- دنيا ياسر
- 16 Views
أجرت صحيفة «وطن امروز» الإيرانية الأصولية، الثلاثاء 3 يونيو/حزيران 2025، حوارا مع الباحث والمفكر السياسي الإيراني مسعود رضائي، تناول فيه رؤية الإمام الخميني لمسألة فلسطين. ركّز الحوار على أبعاد المبادرة التاريخية للإمام في تحويل قضية فلسطين من نزاع إقليمي إلى معركة عالمية بين الحق والباطل.
ذكرت الصحيفة أن اسم فلسطين وغزة اليوم بات يتردد في أرجاء العالم، من جامعات الولايات المتحدة إلى قاعات برلمانات الدول الأوروبية، حيث تتعالى أصوات الاحتجاج ضد جرائم كيان الاحتلال الاسرائيلي. وقد أصبح داعمو الاحتلال، من أصغر المتاجر إلى كبرى الشركات في مختلف الصناعات، عرضة للمقاطعة والحظر. كما أُجبرت وسائل الإعلام العالمية، سواء التي تدعي الحرية أو التي ترزح تحت وطأة التمويل والدعم الاقتصادي من إسرائيل، على تغطية جرائم هذا الاحتلال، وأضحت منابر لتوسيع دائرة الوعي بالقضية الفلسطينية.
وفي ما يلي نص الحوار:
ما العوامل التي جعلت من قضية فلسطين أولوية استراتيجية في فكر الإمام الخميني، ودفعته إلى تبني قضية تحرير القدس كأحد أول اهتماماته بعد الثورة؟
تتكون قضية فلسطين من جانبين رئيسيين؛ وجهان لعملة واحدة. أحدهما يتعلق بفلسطين نفسها، وهويتها ومكانتها كأرض مقدسة وإسلامية، والوجه الآخر يتعلق بقيام احتلال زائف في منطقة غرب آسيا، بدعم من قوى الاستكبار العالمي.
لقد أولى الإمام الخميني أهمية لكلا الجانبين. نظرته إلى فلسطين كانت عميقة واستراتيجية، ولم تكن محصورة فقط في حقيقة أن مجموعة من المسلمين طُردوا من ديارهم، رغم أن هذا وحده كاف ليكون مؤلما. بل كان يرى أن الاحتلال الإسرائيلي هو قاعدة أساسية أقامتها قوى الاستكبار، لاستخدامها كأداة استراتيجية طويلة الأمد للهيمنة على المنطقة وعلى المسرح الدولي. كان يعلم جيدا أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين قرروا توسيع نفوذهم في هذه الرقعة من العالم.
نتيجة لهذا المشروع، تم احتلال جزء من الأراضي الإسلامية من قبل الإحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى قتل وإصابة عدد كبير من المسلمين، وتهجير الكثيرين من أراضيهم، بينما بقي من تبقّى منهم في وطنهم تحت أشد أنواع الضغط والمعاناة حتى اليوم.
إضافة إلى ذلك، كان هناك عنصر مهم في منظومة فكر الإمام، يمنح هذه القضية مكانة استثنائية، وهو أن الموقف من قضية فلسطين يشكل معيارا لكشف حقيقة الأنظمة السياسية الحاكمة في المنطقة. فالدول التي تتعامل مع هذه القضية ببرود، أو الأسوأ من ذلك، تتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، تفضح نفسها تلقائيا أمام شعوبها، وخصوصا في العالم الإسلامي، حيث يتمكن المواطنون من قياس مدى صدق الحكومات في تطبيق شعاراتها.
فإذا تم تهميش أهمية فلسطين، فإن تواطؤ هذه الأنظمة سيمر دون مساءلة، أما إذا ظلت فلسطين قضية الأمة ومحورها، فلن يتمكن أي نظام من إخفاء موقفه، وخصوصا إذا كان سلبيا. إن وعي الشعوب ومتابعتها هو الكفيل بكشف هذه المواقف، فكيف يمكن أن يرضى شعب مسلم بأن تُنتهك كرامة إخوانه في فلسطين، بينما تلتزم حكومته الصمت، أو تتعاون مع الظالم؟
من هنا، يجب على الشعوب أن تكون واعية، تراقب أداء حكوماتها، وتضع ادعاءاتها تحت المجهر، وهذه الرقابة لا تأتي إلا من خلال الوعي؛ وهو ما سعى الإمام لإيقاده قبل 46 عاما، حتى لا تُنسى مظلومية فلسطين ولا تُترك في الظلام.

برأيكم، كيف استطاع الإمام الخميني في السنوات الأولى للثورة، أن يبرز قضية فلسطين رغم كل التحديات الداخلية والخارجية؟
فلسطين أرض ذات قداسة خاصة في الديانات الإبراهيمية. فهي القبلة الأولى للمسلمين، ومركز حضاري إسلامي على مرّ التاريخ. كما ينظر إليها المسيحيون واليهود بتقديس، لارتباطها بحياة السيد المسيح والنبي موسى عليه السلام .
ورغم أن المسلمين، حين سيطروا تاريخيا على هذه الأرض، حافظوا على حقوق أتباع الديانات الأخرى، فإن التاريخ يشهد، سواء في زمن الحملات الصليبية أو في العقود الأخيرة، كيف تجاهل الإحتلال الإسرائيلي حقوق المسلمين.
