- شروق حسن
- 65 Views
ترجمة: شروق حسن
في خضم التعقيدات المحيطة بالملف النووي الإيراني والمفاوضات غير المباشرة الجارية مع الولايات المتحدة، حاورت الصحيفة الإيرانية الإصلاحية “اعتماد”، الأربعاء 21 مايو/أيار 2025، الخبير في الشؤون الأمريكية، أميرعلي أبو الفتح، للوقوف على آخر مستجدات الحوار بين طهران وواشنطن، وأبعاد التصعيد الإعلامي الأمريكي.
حاورت “اعتماد” أميرعلي أبوالفتح، الخبير في الشؤون الأمريكية.

نص الحوار:
كيف تقيّمون وضع المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأمريكا في ظل تشدد المواقف الأمريكية وتعثر تحديد موعد الجولة الخامسة؟ وما دلالات خروج المفاوضات إلى العلن وتداعياته المحتملة؟
في تحليل مواقف الطرفين، وخصوصا الولايات المتحدة، يبدو أن المسؤولين الأمريكيين يحاولون استخدام ورقة الإعلام كأداة ضغط نفسي على إيران.
ويبدو أن تحليلهم– حسب ادعائهم– يقوم على أن الترقب للتوصل إلى اتفاق في إيران مرتفع بسبب الضغوط الاقتصادية، ولا سيما في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تواجهها البلاد، ومن هذا المنطلق، يتصورون أن إيران لن يكون أمامها في نهاية المطاف خيار سوى القبول بالمطالب الأمريكية.
أو أن هذه الأوضاع الاقتصادية تحديدا تثير مخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية، ما سيدفع إيران إلى القبول ببعض مطالب الطرف المقابل؛ ولهذا السبب تُطرح مثل هذه التصريحات في وسائل الإعلام بهدف التأثير على الداخل الإيراني ودفع الفريق الإيراني إلى التراجع عن مواقفه.
مع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أنه في الجولة الرابعة من المشاورات التي عُقدت، نُشرت تصريحات متناقضة من مسؤولين أمريكيين مثل ترامب نفسه، ووزير الخارجية الامريكي ماركو روبيو، وحتى ويتكوف، رئيس فريق التفاوض الأمريكي، لكن وفق رواية وزير الخارجية الإيراني عراقجي، لم يُطرح أي من هذه المواقف المتناقضة رسميا على طاولة المفاوضات.
ومن ناحية أخرى، لو أن الطرف الأمريكي أعلن بوضوحٍ أنه على إيران أن تُوقف التخصيب بالكامل، لما استمرت المفاوضات حتى الجولة الرابعة، ولكان قد تم تعليقها في المراحل الأولى، على أي حال، علينا الانتظار لنرى متى ستُعقد الجولة المقبلة من المشاورات، وما الذي ستفضي إليه.
فإذا ما أعلن وزير الخارجية الإيراني عراقجي أو المتحدث باسم وزارة الخارجية، بعد الجولة الخامسة، أن مسار المفاوضات إيجابي، وأن المحادثات تتقدم، وهناك فرصة للتوصل إلى اتفاق، فيمكن حينها الاستنتاج أن التصريحات الحادة وغير البناءة التي تصدر أحيانا من المسؤولين الأمريكيين في وسائل الإعلام لم تُطرح على طاولة المفاوضات، وما زال جو الحوار قائما.
أما إذا أعلن المسؤولون الإيرانيون بعد نهاية الجولة القادمة، أنه لم يعد بالإمكان مواصلة المشاورات مع أمريكا، وأن التوصل إلى اتفاق غير ممكن، عندها يمكن القول إن الطرف الأمريكي قد أصر عمليا على مواقفه المتشددة وطرح مقترحاته الادعائية كخيارات على طاولة التفاوض.
في نهاية المطاف، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن طبيعة التفاوض ترتبط دائما بهكذا تجاذبات ومواقف قصوى. كلا الطرفين يسعى إلى رفع سقف مطالبه من أجل الحصول على مكاسب أكبر في عملية المساومة.
وبالتالي، فإن المواقف الإعلامية الأمريكية ليست مفاجئة بحد ذاتها، إلا إذا نُقلت حرفيا إلى المسار الرسمي للمفاوضات، ففي هذه الحالة، من المؤكد أن الحوار سيواجه مشاكل.
إلى أي مدى يمكن ربط تشدد واشنطن في التصريحات الإعلامية بجولة ترامب في الشرق الأوسط، وهل تسعى الولايات المتحدة فعلا لمنع سباق نووي مدني في المنطقة عبر هذا التشدد؟
أولا، في اعتقادي، الموقف الأمريكي تجاه إيران لم يشهد تغييرا كبيرا، هذه المواقف التي تُطرح حاليا، كانت قد طُرحت مرارا في السابق من قِبل مسؤولين أمريكيين مختلفين.
سبق وأن أعلن ويتكوف مثل هذه المواقف، ودونالد ترامب أيضا واصل النهج نفسه، وحتى ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، كرر هذه الادعاءات مرارا؛ لذا لا يمكن القول إن جولة ترامب الأخيرة في الشرق الأوسط أدت إلى تغيير أو تشديد في الموقف الأمريكي.
في الوقت ذاته، تدّعي بعض وسائل الإعلام أن ترامب تعرض في هذه الزيارات لضغوط من قِبل كبار المسؤولين في قطر والسعودية والإمارات، لحثّه على التوصل إلى اتفاق مع إيران.
ووفقا لهذه التقارير، فإن قادة هذه الدول، نظرا لمخاوفهم الاقتصادية والأمنية والتنموية، طالبوا بإبرام اتفاق بين إيران وأمريكا، حتى أن ترامب نفسه زعم أن على الإيرانيين أن يكونوا ممتنين لأمير قطر، لأن قيادته حالت دون اندلاع حرب.
ووفق ما نقلته بعض وسائل الإعلام، فإن كثافة هذه المطالب والتوصيات خلال اللقاءات الإقليمية دفعت ترامب إلى التصريح علنا بهذه الادعاءات.
مع ذلك، لا أرى مؤشرات قوية تدفعني إلى القول إن جولة ترامب الأخيرة تركت تأثيرا جوهريا – سواء إيجابيا أو سلبيا – على المواقف الأمريكية.
فالمطالب الأمريكية السابقة لا تزال قائمة ولم تتغير، ويبدو أن سياسة أمريكا تجاه إيران ما زالت تلتزم النموذج السابق، وأن جولة ترامب الإقليمية الأخيرة لم تحدث تحولا جوهريا في هذا المسار.
هل يعكس موقف الترويكا الأوروبية في اجتماع إسطنبول وجود تنسيق وانسجام مع الولايات المتحدة بشأن الملف الإيراني؟
في الوقت الحالي، يشعر المسؤولين الأوروبيين بعدم الرضا عن مسار المفاوضات بين إيران وأمريكا، والسبب الرئيسي لهذا الاستياء هو استبعاد هذه الأطراف من عملية التفاوض وعدم إعادة تفعيل صيغة 5+1 القديمة.
ويعتقدون أن هذه الحالة تعود بدرجة كبيرة إلى نهج إدارة ترامب، التي لا تؤمن أساسا بالتعددية والعمل الجماعي، وتفضّل الدخول في مفاوضات أو تحديات مع الدول بشكل مباشر ومنفرد.
وهذا التوجّه لا يقتصر فقط على الملف الإيراني، بل شاهدنا مثاله أيضا في أوكرانيا، حيث لم يكن لأوكرانيا نفسها مكانة تُذكر في العمليات التفاوضية الأساسية، ناهيك عن الدول الأوروبية.
الآن، في قضية إيران، الوضع مماثل، الأوروبيون الذين جرى تهميشهم، يحاولون ممارسة ضغط سياسي على واشنطن من خلال أدوات مثل آلية الزناد.
ومن وجهة نظري، فإن هذا الضغط موجه أكثر إلى الولايات المتحدة منه إلى إيران، لأن إيران من حيث المبدأ لا تمانع مشاركة الدول الأوروبية في المفاوضات، فإذا وافقت أمريكا على مشاركة الأطراف الأوروبية في الحوار، فإن طهران لا تعارض ذلك.
