- شروق حسن
- 28 Views
- في ظل الجمود الذي يخيم على المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، ومع تعقد المشهد الإقليمي والدولي، أجرت وكالة “إيلنا” يوم الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2025، حوارا مع البروفيسور كرک دورسي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة نيوهامبشاير بالولايات المتحدة. في هذا الحوار يقدم دورسي تقييما لمستقبل التوصل إلى اتفاق، ويحلل دور الوسطاء، وتأثير التهديدات الإسرائيلية، والسيناريوهات المحتملة في حال فشل الدبلوماسية.
نص الحوار:
مع الأخذ في الاعتبار انعقاد خمس جولات من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، كيف تقيّم هذه الحوارات؟
المسألة الرئيسية للخلاف هي هل يمكن لإيران أن تستمر في تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يكفي لصنع سلاح نووي أم لا.
هذه المسألة طُرحت منذ بداية المفاوضات في عهد إدارة أوباما، الطرفان لا يتفقان حتى على مستوى التخصيب المنجز؛ حيث تقبل الولايات المتحدة بتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن إيران ترفضه، هناك قضايا أخرى أيضا، منها حصول إيران على صواريخ باليستية ودعمها لجماعات مثل حماس والحوثيين وحزب الله.

إلى أي مدى يمكن للوساطة العمانية في المفاوضات الجارية أن تسهم في حل الخلافات بين الطرفين؟
بالتأكيد، نوع من الوساطة ضروري، وعمان خيار مناسب بقدر أي دولة أخرى، هذا البلد لديه علاقات جيدة نسبيا مع الولايات المتحدة، وهو من بين الدول العربية القليلة التي لديها علاقات قريبة نسبيا مع إيران.
يمكن للوساطة أن تكون فعّالة، لكن القضايا بين الطرفين معقدة ومربكة لدرجة أنني أشك في قدرة أي بلد على سد الفجوة الحالية، ما لم يقم الطرفان في البداية بإعادة تقييم فهمهما لمصالحهما.
لقد انتقد المسؤولون الإيرانيون مرارا، خلال جولات المفاوضات الخمس، النهج المتناقض للمسؤولين الأمريكيين، كيف تقيّمون هذا التناقض؟
في معرض الرد على هذا السؤال، يتبادر إلى ذهني نقطتان، أولا، على مر التاريخ، غالبا ما كانت المفاوضات في الكواليس مختلفة تماما عما يتم تداوله في وسائل الإعلام.
وعادة ما يكون سبب هذا الاختلاف هو أن الأطراف المتفاوضة تحتفظ بأوراقها طي الكتمان، وهو ما يجعل التحليلات خارج المفاوضات قائمة في معظمها على الحدس والتكهن.
أما النقطة الثانية، فهي أن الإدارة الأمريكية الحالية تفتقر إلى الجاهزية اللازمة لإدارة دبلوماسية معقدة؛ وهذا الأمر يتجلى بوضوح ليس في الملف الإيراني فحسب، بل في قضيتي غزة وأوكرانيا أيضا.
على سبيل المثال، إن وجود شخص مثل ستيف ويتكاف في العملية الدبلوماسية أمر لا يمكن تبريره، لأنه من الواضح أنه يفتقر إلى القدرة اللازمة، كما أن وزير الخارجية، ماركو روبيو، منخرط في عدة مسؤوليات متزامنة داخل الإدارة.
والأهم من ذلك كله، أن الرئيس الأمريكي يفتقر هو الآخر إلى رؤية استراتيجية وفكرة متماسكة، وينصب جلّ اهتمامه على معرفة ما قد يعود به اتفاق محتمل من مكاسب شخصية.
ما هو تصوركم للسيناريوهات المحتملة للتوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة؟
في الوقت الراهن، لا أرى أفقا واضحا للتوصل إلى اتفاق، ليس لدى الطرفين أي نقاط مشتركة تقريبا، تماما كما كان الوضع سائدا في عهد إدارة بايدن.
