- يسرا شمندي
- 26 Views
ترجمة: يسرا شمندي
نشرت صحيفة شرق الإصلاحية، الأربعاء 21 مايو/أيار 2025، تقريرا ذكرت فيه أنه بعد مرور أربع جولات من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، لا تزال التعقيدات والغموض تسيطر على مسار الحوار بين طهران وواشنطن. فالإصرار المفرط من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على حرمان إيران من حقها في تخصيب اليورانيوم لم يُعقّد فقط الأمور القائمة، بل جعل الجولة الخامسة من المفاوضات مهددة بالتأجيل أو حتى التعليق.
وأضافت الصحيفة أن هذا التمسك غير المنطقي من قبل الولايات المتحدة، الذي يتعارض مع الحقوق المشروعة لإيران وفقا لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، دفع المفاوضات إلى حافة الهاوية وزاد من مخاوف فشلها. وفي هذا السياق، أضافت تحركات بعض الجهات الدولية، خصوصا الدول الأوروبية، وطرح أفكار مثل إنشاء كونسورتيوم للتخصيب، طبقات جديدة من التعقيد إلى هذه المعادلة الحساسة.
طمع أمريكا؛ العائق الرئيسي أمام تقدم المفاوضات
وأفادت الصحيفة بأنه منذ بداية المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، التي جرت بوساطة سلطنة عمان في مسقط وروما، أكدت إيران على الحفاظ على حقوقها النووية.
وردا على تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين لويت، التي جددت تأكيد الخط الأحمر الأمريكي بوقف كامل لعملية التخصيب في إيران، اتخذ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، موقفا حازما وأكد: كلما كرروا هذه المواقف، لن يغير ذلك من إرادتنا شيئا. فالتخصيب هو حق مسلم لإيران ولن نتراجع عنه.
وأكّدت أن هذه التصريحات تأتي ردا صريحا على كبير مفاوضي أمريكا والمبعوث الأمريكي في إدارة ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي زعم في مقابلة مع شبكة إي بي سي: لن نعطي إيران حتى نسبة واحد في المئة من قدرة التخصيب. وهذا النهج غير البناء من جانب أمريكا، الذي يبدو متوافقا مع ضغوط إسرائيل ومواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتشددة، قد أدخل المفاوضات فعليا في طريق مسدود.
وقال مسؤول إيراني طلب عدم الكشف عن هويته، إن إيران لا ترغب في المشاركة في مفاوضات محكوم عليها بالفشل مسبقا. وإذا كان الهدف هو منع الحصول على السلاح النووي، فهناك حلول أخرى، لكن التخصيب الصفري يعني تجاهل حقوق الشعب الإيراني.
وأوضحت الصحيفة أن هذه التصريحات تعكس عمق الفجوة بين الطرفين، حيث تصر إيران على الحفاظ على إنجازاتها العلمية والتقنية، في حين تمضي الولايات المتحدة باصرارها على مطلب غير واقعي، مما يحول المفاوضات فعليا إلى دوامة من التقدم والتراجع.
وفي هذا السياق، أعرب بعض المراقبين مثل المفاوض النووي الإيراني السابق حسين موسويان، عن انتقاداتهم لمسار المفاوضات الحالي، مؤكدين على ضرورة إجراء المفاوضات بشكل مباشر، محذرين من أن استمرار المحادثات غير المباشرة والمفاوضة عبر وسائل الإعلام بدلا من الغرف المغلقة لن يؤدي إلا إلى طريق مسدود. ويرى موسويان أن لو كانت المفاوضات قد جرت بشكل مباشر منذ البداية، لكان احتمال حدوث هذا الوضع الفوضوي أقل.
وبيَّنت الصحيفة أن هذا الرأي يسلط الضوء على أهمية مراجعة الاستراتيجيات الدبلوماسية، خصوصا في ظل التغيرات العلنية المستمرة في مواقف واشنطن بعد كل جولة تفاوض، مما يضعف ثقة طهران في جدية الطرف الآخر.
وأشارت إلى ضرورة تأكيد أن مسؤولية فشل المسار المتبع بعد أربع جولات من المفاوضات في مسقط وروما، سواء أُجريت بشكل مباشر أو غير مباشر، تقع بالكامل على تطلعات إدارة ترامب المبالغ فيها.
وأضافت أن الإصرار على إلغاء حق إيران في التخصيب بنسبة صفر، هو انتهاك صريح لالتزامات إيران الدولية وحقوقها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وهو لم يهدد فقط سير المفاوضات، بل يحمل أيضا تداعيات أوسع على الاستقرار الإقليمي والدبلوماسية العالمية.
وقد شددت إيران مرارا على أن برنامجها النووي يهدف لأغراض سلمية بحتة، مؤكدة استعدادها للتعاون مع الهيئات الدولية، وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لضمان الشفافية. غير أن حرمانها بالكامل من حق التخصيب يُعد خطا أحمر لا يمكن لطهران تجاوزه تحت أي ظرف.
الدور التخريبي لأوروبا؛ تهديد آلية الزناد وزيادة هشاشة الدبلوماسية
وأكَّدت الصحيفة أن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، بعد أربع جولات من الحوار، تواجه وضعا هشّا إلى أقصى حد، ولا يزال مصير الجولة الخامسة غامضا، فقد زادت التحركات التخريبية لأوروبا، وخاصة المناورات التي تقوم بها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا (الترويكة الأوروبية) لتفعيل آلية الزناد، من تعقيد الوضع إلى حد أن بعض التقارير الإعلامية لم تصف اجتماع إسطنبول بأنه مرض.
كما رأت الصحيفة أن نتائج لقاء نائبَي وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي وكاظم غريب آبادي، مع المديرين السياسيين العامين في وزارة الخارجية للدول الثلاث الأوروبية وممثلي الاتحاد الأوروبي، لم تسهم في تخفيف الخلافات القائمة.
وعلى الرغم من أن الاجتماع الأخير في اسطنبول بين إيران ودول الترويكة الأوروبية، والذي وصفه غريبآبادي بالبناء، لم ينجح في تبديد مخاوف طهران من النهج العدائي الذي تتبعه أوروبا.
وأوضحت أن باريس وبرلين ولندن، التي اضطلعت بدور محوري في التوصل إلى الاتفاق النووي لعام 2015 (البرجام)، عجزت عن الوفاء بالتزاماتها بعد الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة عام 2018، وهي اليوم، عبر تهديدها بتفعيل آلية الزناد، تسهم فعليا في زيادة حدة التوتر.
وأضافت أن تهديد أوروبا بتفعيل آلية الزناد التي قد تعيد عقوبات الأمم المتحدة يُعتبر أداة ضغط على إيران. وقد ذُكر مرارا أن التنسيق بين الترويكة الأوروبية والولايات المتحدة يفرض تقسيم الأدوار، حيث تلعب كل جهة دور الشرطي الجيد والشرطي السيئ في مفاوضات الملف النووي.
ورغم ذلك، حذر عباس عراقجي في مقال له في الأسبوعية الفرنسية (لو بوين)، من أن أي خطوة لتفعيل آلية الزناد قد تؤدي إلى نهاية دور أوروبا في الاتفاق النووي وتصعيد التوترات إلى مستوى لا يمكن الرجوع عنه.
كما يرى محلل السياسة الخارجية تئو ننجینی، أن الترويكة الأوروبية منذ انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي تفتقر إلى سياسة متماسكة تجاه إيران وتعتمد في الغالب على مواقف واشنطن. وفي حديثه مع قناة TRT، أوضح أن الأوروبيين حاولوا من خلال مفاوضات اسطنبول أن يمنعوا تهميش أنفسهم في حوارات إيران وأمريكا.
وأكّد ننجيني أن تاريخ أوروبا أضعف ثقة إيران بشكل كبير، خاصة بسبب عجزها عن تنفيذ التزاماتها بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي. وأضاف مصدر إيراني مطلع على المفاوضات أن الأوروبيين كرروا مرارا أنهم لا يستطيعون تنفيذ التزاماتهم دون التنسيق مع أمريكا.
وصرَّحت الصحيفة بأن هذا التاريخ من التجارب جعل إيران تشكك في وعود الأوروبيين. كما أن التهديد بتفعيل آلية الزناد قبيل اجتماع مجلس الحكام في يونيو/حزيران 2025، وبالأخص مع اقتراب انتهاء قرار مجلس الأمن رقم 2231 في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وضع المفاوضات في وضع حساس أكثر.
ورغم أن ننجيني يعتقد أن الترويكة الأوروبية على الأرجح لن تستخدم هذه الآلية قبل أغسطس/آب 2025، فإن هذا التهديد بحد ذاته سمم أجواء الثقة وقيد قدرة إيران على دفع الدبلوماسية قدما. فأوروبا، التي كانت في السابق وسيطا موثوقا في المفاوضات النووية، أصبحت الآن بسبب مواقفها المتناقضة وضغوطها غير البناءة عاملا يعقد الأزمة أكثر.
اتحاد التخصيب.. هل هو حل لكسر الجمود؟
ذكرت الصحيفة أنه وسط تصاعد التوترات، يُعتبر طرح فكرة تشكيل اتحاد إقليمي لتخصيب اليورانيوم التي قدمتها إيران حلا مبتكرا لمعالجة المخاوف الدولية والحفاظ على حقوق إيران النووية.
وتناولت الصحيفة هذا الموضوع بتفصيل في عدة تقارير، لكن مع إصرار إدارة ترامب على تحقيق تخصيب الصفر بالمئة الذي أدى عمليا إلى جمود المفاوضات، يجدر بنا النظر إلى الحل المقترح لإنشاء اتحاد نووي من زاوية مختلفة، حيث أن موافقة إيران على فكرة اتحاد تخصيب اليورانيوم يمكن أن تُسهّل مسار المفاوضات. وللإجابة على ذلك، يجب أولا معرفة من أين انطلقت هذه الفكرة.
