- يسرا شمندي
- 75 Views
أجرت صحيفة شرق الإصلاحية، الأحد 18 مايو/أيار 2025، حوارا مع أبو القاسم دلفي، السفير الإيراني الأسبق لدى فرنسا وصربيا وبلجيكا وكولومبيا وتشيلي، حول أبعاد اللقاء الدبلوماسي الأخير بين إيران والترويكا الأوروبية، وموقع هذا اللقاء في سياق المفاوضات النووية، ومسار رفع العقوبات.

وفي ما يلي نص الحوار:
هل يمكن للاجتماعات المتفرقة وعلى مستوى نواب وزراء الخارجية، مثل اجتماع إسطنبول مع الترويكا الأوروبية، أن تمنع لندن وباريس وبرلين من اتخاذ إجراءات قسرية ضد طهران؟
إن الموضوع الرئيسي ليس إيران بحد ذاتها، بل سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فجميعنا نعلم أن إدارة ترامب كانت منذ البداية تعارض الاتفاق النووي (برجام)، والمسار الذي أفضى إلى المفاوضات، ومجموعة 5+1(الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وألمانيا)، وكذلك الديمقراطيين سواء في عهد بايدن أو أوباما، وأيضا وجود المنافسين وغيرهم.
ولهذا السبب، فإن ترامب في الجولة الجديدة من المحادثات بين إيران وأمريكا – والتي عُقدت منها أربع جولات حتى الآن ونحن على أعتاب الجولة الخامسة – رسم مسارا مختلفا، وأظهر من خلال إرسال رسائل مباشرة وإجراء محادثات ثنائية بين طهران وواشنطن، أنه لا يرغب على الإطلاق في أن يشارك أي فاعل آخر في هذه المفاوضات؛ لا روسيا، ولا الصين، ولا حتى الاتحاد الأوروبي، أو الدول الأوروبية الثلاث الأعضاء في الاتفاق النووي.
وبالطبع، فإن العلاقات بين أوروبا وأمريكا منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض ليست جيدة في ملفات أخرى أيضا؛ من موضوع الناتو إلى حرب أوكرانيا، والحرب التجارية والجمركية، وملفات الطاقة وغيرها. ولكن فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني تحديدا، فإن ترامب لا يُبدي أي رغبة بإشراك أي طرف آخر سوى أمريكا وإيران.
وطبعا الأوروبيون، مثل روسيا والصين، لم يكونوا راضين عن استبعادهم من مفاوضات الملف النووي الإيراني على عكس مفاوضات الاتفاق النووي (برجام). ومنذ بدء مفاوضات مسقط وروما، شهدنا مرارا تصريحات لمسؤولين من ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وحتى الاتحاد الأوروبي يعبرون فيها عن استيائهم، وكانوا بين الحين والآخر يذكرون آلية الزناد ليبرزوا قدرتهم الدبلوماسية.
وبهذا الأسلوب، حاولت أوروبا أن تظهر رغم غيابها المباشر عن المفاوضات النووية، إلا أنها لا تزال تملك آلية الزناد التي تمنحها أدوات ضغط، ويظل اتفاق 2015 (برجام) يفرض ظلاله على محادثات طهران وواشنطن.
فالاتفاق أعطاهم صلاحيات وأدوات يمكنها أن تؤثر، ولا ننسى أن بعد زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى طهران، حاول الأوروبيون استغلال تصريحاته ضد البرنامج النووي الإيراني كساحة للمناورة الدبلوماسية، مجددا مع طرح احتمالية تفعيل آلية الزناد.
وكل هذه الظروف جعلت أوروبا تحاول الدخول للمفاوضات أو على الأقل ضمان مصالحها عبر أي وسيلة. ولكن كما ذكرت، الأمريكيون لم يرغبوا في السماح لأي طرف آخر بالدخول في المفاوضات مع إيران، ونحن من جانبنا لم نسعَ لإشراك أوروبا في هذه المعادلات.
هل يعني هذا أن المسار الذي رسمته إيران مع أوروبا من وجهة نظركم محل تساؤل وانتقاد؟
نعم، لأن المصلحة كانت في بدء مفاوضات تُبنى على علاقات متوازنة ومتناسبة مع جميع الأطراف المؤثرة في ملف النووي الإيراني، بدلا من إجراء مفاوضات موازية بمعزل عنهم. وكان من الضروري إدارة هذه العلاقات وإشراكهم في مسار المفاوضات مع أمريكا، كما فعلنا مع روسيا والصين من خلال عقد اجتماعات وإطلاعهم على مجريات المفاوضات.
كما أبلغنا دول الخليج خلال جولة إقليمية. لذلك، كان من المفترض أن يتم التعامل بالمثل مع الأوروبيين.
لكن للأسف، اقتصر الأمر معهم على محاولات واتصالات فقط، حيث كان من المقرر عقد مفاوضات على مستوى وزراء الخارجية مع الترويكا الأوروبية في الجولة الرابعة في روما، إلا أن هذه الجلسة تأجلت، وبالتالي أُلغي الاجتماع المقرر عقده في طهران معهم. وفي النهاية، عُقدت مفاوضات بين إيران والترويكا الأوروبية على مستوى نواب وزراء الخارجية في إسطنبول فقط.
هل تعتقد أنه كان بإمكاننا عقد اجتماعات منفصلة؟
نعم، إذا تأجلت الجولة الرابعة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في روما لأي سبب، لم يكن من المفترض أن نلغي المفاوضات مع أوروبا، بل كان من الضروري عقد هذا الاجتماع.
لأي سبب تعتقد ذلك؟
إن لقاءنا مع أوروبا لم يكن مرتبطا بمفاوضات إيران مع الولايات المتحدة. وكان بإمكاننا الاستفادة القصوى من هذا اللقاء لتحسين العلاقات نسبيا مع هذه الدول الثلاث وتلطيف العلاقة الباردة القائمة إلى حد ما.
وهناك نقطة أخرى يجب أن أذكرها، وهي أنه من الناحية المبدئية والمنطقية والقانونية، كان من الأفضل أن ندخل في حوار مع ممثلة السياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بدلا من التعامل مع الدول الأوروبية الثلاث بشكل منفصل، وأن نطلعها على مجريات المفاوضات النووية.
فوفقا للقانون ووفقا للاتفاق النووي، يعمل مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كمنسق لمجموعة 5+1 من حيث أعضاء الاتفاق، كما أن الاتحاد الأوروبي مسؤول أيضا عن التنسيق الدبلوماسي بين أعضائه.
هل تعني أن القوة الدبلوماسية لباريس وبرلين ولندن أقل من بروكسل؟
لا، من الطبيعي أن تكون هذه الدول الثلاث ذات وزن دبلوماسي أكبر. على أي حال، إنجلترا وفرنسا عضوان دائمون في مجلس الأمن ولديهما حق الفيتو، لذلك فإن قوة الضغط والتأثير لديهم تفوق تلك التابعة بالاتحاد الأوروبي.
هل يعني هذا أن ادعاءك يتناقض مع موقفك الأساسي؟
لا، موضوعي مختلف؛ نحن كان يجب أن نحافظ على التنسيق والتوازن. أي أنه كما شاركنا الصين وروسيا والدول العربية تفاصيل المفاوضات، كان من الضروري أن نُطلع الأوروبيين عليها أيضا. وبنفس الوقت الذي أطلعنا فيه الدول الأوروبية الثلاث الأعضاء في الاتفاق على المفاوضات، كان يجب علينا أيضا إطلاع مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. لذا جوهر كلامي هو ضرورة الحفاظ على مبدأ التوازن هذا.
هل كان اجتماع إسطنبول قبل الاجتماع الدوري لمجلس المحافظين مفيدا؟
لدي هنا أيضا بعض الانتقادات.
هل لديك انتقادات بشأن اجتماع إسطنبول؟
نعم.
ما هي الانتقادات؟
عقد اجتماع اسطنبول بمستوى نواب وزراء الخارجية من جانب إيران، والأهم من ذلك، لم يُحافظ على التوازن والتناسب بين مستوى المشاركين من إيران وثلاث دول أوروبية. فقد حضر نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية عن إيران في اسطنبول، في حين شارك الجانب الأوروبي مدراء عامين من وزارات خارجيتهم، وكانت هذه المسألة تشكل مشكلة متكررة منذ توقيع اتفاقية الاتفاق النووي (برجام).