المسؤولون الأمريكيون لا يثقون بادعاء إيران القائل بعدم رغبتها في صنع سلاح نووي، في المقابل، في تصوري أن الإيرانيين يعتقدون أن الولايات المتحدة قد عاملتهم بازدراء على مر السنين، ويتوقعون الآن أن يروا مؤشرا على حسن النية والموثوقية من جانب واشنطن.
مع ذلك، لا أعتقد أن لدى ترامب رغبة في الانخراط في حرب مع إيران، لكنه في الوقت نفسه قد قرر أن إيران يجب ألا تصل إلى القدرة على صنع سلاح نووي.
بقيت في ذهني مقولة للمؤرخ الأمريكي، والتر لافابر، عن عام 1898: «لم يكن ويليام ماكينلي يريد الدخول في حرب، لكنه كان يريد شيئا لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال الحرب. آمل ألا تنطبق هذه المقولة في عشرينيات القرن الحادي والعشرين”.
إلى أي مدى يمكن لاقتراح إنشاء كونسورتيوم إقليمي، بمشاركة بعض دول المنطقة، أن يساعد في حل الخلافات المتعلقة بتخصيب اليورانيوم وتقليل التوترات في المفاوضات النووية؟
أنا متشائم جدا حيال إمكانية توصل المملكة العربية السعودية وإيران إلى اتفاق بشأن المشاركة في إنتاج الوقود النووي؛ وذلك لوجود خلافات عميقة ومتجذرة بين البلدين.
تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيق مصالحها في منع إيران من حيازة سلاح نووي، لكن تفاصيل مثل هذا الاتفاق ستستغرق سنوات حتى تتضح وتُستكمل بشكل نهائي.
لا أعتقد أن أي دولة قد طبّقت حتى الآن مثل هذه الآلية للمشاركة في الوقود النووي، ولكن في ظل ظروف المنافسة الشديدة بين دولتين لهما تاريخ من التوتر، فإن احتمال تحقق مثل هذا الاتفاق ضئيل للغاية، خاصة وأن أيا من الطرفين لن يمتلك الثقة اللازمة في الآخر على المدى القصير.

بالنظر إلى التصريحات الأخيرة لدونالد ترامب بشأن قرب التوصل إلى اتفاق جديد، كيف تقيمون مستقبل المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة؟
لقد صرّح ترامب مرارا بأن أمام فلاديمير بوتين أسبوعين فقط ليقدم له تقريرا عن حرب أوكرانيا، هذه التصريحات تظهر أنه ليس مصدرا موثوقا لتحليل التطورات العالمية؛ ويعود جزء من هذا الأمر إلى أنه يوكل معظم الشؤون إلى المحيطين به، ويدخل بين الحين والآخر في القضايا والمفاوضات المتعلقة بها.
لذلك، لا ينبغي أخذ تصريحاته على محمل الجد، وإذا كان في هذه التصريحات نقطة جديرة بالاهتمام، فهي تهدف في الغالب إلى تهدئة مخاوف إسرائيل والسعودية، بالقول إن الولايات المتحدة تسعى للتوصل إلى اتفاق مع إيران وعليهما التحلي بالصبر.
لقد أعلنت إسرائيل صراحة أن أفضل وسيلة لمواجهة برنامج إيران النووي هي الهجمات العسكرية، في حين تفضل الولايات المتحدة استمرار المسار الدبلوماسي، هل يمكن لتهديدات إسرائيل أن تعرقل مسار المفاوضات؟
من منظور دبلوماسي، يمكن لوجود تهديد عسكري خلف المفاوضات أن يساعد في دفع المحادثات قدما.
فعندما لا يوجد تهديد باستخدام القوة، أي دافع يتبقى لدولة ما للجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ إن العقوبات الاقتصادية وحدها لا تكون كافية عادة، في الواقع، لقد لفت الإيرانيون الانتباه الدبلوماسي لأن التهديد ضد جيرانهم، وخاصة إسرائيل والسعودية، كان مطروحا على الدوام خلال هذه السنوات.
بدون هذا التهديد النووي، من المحتمل أن الولايات المتحدة لم تكن لتسعى أبدا إلى التفاوض في عامي 2014-2015 أيضا، بالطبع، إن وجهات نظر إسرائيل والولايات المتحدة متقاربة، لكنها ليست متطابقة تماما.
من المحتمل أن تتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق لا تقبل به إسرائيل، وفي هذه الحالة، قد تُقدم إسرائيل بنفسها على عمل عسكري، لكن يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تدرك جيدا أن الهجوم العسكري لا يمكنه تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية بشكل كامل.
تحدي مراقبة برنامج إيران النووي ومواقف طهران تجاه حضور مفتشين من دول مختلفة
ما رأيكم في احتمال قبول مفتشين أمريكيين في المنشآت النووية الإيرانية؟ وما التأثير الذي يمكن أن يترتب على مثل هذا الإجراء بالنسبة لسيادة إيران الوطنية وحقها في تخصيب اليورانيوم؟
إن النقاش حول وجود مفتشين أجانب يعود إلى عقود مضت، ولا يقتصر على البرامج النووية أو الأسلحة النووية، وبالتالي فإن هذا الاقتراح لا يُعتبر أبدا غير اعتيادي أو تهديدا للسيادة الوطنية.
في رأيي، يمكن لالولايات المتحدة أن تقدم مفتشين موثوقين من دول ثالثة، وهذا الأمر ليس بالمهمة المعقدة، لكن السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت إيران مستعدة للسماح لهؤلاء المفتشين، الموثوقين من قبل الولايات المتحدة، بدخول أراضيها أم لا.
في حين يسعى دونالد ترامب إلى اتفاق قوي مع إجراءات مراقبة صارمة، تؤكد طهران الحفاظ على حق تخصيب اليورانيوم على أراضيها، هل يمكن التوفيق بين هذين الموقفين؟
نعم، يمكن التوفيق بين هذين الموقفين. يمكن لطهران أن تواصل تخصيب اليورانيوم، شريطة أن يشرف على هذا البرنامج مفتشون تثق بهم الولايات المتحدة أيضا، في الواقع، إذا كانت إيران تسعى إلى اتفاق ولا ترغب في صنع سلاح نووي، فيمكنها بسهولة السماح لفريق من المفتشين من دول مختلفة مثل الهند وباكستان أو الصين وفرنسا بالتواجد في هذه المنشآت، لطمأنة جيرانها بأن برنامجها النووي له أهداف سلمية.
في حال عدم التوصل إلى اتفاق، ما الذي ستكون عليه السيناريوهات المحتملة لمستقبل برنامج إيران النووي ووضع التوترات الإقليمية؟
هناك سيناريوهات مختلفة مطروحة، لكن في رأيي أن أكثرها احتمالا هو أن يتم الإعلان يوما ما عن قيام إيران بإجراء تجربة لسلاح نووي، مثل هذا الحدث يضع أمام الولايات المتحدة وإسرائيل خيارات متعددة، يمكن أن يشمل الكثير منها عملا عسكريا، في أسوأ الحالات، من المحتمل أن يدفع هذا الأمر بالمملكة العربية السعودية نحو صنع سلاح نووي.
السيناريو الآخر هو أن تعلن إيران بشكل علني أنها على وشك حيازة سلاح نووي، لكنها مع ذلك تحتفظ بحقها في القيام بذلك، نحن الآن قريبون جدا من هذه المرحلة.
الخيار الثالث هو أن تتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى سلسلة من التفاهمات، من بينها قبول مفتشين دوليين، شريطة أن تتخلى إيران عن برنامجها للتسلح النووي.
رغم كل هذا، لا أعتقد أن إسرائيل ستدخل في حرب، مع أنني أعتقد أنهم يعرفون نقاط ضعف البرنامج النووي الإيراني ويدركون أين يجب أن يوجهوا الضربة لإيقاف البرنامج أو تأخيره.
كيف تقيّمون غياب روسيا، والصين، وبشكل خاصٍّ أوروبا، عن المفاوضات الجارية؟ وهل يوجد احتمال لانضمام هذه الدول إلى مسار المفاوضات في حال التوصل إلى اتفاق أولي بين إيران والولايات المتحدة؟
يبدو أن هذه الدول لديها رغبة كبيرة في الانضمام إلى أي اتفاق؛ لأنها جميعا تريد السيطرة على برنامج إيران النووي ومراقبته، مع ذلك، يجب التأكيد على أن وجهة نظر هؤلاء اللاعبين الدوليين المهمين ليست متوائمة مع الولايات المتحدة، وهذا التباين ناجم إلى حد كبير عن الإدارة غير الفعالة للعلاقات الخارجية من قبل إدارة ترامب مع حلفائها ومنافسيها.
