- زاد إيران - المحرر
- متميز
- 74 Views
في مشهد برلماني لم يخلُ من المفاجآت والتوترات السياسية، جدد البرلمان الإيراني ثقته بمحمد باقر قاليباف، النائب عن العاصمة طهران والبالغ من العمر 64 عاما، رئيسا له للعام الثاني على التوالي في الدورة البرلمانية الثانية عشرة، وقد جاء هذا الفوز خلال الجلسة العلنية التي عقدها البرلمان اليوم الثلاثاء 27 مايو/أيار 2025، ليؤكد استمرار زعامة قاليباف للسلطة التشريعية رغم التحديات والانتقادات التي وُجهت له مؤخرا داخل الأوساط السياسية.ذ٫
فوز ساحق لقاليباف رغم الحملات المضادة
فخلال التصويت على منصب الرئاسة، حصل قاليباف على 219 صوتا من أصل 272 صوتا تم الإدلاء بها، متفوقا بفارق كبير على منافسه المباشر أحمد راستينه، النائب عن مدينة شهر کرد ومرشح المعسكر الأصولي، الذي لم يحصد سوى 36 صوتا، في حين سجلت صناديق الاقتراع 15 ورقة بيضاء، في مؤشر على وجود أصوات ممتنعة أو معترضة، لكنها لم تترجم إلى دعم حقيقي لأي من المرشحين الآخرين.

وفي انتخابات نواب رئيس البرلمان، حصل كل من على نيك زاد وحميد رضا حاجي بابايي على 111 صوتا لكل منهما، وبسبب تساوي الأصوات، تم اللجوء إلى القرعة لتحديد من يتولى منصب النائب الأول ومن يكون النائب الثاني، والتي أسفرت عن فوز على نيك زاد بمنصب النائب الأول، بينما تولى حميد رضا حاجي بابايي منصب النائب الثاني لرئيس المجلس.
وفي سياق الانتخابات كذلك، تم انتخاب ستة نواب لتولي منصب أمناء هيئة رئاسة البرلمان، وهم أحمد نادري، وروح الله متفكر آزاد، محمد رشيدي، مجتبی بخشي بور، صدیف بدري، ورضا جباري.
يأتي هذا الفوز الكبير في وقت كان خصوم قاليباف، خصوصا من داخل جبهة الصمود وهي الجبهة الأصولية الأقوى في البرلمان الإيراني، يأملون زحزحته من موقعه عبر الدفع بمرشح يمثل التيار الأصولي داخل البرلمان، إلا أن نتائج التصويت عكست تماسكا نسبيا في الكتلة الداعمة لقاليباف، إلى جانب انسحاب مرشحين محتملين بارزين مثل هادي قوامي، الذي أعلن رسميا انسحابه من السباق دعما لقاليباف، واصفا إياه بأنه شخصية جهادية وثورية.

عام من التحديات
جاء فوز قاليباف جاء بعد عام حافل بالتجاذبات السياسية والانتقادات، حيث واجه قاليباف خلال سنته الأولى في رئاسة البرلمان الثاني عشر سلسلة من التحديات السياسية والإعلامية التي كادت أن تهدد موقعه في قمة هرم السلطة التشريعية، من أبرزها كان تراجع شعبيته الملحوظ في الشارع الإيراني، والذي انعكس في خسارته أكثر من 800 ألف صوت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مقارنة بالانتخابات السابقة، ما أضعف موقعه التفاوضي داخل البرلمان وأثار تساؤلات حول قدرته على تمثيل التيار الأصولي العريض.

إلى جانب ذلك، واجه قاليباف حملة إعلامية شرسة بسبب تسريبات تتعلق بسفر نجله إلى كندا وشراء مستلزمات أطفال باهظة الثمن، فيما عُرف إعلاميا بفضيحة سيسموني جيت، والتي استُخدمت ضده بشكل واسع من خصومه داخل البرلمان وخارجه، ما أضر بصورته كممثل للتيار الثوري.