ولقد نشرت صحيفة الغارديان مؤخرا تقريرا زعمت فيه أن إيران اقترحت التعاون مع دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، لتأسيس كونسورتيوم يتم فيه تخصيب اليورانيوم تحت إشراف مشترك وفي أراضي إيران.
وأكدت الصحيفة أن هذا المشروع، الذي طرحه في البداية حسين موسويان وأحد الخبراء في مجال الحد من انتشار الأسلحة النووية فرانك فون هيبل في عام 2023، يسعى لإيجاد توازن بين الشفافية الدولية والحفاظ على استقلال إيران النووي.
وعلى الرغم من تناول هذا الموضوع إعلاميا وفنيا، أكد تخت روانجي، أنه لم نناقش موضوع الكونسورتيوم رسميا بعد، لكن هناك أفكارا طرحت، وإذا تم اتخاذها بجدية، يمكننا دراستها.
وأفادت صحيفة شرق بأن هذا الكونسورتيوم يمكن أن يُنشئ منشآت جديدة بمشاركة دول المنطقة، مع تحديد نسبة التخصيب عند 3.67%، بما يتوافق مع معايير اتفاق 2015. فالإمارات، التي تمتلك خبرة في الطاقة النووية المدنية من خلال محطة براكة، والسعودية كطرفين محتملين، يمكنهما المساهمة بالاستثمار والرقابة المشتركة لضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني.
وأضافت الصحيفة أن هذا الاقتراح، الذي ذكرته مصادر مطلعة خلال الجولة الأولى من المفاوضات في عمان، يمكن أن يكون نقطة جذب لدعم دول الخليج وتقليل الضغوط الأمريكية.
وعرض عراقجي خلال زياراته الأخيرة للإمارات والسعودية، هذا المفهوم على مسؤولي هذه الدول، ووفقا لمصدر سياسي في طهران، أبدت أبوظبي موقفا إيجابيا تجاهه، بينما لا تزال الرياض تتصرف بحذر. واقترح الخبير النووي طارق رؤوف، تحويل منشآت نطنز وفردو إلى مركز دولي للتخصيب، بحيث تملك إيران 60% من الأسهم والباقي يكون مملوكا لدول المنطقة أو لاعبين مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتابعت الصحيفة أن الميزة الأساسية لهذا الكونسرسوم تكمن في تعزيز الرقابة الدولية دون التنازل عن حق إيران في التخصيب. بمشاركة الدول المجاورة، تُذلل مخاوف الغرب والمنطقة المتعلقة بالشفافية، وفي الوقت نفسه تحافظ إيران على ملكية تقنيتها النووية.
ويرى محلل الشؤون الدولية رحمان قهرمانبور، أن إيران من خلال قبول إجراءات مثل البروتوكول الإضافي، وتركيب كاميرات مراقبة، يمكنها بناء الثقة وتمهيد الطريق للحفاظ على التخصيب. ومع ذلك، لا تزال تعقيدات الإدارة، والرقابة، وتوزيع المهام في هذا الكونسرسوم تمثل تحديات جدية.
طهران ليست مسؤولة عن الفشل المحتمل
ذكرت الصحيفة أن النقاط المذكورة تجعل السؤال الأكثر بروزا: من المسؤول إذا توقفت أو تم تعليق أو فشلت المفاوضات في النهاية؟ على الرغم من أن المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة تمر بمرحلة حساسة، إلا أن طهران، مع إدراكها لهذه الحساسيات، أظهرت حتى الآن مرونة ودبلوماسية عالية. في المقابل، هناك نوع من سوء الفهم من جانب واشنطن أدى إلى سوء تقدير مواقفها.
كما ذُكر سابقا، أن إصرار إدارة ترامب على تحقيق الصفر في مستوى التخصيب لا يتعارض فقط مع مبادئ الدبلوماسية البناءة، بل يتجاهل الحقوق المشروعة لإيران. وهذا النهج، المصحوب بضغوط إسرائيل وتهديدات أوروبا، دفع المفاوضات إلى حافة الهاوية.
وأوردت الصحيفة أن إيران أظهرت استعدادها للتعاون وبناء الثقة من خلال عدة مقترحات تتعلق بالتعاون الكامل وغير المسبوق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحتى احتمال النظر في فكرة التكتل الإقليمي في حال جدية الموضوع، لكنها لن تتنازل عن حقوقها أبدا. وفي هذه الأثناء، لعب الدور السلبي لأوروبا وتهديد آلية الزناد دورا في إضعاف ثقة طهران في الوساطة الدولية.
في النهاية أكّدت الصحيفة أن مسؤولية فشل المفاوضات ستكون كاملة على تجاوزات أمريكا ومواقف حلفائها غير البناءة، مع تأكيد أن الدبلوماسية ما تزال تملك فرصة للإنقاذ، وهذا لن يتحقق إلا باحترام جميع الأطراف للحقوق والالتزامات المتبادلة. وفي الواقع أن طهران تسير بصبر استراتيجي وبمقترحات إبداعية، لكن على أمريكا وأوروبا إثبات جدّيتهما في الحفاظ على مسار الدبلوماسية.