بناء على ذلك، يأمل الأوروبيون في أن ينجحوا من خلال التهديد بتفعيل آلية الزناد في دفع ترامب إلى السماح لهم بالمشاركة في المفاوضات أو على الأقل أخذ مواقفهم ومخاوفهم بعين الاعتبار في الاتفاق المحتمل بين طهران وواشنطن.
ومع ذلك، وإذا أردنا أن نكون واقعيين، فأنا لا أعتقد أن أوروبا ستقوم بإفشال الاتفاق بالكامل إذا ما تم التوصل إليه بين إيران وأمريكا، من خلال تفعيل آلية الزناد، لأن التجارب السابقة تُظهر أن أوروبا في القضايا السياسية والأمنية الكبرى، تتبع في النهاية سياسات الولايات المتحدة.
قضية أوكرانيا مثال واضح ومهم على ذلك؛ فرغم أن الأزمة الأوكرانية قضية مصيرية ووجودية بالنسبة لأوروبا، فإن الدول الأوروبية لم يكن أمامها خيار سوى الامتثال عندما أعلن ترامب موقفه الواضح.
وفي الحالة الإيرانية أيضا، من المرجح أن يتكرر هذا النموذج، فإذا تم التوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن، أستبعد أن تعمد أوروبا إلى إفشاله أو تلعب دورا تخريبيا.
طبعا لا يمكن استبعاد هذا السيناريو كليا، لكن يبدو أن التهديد بتفعيل آلية الزناد له وظيفة تكتيكية بالدرجة الأولى، بمعنى أن الأوروبيين يسعون من خلال هذه الورقة إلى ممارسة الضغط على إدارة ترامب من أجل منحهم دورا أكبر في المفاوضات، أو على الأقل إدراج مواقفهم في النص النهائي للاتفاق.
في ظل تشدد المواقف الأمريكية، لا سيما من جانب ستيف ويتكوف، رئيس فريق التفاوض الأمريكي بشأن إيران، كيف تقيمون وضع المفاوضات الراهن؟
من خلال تحليل مواقف الطرفين، وخاصة الجانب الأمريكي، يبدو أن الأمريكيين يسعون لاستخدام الأداة الإعلامية كوسيلة للضغط النفسي على إيران. ويبدو أنهم يعتقدون أن هناك رغبة ملحة في إيران للتوصل إلى اتفاق بسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة، لا سيما في ظل الأزمة المعيشية التي يواجهها المجتمع. ولذلك، يتصورون أن إيران لن يكون أمامها في نهاية المطاف خيار سوى الرضوخ للمطالب الأمريكية. أو أنهم يظنون أن الخوف من احتمال نشوب مواجهة عسكرية سيدفع إيران إلى قبول بعض مطالب الطرف المقابل. ومن هنا، تُطرح هذه التصريحات عبر وسائل الإعلام بهدف التأثير على الداخل الإيراني ودفع الوفد الإيراني إلى التراجع عن مواقفه.
مع ذلك، لا بد من التذكير بأنه خلال الجولة الرابعة من المفاوضات، ورغم التصريحات المتناقضة التي نُسبت لمسؤولين أمريكيين، من بينهم ترامب، وماركو روبيو، وحتى ستيف ويتكاف نفسه، وفقا لما ذكره السيد عراقجي، فإن أيا من هذه المواقف المتشددة لم تُطرح رسميا على طاولة التفاوض. وعلى الجانب الآخر، لو كان الأمريكيون قد أعلنوا فعلا وبشكل واضح أنهم يطالبون بتصفير مستوى التخصيب في إيران، لما استمرت المفاوضات حتى الجولة الرابعة، بل لتوقفت منذ بدايتها.
على كل حال، ينبغي انتظار موعد انعقاد الجولة المقبلة، والنظر إلى نتائجها. فإذا صرّح السيد عراقجي أو المتحدث باسم وزارة الخارجية بعد الجولة الخامسة بأن المفاوضات لا تزال إيجابية وتتقدم وأن هناك احتمالا للتوصل إلى اتفاق، فهذا يعني أن التصريحات الإعلامية الحادة لم تُطرح على طاولة المفاوضات، وأن أجواء الحوار لا تزال قائمة. أما إذا أعلن المسؤولون الإيرانيون بعد الجولة القادمة أن استمرار التفاوض مع أمريكا بات مستحيلا وأن فرص التوصل إلى اتفاق معدومة، فعندئذ يمكن الاستنتاج أن الطرف الأمريكي قد تمسك فعلا بمواقفه المتشددة، وطرح مقترحاته المتطرفة رسميا خلال التفاوض.
في نهاية المطاف، يجب أن ندرك أن طبيعة أي مفاوضات هي أنها تنطوي على توترات ومواقف قصوى. كلا الطرفين يسعى إلى رفع سقف مطالبه في البداية حتى يتمكن لاحقا من الحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات خلال عملية المساومة. لذا، لا يُستغرب صدور مواقف إعلامية متشددة من الجانب الأمريكي، ما لم تُترجم هذه المواقف فعليا إلى مواقف تفاوضية رسمية، فحينها فقط يمكن القول إن مسار الحوار سيواجه صعوبات جدية.
في ضوء مطالبة ويتكوف بتصفير التخصيب، وهو مطلب تتمسك به واشنطن، في حين تعتبره طهران خطا أحمر ثابتا، كيف ترون مستقبل الحوار بين إيران وأمريكا؟
ما زلت أعتقد أن احتمال التوصل إلى اتفاق بين إيران وأمريكا مرتفع، لأن المفاوضات امتدت من الجولة الأولى إلى الثانية ثم الثالثة والرابعة، وهذا بحد ذاته يدل على وجود إرادة لدى الجانبين للوصول إلى نتيجة، فعندما تتركز المباحثات على القضايا الفنية وتُناقَش التفاصيل الدقيقة، يكون من الواضح أن الطرفين يريدان الاتفاق.
بطبيعة الحال، لا بد من الإشارة إلى أن فهمنا لمفهوم “الاتفاق” يختلف عن نظرة الأمريكيين إليه، وهذا التباين في الرؤية أدى إلى ظهور بعض الخلافات.
ومع ذلك، فإنني متفائل بإمكانية التوصل إلى توافق، وفي نهاية المطاف، سيتراجع كلا الطرفين جزئيا عن مواقفه الأولية ويصلان إلى نقطة وسط.
أما إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فأنا لا أرى أن الخيارات تقتصر على “إما الاتفاق أو الحرب”، بمعنى آخر، غياب الاتفاق لا يعني بالضرورة أن الخيار العسكري سيكون البديل، حتى في حال فشل المحادثات، فمن المرجح أن لا يعلن أي من الطرفين صراحة انهيار المفاوضات، وبالتالي، قد تستمر المحادثات بين إيران وأمريكا بشكل تدريجي وغير مباشر.
وإذا لم يُبرم اتفاق في هذه المرحلة، فإن أمريكا على الأرجح ستلجأ إلى تصعيد سياسة “الضغط الأقصى”؛ كأن تعيد فرض العقوبات القصوى، أو تجمّد الأصول الإيرانية، أو تزيد القيود على قطاع النقل البحري، بعد ذلك، قد تحاول واشنطن تحفيز الضغوط من الداخل الإيراني، من خلال خلق تصدعات داخلية وتفعيل الانقسامات الاجتماعية.
وفي حال فشل هذه الخطوات، قد تبدأ التفكير في الخيار العسكري، لكنه سيكون الخيار الأخير على الطاولة، فبين عدم الاتفاق والعمل العسكري، هناك طريق طويل وسلسلة من المتغيرات التدريجية، ويبقى أن سلوك إيران هو العامل الحاسم في كل ذلك.
فإذا اتخذت طهران، تحت الضغط أو في أجواء انفعالية، قرارات مثل الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار (NPT) أو الإعلان رسميا عن السعي لتصنيع سلاح نووي، فإن احتمال المواجهة العسكرية سيرتفع.
أما إذا حافظت إيران على مواقفها المبدئية، من حيث الالتزام بعدم السعي لامتلاك سلاح نووي، وتجنّب التهديدات أو التصعيد، والاستمرار في المسار الدبلوماسي، فإن احتمال اندلاع حرب سيكون ضعيفا للغاية.