- زاد إيران - المحرر
- 26 Views
نشرت صحيفة “هفت صبح“، الأحد 15 يونيو/حزيران 2025، تقريرا أفادت فيه بأنه في خضم التحولات السريعة في الأيام الأخيرة وتحت ظل الهجوم غير المسبوق لإسرائيل على الأراضي الإيرانية، أصبح من الضروري استرجاع تجارب الماضي وتحليل عمق الحدث الراهن.
وذكرت الصحيفة أنه في حوار أُجري مع تقي آزاد أرمكي، عالم الاجتماع وأستاذ الجامعة، قدم سردا صريحا وتحليلا معمقا لطبيعة وأبعاد هذه الأزمة.
وقال أرمكي إنه “إذا نظرنا إلى تجربة إيران خلال الأربع أو الخمس عقود الماضية، نلاحظ ثلاث مراحل مهمة ومتميزة في تاريخنا السياسي. بعد الثورة الإسلامية، كانت التجربة الكبرى الأولى والحاسمة هي حرب إيران والعراق، التي رافقها احتلال للأراضي. خلال تلك الفترة، كانت المخاوف الأساسية تدور حول الحفاظ على الأراضي، الوحدة الوطنية، والنظام السياسي”.

وأشارت إلى أنه “تم توجيه كل الجهود نحو تحرير الأراضي وطرد الاحتلال، وعلى الرغم من كل الخسائر، نجحنا في استرجاع الأراضي. المرحلة الثانية كانت فترة أطول وأكثر تعقيدا، حيث تصاعدت النزاعات الداخلية واختلفت الآراء حول الديمقراطية، الحرية، العدالة، والمساواة. شاركت الأحزاب السياسية ذات التوجهات اليمنية، اليسارية، والوسطية في هذه الصراعات، التي شكلت طبيعة الدولة والسلطة في إيران. تعاقبت حكومات مختلفة وظهرت هوية سياسية جديدة للمجتمع الإيراني”.
واستدركت: “لكننا اليوم نعيش في مرحلة تختلف تماما في جوهرها عن المرحلتين السابقتين. ففي الحرب الأولى، كنا نواجه جارا قرر، لأسباب مختلفة – سواء كانت صحيحة أم خاطئة – وبناء على حسابات خاطئة، أن يعتدي على أراضينا. أما الآن، فنحن نواجه ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة: دولة بعيدة جغرافيا، دولة قامت أساسا على أسس استعمارية، ولا تمتُّ جذورها إلى هوية المنطقة أو لعلاقاتها القومية والداخلية بِصلة”.
وأردفت أن “إسرائيل كيان أنشأه الاستعمار الحديث بعد انهيار الاستعمار التقليدي؛ لم يُبنَ على أساس توافق قومي أو مذهبي أو اجتماعي، ولا من خلال حوار بين الأكثرية والأقلية، بل كان نتاج قرار استعماري صرف، وفي ظرف زمني معين تم إنشاء ما يُسمى (الدولة المصطنعة إسرائيل)، وما تبع ذلك من أزمات كبرى في المنطقة، بدأت مع اليهود أنفسهم، ثم امتدت إلى غير اليهود، ثم إلى العرب، وأخيرًا إلى سائر المسلمين في المنطقة”.
واستطردت أنه “اليوم، إسرائيل- من موقعها البعيد- وتحت ذرائع شتى، لا تملك أي حق أو شرعية للاعتداء على إيران. نحن اليوم في مواجهة عدوان صريح من قبل دولة غريبة تماما عن نسيجنا الحضاري والتاريخي، دولة مشيّدة أساسا بإرادة استعمارية. وهذا الصراع، أي المواجهة بين إيران وإسرائيل، يختلف جذريا عن حرب إيران والعراق. في تلك الحرب، كان الخلاف على الحدود، على شط العرب والمياه، أما اليوم فالمسألة تتجاوز كل ذلك: القضية أصبحت قضية بقاء إيران، لا مجرد بقاء إيران”.
