراغي، وقالوا لو استطعنا لكنا فعلنا. واليوم، أصحاب المؤامرات الإسرائيلية والأمريكية يجب أن يعلموا أنه في هذا المجال لا يمكنهم أن يفعلوا شيئا.

استمرار التقليل من أهمية التخصيب

تناولت الصحيفة أهمية التوعية العامة بدور التخصيب في تعزيز الاستقلال الوطني، واعتبرتها ضرورة للحفاظ على ما تحقق من إنجازات. فالتفسير، من هذا المنظور، يعني تبسيط القضايا المعقدة وشرحها بلغة واضحة ومنطقية للناس، بما يسهم في تعزيز الدعم الشعبي للبرنامج النووي.

وتابعت أن هذا الأمر مهم بشكل خاص في مواجهة الدعاية السلبية لبعض وسائل الإعلام الأجنبية التي تحاول التركيز فقط على دور التكنولوجيا النووية في إنتاج الطاقة وربطها بمصادر الطاقة الضخمة، بهدف تقديم البرنامج النووي الإيراني كأمر غير مبرر. لذا يجب التركيز على التطبيقات الواسعة للتخصيب بدءا من الطب، والزراعة وصولا إلى التنمية العلمية والصناعية. 

وأبرزت أن بعضهم يتأثر بتحريفات الأطراف الغربية، فيرون أن تكلفة البرنامج النووي تفوق فوائده مقارنة بالعقوبات وقطع العلاقات، غير أن هذا الطرح يغفل الأهمية الاستراتيجية للتخصيب. وفي مراسم ذكرى وفاة الإمام الخميني، ردّ المرشد الأعلى على التقليل من مكانة الصناعة النووية وقال أن البعض يظن أن الصناعة النووية مخصصة فقط للطاقة النظيفة والرخيصة، وهذا صحيح جزئيا، وهو نابع من التخصيب، لكن هذا ليس كل شيء.

وأفادت أن الصناعة النووية هي صناعة رئيسية، والتخصيب هو المفتاح لتشغيل هذه الصناعة، وقد وضع الغربيون أيديهم على هذا المفتاح ليحرموا إيران من كل فوائد الصناعة النووية. كما وصف بعض المسؤولين الأمريكيين أن على إيران أن تقبل بعروض ذات فوائد قصيرة الأجل وأعباء أكبر بكثير من تكاليفها.

وأوردت أن تخصيب اليورانيوم كواحدة من أكثر التقنيات تقدما في العالم يمكن أن يمهد الطريق لتحقيق المزيد من التقدم في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية. تماما كما يتحول الذكاء الاصطناعي إلى واحدة من أهم تقنيات القرن الحادي والعشرين، ويحتل التخصيب مكانة مماثلة في مجالات الطاقة والعلوم ذات الصلة. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن تدريب آلاف العلماء الشباب وتعزيز البنية العلمية ورفع مكانة إيران بين الدول المتقدمة يزيد من ضرورة الحفاظ على هذه التقنية. فالاستثمار في هذه التكنولوجيا لا يساعد فقط على تطوير العلم في إيران، بل يمكن أن يعزز اقتصاد المعرفة ويخلق فرص عمل للشباب. 

وفي الختام، أكدت الصحيفة أن الحفاظ على قدرة التخصيب لا يحمل بُعدا تقنيا فحسب، بل يوجّه رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن إيران دولة متمسكة باستقلال قرارها، وقادرة على الصمود أمام الضغوط الاقتصادية والأمنية والإعلامية، وتسعى للمنافسة في أعلى المراتب العلمية والتكنولوجية. 

وأقرَّت أن هذه القدرة تُغني إيران عن الاعتماد على القوى الخارجية في تلبية احتياجاتها، ما يمنحها قيمة استراتيجية لا تُقدّر بثمن في سياق تعزيز الاستقلال الوطني.

كلمات مفتاحية: