صحيفة أصولية تهاجم “فشل” الإعلام الإيراني في تغطية جولات التفاوض مع أمريكا

تناولت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية الأصولية، في تقرير لها الأربعاء 28 مايو/أيار 2025، أزمة غياب استراتيجية إعلامية واضحة في تغطية مفاوضات إيران النووية، وما ترتب على ذلك من تضارب في التصريحات وانتشار معلومات غير دقيقة. كما سلّط الضوء على كيفية استغلال الإعلام الغربي لهذا الفراغ لتعزيز رواياته وتوجيه الرأي العام داخليا وخارجيا

ذكرت الصحيفة أن المفاوضات النووية لا تواجه تحديات على المستوى الدبلوماسي فقط، بل امتدت التحديات لتشمل المجال الإعلامي أيضا. ومن أبرز هذه التحديات غياب استراتيجية إعلامية متماسكة وشفافة لتغطية سير المفاوضات. هذا الغياب ساهم في نشر معلومات متضاربة وتكهنات غير موثقة، مما أدى إلى حالة من الارتباك في أوساط الرأي العام. 

وأردفت أن من أبرز الأمثلة على هذه الفوضى الإعلامية ما يتعلق بمقترح تشكيل “كونسورتيوم نووي”، وهو أحد المقترحات المطروحة في مسار المفاوضات، حيث أدت التقارير والتصريحات المتناقضة بشأن مصدره ومكانه وأهدافه إلى تقويض ثقة الجمهور بالمصادر المحلية، ومنحت الفرصة للإعلام الغربي لترسيخ روايته كمصدر رئيسي للمعلومة.

جذور الفوضى الإعلامية في الملف النووي

أوضحت الصحيفة أن من الأسباب الرئيسية لحالة الارتباك الإعلامي في تغطية المفاوضات النووية، غياب التمييز بين المعلومات القابلة للنشر وتلك التي ينبغي حجبها. ونظرا للحساسية السياسية والأمنية، يتجنب المسؤولون الإيرانيون غالبا الإفصاح عن تفاصيل المفاوضات. ورغم أن هذا الموقف قد يكون مبررا من زاوية دبلوماسية، إلا أنه خلق فراغا معلوماتيا، فتح المجال واسعا للتكهنات غير المستندة إلى وقائع.

وتابعت أنه في ظل غياب المعلومات الرسمية، تعتمد وسائل الإعلام والمحللون المحليون على مصادر غير رسمية أو إشاعات، غالبا ما تكون غير دقيقة أو متضاربة. وهذه الحالة لا تؤدي فقط إلى إرباك الجمهور، بل تتيح أيضا للإعلام الأجنبي فرصة تقديم روايته بوصفها الحقيقة الغالبة. فعلى سبيل المثال، استطاعت وسائل إعلام غربية كـ”نيويورك تايمز” و”وول ستريت جورنال” -بفضل امتلاكها مصادر مرتبطة أحيانا بأنظمة سياسية وأمنية غربية تقديم روايات لاقت صدى واسعا داخل إيران. 

وأضافت أن هذا ما عجزت عنه المصادر المحلية بسبب افتقارها للمعلومات الدقيقة أو لنشرها أخبارا غير صحيحة. يمكن وصف هذه الظاهرة بما يشبه “الهندسة العكسية للمعلومات”، حيث تتيح المعلومات المشوشة من الداخل المجال للإعلام الغربي ليقدم رواياته على أنها الحقيقة.

أصل فكرة التحالف النووي

أضافت الصحيفة أن فكرة تشكيل تحالف لإدارة برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني طُرحت لأول مرة خلال مفاوضات سعد آباد “قصر تاريخي” في طهران، لكنها رُفضت حينها وتم التخلي عنها، ليتبع ذلك طرح تعليق التخصيب كبديل. غير أن هذا التعليق لم يُثمر نتائج تذكر، حتى أن رئيس البرلمان الإيراني السباق علي لاريجاني وصفه بأنه “تقديم لؤلؤة ثمينة مقابل قطعة حلوى”.

وتابعت أن المرشد الأعلى علي خامنئي/ أصدر حينها توجيهاته باستئناف التخصيب خلال حكومة خاتمي. وأشارت إلى أن هذه الفكرة أعيد طرحها قبل انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات، من قبل حسين موسويان، المفاوض النووي الإيراني السابق، وفرانك فون هيبل، الفيزيائي من جامعة برينستون، في مقال نُشر في أكتوبر/تشرين الأول 2023 في “نشرة العلماء الذريين”. 

وأوضحت أن المقترح تضمن تشكيل كونسورتيوم بمشاركة دول المنطقة مثل السعودية والإمارات، بحيث تكون هذه الدول مساهمة ماليا وشريكة في التكنولوجيا، في محاولة لضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني والرد على المزاعم الإسرائيلية حول نزعته العسكرية.

تناقض في تصريحات المسؤولين والمحللين

ذكرت الصحيفة أن إثارة هذه الفكرة في المفاوضات الأخيرة أدت إلى ازدياد التكهنات حول مصدرها وتفاصيلها. فقد اقترح أحمد زيد آبادي، الصحفي والمحلل السياسي، في مقال له، إنشاء كونسورتيوم إقليمي أو دولي، يتم فيه نقل منشآت التخصيب الإيرانية إلى إحدى الجزر الإيرانية في الخليج بمشاركة دول عربية وجهات دولية، وهو اقتراح أثار اهتماما واسعا نظرا لتحديده لمكان واضح ومشاركة دول إقليمية.