وأشارت إلى قول أرمكي: “فلو أن إسرائيل شنت هجومها على إيران قبل ثلاثين عاما، لربما كان بالإمكان القول إن الهدف هو إسقاط إيران. لكن اليوم، وفي ظل تحولات أرى أن إيران أعادت خلالها تعريف نفسها خلال العقد الأخير، أصبحت “إيران” – بمفهومها الأوسع – هي الهدف الأول، قبل الجمهورية الإسلامية حتى.
وهذا هو جوهر المسألة الذي لا ينبغي التغافل عنه”.

وذكرت توضيحه حول سبب هذا التحول في طبيعة المواجهة قائلا:
“على مدى العقدين الماضيين، سواء في الأوساط الفكرية أو الدينية، تصدّر خطاب (إيران) و(الهوية الإيرانية) المشهد، واكتسب زخما وتبناه العديد من الفاعلين: من المثقفين، والمتدينين، والساسة، إلى أبناء الطبقة الوسطى والبرجوازية الوطنية.
الهمّ المشترك لهؤلاء جميعا بات هو إيران: ثقافتها، أرضها، دولتها، ونظامها”.
وأضافت قوله إن هذه الانشغالات ليست أعلى من الدولة ولا أقل شأنا منها، بل أصبحت جزءا من البنية الاجتماعية التي تشكلت منذ ثمانينيات القرن الماضي. وقد ساهم في صياغتها مفكرون ومثقفون، سياسيون وأكاديميون، علماء دين وتجار وشرائح اجتماعية متعددة.
وتابعت أنه قد بلغت إيران اليوم مرحلة جديدة من التألق، رغم كل ما مرّت به من صعود وهبوط، حتى في ظل الجمهورية الإسلامية. إيران، ككيان وحضارة، أصبحت هي الموضوع المحوري والهمّ الجمعي.
وأوضحت أن القضية الراهنة لم تعد تتعلق بالجمهورية الإسلامية فقط، بل بالعلاقة بينها وبين تطلعات المجتمع الإيراني.
وأضحت بالقول إنه في خضم هذا السياق الإيجابي، افتعل الاستعمار أزمة جديدة، أزمة استهدفت كل فكرة وكل مشروع. فالحديث عن مواجهة الإسلام السياسي والذرائع المشابهة ليس إلا غطاءً للقضية الحقيقية. أما منطق إسرائيل في هذا التصعيد، فهو في جوهره صراع ضد فكرة “إيران الجديدة”.
وأاشارت إلى قوله إن إيران اليوم ليست دولة تقليدية، ولا نظاما كلاسيكيا، ولا امتدادا لمشروع سلطوي ملكي، بل هي كيان جديد يتجلى فيه مزيج من الثقافة الإيرانية العريقة، والجمهورية الإسلامية، والفكر الديني المستنير، بل وحتى الرغبة في إعادة تشكيل العلاقات الدولية وخفض التوتر مع العالم.
وذكرت قوله إن هذا التوجه ليس نظريا فحسب، بل انعكس بوضوح في سلوك مختلف الحكومات الإيرانية، فحتى أكثرها محافظة ويمينية، سعت إلى حل النزاعات وبناء جسور التفاهم، من القبول بالاتفاق النووي إلى الانخراط في المفاوضات والسعي للتفاعل الإيجابي مع المجتمع الدولي.
واستدرك بقوله: “لكنّ إسرائيل، ومن خلفها القوى الاستعمارية العالمية، ترفض هذا التحول. فالرأسمالية العالمية لا تريد لإيران أن تعود إلى هويتها الحضارية واهتماماتها الثقافية، ولا أن تبني عالمًا أوسع وأكثر نضجًا، ولا أن تؤسس دولة نامية باقتصاد ديناميكي توفر حياة متوازنة لشعبها وجيرانها”.
وأكدت أن المواجهة الراهنة ليست مجرد أزمة تخص إيران فقط، بل اختبار مصيري لمستقبل المنطقة بأسرها. والهدف الحقيقي هو تفكيك المشروع الإيراني برمته، فإذا نجحت هذه الهجمة، فإن الدور قادم لا محالة على مصر وتركيا والسعودية وسواها.
واختتمت بالقول إن هذه المواجهة ليست مجرد مواجهة سياسية أو عسكرية، بل معركة على هوية المنطقة واتجاهها الحضاري، ويجب إدراك هذا بأقصى درجات الوعي والحذر.