نائب الرئيس الإيراني الأسبق: تطورات إقليمية ودولية دفعت طهران وواشنطن إلى إعادة حساباتهما التفاوضية

ترجمة: شروق حسن

في ظل تحوّلات إقليمية متسارعة وضغوط اقتصادية متزايدة، عاد الحديث مجددا عن إمكانية إحياء المسار التفاوضي بين إيران والولايات المتحدة، وفي حوار خاص مع صحيفة «شرق» الإيرانية الاصلاحية يوم الأحد 1 يونيو/حزيران 2025، كشف نائب الرئيس الإيراني الأسبق، حسين مرعشي، عن الأسباب الجديدة التي دفعت الطرفين إلى تعديل مواقفهما السابقة.

وفي ما يلي نص الحوار:

ما الأسباب الجديدة التي دفعت إيران والولايات المتحدة إلى تغيير موقفهما من التفاوض وأثارت التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق بعد فترة من الرفض؟
بعد فوزه، أظهر ترامب جرأة في قراراته، لكن لم يحقق إنجازات تُذكر: الحرب في أوكرانيا مستعصية، أوروبا ترفض انتصار روسيا، وأمريكا باتت تميل للتراخي. في الرسوم الجمركية، لم تُحلّ مسألة أوروبا وكندا، وغرينلاند وقناة بنما لم تُحرّكا ساكنا، فلم يبقَ لترامب سوى الملف الإيراني ليقدّم من خلاله إنجازا.

لكن ترامب لا يمكنه التوقيع على اتفاق مشابه لـ”برجام” القديم، بل يسعى لتحقيق مكاسب. من جانبها، إيران ردّت على انسحابه برفع نسبة التخصيب إلى 60%، واكتسبت معرفة وتكنولوجيا نووية، لذا لن تتنازل دون تخفيف العقوبات أو رفعها.

إيران تريد إعادة بناء اقتصادها، ويجب أن يكون أي اتفاق جديد مبنيا على القدرات الحالية، لا على ظروف الماضي. لا ينبغي أن يُتوقّع من بزشكيان أو خامنئي أو عراقجي إبرام اتفاق يشبه ما كان ممكنا قبل سنوات. المهم هو الوصول إلى اتفاق عمليّ، وليس اتفاقا مثاليا. لذا، على المجتمع الإيراني أن يضبط توقعاته ويدعم نتائج التفاوض الواقعية.

الاتفاق يجب أن يحظى بتأييد السياسيين والأحزاب والتيارات، ونقطة القوة هي أن إيران تغيّرت، والواقع الإقليمي تغيّر كذلك، ويجب أن يُراعي الاتفاق هذه الحقائق.

أما من ناحية استراتيجية، فكما حدث بعد الحرب مع وثيقة “إعادة إعمار إيران” التي قادها كبار مسؤولي الثورة، والتي مهّدت للخطة الخمسية الأولى بمعدل نمو 7.6%، فإن إيران تحتاج اليوم لتحوّل مشابه. حين عدنا إلى السياسات الثورية في الخطة الثانية، انخفض النمو إلى 2.5%.

اليوم، ينبغي تغيير الاستراتيجية مجددا. الأمريكيون بدأوا يتحدثون عن الشرق الأوسط كقطب اقتصادي أعظم من أوروبا، بموارده الغنية. إيران يجب أن تدخل في برنامج تنمية إقليمي واسع مع الخليج، تركيا، العراق، القوقاز، وآسيا الوسطى، لضمان حصة في هذا التحول، الذي قد يجعل المنطقة واحدة من أهم مراكز الاقتصاد في العالم.

ما الذي دفع الأمريكيين إلى طرح خيار «إما الحرب وإما التفاوض»، وما أوراق الضغط التي تملكها إيران بالمقابل؟ وكيف يرتبط تغيير الاستراتيجية بالتجارب السابقة مثل إعادة الإعمار بعد الحرب؟
في ما يخصّ المحور الأول، أرى أن إيران بلغت هدفها في التكنولوجيا النووية ولم تعد تطمح لاستخدامها عسكريا، لذا يمكن توظيف هذه الورقة لحل مشكلاتنا الاقتصادية. أما خطاب “إما الحرب أو التفاوض” الذي تروّج له أمريكا، فليس حقيقيا، بل دعاية انتخابية، وترامب يُظهر نفسه كرئيس محبّ للسلام، يسعى لجائزة نوبل، كما أن حلفاءه في الخليج نصحوه بتجنّب التهديد بالحرب.

الاتفاق مفيد للطرفين وللمنطقة. وهناك تطورات مهمة: أولا، الشرخ بين ترامب ونتنياهو بسبب تطرّف الأخير في غزة، وثانيا، تراجع اهتمام العرب باتفاقات أبراهام، مقابل رغبتهم في بناء علاقة مع إيران لاحتواء إسرائيل. حتى سقوط الأسد لا يعني تراجعا لإيران؛ بل العرب أدركوا أنهم لا يستطيعون مواجهة إسرائيل وحدهم. من هذا المنطلق، أمريكا وأوروبا والعرب مهتمون بتوازن قوى بين إيران وإسرائيل، ولا أحد قادر على كبح إسرائيل كإيران، وهذه ورقة تفاوض قوية.

الورقة الثانية هي الاقتصاد، ولها وجهان: إيران سوق ضخمة تملك مشاريع جاهزة بقيمة 2500 مليار دولار، تشمل النفط، الغاز، البنية التحتية، والمجالات الصناعية، مع طاقات من القطاع الخاص تُقدّر بألف مليار دولار. لا توجد دولة أخرى في المنطقة تمتلك هذا الحجم من الفرص والموارد مع الكوادر البشرية. السعودية تملك المال لا البيئة، العراق يفتقر للبنى التحتية، وتركيا بلا موارد طاقة كافية.

أما الوجه الآخر فهو أثر عدم الاستقرار في إيران، حيث ستتأثر اقتصادات الخليج بشدة. أي أزمة في إيران تهزّ المنطقة، وتهدد استثمارات شركاء ترامب التي تفوق 1000 مليار دولار. إذن، لدى إيران ثلاث أوراق تفاوض: النووية، التوازن الإقليمي، والاقتصاد. وهذه الأوراق تتيح لها التفاوض من موقع الندّية، لا الضعف.

كيف يمكن تنفيذ إصلاح اقتصادي حقيقي في ظل وجود فئات ثرية تملك نفوذا سياسيا وقد تتضرر مصالحها؟ وهل يمكن تغيير الاستراتيجية دون مواجهة مقاومة من هذه المجموعات؟

لن يتضرر أحد، أغنى الفئات في إيران هي فقيرة، أرقامهم ضئيلة، ذات مرة دخل الماء إلى بيت نملة، فظنت النملة أن الدنيا قد غمرها الماء، لم تغمر الدنيا بالماء، إنما كان بيتك صغيرا، وبضع قطرات من الماء دمّرت بيتك.

 جميع الفئات النافذة التي تتحدثون عنها لا تُعد شيئا يُذكر إذا ما جُمعت معا، هذا كله لعب بالريع، إجمالي صادرات إيران النفطية وغير النفطية بلغ 130 مليار دولار، وهو رقم ليس بكبير.

برأيكم، إلى أي حد يمتلك الرئيس بزشكيان القدرة على إجراء الإصلاحات الاقتصادية؟ 

أُقرّ بأن الأمر صعب، لكن يمكن تقديم حلول تجعل القطاع الخاص أكثر نشاطا، من وجهة نظري، المسألة الأهم هي أن نستخدم العلاقة القريبة بين المرشد ورئيس الجمهورية كرأسمال. 

في رأيي، إن ازدياد دور شخص المرشد في توجيه البلاد بعد المفاوضات، هو أهم من دور الحكومة، من الواضح أن توافقا قد تشكل خلال المفاوضات بين صُنّاع القرار في البلاد، وبرأيي يجب أن ينضم الساسة إلى هذا التوافق، وألا يعودوا إلى الماضي.

كيف يمكن تحقيق التماسك السياسي والاقتصادي بعد الاتفاق؟ وما الآليات التي تضمن تجنّب الصراع بين الفئات المستفيدة والمتضررة من التغييرات؟

تقييمي هو أنه لا أحد سيتضرر، في أقصى الحالات، قد يقول شخص اليوم: أنا أبيع النفط ويعود إليّ قرشان، هذا رقم ليس بكبير، إذا سارت البلاد في مسار يصل فيه إنتاج النفط من 3.5 ملايين برميل إلى سبعة ملايين برميل، فإن الجميع سيستفيد. 

