- يسرا شمندي
- 57 Views
نشرت صحيفة اعتماد الإصلاحية، الأربعاء 28 مايو/أيار 2025، تصريحات عدد من الخبراء الإيرانيين حول أبعاد زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لسلطنة عُمان، والتي اعتُبرت زيارة تتجاوز الطابع البروتوكولي، في ظل تزامنها مع تحركات جديدة تتعلق بالمفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن.

ذكر عبد الرضا فرجيراد، أستاذ الجغرافيا السياسية، أن أحد المحاور الرئيسية في مباحثات بزشكيان مع كبار المسؤولين في سلطنة عُمان هو تفاصيل الحزمة المقترحة من مسقط والمشاورات الجارية بين إيران والولايات المتحدة.
وقال بخصوص تزامن زيارة بزشكيان لمسقط مع المفاوضات بين طهران وواشنطن، إن هذه الزيارة كانت مبرمجة مسبقا، ولا ترتبط بشكل مباشر أو جوهري بالبرنامج النووي أو بالمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.
وأكد أن هذه الزيارة لا تُعدّ ردا على الجمود الذي حصل في الجولة الخامسة من المحادثات، بل تحمل طابعا ثنائيا بحتا. ومع ذلك، أقرّ بأن زيارةبزشكيان إلى مسقط ستشهد بالتأكيد نقاشا موسعا حول المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأميركا.
وأوضح أن هذا الملف يُتابَع ضمن منظومة منسقة داخل إيران، ويكون وزير الخارجية هو المسؤول المباشر عن المفاوضات، وبطبيعة الحال مع اطلاع رئيس الجمهورية على مجريات الأمور.
وأضاف أن العلاقات بين إيران وسلطنة عمان وثيقة إلى درجة لا يمكن معها القول إن هذه الزيارة جاءت فقط من أجل مناقشة المفاوضات بين طهران وواشنطن، خاصة على مستوى ملك عمان هيثم بن طارق آل سعيد والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. وتابع فرجي راد أنه من الطبيعي أن يتم التطرق إلى موضوع المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأميركا إلى جانب قضايا متعددة أخري
ى.
وأشار إلى أنه “لا ينبغي أن ننسى أن الجولة الخامسة من المفاوضات شهدت طرح مبادرات أُبلغ بها الجانب الإيراني، ويبدو أن العمل جارٍ بشأنها”. كما رجّح أن “الجانب الأمريكي مهتم بهذه المبادرات، خاصة في ضوء التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي ادعى أن المحادثات مع طهران كانت بنّاءة، وأن أخبارا جيدة ستُنشر قريبا بهذا الخصوص”.
وصرَّح بأن الحديث حول هذه القضايا سيستمر بلا شك خلال الزيارة، ولا توجد عوائق حقيقية تحول دون ذلك.
وأفاد بشأن تفاصيل المبادرات العُمانية المحتملة لحل الملف النووي الإيراني، بأنه لا يملك أي معلومات دقيقة عن مضمون الجولة الخامسة من المحادثات أو عن المبادرات المطروحة خلالها، مشيرا إلى أن ما يتم تداوله يستند إلى تقارير غير مؤكدة من وكالات أنباء أجنبية.
وبيَّن أن من بين تلك المزاعم، طرح تعليق برنامج التخصيب الإيراني لمدة ثلاث سنوات مقابل تخفيف جزئي للعقوبات الأميركية، وهو ما قد يكون قريبا من الواقع، على حد تعبيره. أما الفكرة الثانية، وهي تشكيل كونسورتيوم نووي، فقد اعتُبرت من وجهة نظره أقل واقعية وربما مجرد تكهنات.
وأضاف فرجي راد أن التصريحات الأخيرة لترامب بشأن احتمال التوصل إلى اتفاق قريب، تعكس اهتمام واشنطن بالمبادرة العُمانية، وإن لم يكن ذلك بمعنى القبول الكامل بها، بل ربما يتم التعامل مع بعض خطوطها العامة مع الحاجة لمزيد من التفاوض حول التفاصيل.
ورأى أن الأجواء بدأت تبتعد تدريجيا عن منطق الضغط الأقصى والتهديدات العسكرية، متجهة نحو مسار تفاوضي جاد، رغم احتمال بروز بعض العراقيل أو حالات جمود على طول الطريق، إلا أن الإرادة لا تزال موجودة لإيجاد حل.
وفي ما يتعلق بما يُشاع حول احتمال ترتيب لقاء مباشر بين مسؤولين إيرانيين وأمريكيين رفيعي المستوى، نفى فرجي راد واقعية هذا السيناريو، موضحا أن طلبا مماثلا كان قد قُدم سابقا من قبل ترامب للقاء بزشكيان، لكنه لم يُقبل.
وأكد أن القرار في إيران لا يتخذ على مستوى الرئيس فقط، بل يتطلب موافقة من الجهات العليا، وهو أمر يدركه جيدا الجانب العُماني أيضا. لذلك، لا يمكن لبزشكيان أن يتفاوض أو ينسق بشأن لقاء كهذا مع بن طارق بشكل منفرد.
وعبّر عبد الرضا فرجي راد، عن رأيه بأن أي قرار بشأن لقاء رسمي بين قادة إيران والولايات المتحدة لن يُطرح للنقاش إلا إذا اتُخذ قرار نهائي من قمة السلطة في إيران، مؤكدا أن الواقع الحالي لا يشير إلى قرب توقيع أي اتفاق أو عقد بين الرؤساء، وبالتالي فإن تلك الادعاءات لا تتوافق مع المعطيات القائمة.
وفي ما يتعلق بطبيعة العلاقات بين طهران ومسقط وأهمية زيارة بزشكيان لتعميق هذه العلاقات، بيّن فرجي راد أن العلاقة بين إيران وعُمان ليست مجرد علاقة جغرافية أو استراتيجية، بل هي علاقة إيجابية ومبنية على ثقة متبادلة استمرت منذ ما قبل الثورة الإيرانية حتى اليوم.
وأشار إلى أن إيران تتمتع بأفضل العلاقات بين جيرانها مع عمان أولا، ثم أرمينيا، ويرجع ذلك إلى مستوى عال من بناء الثقة بين البلدين.
وأضاف أن التعاون بين إيران وعُمان يمتد ويتطور في مجالات متعددة، لا سيما التعاون التجاري المتنامي، مشيرا إلى زيادة ملحوظة في هجرة الإيرانيين إلى عمان خلال الأشهر الأخيرة. وأوضح أن سلطنة عُمان قامت مؤخرا بتخفيف أو إلغاء متطلبات التأشيرة للإيرانيين، ما ساعد على تحسين حركة السياحة بين البلدين وجذب اهتمام أكبر من التجار نحو السوق العمانية
وصرَّح فرجي راد بأن النمو في التعاون بين إيران وعُمان لا يزال محدودا بسبب ضعف البنى التحتية ومسارات الاتصال غير الكافية بين البلدين، خاصة من مدن مثل طهران وأصفهان إلى ميناء جابهار. وأكد أن تطوير مدينة قريبة من مضيق هرمز، نقطة التقاء إيران وعُمان، ضروري لتسهيل الوصول وتعزيز التعاون الاقتصادي.
وتابع أن الوضع الحالي يفتقر إلى طرق برية آمنة وجيدة، وخطوط سكك حديدية سريعة، ومطارات مجهزة، وموانئ متطورة، مشيرا إلى أن الاستثمارات الهندية في ميناء جابهار كانت محدودة وموجهة بشكل أساسي لإرسال البضائع إلى أفغانستان، بينما التعاون الإيراني كان ضعيفا، ولم تُبذل جهود كافية لتطوير البنية التحتية وجذب استثمارات القطاع الخاص.
وأوضح أنه من الخطط المهمة يجب أن تكون إقامة نشطاء اقتصاديين في جابهار مع تخطيط حضري مناسب، لجعل المنطقة قطبا صناعيا وسياحيا في آن واحد. كما لفت إلى أهمية تعزيز المسار البحري بين جابهار وعُمان لتسهيل حركة البضائع والركاب، ما قد يؤدي تدريجيا إلى تحويل جزء من التجارة مع الإمارات ودبي نحو عُمان.
وأشار إلى أن توقف مشاريع تطوير جابهار ليس بسبب العقوبات الدولية، حيث لم تُفرض عقوبات على المنطقة بسبب أهميتها الاستراتيجية، ووجود قوات الناتو وأميركا في أفغانستان. لكنه أكد أن ضعف الأداء الداخلي وتقاعس القطاع الخاص الإيراني كان السبب الرئيسي في عدم تحقيق استثمارات جادة هناك.
وأكّد أن إمكانيات جابهار الحضرية لا تزال محدودة، حيث يعيش حوالي 70 ألف نسمة معظمهم من مهاجري القرى المجاورة، مع نقص في الفنادق المناسبة، ومحطات تحلية المياه، ومرافق الإقامة، وخدمات السياحة، ومكاتب التجارة. كما أن قطاع النقل البحري الترفيهي والبنية التحتية للنقل البحري في المنطقة لم يتطور بعد.
المفاوضات دفعت الدبلوماسية بين البلدين إلى مرحلة جديدة
اعتبر المحلل في الشؤون الدولية علي بيكدلي أن الجولة الخامسة من مفاوضات إيران وأمريكا كانت نقطة فاصلة أدخلت الحوار إلى مرحلة جديدة، حيث كان التركيز الأساسي على حق إيران في تخصيب اليورانيوم، وهو موضوع أساسي يختلف عليه الطرفان بشكل كبير. وأشار إلى أن هذه الجولة تختلف بشكل جوهري عن المفاوضات السابقة، وقد شكّلت مسارا جديدا للحوار.
كما ذكر بيكدلي أن ابتكارات وزير الخارجية العماني بدر حمد البوسعيدي لم تتجاوز حتى الآن مرحلة الاقتراحات، وأن القضية ليست سهلة الحل، فالأطراف خرجت من المفاوضات بدون تخفيف الخلافات، ونُقلت النقاشات إلى العواصم لاتخاذ قرارات عليا بشأن الخطوات القادمة.
وأضاف أن المفاوضات يجب أن تستمر، لأن لا خيار واقعي بديلا عنها سواء لإيران أو لأميركا.
وأوضح أن البعض يرى أن على إيران التوقف عن التخصيب مقابل رفع العقوبات، لكنه استدرك بأن السؤال هو ماذا سيحدث بعد ذلك، معتبرا أن الموضوع لا يزال مفتوحا ولم يتم حله، خاصة وأن الأميركيين لا يقبلون برفع جميع العقوبات، كما جرى في تجارب سابقة قبل اتفاق 2015.
قال بيكدلي إن واشنطن تسعى إلى حل ملف البرنامج النووي الإيراني بشكل نهائي على طريقتها الخاصة، رغم أن ضغوط اللوبي الإسرائيلي والمتشددين المحافظين الجدد في إدارة ترامب لا يمكن تجاهلها.
والهدف من هذه الضغوط هو إجبار إيران على التوقف عن التخصيب، لكن الواقع هو أننا لا نستطيع قبول مثل هذا الطلب بسبب حجم الاستثمارات والالتزامات التي قدمناها لشعبنا، لذا قبول هذا الأمر غير ممكن. والقضية محل الخلاف معقدة وصعبة جدا، ولهذا السبب يبدو أن المفاوضات حول هذا المحور وصلت إلى حالة شبه جمود.
وأضاف أن الولايات المتحدة أيضا لا تظهر موقفا واضحا بشأن استمرار المفاوضات. ولا ينبغي أن ننسى، خلافا لما تروج له وسائل الإعلام الأمريكية، أن احتمال نشوب صراع عسكري عمليا غير وارد. فالشرق الأوسط هو من أغنى وأهم المناطق في العالم.