وأضافت الصحيفة أنه بعد الجولة الثالثة من المفاوضات، صرح الدبلوماسي الإيراني، مجيد تخت روانجي، بأن مقترح الكونسورتيوم لم يصدر عن إيران. كما أكد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، هذا التصريح، مشيرا إلى أنه في حال تقدمت المفاوضات، قد يتم النظر في هذا المقترح مستقبلا. أثارت هذه التصريحات الشكوك حول مصدر الفكرة. 

وتابعت أنه بعد الجولة الخامسة من المفاوضات، تحدث عراقجي عن أفكار جديدة طرحتها سلطنة عمان. وفي السياق ذاته، أشار بدر البوسعيدي، وزير خارجية عمان، في منشور على منصة “إكس” إلى تحقيق “بعض التقدم” دون كشف تفاصيل.

أردفت أن عبد الرضا فرجي‌راد، أستاذ الجغرافيا السياسية، طرح احتمالين هما اتفاق مؤقت أو كونسورتيوم إقليمي. وادعى أن المقترح جاء من الجانب العماني، ويتضمن مشاركة إيران، والسعودية، والإمارات، والولايات المتحدة ، تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إلا أن هذا التوصيف تعارض مع ما قاله محمد قوجاني، الصحفي في مجلة “آكاهی‌نو”، والذي نسب الفكرة للولايات المتحدة. 

ذكرت أن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية بدورها تبنت الادعاء الذي يربط فكرة الكونسورتيوم بالطرف الأمريكي، ما أضفى مزيدا من التعقيد على طبيعة المقترح وهوية الجهة المبادرة به.

ولفتت إلى أن الجدل لم يقتصر على مصدر المبادرة فحسب، بل امتد ليشمل الموقع المقترح لإنشاء التحالف إذ اقترح أحمد زيد آبادي، الصحفي والمحلل السياسي الإيراني، أن يُقام على الجزر الإيرانية، بينما أبدى  وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ، في مقابلة تلفزيونية، انفتاح بلاده على إقامة الكونسورتيوم خارج الأراضي الإيرانية، مع تأكيده القاطع أن هذا الكيان لن يكون بديلا عن حق إيران في التخصيب على أراضيها.

أوضحت أن نشر معلومات متناقضة حول الكونسورتيوم النووي أدى إلى إضعاف ثقة الرأي العام في الإعلام المحلي. فعندما تتضارب تصريحات المسؤولين والمحللين المحليين، يتوجه الجمهور إلى المصادر الأجنبية، التي تقدم روايات مدروسة لخدمة أهداف سياسية محددة. 

وتابعت أن صحفيين مثل باراك راڤيد، لورنس نورمان، وفرناز فصیحی، الذين يتمتعون بوصول لمصادر غربية، نجحوا في طرح روايات أصبحت مرجعا إعلاميا في ظل غياب المعلومات الموثوقة محليا. 

وشددت الصحيفة على أن هذا التشويش الإعلامي يلحق ضررا بالمفاوضين الإيرانيين، إذ إن المعلومات غير الدقيقة أو التكهنات غير الموثقة ترفع من سقف التوقعات غير الواقعية لدى الجمهور أو تزيد الضغوط السياسية الداخلية. 

وأشارت إلى أنه بعد الجولة الخامسة من المفاوضات والغموض المحيط بمقترحات الجانب الإيراني، صرح أحمد بخشایش‌ أردستاني، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، بأن عمان اقترحت تعليق التخصيب لمدة 6 أشهر، إلا أن وزارة الخارجية الإيرانية نفت ذلك لاحقا. 

وأكد أحد كبار أعضاء الفريق المفاوض، في تصريح لوكالة تسنيم، أن مقترح عمان لا يتضمن تعليق التخصيب، وجدد موقف عراقي بأن التخصيب لن يتوقف بأي حال، وأن مقترح عمان يحترم حق إيران في التخصيب.

 استراتيجية إعلامية أكثر فاعلية

أكدت الصحيفة أن تجاوز هذه التحديات يتطلب من إيران إعادة النظر جذريا في استراتيجيتها الإعلامية المتعلقة بالمفاوضات النووية. وأوصت بأن تقوم وزارة الخارجية وسائر الجهات المعنية بوضع سياسة إعلامية واضحة تشمل التمييز بين المعلومات التي يمكن نشرها وتلك التي ينبغي الحفاظ على سريتها. 

وأشارت إلى أن توفير معلومات دقيقة وموثوقة بشأن سير المفاوضات يمكن أن يمنع انتشار الشائعات والتكهنات. تابعت أن إنشاء فريق من الخبراء الإعلاميين والدبلوماسيين للتنسيق مع وسائل الإعلام المحلية والدولية يمكن أن يساعد على توحيد الخطاب. ويجب على هذا الفريق تزويد الإعلام بالمعلومات الموثوقة في الوقت المناسب.

كما شددت على ضرورة تمكين الإعلام المحلي من الوصول إلى المعلومات الدقيقة والحديثة حتى يصبح المصدر الرئيسي لأخبار المفاوضات.

وأوصت بإنشاء آلية لرصد وتصحيح المعلومات الخاطئة بأسرع وقت ممكن، من خلال بيانات رسمية أو مقابلات إعلامية. وأخيرا، رأت الصحيفة أن تعزيز التعاون الإعلامي مع دول المنطقة، لاسيما عمان، يمكن أن يسهم في طرح روايات أكثر توازنا.

كلمات مفتاحية: