- شروق حسن
- 40 Views
ترجمة: شروق حسن
في حوار مع الصحيفة الإيرانية الإصلاحية «اعتماد»، الثلاثاء 13 مايو/أيار 2025، تناول الناشط الإعلامي والمحلل السياسي ماشاءالله شمسالواعظين التطورات الأخيرة في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، مشيرا إلى أن تحركات ترامب تُظهر اهتماما بتحقيق مكاسب اقتصادية أكثر من الحلول الاستراتيجية الطويلة الأمد.

تحدث ماشاءالله شمس الواعظين، الناشط الإعلامي والمحلل في القضايا السياسية، في مقابلة مع صحيفة «اعتماد»، عن المتغيّرات المؤثّرة في المفاوضات الثنائية بين إيران وأمريكا، مستعرضا الطبقات الأعمق من هذه المفاوضات.
وإلى نص الحوار:
عُقدت الجولة الرابعة في مسقط وسط أجواء إيجابية، ويُقال إن ترامب يريد نقل الأزمة إلى جنوب شرقي آسيا. ما تقييمكم لذلك؟
لا أعتقد أن البيت الأبيض في الولاية الثانية لترامب قد اتخذ قرارات حاسمة واستراتيجية في القضايا العالمية. فمعظم قرارات ترامب كانت مفاجئة، وعفوية، فعلى سبيل المثال، في ما يتعلق بالحرب الجمركية مع الصين، أعلن ترامب أنه لن يتراجع عن التعريفة الجمركية بنسبة 25%، بل إنه مستعد لرفعها إلى 60%، إلا أنه بعد المفاوضات الأخيرة في جنيف، خفض هذه النسبة إلى أقل من 15%.
وفي ما يخص الملف النووي الإيراني، أعلن في البداية أن المطلب الوحيد لأمريكا هو عدم امتلاك إيران للسلاح النووي، ولكن مع اقتراب الجولة الرابعة من المفاوضات، أعلن ويتكوف أن الخط الأحمر لأمريكا هو مبدأ تخصيب اليورانيوم في إيران! وأنه يجب تفكيك آلية التخصيب هذه.
وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تم اتخاذ مواقف أكثر تناقضا، كل هذه التصرفات تُظهر أن ترامب لم يُعدّ بعدُ استراتيجياته في ما يخص القضايا العالمية والشرق الأوسط.
ترامب يسعى فقط إلى تحقيق عوائد مالية كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية، سواء من خلال التعريفة الجمركية أو بيع الأسلحة، ولهذا السبب، تُطرح هذه الأيام مسألة بيع أسلحة بقيمة 600 مليار دولار إلى السعودية والإمارات خلال زيارة ترامب للمنطقة.
لكن، في كل الأحوال، لا يمكن إنكار أن ترامب حافظ على مسافة ذات دلالة مع نتنياهو ، ويسعى إلى تقليص دائرة تأثير إسرائيل في عملية صنع القرار؟
حينما كان الجميع يعتقدون أن إسرائيل ستصبح سيدة المنطقة، وأنها، بمساعدة أمريكا، ستحلّ كل المعادلات والصراعات من طرف واحد، تغيّر الوضع.
في البداية، أُقيل مستشار الأمن القومي لترامب بتهمة إجراء مفاوضات سرّية مع نتنياهو، ثم تَبِعت ذلك قرارات واحدا تلو آخر، من دون أي اعتبار لمطالب نتنياهو.
يمكن تقديم تفسيرين لهذا السلوك من ترامب: الأول، أن الفريق الدبلوماسي والاستراتيجي لترامب عاجز، ويهتم أكثر بإبرام الصفقات الاقتصادية وزيادة عائدات أمريكا، من دون الالتفات إلى القضايا الاستراتيجية.
أما التفسير الثاني، والذي هو أهم من الأول، فهو أن ترامب، في أوساط الجمهوريين، يبحث عن شخصيات تدين بالولاء له شخصيا.