وقد أكدت زيارة ترامب القصيرة لهذه المنطقة، والتي أسفرت عن توقيع عقود بقيمة أربعة آلاف مليار دولار مع الدول العربية، هذا الأمر. ووقوع حرب في هذه الظروف سيؤدي إلى تدمير مصالح التجارة الأمريكية ودول الخليج، مما سيضر الطرفين معا.
وأشار بيكدلي إلى أن المسؤولين الإيرانيين ردّوا على المواقف المتناقضة لواشنطن التي أعلنها صراحة عدة مرات، مؤكدا أن الولايات المتحدة إذا قامت بمثل هذه المغامرة فهي تدرك جيدا أن مواجهتها لن تؤدي إلا إلى الفوضى وعدم الاستقرار. من جهة أخرى، إيران تواجه مشاكل اقتصادية كبيرة داخليا ولن تدخل في أجواء الحرب، لذلك لا يبقى للطرفين خيار سوى استمرار المفاوضات.
وتحدث عن الادعاءات المتعلقة باقتراح تشكيل ائتلاف إقليمي يضم دول المنطقة، وأكد أن هذا الموضوع طُرح سابقا عدة مرات، حتى خلال فترة حكم الرئيس الإيراني الأسبق روحاني، لكنه الآن أصبح أكثر تعقيدا بسبب الخلافات العميقة والواسعة بين إيران وبعض دول المنطقة، خاصة السعودية والإمارات. ورغم تبادل الزيارات بين الأطراف، لم تصل الأطراف بعد إلى نقطة توافق مناسبة لإقامة علاقات رسمية أو تشكيل مثل هذا الائتلاف.
وأقرَّ بأنه إذا أرادت إيران تشكيل هذا الائتلاف بمشاركة السعودية والإمارات، فلابد أن تغير نظرتها وتوقعاتها وموقفها تجاه المنطقة، خصوصا تجاه هاتين الدولتين. والخلافات الحالية عميقة جدا وواسعة، ولا يمكن ببساطة تشكيل ائتلاف في ظل هذه الظروف.
ومن جهة أخرى، من الممكن أن هذا الاقتراح، الذي طرحه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وقيل إنه جاء أيضا من العمانيين، قد لا يتحقق. فمن المحتمل جدا أن إيران لن تقبل بهذا الائتلاف، وفي ظل هذه الظروف يبقى دخول السعودية والإمارات في مثل هذا المشروع في حالة من الغموض.
وقال بيكدلي: “بالطبع تم بذل جهود لإظهار سلمية الأنشطة النووية الإيرانية وعمليات التحقق التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن بالنظر إلى الوضع الحالي والتوترات الإقليمية، يبدو أن تشكيل هذا الائتلاف لا يزال بعيد المنال”.
وعبَّر عن رأيه حول أهمية تزامن زيارة بزشکیان مع مفاوضات إيران وأميركا التي تُعرف بـحوار مسقط، وقال خلال فترة استمرار المفاوضات وحتى قبل ذلك، كانت إيران تمارس دبلوماسية سرية مع الولايات المتحدة. وفي يوم الثلاثاء 27 مايو/أيار 2025 أيضا، أعلن ترامب أن المفاوضات تسير بشكل جيد وأنه تلقى رسائل إيجابية. لذلك، هذه المفاوضات ليست جديدة بل كانت تجري عبر قنوات سرية ودبلوماسية، ومن هذه القنوات عمان.
ويعتقد بيكدلي أن أهم محور في زيارة بزشکیان إلى عمان هو المفاوضات الجارية التي أصبحت الآن علنية. ويأمل أن ينقل بزشكيان خلال هذه الزيارة رسالة تعبر عن مواقف إيران إلى الوسيط العماني. ومع ذلك، من الصعب تحليل رسائل هذه الزيارة بدقة، لكنها بلا شك ذات أهمية كبيرة ويجب الانتظار لمعرفة التطورات والنتائج التي ستنتج عنها مستقبلا.