ورغم كل ذلك، قدم الإمام الخميني دعما لفلسطين من منطلق عابر للطوائف والحدود، وطرحها كقضية إنسانية تتجاوز البُعد العربي والإسلامي.
ومع كل التحديات السياسية الداخلية والحرب المفروضة، استطاع الإمام أن يربط بين فلسطين وجذور النظام الجديد؟
بلا شك! فقد اتخذ خطوات مبتكرة، أولها أنه جعل من دعم فلسطين أولوية إسلامية عالمية، وحوّل المشهد من مجرد صراع إقليمي إلى صراع بين الحق والباطل. وفي عام 1979، أعلن عن آخر جمعة من رمضان كيوم عالمي للقدس، داعيا فيه الأمة الإسلامية وكل أحرار العالم إلى الخروج والمطالبة بتحرير الأرض المحتلة. وكانت هذه المبادرة وسيلة لحفظ القضية من النسيان وسط زحمة الأخبار والسنوات.

هل يمكن القول إن أهم ما قام به الإمام في دعم فلسطين هو إعلان يوم القدس؟
بالتأكيد! فقد أكد الإمام على ضرورة أن يتوحد العالم الإسلامي في يوم واحد، ليطلق صرخة موحدة ضد الاحتلال الإسرائيلي. ولم يكن ذلك فقط خطوة رمزية، بل كان ولا يزال أعظم عمل جماعي منظم في سبيل فلسطين، حيث يُبقي هذه القضية حية في الوعي العام، ويحول دون خفوتها. وبعد مرور 46 عاما، نشهد يوم القدس يُحيى في دول عديدة، ويُعيد اسم فلسطين إلى صدارة الاهتمام.
رغم أن الإمام شخصية دينية، لماذا لم يحصر القضية في إطار عربي أو إسلامي بل جعلها قضية إنسانية عالمية؟
لأن نظرته لم تكن ضيقة أو محصورة. لم تكن قومية أو مذهبية، بل كانت إنسانية شاملة. فقد رأى في المظلومية الفلسطينية قضية يجب أن يتحرك لها الضمير العالمي. ومن وجهة نظره، ينبغي أن تُصبح فلسطين نموذجا لمقاومة جميع المظلومين للظالمين. فأي إنسان سليم الفطرة، مهما كانت ديانته، لا يمكنه تجاهل هذا الظلم الصارخ.
ولهذا السبب، نرى اليوم تظاهرات حاشدة تُنظم في الدول غير الإسلامية دعما لفلسطين، خصوصا في السنتين الأخيرتين، حينما بلغ الإجرام الإسرائيلي ذروته. وقد رفع أحرار العالم أصواتهم بالاحتجاج، وكل ذلك يعود إلى التأسيس الواعي الذي أطلقه الإمام قبل 46 عاما، والذي لا تزال أصداؤه مستمرة حتى الآن.
هناك من يعتقد أن وحدة المسلمين تجاه فلسطين لا تزال مجرد شعار؛ كيف نظر الإمام إلى هذا التحدي؟
الواقع أن بعض دول المنطقة، رغم ادعائها أنها دول إسلامية، لا تلتزم بواجباتها الدينية. وهذا من أبرز العوائق في سبيل تحرير فلسطين. فارتباط هذه الدول بالاحتلال الإسرائيلي وحماته، على المستويات الثقافية والفكرية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، يجعل من دعم فلسطين مسألة ثانوية لديهم، فلا تجد لديهم الإرادة الحقيقية للوقوف في وجه الظلم.
لكن هذا لا يجب أن يدفعنا إلى اليأس، بل يجب أن نواصل أداء واجباتنا بتفاؤل، ونعمق الوحدة بين الحركات والجماعات المناصرة لفلسطين، سواء عبر الأنشطة الثقافية أو التوعوية أو حتى عبر العمل الدبلوماسي والسياسي. لا ينبغي أن نتراجع، بل علينا الاستمرار حتى تُحقق الوحدة الفعلية في المستقبل.
في ظل الأوضاع الراهنة، ما الجوانب من فكر الإمام التي يجب إحياؤها والعمل بها؟
أهم ما في الأمر أن لا نستسلم لمشهد اليوم، مهما بدا مظلما، وألا نتوقف عن مقاومة الظالمين. يجب ألا نقف عند عدم تفاعل بعض الأنظمة، أو نسمح لهذا الواقع بأن يُضعف عزيمتنا. بل علينا أن نستمر بتوسيع جبهة الحلفاء والداعمين بكل الوسائل.
فالإمام الخميني لم يحصر المعركة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل رآها جزءا من شبكة أوسع بكثير، ودعا أحرار العالم إلى السعي لتحطيم هذه المنظومة، التي تُدار من خلف الكواليس على يد قوى الاستكبار العالمي.
من وجهة نظره، الاحتلتل الإسرائيلي هو رأس الحربة في قلب الأراضي الإسلامية، والقتال ضده هو أولوية إسلامية، لكن لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الرأس المدبر لهذه الشبكة هو الاستكبار نفسه، وهو العدو الحقيقي الذي يجب أن تتوحد ضده الأمة.