إذا كنتم تتذكرون، ففي أول 100 يوم من رئاسته، شهدت حكومة ترامب تغييرات كبيرة على مستوى وزراء الخارجية، واليوم أيضا يعيد الكرّة، أعتقد أن بعض وزراء ترامب سيُستبدلون، ما لم يتمكنوا من إثبات ولائهم له.
إظهار الولاء للرئيس أصبح جزءا جديدا من المشهد الأمريكي في عهد ترامب، وبناء عليه، أعتقد أن التحولات الأخيرة في مجال السياسة الخارجية الأمريكية، على مختلف الأصعدة، نابعة من هذا النوع من التفكير.
ترامب، قبل دخوله إلى البيت الأبيض، أعلن أنه سينهي حرب أوكرانيا خلال 48 ساعة، ولكن مضت ثلاثة أشهر، وها هو يصل أخيرا إلى قناعة بأن ذلك يتطلب جهدا كبيرا، وأن أوروبا هي التي باتت تمسك بزمام المبادرة وتقود ملف أوكرانيا-روسيا.
ونتيجة لهذه التحولات، ابتعد حلف الناتو قليلا عن الولايات المتحدة، كما أن العلاقات بين روسيا وأمريكا لن تتحسن في المدى القريب.
أين تقع مفاوضات إيران وأمريكا ضمن هذه المنظومة الفكرية لترامب؟
ترامب بحاجة إلى انتصارات مؤقتة، على سبيل المثال، في قضية تحرير أدان ألكساندر، المواطن الأمريكي-الإسرائيلي الذي تأسره حركة حماس، يسعى ترامب لتحقيق نوع من النجاح الشخصي.
أو في مسألة اليمن، وحتى في الملف النووي الإيراني، يمكن رؤية آثار هذا الاحتياج إلى انتصارات مرحلية.
لذلك، فإن التوصل إلى اتفاق مع إيران بالنسبة لترامب أمر سهل، ترامب يطالب بعدم حصول إيران على سلاح نووي، ويمكن تحقيق نسبة تخصيب اليورانيوم أيضا في إطار الخطة الجديدة التي طرحتها إيران لبناء الثقة، هذا الاتفاق متاح بالكامل.
ويبدو أن ترامب، سواء في ملف إيران النووي، أو في جبهة الصين من خلال خفض التعريفات الجمركية، قد حقق الانتصارات التكتيكية التي كان يطمح إليها، وهو يستعرضها أمام خصومه الداخليين في أمريكا.
انطلاقا من تركيز ترامب على المصالح الاقتصادية، هل ترونه تهديدا أم فرصة لإيران في ظل المعطيات الحالية؟
في الأيام الأولى لتولي دونالد ترامب السلطة، طرحتُ صيغة، مفادها أن إيران بحاجة إلى استثمار واسع لإعادة بناء بنيتها التحتية، وضمن ذلك في مجالات النفط والغاز وغيرها.
كذلك، فإن الولايات المتحدة، وترامب على وجه التحديد، يسعى إلى الحصول على مكاسب، علينا أن نحوّل حاجتنا إلى الاستثمار في المفاوضات النووية إلى مكسب شخصي لترامب.
بمعنى أن نلبي احتياجاتنا للاستثمار، وفي الوقت ذاته نسمح لترامب بتحقيق مكاسبه، وما هو مكسب ترامب؟ الاستثمار في البنى التحتية لإيران وتحقيق الأرباح، من أجل عرضها في وسائل الإعلام الأمريكية الداخلية.
لا يوجد أي طرف داخل إيران يعارض دخول أمريكا للاستثمار في إيران، هذه المعادلة تمثل استراتيجية “رابح-رابح” في المفاوضات النووية، إذ لا يخرج أحد خاسرا من المفاوضات، كما أن الولايات المتحدة، بخلاف ما حدث في الاتفاق النووي (برجام)، لن تشعر بالخسارة أو الضرر.
عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، قدّم حجة بسيطة، وهي: ما الفائدة التي تعود على أمريكا من الاتفاق النووي؟ إذا استفادت أمريكا اقتصاديا من الاتفاق المستقبلي المحتمل، فسيكون للاتفاق متانة وضمانة أكبر.
أما باقي القضايا، فهي تفاصيل بسيطة وقابلة للحل في المفاوضات، أعتقد أن مثل هذه المعادلات ستُؤخذ في الاعتبار في نهاية المطاف ضمن الاتفاق النهائي بين إيران وأمريكا — طبعا إذا سمح المنافسون الإقليميون لإيران بذلك، وما أقصده بالمنافسين الإقليميين ليس إسرائيل.
لكن السعودية والإمارات وحتى تركيا دعمت وروّجت لمسار الاتفاق المحتمل بين إيران وأمريكا؟
بقدر ما تتوصّل إيران إلى اتفاق مع أمريكا، تضيق المساحة أمام القوى الإقليمية الأخرى في المجالات الاقتصادية، الاستراتيجية، والأمنية، تدعم دول المنطقة الاتفاق إلى الحدّ الذي يؤدي إلى إبعاد إيران عن قدراتها النووية، ولكن إذا كان من المقرر أن تتحول إيران إلى قوة اقتصادية وتجارية إقليمية، فسنشهد نوعا آخر من التفاعلات.
إذا اتجهت أمريكا والدول الغربية الأخرى نحو استثمارات استراتيجية في إيران، فإن ظلّ صعود إيران سيُلقي بقلقه على بقية دول المنطقة.و في حال رفع العقوبات، سيزداد مستوى قدرة إيران على لعب دور فاعل بشكل كبير، وهذا الاستعراض للقوة يقلق جيران إيران.
بطبيعة الحال، لا تعارض دول الجوار الإقليمي الاتفاق النووي بحدّ ذاته، ولكن إذا ترافق الاتفاق النووي مع مجموعة من العلاقات الاقتصادية الثقيلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإن المعادلة ستتغير.
فإذا قبلت أمريكا بتخصيب اليورانيوم في إيران، حتى ولو بنسبة ضئيلة، ستطالب السعودية فورا بالانضمام إلى النادي النووي العالمي.
أليس من الصحيح أن الاتفاق النووي (برجام) قد نصّ أيضا على حق إيران في التخصيب؟ ومع ذلك، لم تطلب السعودية الانضمام إلى النادي النووي؟
إذا توصّلت إيران وأمريكا إلى اتفاق، فستُدرج المادة التي وردت في برجام في الاتفاق المحتمل مع ترامب، هذه المادة كانت تنص على أن “الاعتراف بحق إيران في التخصيب لا يمنح الدول الأخرى حق الاستفادة من هذه المادة والمطالبة بحق التخصيب.
أعتقد أن هذه المادة ستُكرّر في الاتفاق المحتمل بين إيران وأمريكا، ولهذا السبب، يقول بعض المسؤولين الأمريكيين إن الاتفاق مع إيران لن يكون أكثر من نسخة من برجام، لكن ترامب منزعج بشدة من أن يُقارَن الاتفاق مع إيران بـ”برجام”.
مع الأخذ في الاعتبار الضغوط التي يمارسها منتقدو ترامب الداخليون، هل هناك ما يدعو إيران إلى اعتبار الاتفاق مع أمريكا مماثلا للاتفاق النووي (برجام)؟
هذا سؤال جيد، إذا تضمّن الاتفاق بين إيران وأمريكا مقولتين مختلفتين، فإن برجام سيُطوى، ويولد اتفاق جديد مثل طائر العنقاء من رماد الاتفاق السابق.
أولا: التعاون الاقتصادي مع أمريكا بهدفين؛ الأول منح امتيازات للولايات المتحدة، والثاني تلبية حاجة إيران إلى استثمارات كبيرة ومتنوعة.
وثانيا: تقييد تخصيب اليورانيوم بهدف بناء الثقة، حتى ولو لفترة قصيرة ومحدودة.
هذا المسار من شأنه أن يُعزز الثقة بين البلدين، ومع دخول أمريكا في استثمارات داخل إيران، فإن ضمان الاتفاق المحتمل سيرتفع.
وبهذا تستفيد أمريكا من الاتفاق مع إيران في اتجاهين: الأول، المشاركة في إعادة بناء اقتصاد إيران، والثاني، زيادة الضمانات لابتعاد إيران عن الأبعاد العسكرية النووية، تجدر الإشارة إلى أن العقيدة الدفاعية لإيران لا تشمل الأسلحة النووية من الأساس.
هل يكفي الاتفاق مع أمريكا لحل مشكلات الحوكمة في إيران، أم أن على النظام تعزيز الحوار والتفاوض داخليا أيضا؟
إحدى ميزات ترامب، التي تُعدّ مرغوبة بالنسبة لحُكم إيران ومُحزنة إلى حدٍّ ما بالنسبة للمجتمع المدني الإيراني، هي أن في أمريكا حكومة لا تُدرج الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الاجتماعية ضمن أولوياتها.
ونتيجة لذلك، يمكن لحكم إيران أن يُنفّذ أفكاره بسهولة، وإذا لم تكن لدى أمريكا أي خطط لمتابعة موضوع حقوق الإنسان، فإن احتمال تحقق اتفاق بين إيران وأمريكا يصبح أمرا واردا بسهولة، وهو اتفاق سيكون، من دون شك، أبعد من توقعاتي وتوقعاتك.
عكس روحاني، لا يسعى بزشكيان لربط المفاوضات بالحكومة، بل يعمل بهدوء لتهيئة الأرضية لخدمة المصالح الوطنية. كيف تقيّمون هذا النهج؟
بل أودّ أن أذهب أبعد من ذلك، منذ اليوم الأول، بل حتى قبل الانتخابات الرئاسية، قام بزشكيان بإدخال مركزية القوة في إيران، أي ركن القيادة، إلى ساحة الفعل السياسي.
في الواقع، حاول بزشكيان أن يقبل توازن القوى بوجود المرشد، وأن يتحرك في إطار هذا التوازن، وقد أعلن بزشكيان بوضوح أنه جاء لينفّذ توجيهات المرشد الأعلى بإيران.
وكان يدرك تماما أن مطالب القيادة لا تختلف عن مطالب الشعب، ومن خلال تنفيذ توجيهات المرشد، تتحقق أيضا مطالب الشعب.
وقد صاغ شعاراته أصلا في هذا الاتجاه، حتى في القضايا الدولية، قام بإدخال مركزية القوة بالكامل في الساحة السياسية والدبلوماسية، ولم يكتف بإشراك مركزية القوة، بل سلّم الموضوع كليا، سواء في صنع القرار أو اتخاذ القرار، حوّل الحكومة إلى عربات تسير خلف الحصان الذي يجرّها.
ولهذا السبب، زادت الإنجازات، ولهذا السبب أيضا اختفت التناقضات، والتضادّات، والانقسامات… التي كانت موجودة في عهد حكومة روحاني، سواء بين الهيكل السياسي والتنفيذي والاجتماعي من جهة، وبين مركزية القوة من جهة أخرى.
واليوم يُطلق على الاتفاق بين إيران وأمريكا تسمية “اتفاق خامنئي – ترامب”، ولا يُبدي المرشد الأعلى أي معارضة لهذا النوع من التسمية. ولذلك، فإن بزشكيان، في تشكيل هذا النمط الجديد من النظام، قام بأفضل أداء سياسي، ويجب تهنئة الحكومة على هذا الترتيب المدروس للقوى.