كما أثار تعامله مع ملفات حساسة مثل قانون العفاف والحجاب ولائحة بالرمو، وتردده في تنفيذ بعض السياسات التي يدعمها المعسكر الأصولي غضب هذا التيار ورغبته في الإطاحة به من منصبه.
كذلك، حاول خصومه داخل البرلمان تقويض فرصه بإطلاق حملة رسائل نصية تحت شعار لا لقاليباف قبل 48 ساعة من التصويت، في محاولة للتأثير على اتجاهات التصويت داخل المجلس، إلا أن النتيجة النهائية أظهرت أن هذه الحملة لم تُجدِ نفعا، بل إن قاليباف نجح في زيادة عدد أصواته مقارنة بالعام السابق الذي حصل فيه على 198 صوتا فقط، مما يعكس تراجع المعارضة له أو تعزز تحالفاته الداخلية.
ست سنوات من الهيمنة البرلمانية
منذ انتخابه نائبا عن دائرة طهران في البرلمان عام 2020، تمكن محمد باقر قاليباف من ترسيخ مكانته في قمة السلطة التشريعية عبر سلسلة من الانتصارات المتتالية في انتخابات رئاسة البرلمان، فقد فاز بمنصب رئيس المجلس لأول مرة في الدورة الحادية عشرة، وبالتحديد في مايو/أيار 2020، متفوقا على منافسين بارزين مثل فريدون عباسي ومصطفى ميرسليم. ومنذ ذلك الحين، احتفظ قاليباف بمنصبه لست دورات متتالية، ما يعكس شبكة تحالفاته الواسعة داخل التيار المحافظ وقدرته على إدارة التوازنات الداخلية.

ففي الدورة الثانية من رئاسته، عام 2021، واجه بعض التململ داخل البرلمان، خاصة من جناح جبهة الصمود، لكنّه نجح رغم ذلك في الحصول على 230 صوتا من أصل 276، غير أن الدورة الثالثة في العام 2022 شهدت تراجعا ملحوظا في رصيده بعد سلسلة فضائح إعلامية وانتقادات سياسية، ما أدى إلى حصوله على 194 صوتا فقط، وهو أدنى رقم خلال مسيرته البرلمانية.
لكن قاليباف استعاد بعضا من زخمه في السنوات التالية، فحصل في الدورة الرابعة على 210 أصوات، وفي الدورة الخامسة على 198 صوتا، قبل أن يحقق في الدورة السادسة والأخيرة عام 2025 أعلى رقم له منذ سنوات، بحصوله على 219 صوتا، متفوقا بفارق كبير على منافسه
دلالات الفوز.. استمرار خط قاليباف أم بداية لانقسامات أعمق؟
يشير المراقبون إلى أن فوز قاليباف، رغم حملات التشويه والخلافات الداخلية، يعكس قوة موقعه داخل البرلمان، وتماسك شبكة تحالفاته السياسية، لا سيما مع تيارات براغماتية داخل الجبهة الأصولية، التي فضلت بقاءه على رأس البرلمان على المجازفة بمرشح أقل شعبية مثل راستينه، الذي لم يحظَ حتى بدعم كامل من جبهة الصمود.

ومع ذلك، فإن ارتفاع عدد الأوراق البيضاء وتساوي أصوات نواب الرئيس، يوحيان بأن هناك انقسامات واضحة داخل البرلمان، قد تتعمق مستقبلا، لا سيما إذا ما زادت ضغوط الشارع أو تصاعدت الخلافات مع الحكومة الحالية بقيادة بزشكيان.
بهذا الفوز يثبت محمد باقر قاليباف مرة أخرى قدرته على البقاء في واجهة السياسة الإيرانية، رغم الرياح العاتية التي تهب أحيانا من خصومه داخل النظام وخارجه، ويبدو أن سنواته الست في رئاسة المجلس لم تضعف من نفوذه، بل على العكس، رسخت صورته كرقم صعب في معادلة الحكم في إيران. وبينما يسعى خصومه لإقصائه، يبقى قاليباف متمسكا بزمام البرلمان، في وقت يبدو أن البلاد مقبلة على تحديات تشريعية واقتصادية كبرى تتطلب إدارة حازمة، أو كما يصفه أنصاره قيادة ثورية وبراغماتية في آن معا.