ويُعتبر هذا الوضع تحديا جديا في مسار تحقيق إجماع عالمي حول الملف النووي الإيراني.
بينما تؤكد أوروبا حماية مصالحها في هذه المفاوضات، يعتقد المسؤولون الإيرانيون أن أوروبا قد أضاعت فرصا كثيرة للتوصل إلى اتفاق مع إيران في الماضي، ما تقييمكم لهذا النهج الأوروبي؟
يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات هيكلية للتوصل إلى سياسة موحدة، خاصة وأن العديد من الدول الأوروبية أعضاء في الناتو ومجبرة على التحرك بالتنسيق مع سياسات الولايات المتحدة.
وفي الوقت الحالي أيضا، ينصب التركيز الرئيسي لأوروبا على حرب أوكرانيا، وليس على الملف النووي الإيراني، على الرغم من استياء مسؤولي طهران من أداء أوروبا، إذا كانت إيران تسعى للتوصل إلى اتفاق، فيجب عليها التعامل مع تلك الدول الأوروبية التي لديها الاستعداد والرغبة للوساطة أو التعاون.
في الوقت نفسه، الحقيقة هي أن أوروبا لا تتمتع بالقوة الكافية للمضي قدما في مسار مستقل عن الولايات المتحدة ولا يمكنها الصمود بفعالية في وجه سياسات واشنطن.
ما الدور الذي تلعبه آلية الزناد في مفاوضات إيران والولايات المتحدة، وما تأثير وجودها أو حذفها على مسار الاتفاق أو عدم الاتفاق بين البلدين؟
صُممت هذه الآلية كأداة للعودة التلقائية للعقوبات لضمان التزام إيران ببنود الاتفاق، بالنظر إلى السوابق وحساسية الموضوع، من المستبعد أن يتشكل اتفاق جديد لا يُدرج فيه نوع من آلية الزناد، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق، فمن المرجح أن يتم تضمين نسخة من هذه الأداة الرادعة فيه.
صُممت آلية الزناد في البداية بهدف إنشاء ضمانة تنفيذية؛ هذه الآلية تلعب عمليا دور أداة رادعة، ولهذا السبب، حتى في حال التوصل إلى اتفاق جديد، فمن المحتمل جدا أن يتم إدراج نوع من هذه الآلية في نص الاتفاق، في الواقع، من المستبعد أن يكون التوصل إلى اتفاق ممكنا دون وجود نسخة من «الزناد»، لأن الأطراف الغربية تعتبرها شرطا لضمان التزام إيران بتعهاداتها.
بالنظر إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018، ما هي الضمانات والآليات التي يمكن إدراجها في اتفاق محتمل جديد لمنع تكرار مثل هذا الوضع؟
من الطبيعي أن ترغب إيران في الحصول على نوع من الضمان، لكن الحقيقة هي أنه ليس من الواضح أي نوع من الضمانات يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه ويكون مقبولا من وجهة نظر إيران.
في الأجواء الحالية، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة مجددا، لا يمكن الاطمئنان إلى أنه سيلتزم باتفاق ما أو أنه سيتمكن من حشد دعم الكونغرس له.
إن الأجواء السياسية في الولايات المتحدة شديدة الاستقطاب والتوتر، وهذا الأمر تحديدا قد أضعف بشدة إمكانية الحصول على دعم متزامن من الجناحين الرئيسيين لاتفاق مع إيران، النقطة المثيرة للاهتمام هنا هي أن ترامب قد يحاول في النهاية إحياء الاتفاق النووي نفسه تحت مسمى مختلف؛ وفي مثل هذه الظروف، إذا كان الاتفاق يصب في مصلحة إيران، فمن الأفضل لطهران أن تقبله بذكاء.