الأرقام حاليا ضئيلة إلى درجة أن حتى تجّار العقوبات لا يجنون شيئا يُذكر، اليوم، تذهب مصالح إيران إلى جيوب شركات تشتري النفط منا بسعر أرخص.

 ولكن إذا حصل توسّع في الاقتصاد، فيمكن للجميع أن يستفيدوا، قد تكون هناك حالات نادرة، كما يقول أهل كرمان: «عزيز بلا جهة»، لكن عددهم ليس كبيرا.

في ظل تغيّر موازين السلطة والثروة بعد الاتفاق، كيف يمكن التعامل مع تهميش بعض الفئات أو الأفراد سياسيا؟ وما الفروقات الجوهرية بين حكومة بزشكيان وحكومة  روحاني؟

أرى أن نقطة قوة بزشكيان تكمن في طاعته المخلصة والدقيقة لمرشد، لقد تمكّن بزشكيان من إيجاد ثقة بالمرشد أفضل مما فعلته الحكومات السابقة، لكن نقطة ضعف بزشكيان هي أنه ليس نتاج تنظيم سياسي. في الأساس، يجب أن تكون الحكومة أو البرلمان ناتجا عن جبهة أو حزب سياسي، يمتلك برنامجا وأشخاصا مُدرَّبين ونفوذا اجتماعيا وسياسيا. لا يمكن تشكيل حكومة من خلال شخصيات فردية مثل بزشكيان، الحكومة الناجحة هي تلك التي تكون ناتجا عن جبهة أو حزب سياسي متمرّس. لكن هناك ما يناقض كلامكم أيضا؛ فالحكومات التي انبثقت عن تيار سياسي دائما ما خلقت توترات كثيرة في المجتمع.

التوتر السياسي ليس أمرا سيئا، التوتر السياسي يؤدي إلى التنافس، والتنافس يؤدي إلى النمو، في اليوم الذي تنافس فيه الرئيس الإيراني السابق خاتمي و ناطق، كانت البلاد هي الرابح، وكلاهما كان رابحا. ما كان سيئا هو أن الطيف المنتصر قام لاحقا بتشويه صورة السيد ناطق وأصدقائه الذين خسروا. الصراع السياسي مفيد إذا التزم بالأدب اللازم وراعى المبادئ الحاكمة للتنافس، إذا لم يعتبر الطرف الفائز نفسه مطلق الحق ولم يُظهِر خصمه بصورة سيئة، فإن التنافس في الفضاء السياسي يكون بنّاء.

ألا يمكن استخدام تعبير “الحكومة المُركّبة” لوصف حكومة الوفاق؟

لا، الوفاق من وجهة نظري هو بين رئيس الجمهورية والمرشد، ولا يعني أن الحكومة الفائزة تعطي خصومها حصصا، فهذا لا معنى له. المقصود هو التوافق على السياسات العامة، وبزشكيان أكّد التزامه بسياسات المرشد في كل برامجه. هذا توافق دستوري إيجابي، أما إشراك الخصوم في الحكومة فذلك يُضعف الانسجام، والحكومة يجب أن تكون صارمة ومتجانسة.

اليوم هناك أجواء تفاؤل بسبب الحديث عن الاتفاق، لكن ماذا لو لم يتحقق؟

سيصبح الوضع الاقتصادي صعبا، ولا شيء أسوأ من عدم اليقين. يمكن إدارة البلاد بسياسات منفتحة أو منغلقة، لكن لكل مسار أدواته. لا يصح المطالبة باقتصاد ليبرالي تحت العقوبات. في هذه الحالة، على بزشكيان اختيار وزراء يديرون الموارد المحدودة لتأمين حدّ أدنى من الرفاه، لا من يؤمنون بالليبرالية الاقتصادية.

حتى لو حدث اتفاق، يعتقد البعض أن الاقتصاد لن يتحسّن بسبب ضعف الإدارة. ما رأيك؟

ما زال الوقت مبكرا. بالإمكان تحسين الإدارة، لكن يجب التمييز بين التوصل لاتفاق فقط لتصدير النفط، وبين جعله خطوة نحو تنمية اقتصادية سريعة وانفتاح على العالم.

هل هناك إرادة لهذا التغيير؟ا
توصيتي أن تكون هناك إرادة لذلك، فالاتفاق يجب أن يكون بداية لتحوّل استراتيجي في إيران.