لقد قبلنا منذ فترة “برجام” هذا التفاوت في مستوى وفود المفاوضين بين إيران وأوروبا، ولا يزال مستمرا، وهذا ليس أمرا جيدا، لأن الأوروبيين أثبتوا أنه إذا أرادوا عرقلة موضوع معين أو رفض الالتزام، فإنهم يحاولون أن يُديروا الاجتماعات عبر المدراء العامين للشؤون السياسية في وزارات الخارجية لتبرير أنهم بحاجة للتشاور مع المسؤولين الأعلى.
وبهذا الأسلوب يُهدر الوقت الثمين اللازم للتفاوض والتوصل إلى اتفاق، في حين شارك الجانب الإيراني على مستوى نواب وزراء الخارجية الذين يمتلكون سلطة قرار أكبر.
هل انتقادك موجه أكثر لسلوك الأوروبيين منه لسلوك طهران؟
لا، إلى حد ما يتعلق بنا أيضا. للأسف، يجب التنويه هنا إلى أن فريق السياسة الخارجية هو نفس فريق المفاوضات في اتفاقية الاتفاق النووي (برجام) وينظر إلى المفاوضات الحالية بنفس الفكر والنظرة، وهذا أمر خاطئ تماما.
لماذا تعتقد أن المفاوضات الحالية مختلفة تماما عن “برجام”؟
بالتأكيد مئة بالمئة. فالظروف الحالية في عام 2025 مختلفة تماما عن عام 2015 عندما تم توقيع برجام، فالآن، مفاوضات إيران النووية ليست مع مجموعة 1+5، بل هي مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، وتحديدا في عهد إدارة ترامب. لذلك، ما حدث في هذه الجولات الأربع الماضية مختلف تماما عن برجام. وقد صرح ترامب مرارا أنه لا يسعى إلى برجام بل إلى اتفاق جديد.
لذا، فإن شكل ومضمون هذه المفاوضات مختلفان كليا، ويجب على فريق التفاوض أن يأخذ هذا بعين الاعتبار وأن يتبنى رؤية جديدة، وسياسة جديدة، واستراتيجية وتكتيكات جديدة، ليضبط أهدافه وفق هذا الإطار والمضمون الجديد. لذا كان بإمكاننا في هذه الفترة أن نخفف من برودة العلاقات مع أوروبا، لكننا لم نفعل، وهذا ما أدى إلى توحد أوروبا وأمريكا في جبهة واحدة الآن.
مع ذلك، يعتقد بعض المراقبين أنَّ تحسن العلاقات بين إيران وأوروبا مرتبط أكثر بتباطؤ القارة الأوروبية منه بسياسات إيران؟
يجب أن نتناول الموضوع بدقة أكبر؛ كان بإمكاننا التصرف بحكمة أكبر. ففي مقابلة أجريتها العام الماضي في صحيفة شرق، أكدت على ضرورة أن تضع وزارة الخارجية في حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشکیان تحسين العلاقات مع أوروبا على رأس أولوياتها. وصحيح أن النزاعات بين إيران وإسرائيل، بالإضافة إلى عودة ترامب إلى البيت الأبيض وظروف أخرى، حالت دون تقدم المفاوضات في ذلك الوقت.
ورغم أننا أجرينا أحيانًا لقاءات على مستوى النواب والسياسيين مع الأطراف الأوروبية، وتجاهلت أوروبا مرارا الإشارات الإيجابية من إيران تجاه المفاوضات، يجب أن نعترف أيضا أننا في العام الماضي لم نتمكن من اتخاذ خطوات عملية وجادة لتحسين العلاقات مع أوروبا. وبصراحة، لم نكن جادين في ذلك.
هل تحذّر مسبقا من تفعيل آلية الزناد في ظل هذه الاجتماعات التي تنتقدها؟
إن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة لا تخضع لأي عوامل أخرى، ولكن إذا استطعنا تنظيم علاقاتنا مع الأطراف الأخرى، فهذا كان سيؤدي إلى تخفيف مخاوفنا، وفي نفس الوقت يمكننا استخدام ذلك كتعزيز لقوة التفاوض وزيادة أدوات الضغط في مواجهة الولايات المتحدة. ويبدو أننا نحظى بدعم روسيا، والصين، وكذلك الدول العربية لاستمرار المفاوضات مع أمريكا، مما منحنا قوة تفاوضية أكبر.
لذلك لم يكن من الضروري أن نهدر الفرصة لتنظيم وتعريف علاقاتنا مع أوروبا بحيث لا تكون في صف أمريكا وظل تفعيل آلية الزناد، بل تكون كطرف داعم للمفاوضات. والآن الموضوع يدور حول دور “الشرطة الجيدة والشرطة السيئة”، والأمريكيون يعتمدون على تفعيل آلية الزناد من قبل الأوروبيين، وهذا يمكن أن يكون أداة ضغط على طهران.
هل ستفعّل أوروبا آلية الزناد؟
لا شيء واضح حتى الآن. ما هو مؤكد أن الفرق الفنية ونواب الوزراء السياسيين حضروا اجتماع إسطنبول. يعني أن الأوروبيين يريدون متابعة تقدم مفاوضات إيران وأمريكا ليحددوا على أساسها سلوكهم.
هل ستستخدم أوروبا ورقتها الضاغطة؟
لا يجب أن نبحث عن جواب قاطع لهذا السؤال؛ لأن، كما قلت، الأمر غير واضح حقا. لكن الأوروبيين لا يمكنهم أيضا التعامل مع الفريق الفني على مستوى مفاوضات إيران والولايات المتحدة؛ لأن كلا من أوروبا وإيران يجب أن يدركا أن شكل ومحتوى وإطار المفاوضات مختلف عن الاتفاق النووي السابق.
لذلك إذا أردنا أن نفعل شيئا، يجب أن يبدأ الفريق السياسي، على مستوى الوزراء، المفاوضات عمليا أو نتابع المفاوضات مع مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
هل تعتقد أن هناك فرصة لفعل ذلك في الفترة القصيرة المتبقية قبل الاجتماع الدوري لمجلس المحافظين؟
إذا أرادت أوروبا تفعيل آلية الزناد، فلن يكون أمامها سوى فرصة حتى منتصف شهر يوليو/تموز2025، لأنه بعد ذلك لن يتوفر الوقت القانوني اللازم لتفعيل آلية الزناد حتى انتهاء قرار مجلس الأمن رقم 2231 في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2025. لذا، كل ما يرغبون في حدوثه سيحدث خلال هذه الفترة وقبل منتصف يوليو/تموز 2025.
ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الفريق الفني الأوروبي على دراية كاملة بموضوع الملف النووي الإيراني وهم منسقون مع غروسي والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهذه اللقاءات قد توفر أرضية لتفاهمات أولية. ولكن برأيي، لو كانت هذه الأحداث قد وقعت في وقت سابق واجتمعت إيران وأوروبا على مستوى الوزراء، لما كنا نشعر بهذا القلق في الأيام التي تسبق الاجتماع الدوري لمجلس المحافظين بشأن ما إذا كانت أوروبا ستفعل آلية الزناد أم لا.
هل لدى طهران رافعة للتعامل مع أوروبا ومنع تفعيل آلية الزناد؟
أعتقد أن هناك حلين متاحين لإيران الآن؛ الحل الأول هو أن نبدأ مفاوضات جادة وسياسية على مستوى الوزراء وكذلك مع ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ونحل خلافاتنا معهم لمنع تفعيل آلية الزناد.
والحل الثاني هو أن نُحرز تقدما في المفاوضات مع أمريكا حتى نصل إلى مرحلة الاتفاق، وحينها تمنع أمريكا تفعيل آلية الزناد، لأن من غير المتوقع أن تتقدم إيران في المفاوضات مع أمريكا إلى مرحلة الاتفاق بينما تقوم أوروبا بتفعيل الآلية بشكل مستقل.