- يسرا شمندي
- 89 Views
ترجمة: يسرا شمندي
أجرت صحيفة هم میهن الإصلاحية الثلاثاء 20 مايو/أيار 2025 مقابلة مع أمين مجموعة أوروبا في مركز الدراسات العلمية والبحوث الاستراتيجية للشرق الأوسط سهراب سعد الدين، حول أبعاد اللقاء الأخير بين المسؤولين الإيرانيين ونظرائهم الأوروبيين في إسطنبول، وآفاق العلاقات بين إيران والدول الأوروبية بعد سنوات من التوتر والجمود.
وتناول الحوار أيضا طبيعة الخلافات القائمة، ولا سيما الاتهامات المتعلقة بدعم إيران لروسيا في حرب أوكرانيا، والاختلاف في نهج الأوروبيين مقارنة بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه ملف التفاوض مع طهران.
وفيما يلي نص الحوار:
إلى أي مدى كانت مفاوضات الجمعة الماضية بين نائبي وزير الخارجية الإيراني والمديرين السياسيين للدول الأوروبية الثلاث فعالة في حل الخلافات القائمة، بالنظر إلى توقف المفاوضات لعدة أشهر وعمق الخلافات بين الجانبين؟
لم تُنشر معلومات كثيرة حول تفاصيل المحادثات بين إيران والدول الأوروبية الثلاث، ولم يُدلِ أي من الطرفين بالكثير من المعلومات بشأن مضمون هذه المحادثات. والواقع أن كلا الطرفين كان لديهما رغبة قوية في إجراء هذا الحوار.
أما عن سبب تأخر هذه المحادثات لفترة طويلة، فله أسباب متعددة؛ من جهة، كان الأوروبيون يشعرون أن إيران في موقع ضعف، وأن لديهم ورقة ضغط مثل آلية سنابباك، يمكنهم استخدامها للضغط على إيران، وكلما ضاق الوقت، ستكون إيران مستعدة لتقديم تنازلات أكبر مقابل تراجع أوروبا عن تنفيذ هذه الآلية.
من جهة أخرى، كانت إيران ترى أن مفاوضاتها مع الولايات المتحدة كانت تسير بشكل جيد، ولم تكن ترى حاجة لإشراك الأوروبيين في هذه العملية. والآن، يختلف نهج أمريكا وأوروبا تجاه المفاوضات مع إيران، حيث يطالب الأوروبيون بوضع إطار للحوار يكون أشمل وأكثر اتساعا يتناول عدة قضايا مع إيران، بينما تركز الولايات المتحدة بشكل خاص على الملف النووي في محادثاتها مع طهران.
إن ما دفع إيران وأوروبا للعودة إلى طاولة المفاوضات في الأسابيع الأخيرة هو عدم القدرة على التنبؤ بسلوك إدارة ترامب. فهذه الإدارة تعاني من انقسامات داخلية، حيث أن هناك جهات مثل المبعوث الخاص لإدارة ترامب في الشرق الأوسط ستيف ويتكوف والمقربين من ترامب يرغبون في التوصل إلى اتفاق مع طهران.
في حين أن جهات أخرى، خصوصا من جناح حزب الجمهوريين الحاكم مثل وزير الخارجية ماركو روبيو، تؤمن بعدم جدوى التفاوض مع إيران وتدعو إلى تفعيل آلية سناب باك، ومع أنه من الواضح أن إدارة ترامب تسعى إلى التوصل إلى اتفاق، فإن التصريحات المتضاربة من المفاوضين وصانعي القرار الأمريكيين دفعت إيران إلى تفضيل إشراك الأوروبيين بشكل أكبر في العملية.
نقطة أخرى مهمة هي أن هناك ضغوطا شديدة في الوقت الحالي تمارسها جماعات الضغط الإسرائيلية والجناح المتشدد المناهض لإيران داخل إدارة الولايات المتحدة على الدول الأوروبية، بهدف تشديد موقف الأوروبيين تجاه إيران ودفعهم نحو استخدام آلية سناب باك. ولهذا، كانت خطوة إعادة إشراك الأوروبيين في المفاوضات تكتيكا مناسبا لإيران، من أجل مواجهة هذه الضغوط وتحييدها عن الأوروبيين، وتقليل تأثيرها في التصعيد ضد إيران.
ولقد كان الأوروبيون منذ البداية يشتكون من استبعادهم من المفاوضات مع إيران وعدم مراعاة مصالحهم. ومع ذلك، هناك رغبة لدى الأوروبيين في أن يكونوا أكثر نشاطا في الملف الإيراني. وكان لدى الطرفين دوافع قوية لعقد هذه المفاوضات، وعلى الرغم من أن التفاصيل الدقيقة لأجواء المفاوضات ومضمونها لم تُنشر بعد، إلا أن قرار الطرفين بمواصلة الحوار يُعتبر علامة إيجابية.
وعلى أي حال، يمتلك الأوروبيون ورقة سناب باك للضغط، ولكن الوقت المتبقي لاستخدام هذه الورقة محدود، وكلما تأخر الوقت زادت فرصة إيران.
هل تعتقد أن الأوروبيين قد يعترضون أو يعطلون المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة أو أي اتفاق محتمل؟
حتى الآن، يتصرف الأوروبيون بهذا الشكل بالفعل. كما أشرتُ، في الظروف الراهنة، تتقارب وجهة نظر الأوروبيين مع الجناح التقليدي للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. فهم يرون أن إيران في موقف ضعف، ويجب استغلال هذا الضعف للحصول على أقصى تنازلات منها.
ويشير الأوروبيون إلى قضايا مثل انتشار الطائرات المسيرة والصواريخ، ويزعمون أن هناك تهديدا خطيرا من إيران، خاصة في إطار التعاون بين إيران وروسيا، يواجه الغرب.
ويرى الأوروبيون أنه يجب أولا ممارسة أقصى قدر ممكن من الضغوط على إيران، ثم الدخول في مفاوضات بهدف الحصول على أكبر تنازلات في مجالات متعددة. ولا تنسَ أن مجلس الأمن الوطني الفرنسي عقد مؤخرا اجتماعا خاصا حول ملف إيران، وهو أمر نادر أو حتى غير مسبوق.
كما أن وجهة نظر الأوروبيين هي أنهم يمتلكون ورقة ضغط مثل آلية الزناد، ويجب أولا، بالتعاون مع الولايات المتحدة، ممارسة أقصى الضغوط على إيران، ثم الشروع في مفاوضات شاملة ومتعددة الجوانب لاستصدار تنازلات من إيران.
ولقد أفسدت إدارة ترامب هذه اللعبة الأوروبية، وكان لذلك سببان؛ الأول يتعلق بشخصية ترامب، والثاني استراتيجيته القائمة على منع نشوب حروب جديدة وإنهاء النزاعات القائمة، وهو الشعار المركزي في سياسته الخارجية.
لهذا السبب، فضلت إدارة ترامب، خلافا لرأي الأوروبيين، الدخول في مفاوضات مع إيران تهدف إلى التوصل لاتفاق سريع حول الملف النووي دون إشراك الأوروبيين، لأن وجود الأوروبيين سيزيد من تعقيد المفاوضات. وفي النهاية، كان بإمكان ترامب من خلال هذا الاتفاق أن يدعي أنه توصل إلى اتفاق أفضل من الاتفاق النووي السابق البرجام، بلا بنود انتهاء محددة أو شروط معقدة.
وخلال هذه الفترة، شهدنا أيضا أن الأوروبيين عرقلوا المسار. فقد بذلت كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا جهودا منفصلة لزيادة الضغط على إيران وتشويه صورتها. ففي نفس توقيت مفاوضات إسطنبول، قدمت فرنسا شكوى ضد إيران إلى محكمة العدل الدولية، وخلال الأسابيع الماضية، اعتقلت بريطانيا عددا من المواطنين الإيرانيين بتهم تتعلق بالإرهاب الفوري.
إن كل هذه الإجراءات تهدف إلى إرسال رسالة لإدارة ترامب مفادها أن إيران تشكل تهديدا متعدد الأبعاد، وأن واشنطن مخطئة إذا اقتصرت مفاوضاتها على الملف النووي فقط.
هل يمكننا القول إن أوروبا تمر الآن بوضع مشابه لذلك الذي كانت تعيشه دول الخليج العربية خلال مفاوضات الاتفاق النووي، حيث شعرت بأنها مستبعدة ولم تُراعَ مصالحها؟
يمكن إجراء هذا التشبيه إلى حد ما. ففي ذلك الوقت، كانت الدول العربية تعتقد أن مصالحها لم تُراعَ، والآن يشعر الأوروبيون أن التهديدات التي يزعمون أنها تصدر عن إيران تجاههم لم تُؤخذ بالاعتبار بشكل كاف.
ويدّعي الأوروبيون أن التهديدات الإيرانية، سواء في مجال انتشار الصواريخ والطائرات المسيرة أو التعاون العسكري بين إيران وروسيا، تستهدف أوروبا بشكل خاص ولا تستهدف الولايات المتحدة بنفس القدر. وفي الواقع، يعتقد الأوروبيون أنه يجب أن تكون المفاوضات مع إيران متعددة المواضيع وشاملة، وأن يتم الحصول على تنازلات أكبر من إيران في مجالات مختلفة.
هل من الممكن أن يستخدم الأوروبيون آلية الزناد (آلية اسنپبک) دون تنسيق مع الولايات المتحدة ودون النظر إلى نتائج المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة؟
إذا أراد الأوروبيون استخدام آلية حل النزاعات في الاتفاق النووي، المعروفة بآلية الزناد، فعليهم أن يبدؤوا هذه العملية خلال الشهر أو الشهرين القادمين، لأن الآلية المنصوص عليها في الاتفاق معقدة وتتطلب وقتا، وتشمل عقد عدة اجتماعات مع مهل زمنية محددة قبل إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي.
إن فرصة استخدام آلية حل النزاعات تنتهي في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وبعدها سيتم أرشفة ستة قرارات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ضد إيران بشكل نهائي.
وفي الوقت نفسه، يجب أن تصل القضية إلى مجلس الأمن قبل شهر أكتوبر/تشرين الأول 2025، حيث تبدأ روسيا رئاستها الدورية لمجلس الأمن، لأن الأوروبيين يخشون أن تستخدم روسيا سلطاتها كرئيسة للمجلس لمنع إدراج قضية القرار 2231 على جدول الأعمال.
وبالطبع، إذا تم إدراج ملف الشكوى ضد إيران وفقا للقرار 2231 على جدول أعمال مجلس الأمن، فلن تكون معارضة روسيا والصين فعالة، لأن إعادة تفعيل القرارات الست المعلقة لن تتطلب تصويتا، وبالتالي لن يُستخدم حق الفيتو.
ومع ذلك، يمكن لروسيا كرئيسة للجلسة، التي تبدأ رئاستها من أول أكتوبر/تشرين الأول 2025 حتى 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025 تاريخ انتهاء صلاحية القرارات، أن تحدد جدول أعمال الاجتماعات خلال هذه الفترة.
وإذا لم يتعاون الأمريكيون مع الأوروبيين، فإن إعادة تفعيل القرارات الست السابقة وإعادة إيران إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لن تمثل ضغطا كبيرا على إيران. على العكس، قد يدفع هذا إيران إلى أن تصبح أكثر إصرارا على التوصل إلى اتفاق مباشر مع الولايات المتحدة دون تدخل الأوروبيين، وهذا ما يدركه الأوروبيون جيدا.
لكن إذا لاحظ الأوروبيون علامات فشل في مفاوضات إيران والولايات المتحدة، وإذا سيطر جناح الجمهوريين التقليدي في إدارة ترامب، فسيتجه الأوروبيون إلى استخدام آلية السناب باك لأنها الأداة الوحيدة المتاحة لديهم. إذ بدون آلية السناب باك، يعتقد الأوروبيون أنه لا يوجد لديهم أي أداة أخرى تؤثر بها على سلوك إيران.
ما تأثير مصير الحرب في أوكرانيا على ديناميكيات العلاقة بين إيران وأوروبا؟
إن ادعاء التعاون العسكري بين إيران وروسيا في حرب أوكرانيا ترك أثرا سلبيا كبيرا على العلاقات بين إيران وأوروبا. فقضية أوكرانيا تعتبر مسألة حيوية ووجودية بالنسبة لأوروبا. ولم تتراجع أوروبا أمام ترامب في موضوع حرب أوكرانيا، بل تعاملت مع الأمر من موقف قوة، وحتى واشنطن قامت إلى حد ما بتعديل موقفها تجاه أوكرانيا.
إن إحدى التهديدات الجدية التي يشعر بها الأوروبيون من جانب إيران هي مسألة التعاون مع روسيا وقضايا مثل انتشار الطائرات المسيّرة والصواريخ. وعلى إيران أن تتخذ مبادرات جدية لحل هذه القضية مع أوروبا. إن قضية حرب أوكرانيا أضافت تعقيدات كبيرة إلى ملف العلاقات بين إيران وأوروبا، ولا يمكن حلها بسهولة، بل تتطلب تخطيطا دقيقا واستخدام تكتيكات ومبادرات جادة من كلا الطرفين.
هل يبدو في ظل هذه الظروف أنه حتى إذا توصلت إيران إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن الملف النووي، فلن يكون هناك أفق واضح للعلاقات بين إيران وأوروبا؟
إن القضايا التي توجد بيننا وبين أوروبا متعددة الأبعاد. وبالطبع ينطبق نفس الأمر على علاقات إيران مع الولايات المتحدة، لكن الأمر هو أن تعقيدات الخلافات بين إيران وأوروبا تعود إلى السنوات الأخيرة.